طائر التم ورياحُ الطفولة: عن السيرة الذاتية للأكاديمي فهمي جدعان (1-2)

11 – ديسمبر – 2020

محمد تركي الربيعو٭ كاتب سوري

في سيرته الذاتية «طائر التم.. حكايات جنى الخطى والأيام»، التي ستصدر قريبا عن دار الأهلية، يعترف طالب السوربون والأستاذ لاحقاً في الفلسفتين الإسلامية واليونانية، فهمي جدعان، أن السنوات قد أثبتت له أن الخطاب أو السرد الحكائي، أبلغ من الخطاب الفلسفي الذي ألف مفرداته وأبطاله طوال عقود، فالسرد غدا برأيه أكثر قدرة على الكشف عن «الكينونة الإنسانية وعن أغوار الوجود وحيله وتشخصاته في الحياة الفردية والجمعية»، كما أن سردية العقل الذي يتسلح به الفلاسفة لم يعد قادرا على الولوج لعالم الوجد الإنساني العميق، الحي، المتوتر، الشاخص في أحوال وفي مقامات، بينما الأدب، يبقى قريبا من عالم الوجدان، فهو ليس دفعا للملالة كما يرى البعض، بل هو قادر على إنشاء دورة جديدة من الحياة وفسحة الأمل.
لذلك لن نعثر في نص جدعان الحكائي على نكهة رسائل خريف العمر، بل هو نص يعيد من خلاله المؤلف خلق أفكاره، فالذاكرة أحيانا كما تذهب لذلك سيمون دو بوفوار في أحد نصوصها، ليس الهدف منها رواية ما جرى فحسب، بل إعادة خلق أنفسنا، وهذا ما سنراه عندما يعرج جدعان على سيرة مؤلفاته (المحنة، أسس التقدم)، إذ سيعترف أن قراءة التراث والجدال حوله، لم تعد من أولوياته البحثية، وأن الواقع وحساسياته، وتقلباته وقضايانا اليومية قد غدت شغله الشاغل.
كما أنه لا وجود في هذه الرحلة لمعتزلة وحنابلة وإصلاحيين مسلمين؛ إذ لن يحتلوا دور البطولة كحال باقي كتبه، بل ستكون قريته، أو رحلة الانتقال من قريته (عين غزال) هي البداية، قبل أن تقوده عصا الوجدان لها من جديد في الصفحة الأخيرة من سيرته، وهو يردد قصيدة لصديقه الشاعر زهير أبو الشايب تقول «هذه المدينة لي أنا». هي حال الحياة، إذ تبقى مدن ولادتنا ملاحقة لنا أينما رحلنا، بدون أن نتمكن من الانفكاك عن رائحتها، أو طباعها حتى.

في حديثه عن ذكريات الطفولة، لم يكترث كثيرا بملاحظات بعض دارسي السيرة الذاتية، الذين وجدوا أنّ مرحلة الطفولة ضُخِّمت في القرن العشرين بسبب لوثة فرويدية، ترى أنّ الشخص هو نتاج الطفولة، بل نراه خلاف ذلك، يدعم هذا التوجه، إذ يؤكد على أن تلك المرحلة «هي التي أنتجت فيّ الأنا الهش، القلق، المغيب، الذي كافحته بخلق قاع نرجسية مقاتلة، تحمل أعراض الخوف والقلق، وتطلب تقدير الذات والدخول في دائرة الإبصار والمرئي».

قد تذكرنا بداياته كثيرا بالبدايات التي سعى أمين معلوف لجمع حكاياها وقصاصاتها من خلال رسائل جده وأعمامه، لكن من حظ معلوف يومها أنّ مدينته الصغيرة لم يجري تدميرها واحتلالها، رغم ما عاشته من أهوال خلال الحرب الأهلية اللبنانية، بينما لن يتمكن جدعان من العثور على صندوق العائلة، مع ذلك، سيلجأ تاسع ابناء العائلة «تالي العنقود/ آخر العنقود» إلى ما علق من صور في ذاكرته، وأحياناً في روايات أخوته الأكبر منه، ليروي لنا بعضا من حياة قريته، وهي القرية ذاتها التي ولد فيها المحقق إحسان عباس.

كانت الفوضى شاملة وكان الرعب يرتسم على الوجوه.. سيبقى هذا المشهد محفورا ومرافقا له كلما أقدم على خطوة جديدة، يومها أمسكت أمه بيده ودفعته ليسير مع من ساروا من قريتهم هائمين على وجوههم.

بنى راجح (والده) بـ(عزيزة/أمه) في أوائل القرن الماضي، وكانت عزيزة تتلقى الأذية والجرح من العمة مسعدة، التي ستعاملها كجارية، فمهتمها أصبحت إنجاب الأطفال والشغل في أراضي زوجها، بينما استأسرت هي بتربية أطفالها. كان والده قاسياً كما يبدو من كلام والدته، الذي توفي بعد سنة من قدومه. ستبوح له في أحد الأيام بعد أن كبر بأنها «لم تعش يوما هنيئا مع هذا الرجل». لا يعرف جدعان موعد ولادته، كان والده مزارعا، واستطاع أن يصبح «ملاكا» مرموقاً، ومما يذكره أخاه عبد الحفيظ (في مخطوطته) التي لم تنشر أن علاقته ببعض اليهود كانت جيدة في السنوات التي سبقت 1936، وهي الفترة التي غلبت عليها المواجهات العربية الإنكليزية، قبل أن ينحسب لاحقا بعد الثورة إلى حدود أرضه. أما حقائب ذاكرته هو، فإنها ستحتوي في هذه الفترة على بقايا صور من درس الكتاب، ولعبة النبانير في يوم الجمعة مع أحد أقرانه، جميل العيص.. وفاردة (موكب عرس) إحسان عباس الحاملة لعروسه الشركسية القادمة من قيسارية.. سفرة مع أخيه إلى حيفا لبيع البطيخ.. فجأة لن يتاح لهذه الذاكرة البريئة والهشة أن تنمو بشكل طبيعي، إذ ستدفعها الأحداث في فلسطين إلى أن تكبر بسرعة، لما عاشته من ظروف مريرة. ففي 22 أيار/مايو من عام 1948، هوجمت القرية ليلا من قبل ميليشيات الصهاينة، لكن أبناء قريته لن يقبلوا الهزيمة بسرعة. وسيبقى جدعان معتزا بهذا الموقف. يذكر جيدا اليوم الذي ألقت فيه إحدى الطائرات قنبلة في وسط القرية. ولأنه في سيرته هذه، وكما ذكرنا، يستخدم فنونا عديدة في توثيق ما عاشه، سيلجأ لتأكيد روايته إلى أحد كتب المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، وربما بقايا شخصية المفكر والأكاديمي الرصين والدقيق (رغم محاولته هجرها قليلاً) هي ما جعلته ينحو لهذا النمط من الجمع بين التوثيق والذاكرة. يروي لنا بابيه ما حدث في قريته من إعدامات، وكيف أن قريته وخلافا للرواية الإسرائيلية الرسمية «لم تسقط بدون مقاومة»، مع ذلك، لن ينقل جدعان ما ذكره هذا المؤرخ الإسرائيلي بحرفيته، بل نراه يتوقف عند معلومة أوردها بشيء من الحيرة والدهشة، معلومة تقول بأن أهل قريته قد جاؤوا من السودان بحثا عن عمل في سوريا ولبنان واستقروا هنا، فيبدو الطفل جدعان، الشاهد على تلك الفترة، محتارا بشيء من الضحك والهزل، حيال مصدر هذه المعلومة، إذ يؤكد أنه في سنواته الأولى لم يعثر على وجه سوداني من أبناء القرية «حتى لقد ذهب بي التوهم إلى أن كثرة العيون الزرقاء أو الخضراء والوجوه والشعر الأشقر في كثير من أهلها، وبعض أهلي منهم، يمكن أن تكون بعضا من آثار ومخلفات الحروب الصليبية».
كانت الفوضى شاملة وكان الرعب يرتسم على الوجوه.. سيبقى هذا المشهد محفورا ومرافقا له كلما أقدم على خطوة جديدة، يومها أمسكت أمه بيده ودفعته ليسير مع من ساروا من قريتهم هائمين على وجوههم.
قبل سنوات من الآن كان تلميذ جدعان الكاتب والسيناريست وليد سيف، برفقة المخرج الفلسطيني حاتم علي، قد أعادا تصوير مشهد النزوح ذلك بحرفية قلّ مثيلها في الدراما العربية، رغم مأساويتها. يومها ذرف الملايين الدموع، وهم يشاهدون نساء وأطفالا يعبرون نحو المجهول، وهو مشهد سيتكرر لاحقاً مع أولاد الثورة اليتيمة في سوريا، وربما لم يتوقع حينها أن يتمكن أحدهم من إعادة تصوير ذاك المشهد بتلك الحساسية، لكن جدعان استطاع في هذه السيرة التغلب على هذه القاعدة، كيف لا، وهو الشاهد على ما حدث يومها، ولذلك فقد استطاع بلغته، وأنينها بالأحرى، من تقليب المواجع مرة ثانية «كان الظلام دامسا والطريق أمامنا غائضة الملامح.. كنت ارتعد وأضطرب اضطرابا عنيفا وأمي تشد على يدي أو تضغط على رأسي وتحتضنني بين الحين والآخر لتهدئ من روعي… وظللت أسير بقدميّ الحافيتين اللتين أصبح الدم يتفجر من الجروح التي أصابتهما»، سيبقى الخوف الذي تشكل في هذه الليلة مرافقا له طيلة حياته، «فأنا إلى اليوم أمر بتجربة الخوف في كثير من المسائل والأمور.. حتى في العمل الإداري كنت أجنح إلى السلم واجتنب القرارات العنيفة القاسية.. وفي كتاباتي الفكرية المبكرة كنت اجتنب الدخول في معارك فكرية».

في حارة اليهود في دمشق

وصل الطفل مع عائلته إلى الأردن، وهناك تفرق شملهم بين نابلس وعمان وإربد، بينما حملته رياح المكتوب هو واخته جميلة ووالدته وعمته إلى الشام.. إلى دمشق.. إلى حارة اليهود ومخيم الأليانس. يقول جدعان «عبرت قاطرتنا حي الميدان من المدينة، واستقرت في مبنى كبير، بدا أنه مدرسة ألحقت بها ثلة من الخيام باتت مأوى لنا ولموجات من العائلات.. قيل لنا إنها مدرسة الأليانس». كانت هذه المدرسة قد أنشئت من قبل الاتحاد الإسرائيلي العالمي في عدد من الأقطار العربية من أجل مجابهة النشاط التبشيري. كان هذا المخيم عند نهاية شارع الأمين ويقترن به حي شعبي هو حي الشاغور، لكن الحي البارز الذي كان بالقرب منهم هو حي اليهود. كان وضعهم هنا مقصودا، لأنّ البقاء في جوار اليهود يعني بقاء مشاعر الغضب والكراهية تجاه الذين اغتصبوا أرضهم.


أبدى أهل الشاغور، كما يذكر جدعان، شهامة ومروءة حيالهم، كان الرجال يأتون كل صباح إلى المخيم مزودين بأشولة وأكياس من الخبز الشامي والفواكه واللحوم.. لكن ذلك لن يغير من قدر وتعاسة الخيمة التي عاش فيها. ستضطر أمه، التي بقيت مكسورة الجناح وهي شابة، من عيش مرارة القهر مرة ثانية. أخذت تعمل، وقد بلغت الستين من عمرها، في أراضي الغوطة في دمشق «كن يسرن بعد صلاة الصبح ويمسين عند صلاة العشاء».. يصف لنا بحرقة معنى العيش في الخيمة «فهي عالم ذو معنى وذو حدود.. حين تأتي إليها من المدينة تأتي إلى الفراغ، إلى غياب الأفق.. تسيجك بغطاء ذي لهب لا يطاق في الصيف، وتزنرك بثوب كله خروق تنهال منها المياه وتضربها وتقلع أخدودها كالأعاصير في الشتاء.. الخيمة عالم منقوص يفتقر إلى معنى الوجود.. يفرض في ضلوعك الوجع وانكسار الروح، الخيمة كائن بلا حراسة، لا قيم، لا معيل.. للخيمة بابان، بل فتحتان، إحداهما تأخذك إلى العدم والثانية تأخذك إلى الوجود». ويبدو أن الباب الثاني، هو الذي سيعبره جدعان بالاجتهاد والدراسة.

في صبيحة أحد الأيام سأله أحد الرجال الدمشقيين، إن كان يرتاد المدرسة «أخبرته يومها بأن ليس لديّ من يعينني في ذلك»، حينها طلب منه الالتحاق بمدرسة ابتدائية اسمها (موسى بن نصير).. بعد خمسين سنة تقريبا، سيعود جدعان لهذا الحي، باحثا عن مدرسته، بدون أن يتمكن من رؤيتها. ستتساقط دموع ساخنة من عينيه، أو لنكون أكثر صدقاً، بأن عيوننا أيضا ستفيض حزنا، ليس لعدم تمكنه من العثور عليها وحسب، بل لأن قصة دخوله لهذه المدرسة، ارتبطت في أحد صورها بدموع اخته جميلة، التي سترحل لاحقاً إلى العراق، ولن يراها إلا بعد خمسة عقود، والتي لم تتمكن من مرافقة أخيها إلى المدرسة بسبب فقرهم وعوزهم، ولذلك كانت تكتفي كل يوم بالوقوف أمام باب الخيمة لتبكي، بينما هو يخطو بخطواته الصغيرة نحو طريق المدرسة.. في هذا العالم بدا الطفل مولعا بدروس الأدب.. في إحدى زواياها معلم لطيف أنيق وسيم اسمه غسان كنفاني، يشارك بعض الحضور لعبة كرة الطاولة. ولكن الخيمة وظروفها بقيت تحاصر عائلته، كان العوز والفقر شيئاً لا يصدق ولا يوصف.. وهنا سيبوح لنا بقصة مؤلمة، قد لا تخطر بالبال حيال مؤلف «المحنة»، ففي أحد الأيام انتهى إليه أن التجار الشاميين، اعتادوا بعد صلاة الجمعة التصدّق ببعض الفرنكات على الفتيان الذين يلقون عليهم عبارة «تقبل الله».. ولذلك أخذ الطفل يزور تلك الأماكن للتزود بشيء من الطيبات ليحملها لعائلته الفقيرة، يتوقف فجأة، ليكمل كلامه بجرأة، وألم يتردد صداه بين الكلمات «لقد مارست في أيام معدودة ما يشبه أن يكون تسولاً». التحق بالاعدادية في مدرسة التجهيز في حي القنوات العريق، ولاحقا الثانوية في مدرسة الآسية في باب توما، التي وفرت له فرصة الاحتكاك بطلاب من مذاهب وديانات أخرى، مما كان له أثر كبير في رؤيته. ومع خروجه من حارته، بدأت يوميات غرام الشاب مع شوارع وأحياء دمشق وبوظة بكداش وشاورما الصالحية وسوق الحميدية، ومنذ ذلك اليوم، بقي جدعان مصرا على أنه ما من أحد عشق هذه المدينة كما عشقها هو.

في أحد الأيام انتهى إليه أن التجار الشاميين، اعتادوا بعد صلاة الجمعة التصدّق ببعض الفرنكات على الفتيان الذين يلقون عليهم عبارة «تقبل الله».. ولذلك أخذ الطفل يزور تلك الأماكن للتزود بشيء من الطيبات ليحملها لعائلته الفقيرة، يتوقف فجأة، ليكمل كلامه بجرأة، وألم يتردد صداه بين الكلمات «لقد مارست في أيام معدودة ما يشبه أن يكون تسولاً».

في صيف عام 1957 انتقلت العائلة إلى مخيم اليرموك، المؤسس حديثا، ليقيموا على قطعة صغيرة من غرفتي نوم وحمام وصالة جلوس ومطبخ. وفي أحد تلك الأيام أقنعه أحد الأصدقاء بمرافقته لحضور جلسة حول أفكار حزب التحرير الإسلامي، فقد كان «الهواء الذي يستنشقه كل الناس في دمشق ذا رائحة سياسية»، ورغم عدم اقتناعه بنقاشاتهم وانسحابه، إلا أنه تعرض لتجربة اعتقال ليوم واحد في المكتب الثاني الذي اقترن اسمه آنذاك بضابط قومي يدعى عبد الحميد السراج.. تمكن في نهاية المرحلة الثانوية، خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر، من الحصول على وظيفة براتب فلكي (300 ليرة)، كما تمكن من الالتحاق بقسم الفلسفة والدراسات الاجتماعية في جامعة دمشق. ومما يذكره عن هذه الفترة أنه زار عفرين برفقة وفد سوفييتي، كما سنتمكن في هذه الفترة من الدنو أكثر من أجواء جامعة دمشق آنذاك، ومن كان يدرس فيها. لم يقتصر جدعان في سيرته على تدوين ما تبقى من حكايا الماضي، وإنما استخدم فنونا أخرى ليقمش بعض الشقوق، ولذلك نراه أحيانا وقد تحول إلى مؤرخ لبعض الوجوه العلمية في دمشق، وهو أسلوب يوحي في جانب آخر، لا يقل أهمية، شعور الوفاء والدين الذي بقي يحمله لقسم من الأساتذة والأصدقاء ممن كان لهم حضور وتأثير علمي أو اجتماعي كبير في حياته. كان قسم الفلسفة آنذاك يدار من قبل خيرة من الأساتذة المرموقين من أمثال عادل العوا وبديع الكسم «فيلسوف دمشق في القرن العشرين» وعبد الكريم اليافي، حمصي الولادة واستاذ علم الاجتماع والتصوف، وعبد الله عبد الدايم، الذي جمع بين التنوير التربوي والنضال الفكري القومي في البعث، ومما سيعلق في ذاكرته أيضا عن تلك الفترة زيارة عبد الرحمن بدوي للجامعة. كانت نتائجه في السنة الأخيرة توحي بأنه سيحصل على منحة من الجامعة بسبب تفوقه، وقد بذل العوا والكسم الكثير من أجل أن تقدم له، لكن هوية اللاجئ حالت دون ذلك، وهو أمر بدا لجدعان آنذاك طبيعيا.
وقبل أن نختتم هذه الحلقة من سيرة فهمي جدعان، حول طفولته ومرحلته الجامعية في دمشق، فإن ما يلاحظ هو تعدد طبقات سيرته، من الخاص إلى العام، وقدرته على ربط تاريخه الشخصي بتاريخ أوسع، وربما هي الصدف التي جعلت ذلك ممكناً، إذ يذكر أنه وخلال وقوفه على اعتاب التخرج من الجامعة، حدثت كارثة (كما يصفها) الانفصال بين سوريا ومصر على يد ثلة من الضباط والبعثيين، ولذلك لن يمكث الشاب بعدها لفترة طويلة، وكأن رياح الأقدار والعناية الإلهية التي سيشعر بها جدعان بعد حادث سير كاد أن يودي بحياته، خلافا لأفكار أرسطو وابن سينا وديكارت، هي التي ستنصفه هذه المرة، وتؤمن له فرصة الدراسة في فرنسا. ولولا ذلك، ربما لكتب له مصير آخر. إذ بعد سنتين تقريبا من رحيله انقلب البعثيون واستلموا السلطة، لتبدأ معها عقود الخوف والبربرية، وفق تعبير ميشيل سورا، ولن يتمكن جدعان من العودة لدمشق إلا بعد خمسة عقود تقريبا.
في الحلقة المقبلة نكمل مسيرة جدعان الأكاديمية في فرنسا وعدد من الدول العربية.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.