‎Issam Hajjar created a ‎مستند‎.‎

Issam Hajjar

تاريخ التصوير الضوئي والتوثيق الأثري و الإنساني في سورية الجزء الاول 1860-1960 سعد بشير فنصة
بالرغم من أن عنوان هذا البحث يؤرخ لمرحلة قرن من الزمن ويستعرض أرشيف الآثار والأوابد والقطع المتحفية السورية، فإن واقع السطور القادمة قد تسهم في الكشف عن أهمية أكبر مما قد يبدو من هذا العنوان.. هذا من جانب، أما الجانب الآخر والذي كان مغفلاً دائماً أنه يمثل بوثائق بصرية صوراً وأعمالاً سجلها مصورون مجدون لأناس وعمال وآثريين ومهندسيين وفنيين سوريين ،عرب وأجانب، من بلاد مختلفة، شرقاً وغرباً، رافقوا حماية وكشف أكثر الأوابد الأثرية إثارة للتفكر والإبداع، وإنتاج المعرفة التاريخية المفترضة عبر العصور، كما يحاول هذاالنص أن لا يقف عند حدود توثيق الأثر التاريخي فحسب.
البدايات..
من مسائر الصدف أن أكون في بداية الثمانينات، وخلال دراستي الجامعية أن أكلف بحلقة بحث دراسية يكون موضوعها “مجمع اللغة العربية” (1) الذي أنشىء بالقرب من المسجد الأموي بدمشق عام 1919 في المدرسة العادلية الشهيرة والتي عرفت من خلالها، أن هذا المجمع قد أسس نواة أول متحف في دمشق آنذاك، من خلال إهداءات ”لأسر السورية ومقتنيات أهلية، وأفردت في أحدى قاعاته مجموعات من القطع الأثرية النادرة كي تتاح للناس والعامة فرصة زيارته، نقلت فيما بعد إلى متحف دمشق الحالي بتوسعاته المتتالية خلال الأعوام 1936،1953 وحتى عام 1962.(2)
في التوسع الأخير لمتحف دمشق عام 1962 أنشىء قسم للتصوير حفظت في خزائنه مجموعات الصور التوثيقية في ألبومات ضخمة يبلغ تعدادها ثمان وثلاثون ألبوماً نقلت صورها بطريقة الطبع التلامسي CONTACT لأكثر من خمسين ألف سلبية بالأبيض والأسود مؤرشفة ومرقمة، سنأتي على تفصيلها لاحقاً، تضم الذاكرة الأثرية للأرض السورية بلا منازع بدءاً من الخمسينات- تعود بعضها إلى فترة الثلاثينات – وحتى عام 1990، تناوب على تصويرها مصورون وآثارييون كثر كان أبرزهم مصوران محترفان هما أحمد القرملي ( 3) ومروان مسلماني(4).
وإذا رجعنا أكثر إلى الوراء .. في بدايات أعمال التصوير وليس الأرشفة ،قد نجد صوراً متفرقة قام بها رحالة مستشرقون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما زار المشرق السوري فنان ومؤرخ الكاميرا الشهير ” بون فيس” (5) عام 1860 واستقر لسنوات هو وعائلته في بيروت حتى ورث أبنه ” أدريان”(6) مهنة أبيه، وتابع تقلد خطاه حتى حتى عام 1895.

ظهر مصورون محليون هواة ومحترفون.. في بداية القرن العشرين، كـ “صابونجيان” و “حكيم” (8) وغيرهم ممن أطلق عليهم في الغرب بمهووسي التصوير، وكان لشرق المتوسط كما أطلق عليه الأديب الكبير” عبد الرحمن منيف” في روايته التي تحمل ذات الاسم نصيب من الصور الغزيرة والجميلة لمعالم طبيعية وإنسانية وعمرانية بتنا نفتقدها اليوم بإحساس ” النوستالجي” لعالم غائب تعيد إحياؤه في بعض الصور القديمة.

ومن بين الصور الوثائقية الهامة التي يصعب الحديث عنها.. لا لشيء سوى أنها تتحدث عن نفسها كما يقال بألف كتاب.. صور ” جورج درزي” المصور الدمشقي المحترف والذي لم تكن صوره عن الآثار السورية سوى هامش تزيَني صغير في محترفه الكائن في الصالحية في الأربعينات والخمسينات، من مجمل تاريخه البصري الذي وثقه بغزارة عبر عدسته المدهشة التي صورت الحياة بمختلف جوانبها، ولكن تخصصه الأبرز كان بالوجوه والشخصيات الإنسانية، ومنها شخصيات سورية بارزة في المجتمع والرياضة والفن والحياة العامة، ونجوم السياسة بدءاً من رؤساء الجمهورية الأوائل لسورية عام 1928 وانتخاب محمد علي العابد رئيساً لدولة سورية مروراً برؤساء الوزارات السورية ” عطا الأيوبي”، والشيخ ” تاج الدين الحسني” و ” حقي العظم” .. ولا انتهاء ” بشكري القوتلي” وغيرهم..، حتى أبسط مأمور في الدولة السورية لم تفرغ له ومنه عدسة ” جورج درزي” بصورة رائعة”.

ويضم متحف دمشق التاريخي ( دار خالد العظم) صوراً كثيرة ومتنوعة تقارب الألفي صورة غير مؤرشفة بعد عن مجموعات من الصور الطبيعية ( بعضها ملون باليد) .. وأكثرها إنسانية، وقل بعضها أثرية.

والجدير ذكره أن هذه الصور التي يضمها المتحف هي صور إيجابية .. أي ورقية وليس لها أصول ,المقصود- سلبيات- باستثناء أن قام قسم التصوير في منتصف تسعينيات القرن الماضي بإعادة إنتاج أصول سلبية لمجموعات محددة منها .. عرضت في معارض خاصة بمناسبات عامة.

كما جرى إهداء مديرية الآثار مجموعة من السلبيات النادرة التي اكتشفت بالمصادفة في جامعة” هارفارد” بالولايات المتحدة الأمريكية، تعود للمصور الفرنسي” بون فيس” حيث وجدت هذه السلبيات في إحدى آلات التصوير القديمة وكانت بمجملها عن دمشق والمشرق السوري القديم، وهذه الصور بالرغم من أنها محفوظة في متحف الوثائق التاريخية إلا أنه لم يتَّسن لي فرصة الإطلاع عليها.

هذا ولا زلنا في بداية التوثيق الأثري والعمراني لدمشق وبقية المحافظات السورية، ومن نافل القول أن أؤكد للمهتمين والباحثين أن المعهد الفرنسي للشرق الأدنى/ IFPO/ بدمشق يمتلك أرشيفاً موثقاً للمواقع الأثرية من الجو ، بما فيها التلال والقلاع والحصون والمدن، صورت في ثلاثينيات القرن الماضي بين عامي 1931-1933

ومن رغب بصور أقدم وأندر لا بد لي من ذكر فضل مؤرخ دمشق الراحل ” خالد معاذ” في قيامه بتصوير وتوثيق العديد من دور دمشق ومساجدها ومدارسها وأحياءها القديمة خلال مدة ثلاثين عاماً تمتد من الأربعينات وحتى الستينات، ومنها ما سعى لجمعه من كتب تاريخية أصدرها رحالة مستشرقون عن المشرق وسورية الطبيعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .. ولا يزال نجله الباحث د.عبد الرزاق معاذ يحرص على حفظها بعناية، وكذلك يمكن الإشارة إلى التوثيق الهام والذي بدأه الفنان ” خليل مشاقة” وقدم عنه عرضاً هاماً أواسط الخمسينات ولكنه من المؤكد كما يبدو أنه لم يتابع تجربته كما بدأها.

وتابع خطوات “معاذ” و “مشاقة” فيما بعد د. “قتيبة الشهابي” مصوراً ومصدراً عدة كتب توثق دمشق.ولمن رغب بالمزيد من المعرفة عن الصور النادرة لدمشق والمحافظات السورية وبعض مناسباتها التاريخية عليه الاطلاع على أرشيف هام ونادر لم يتح للكثيرين فرصة مشاهدته بكونه محفوظ في مراكز الأرشفة ” باستانبول ” بتركيا … فقد عمد مصورون أتراك خلال أواخر فترة الحكم العثماني لسورية بتسجيل أحداث سياسية وزيارات رسمية قام بها شخصيات دولية و عالمية، منها على الأخص زيارة غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا إلى سورية والمشرق، كما وثق بعضهم ملامح من الحياة والطبيعة والعمران، وتعود هذه الصور المحفوظة بدار الوثائق العثمانية إلى مراحل مبكرة أواخر القرن التاسع عشر وحتى بداية الحرب العالمية الأولى، وأخص بالذكر منها ما أطلعت عليه من صور لحريق المسجد الأموي الكبير عام 1892 ومن ثم أعمال الترميم الأولى التي جرت في الأعوام اللاحقة والتي أشرف عليها الباب العالي خلال حكم السلطان عبد الحميد الثاني، ومنها أيضاً ما تم تصويره في بداية وخلال الحرب الكونية الأولى لسوق الجند السوريين إلى الحرب، ومنها صوراً التقطت في محطة الحجاز الحالية وقلعة دمشق وغيرها من المدن والمحافظات السورية خصوصاً.. أو بلاد الشام عموماً.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.