أسعد عرابي التعبيري المسبوق بجمال متشنج | فاروق يوسف | صحيفة العرب
أسعد عرابي.. أبعد من ثنائية التشخيص والتجريد

الترحال فوق صهوة الحلم عند المبدع #أسعد_عرابي..جدلية النقد والتشكيل..- بقلم المصور: فريد ظفور

– تحت لهاث سحابة فنية من البرد..خانقة وثقيلة تهب الرياح النقدية..تفوح الروائح المعتقة بنبيذ الإبداع..صرير بوابة التاريخ في الحقول حيث ينمو القمح المعرفي..أرغفة تنور ريفية..وعذابات القلب المكتومة..تشرق فيها الشمس قرص قرمزي اللون فوق خليط من جبال الدخان الرمادية المكللة بالزرقة..

  • قلبي مملوء بالأسئلة وكله شجاعة ..أيها المبدع أين أنت الآن فقد إفتقدناك من الساحة الثقافية العربية..حيث كان الليل معتماً وشديد البرودة..وآثار حوافر خيلك النقدية تعدو عميقاً في هذه الوحدة الإغترابية الليلية ..شفقتي بلا حدود على المهاجرين فهم كمن تلقى الطعنة أو كطريح العلة..رحيلكم أو ضربكم في البلاد لابهجة فيه دون إبداعكم..لأنه مرير طعم خبز الغربة..نحن نعرف بان مصيرنا هو الراجح في الميزان..وأننا صانعوا التاريخ..فقد آذنت ساعة الجرأة أخيراً ولن تخذلنا الشجاعة أبداً..وإننا لانخاف الموت أينما دمدمت الرصاصات الطائشة والمتوحشة..ولا نبكي البيوت المتهدمة..لأننا سوف نحفظ راية الفن والأدب والثقافة بين ضلوعنا..إلى الأجيال الجديدة وسيبقى الأدب والفن طليقاً من كل قيد إلى الأبد..وسوف نقيم تذكاراً من الحجر الأبيض لليوم الذي نبدأ الغناء فيه من أجل النصر على ظروفنا..حيث عبرت أشعة الشمس دروبنا الثقافية تبشر بساعة النصر والحرية للمبدعين..
    -الطيور المهاجرة تتهاوى من بيوتها العالية حيث تنتزع في طريقها على مضض الأوراق الناحبة..وتدحرج بحفيف حتى مغيب الشمس الشاحب وترتفع من الأرض بخفة..هناك يقبع مستلقياً مع كتل الإسمنت الكبيرة المقطعة النامية بخشونة وملاسة..التي طال عليها الزمن..لترافقه الوحدة مثل سراج جاف غائص في مؤخرة دابته..حيث شاطيء البحر المتوسط وكآبته يتموجان بنحيب هنا وهناك..وما وراء كتلته الزرقاء بعيداً بعيداً..تحلق طيور النوارس ناعقة حتى تلك الحدود الفاصلة عن الوطن وحيث لا تجد الصخور لتستريح من خفقان أجنحتها في الغربة..
    كل شيء كان بلون برتقالي..كل شيء كان كثمرة لم يستطع ضوؤها الغامض أن ينضج..
    خلال ما يقارب النصف قرن من الزمن الذي نذر الفنان والناقد أسعد عرابي نفسه للذود عن حياض الفن والأدب في بلاد العم سام..وحكايته يمكن أن تقرأ على مستويين يرتبط أحدهما بالآخر..إنه يتبع مره الوصف والنقد المتسلسل وحتى عندما يتوقف الزمن أحياناً..ولم يعد يرجع في مجرى الزمن إلى الوراء…ومرة كحكاية تشتمل على نقطة تحول كلاسيسكية ..الإقتصاد في بناء المفردات الجديدة..ويختمها بلغة المسرح بالتطهير..برؤية سريالية..لا تجعلنا نتفق فيما إذا حصل ذلك في حلم الناقد أم في واقع التموين والتشكيل الفني عند الفنانين..واحياناً نقرأ أعماله كما لو أنها قصيدة مكونة من عدة أبيات من الشعر..كل منها يتفرع عنه أبيات ..وكأنه ليس بينهما أي تواصل أو إستمرارية وبعضها يسيطر عليه بقوة الصورة البلاغية والتكوين الوصفي البصري ..كما أن الفنان والناقد وضمير الأنا هما حالة واحدة تقريباً وظيفتهما الوصول إلى إيجاد روابط خارج حدود إمكانية الفنان الناقد البلاغية على صعيد البحث عن خلق جسور بين المتلقي والعمل الفني وخارجاً عن جميع التقاليد للإنسجام مع ذاته والعالم الإفتراضي الرقمي وفضاؤه الرحب..
  • تكمن مشكلة المشاكل.. في كل فن وأدب بإستخدام الظواهر والرموز لإنتاج شبه لحقيقة أسمى..ولعل الوظيفة الإجتماعية للفن والأدب هي إيقاظ الإحساس بالحق والخير والجمال..عند كل فرد ومواطن في المجتمع مهما كان مستواه التعليمي أو الفني أو الحضاري .ومن خلال ممارسة الفنون والأدب نستطيع إكتساب حياة أفضل..ولعل العنصر الإجتماعي الحقيقي في الأدب والفن هو الشكل..والنظرية التي يركن إليها النقاد والتي تحدد المسائل الهامة القابلة للتقييم في الفن والأدب معتمدين على الأساس الجمالي والثقافي والنفسي..فالجمالي يعتبر هو البناء الشكلي الذي يأتي ملبياً للحاجة الإنساتية للأفراد..كالتمتع بما هو جميل وأنيق..وأما النفسي فهو الجانب الذاتي المستقل الذي يتدخل في تأليف الشكل. وأما الثقافي فهو العناصر التي يفرزها المجتمع ويختار منها الفنان أو الأديب مواد عمله على اساس أن الأدب أوالعمل الفني عموماً يؤلف في مجتمع خاص وخلال فترة زمنية محددة..والجانبان النفسي والجمالي يعودان للإرتباط بأوضاع ثقافية..ولعل دور الجمال المتعلق بالأدب والفن..لأن الغرض الذي يهدف إليه الفن بجميع أطيافه ومشاربه وأنواعه هو أن يكسب جزءاً من مادة نسغ الحياة الخام..شكلاً ذاتياً وحياتياً..والإسلوب لايعني الخاص كما لايعني الكلي إنما هو خاص يسعى إلى الكلية أو كلي يتوارى ليتحول إلى حرية فذة..وأيضاً وظيفة الأدب والفن الأولية هي الوظيفة الوحيدة التي تقدم له مقدراته الفريدة..وإنها تلك الإمكانية في تجسيد الحياة الغريزية الخاصة بأعمق مراتب العقل البشري ..وهكذا دواليك بهذه الطريقة المرتبة تفترض كون العقل جماعياً في تمثيله الصوري..ذلك لأن الأديب أو الفنان قادر على إعطاء أشكال مرئية لهذه الصورة الذهنية الخيالية غير المرئية ولديه القدرة على تحريك مشاعرنا كقراء ونظارة بعمق..
  • لعله من نافلة القول بأن كل فنان أو أديب مزود بقدرة غير عادية من الحساسية والمعرفة والمقدرة على نقل المشاعر ..مقدرة لايمتلكها أغلب الناس العاديين..ولدى الفنانون الرؤية والنفاذ والتعلم إلى أقصى حد..وهم معلمون ماهرون..ولعل ردود فعلنا عند سماعة مقطوعة موسيقية أو سماع نص شعري أو مشاهدة لوحة تشكيلية أو صورة ضوئية..نقول هذا ما كنا نشعر به أو نفكر فيه دائماً ولكننا لم نكن قادرين على أن نصوغ هذا الإحساس في كلمات أو جمل لأية مقطوعة أو لوحة ..حتى ولا لأنفسنا..وحده الدكتور أسعد عرابي..وأمثاله يعرفون كيف يوجهون دفة العجلة الفنية الإبداعية وعصا قيادة الطائرة النقدية الفنية..وأن يكشف عن أثر الذاتية في الفن بجانبين بأن الفن رغم ذاتيته يهدف لإشراك أكبر عدد من الناس في التمتع بالأثر الفني..لأن الآثار الفنية الرائعة هي التي تظفر بإستجابات أكبر شريحة من الناس ..وثانيها بأن الذاتية لكي تحقق الموضوعية الفنية..تتأتى من توغل الفنان أو الأديب في أعماق الإنسان..ورغم كل التباينات بين البشر فإن فينا إنسان واحد يتمثل بالمخلوق المحدود الطاقات اللامتناهي الرغبات والنزعات..ولكن الفنان وحده القادر على التعبير عنها..حتى ولو كان منعزلاً في بيداء أو فوق جبل..لأن الفني هو تعبيراً أو إدراكاً أو خلقاً هو حصيلة إتحاد ذات الفنان بالعام الخارجي والباطني معاً..وكذلك تعبير عما يوجد بالقوة أو بالفعل في نفوس الغير….وبعض النقاد قال بأن الفن أسمى صورة تظهر لنا فيها الحقيقة وذلك لأن الفنان أو الأديب بعمله الفني قادر على أن يزيل التناقض بين الذات والموضوع أو بين الروح والمادة..والخيال هو القوة التي تخلق مبدأ التوفيق بين المتناقضات..وبذلك ندلف للقول بأن الذاتية شرط أساسي لتفوق الفنان أو الأديب وتميزه وبلوغه درجة الأصالة الموسومة من سمات الإبتكار في العمل الفني..
  • تغير الزمن وتطور عجلة الحياة وبتنا نستيقظ على حدث وإختراع وإكتشاف وتطورت العلوم والمعارف وأضحى الوقت هو العامل والمقياس الأهم في تطور الشعوب..وعقارب الزمن لا ترجع للوراء وهكذا تمر أيام عمرنا وشهوره وسنواته..وهكذا بدأت حكاية المبدع الدكتور أسعد عرابي..تشرب الفنون والحضارة من بلاد الشام بين لبنان وسورية..وعرف الأصالة والبيوت الدمشقية والحارات القديمة وعبق النارنج وشذى الياسمين الشامي منذ نعومة أظفاره..وبعد أن تراكمت لديه معلومات ومخزون معرفي بصري من الشرق ..غادر كما السنون المهاجر ليكمل مشواره الفني وتحصيله العلمي ..ومن ثم ليكمل مشوار حياته في باريس عاصمة النور..وعاصمة الموضة والثقافة والفن..فمنذ ما يقارب النصف قرن من الزمن وهو يقدم تجاربه البصرية وتكويناته الضوئية واللونية عبر محاضرات ومعارض وندوات ومناقشات وورش عمل ليتجول ويجوب بها بلدان كثيرة ..ولم تغادره لحظة ذكريات الطفولة والشباب وايام ستينات وسبعينات القرن الماضي ..زمن الفن الجميل..فقد بلور تلك الذكريات بمعارض كلثوميات تميناً بسيدة الغناء العربي أم كلثوم وفرقتها الماسية بقيادة أحمدد فؤاد حسن..وأيضاً بعض رموز وفناني تلك الفترة أمثال عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ونجاة الصغيرة ومحمد عبد الوهاب وشادية..وغيرهم ممن تربعوا عرش الأغنية في مصر والوطن العربي.. ويعتبر الدكتور عرابي المبدعين والمفكرين هم البنية التحتية الحقيقية لبناء صرح الحضارة والثقافة..و يركز بأعماله على تناول الموضوعات المتصلة بحضارات بلاد الشام..الأوغاريتية والفينيقية السورية والحضارات البابلية والاشورية العراقية القديمة ..وصولاً إلى الحضارة الإسلامية، وتتنوع أساليبه التعبيرية، بحيث تدرّج أعماله ما بين الواقعية و التجريد..
  •   ولعله من أكثر الفنانين والأدباء  الذين يهتمون بواقعية الأمور مع الخيال الخلاق والإحساس الفني المرهف والدقة في الوصف والتعبير بإحساس صادق وشفافية ويترجم الواقع الحزين الأليم والمليء بالتناقضات والمعاناة.. ليضيف إليه المضامين الجمالية الإنسانية و يتخذ الدكتور عرابي الواقعية والإحساس بشكل مميز ويجعل المتلقي أو المشاهد لأعماله ولوحاته أو القاريء لكتاباته ..بأن يكون ضمن تكوينات وأحداث تشكيلاته ولوحاته.. حتى ليريح النفوس ويبعث فيها بارقة الأمل لكي تتمسك بالحياة. ويملك المبدع عرابي ملكة ساحرة وإبحار عميق في بحور الفنون و عوالم التجريد والواقعية والرمزية.. وإبداعه دائماً يترجم أدق الأحاسيس وبالفرشات والألوان ليتشارك مع عشاق فنه ومتابعيه بكل أنة وآهة .. وبأسلوب نقدي أدبي وفني رخيم و فخم وبكل تضحية وعطاء فكري وإنساني .ودونما مقابل ..لأن الأدباء والفنانين هم شاهدي وحراس التاريخ وهم مرآة المجتمع وإنعكاس معاناة الناس في الأفراح والأتراح..

وهكذا نصل محطتنا الأخيرة في تسليط الضوء على قامة فنية عربية وعالمية قدمت للفن التشكيلي الكثير ولساحة الكتابة النقدية الأكثر..مما جعلنا كمتابعي لأعماله أمام حديقة وارفة الظلال الفنية والأدبية ومتنوعة الثمار المعرفية التي سيجد فيها الدارسين من شبابنا بغيتهم كما يجدون فيها المتعة والتذوق الجمالي العالي..وهكذا يمضي بنا الدكتور السوري الفرنسي المبدع أسعد عرابي. بالترحال فوق صهوة الحلم مقدماً لنا..جدلية النقد والتشكيل بلغة عصرية تليق بعصر الأنترنت الذي نغوص  في بحور منصات مواقع التواصل الإجتماعي والعالم الرقمي المتسارع..

** بقلم المصور: فريد ظفور – 18-10-2020م

ـــــــــــــــــــــ ملحق مقالة الدكتور أسعد عرابي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حنين» أسعد عرابي.. لوحات تغنّي كلثوميات - حياتنا - جهات - الإمارات اليوم

“Mourning” Mixed Media on Canvas, 46 x 27 cm. 1997

أسعد عرابي

Biography

ولد عام 1941، وهو مقيم في باريس منذ عام 1975. تخرج عرابي في كلية الفنون الجميلة في دمشق، قسم التصوير الزيتي عام 1966، وتابع دراساته العليا في باريس ليحصل على الدكتوراه في علم الجمال والفن من جامعة السوربون عام 1987. كتب عن تجربته العديد من النقاد وله دراسات نقدية ومداخلات في مؤتمرات فنية باللغتين العربية والفرنسية. أقيمت له معارض فردية عديدة في دبي والقاهرة وبيروت ودمشق وباريس وروما، بالإضافة إلى مشاركاته الجماعية في الإسكندرية وساو باولو وباريس ولندن وبرشلونة والقاهرة، وتقتني بعضَ أعماله عدةُ متاحف عربية وآسيوية وأوروبية. يركز عمله على تناول موضوعات متصلة بالحضارات المحلية، من الحضارات القديمة إلى الحضارة الإسلامية، وتتنوع أساليبه التعبيرية، حيث تدرّج عمله من الواقعية إلى التجريد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عرابي: نحن نعيش فترة تغيير المفاهيم - حياتنا - جهات - الإمارات اليوم
أسعد عرابي ينقل صوت أم كلثوم من المسرح إلى اللوحة التشكيلية - ديارنا -  ثقافة - البيان

التشكيلي السوري أسعد عرابي: للذاكرة نصيبها أيضاً من القتل

27 – أبريل – 2017م

أسعد عرابي.. أبعد من ثنائية التشخيص والتجريد

 راشد عيسى 

باريس- القدس العربي : يذهب الفنان التشكيلي أسعد عرابي في أعمال معرضه الأخير في باريس إلى الموضوع السوري، إذ يعالج، تحت عنوان «الساكن والمسكون»، موضوع «البيوتات السورية التي دمرت على أصحابها»، وكما يشي العنوان، فإن أبطال لوحاته هم الساكن الذي قُتل، والحصن الذي سقط فوقه، فأصبح كل منهما شهيداً. والبيت، على ما يقول الفنان لـ «القدس العربي»، «لا تسكنه عائلة واحدة بل أجيال، وبالتالي فإن للذاكرة أيضاً نصيبها من القتل». يؤكد عرابي «أننا تأخرنا حتى فهمنا أننا مقبلون على مأساة. قبل أشهر فقط من آذار 2011 كنت في دمشق، أحسست أن الجو غير طبيعي، شعرت بالفوضى. كان لي ركن في دمشق أسميه الجنة، كان من المستحيل أن يخطر ببالي أنني كنت أمرّ بين كل هؤلاء القتلة في الطريق، أولئك المجرمون الذين ظهروا في لوحاتي وتمثّلوا بالغراب كي لا يلوّثوا اللوحة».

لا يرى عرابي أن التدمير الذي نراه اليوم هو وليد الصدفة، فقد بدأ «منذ ستينيات القرن الماضي، حين بدأ تدمير النسيج الدمشقي عدة مرات فقضى على أكثر من ثلث المدينة ما بين حيي العيبة وسوق ساروجة، ثم استمر التدمير بشكل خجول ومبطن، وذلك بتغيير وظائف الأوابد التاريخية الثقافية عن طريق تحويلها إلى مواقع سياسية أو سكنية همجية، وعدم منع الشاحنات من التوغل في أزقة رهيفة، ناهيك عن التلوث والضجيج. ألا ترى معي أن ما جرى بخصوص مصائر المدن السورية هو استمرار لنفس العبث غير البريء الذي يعيد مقولة ابن خلدون مرة ثانية، أن المدينة تتحول من فاضلة، وفق الفارابي، إلى فاسدة، لأن أول ما يفسد فيها هو العمران».

الحرب بنظر الفنان كانت قد بدأت من قبل، وهو رأى دائماً نذرها المبكرة «من مؤشرات الحرب التخلف الفني، تخلف الموسيقى والتصوير. واحدة من وزيرات الثقافة افتتحت ذات مرة معرضاً تشكيلياً بنظارات سوداء. هذا من مؤشرات الحرب. كيف صارت هذه وزيرة من الأساس؟».

يعتبر عرابي أن «المبدعين والمفكرين الذي غادروا البلد هم البنية التحتية الحقيقية». لا يتحدث في السياسة بشكل مباشر، وإن كان يؤكد أن «الفنان لا يستطيع أن يكون على الحياد»، يقول «كل من شارك بقتل الشعب السوري هو مجرم. على الأقل هناك طرفان. من جاء بمقاتلين من باكستان أو أفغانستان ماذا يمكن أن تسميه! وأساساً من اعتبر نفسه معارضاً لماذا دخل أصلاً إلى  حلب. أنت بذلك تعطي مبرراً لقصف الطائرات، وإن كان هذا لا يمكن تبريره».
وعند سؤاله عمّا فعلت الحرب بلوحته استشهد عرابي بما كتبه الشاعر اللبناني عيسى مخلوف في تقديمه للمعرض «لاحظ مخلوف برهافته الشعرية أن العنف مجبول بصيغ الأداء الفني في المعرض. بمعنى أوضح أن سلوك الفرشاة مأزوم، والعلاقات اللونية متناحرة، وبالتالي فإن الكمون الدرامي شديد الوطأة».
أما كيف تكون الحرب قاتمة ودموية إلى هذا الحد، فيما اللوحة مرسومة بألوان زاهية كألوان عرابي فيقول الفنان «أشير إلى توازن نسبي، اللوحات ليس مجرد شاهد على ما يجري من حروب، اللوحة عندي انعكاس للحياة. مهما كان الوضع مريراً تبقى الحياة هي الأساس. هذا التناغم بين اللون والخط يشكل غريزة في اللوحة، مهما كان الموضوع شاهد حداد أو مأتم أو حزن. الفنان المريض مثل فان غوخ يجب أن يذهب إلى مشفى كي يتداوى. المشاهد يطلب من اللوحة نوعاً من الشفائية، أو الطوبائية المسالمة. وصية ماتيس تؤثر بي: كثير من الهموم تنغص علينا حياتنا فلا تحتاج اللوحة لأن تزيدنا غماً، ناهيك أن هناك فرحاً مبتذلاً عاهراً، وهناك غبطة ذوقية رهيفة تبعث على الاطمئنان وهو البديل عن الحرب. إذاً اللوحة شاهد على المأساة وبديل عنها».
كذلك من اللافت في معرض عرابي أنه يحرص على إعطاء عناوين للوحات، «رؤوس الأطفال»، «النزوح بدون أزواج»، «أليس في بلاد المنفى»، «الساكن خارج السكن»، «الرحلة الحزينة»، «اغتصاب على طريق المنفى»، «ثانية واحدة قبل القصف»، «القصف الأعمى»، المدينة المهجورة».. وهو يفسر ذلك بالقول «أنا أعتني بالعنوان.
اللوحة مشروع فكري، حتى لو كانت عبثية. لا أحب إطلاق أرقام على اللوحة. العنوان يصبح تالياً جزءاً من ذاكرة المتلقي».
ولدى سؤاله عن مدى مواكبة الفن التشكيلي السوري للثورة التي اندلعت في البلاد قال عرابي «الحرب كانت امتحاناً لتقدّم الفن التشكيلي في سوريا. هناك بعض الفنانين شهادتهم عن الوضع فيها أصالة. أحدهم ياسر صافي. إذا تأملنا شغله الآن نرى النكبة السورية، تلك التي كانت إيجابيتها الوحيدة إنجابها لهكذا أساليب. صافي طفرة استثنائية بتاريخ الحرب، موضوعات الحرب التي جسّدها خلقت له أسلوباً نستطيع تسميته بأسلوب ما بعد الحرب».
ويضيف عرابي «الفنان الثاني هو وليد المصري، الفنان الذي يصنع من أكفان الأطفال شرنقات حرير. أليست هذه عبقرية؟ وهل كان يمكن أن يخطر ذلك على البال لولا الحرب!». لكن الفنان لا يقتصر على الفنانين من جيل الشباب، فهو يتطرق إلى مثال آخر من كبار المكرسين على خارطة التشكيل السوري «انظر شغل يوسف عبدلكي، كان أهم فنان في آرت باريس 2017. كان مدهشاً، أعجبتني جداً مشاهده المستقاة من الحرب».
واستطرد عرابي متحدثاً عن الفنان عبدلكي «يوسف ابتداءً من اللوحات العارية التي رسمها في دمشق ارتفع مستواه كثيراً. فماذا يهمني من الرأي السياسي؟ تلك اللوحات العارية أهم ما عمله يوسف في حياته. أنا أتحدث عن شرعيته الفنية لا السياسية. يوسف موهوب جداً وظلم جداً حين عاملناه كمناضل سياسي».

وهنا يقارن الفنان أداء الفن والفنانين التشكيليين بنظرائهم في اختصاصات إبداعية أخرى، فعلى مستوى الأدب «ليس هناك أديب بمستوى فاتح المدرس مثلاً. وبالنسبة للموسيقى كان هناك مواهب مهمة مثل السراج، لكن قضي عليها في مهدها.
الأدب كان مسيطراً عليه لأنه مسيس ومشترى. لم ينج إلا زكريا تامر ومحمد الماغوط». ويختم عرابي، الذي يستمر معرضه هذه الأيام في غاليري موازان في باريس، بالقول
«كانت فكرتي أن يقام هذا المعرض في دمشق كي يراه هناك من يعاني القصف والصواريخ، ومن ثم يتنقّل، لكن صالات العرض لم تقبل. يتذرعون بأنهم يحبون شغلي الأقدم.

حنين» أسعد عرابي.. لوحات تغنّي كلثوميات - حياتنا - جهات - الإمارات اليوم
9 تشكيليين رسموا الست.. تلوين صوت الزمن
أسعد عرابي التعبيري المسبوق بجمال متشنج | فاروق يوسف | صحيفة العرب
جريدة الجريدة الكويتية | أسعد عرابي... رحلة «العودة إلى التجريد»
المدن - أسعد عرابي لـ"المدن": اكتشفتُ باكراً مؤامرة تدمير دمشق

روافد | أسعد عرابي - الجزء الأول

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.