“سهيل عرفة” ألحان يخلدها التاريخ

  • رامه الشويكي
  • 1 آب 2021
https://youtube.com/watch?v=4eag0gm3xxw%3Frel%3D0

سهيل عرفة مدرسة نستفاد منها، علينا الاستمرار بتكريم هذه القامة وأن نبقى متابعين له ولغيره من الموسيقيين الكبار الذين نستقي منهم الحالات اللحنية التي يجب أن تكون موجودة في وقتنا الحالي” هكذا بدأ المايسترو “نزيه أسعد” حديثه الخاص لـ”مدونة الموسيقا”

سهيل عرفة مدرسة نستفاد منها، علينا الاستمرار بتكريم هذه القامة وأن نبقى متابعين له ولغيره من الموسيقيين الكبار الذين نستقي منهم الحالات اللحنية التي يجب أن تكون موجودة في وقتنا الحالي” هكذا بدأ المايسترو “نزيه أسعد” حديثه الخاص لـ”مدونة الموسيقا” عن الملحن والموسيقار الراحل “سهيل عرفة”.

جمل مبسطة وذكية

موضحاً أن ما يميزه عن غيره من الملحنين هو قدرته على صياغة جمل لحنية بسيطة وذكية يمكن حفظها من قبل المتذوق والمستمع العادي وحتى الطفل الصغير، وأنه كان يختار المطرب حسب اللحن أو العكس وهذه ميزة يجب أن يتمتع بها الملحن وهي الموافقة بين ألحانه وبين المغنيين الذين يؤدونها.

2- سهيل عرفة

ويقول: «استمعُ باستمرار لملحنين كبار سوريين وعرب، استقي منهم الإحساس وأتابع كيف ينسجون الجملة اللحنية..ماذا يقصدون من وراء ألحانهم! ألحان “عرفة” تصل للقلوب وللذاكرة مباشرةً نسمع فيها جمل لحنية بسيطة تشعرنا بعمق اللحن ومدى تأثيره في المتلقي، لديه إيقاعات مبسطة، جمل موسيقية غنائية تتخللها لوازم موسيقية مناسبة، أعماله الوطنية تتبع للموسيقا العربية يضيف نسمات موسيقية خاصة بها، له أسلوبية خاصة في الأناشيد وطرح الأغنية الوطنية، له لونه الخاص وطريقته في وضع الإيقاعات واللوازم الموسيقية حيث أبدع في ربط الموسيقا الشرقية بالأغنيات الوطنية التي كانت لا تخلو من الموسيقا الشرقية”.

تقاطعات موسيقية

ويكمل أسعد عن معرفته به قائلاً: “تعرفتُ إليه في منتصف مسيرتي العملية الممتدة لثلاثين عاماً، التقينا في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في عدة أعمال وفي جلسات فنية تحدثنا فيها عن الموسيقا العربية كوني مدرساً لمادة (نظريات الموسيقا العربية) في المعهد العالي للموسيقا كنت دوماً على احتكاك بهؤلاء الأساتذة أحاورهم باستمرار ومنهم “عدنان أبو الشامات”، “عبد الفتاح سكر”، “حسين زهرة” و”سهيل عرفة” لأجد التقاطعات بين العلوم التي تلقيتها مع معلوماتهم كعمالقة كبار لذلك كانت علاقتنا دوماً قائمة على الحوارات ولم تقتصر فقط على أعمال مشتركة وكانت تجربة هامة بالنسبة لي”

3- الشاعر عبد الرحمن الحلبي مع الراحل عرفة

من مصلح أجهزة الراديو إلى موسيقار كبير

ابنه د.”عادل عرفة” يخص “مدونة الموسيقا” بتفاصيل من حياة والده الملحن الراحل الذي كانت مهنته بالأساس تصليح أجهزة الراديو مما جعله قريباً من الاستماع إلى الموسيقا، وحول بداياته يقول: “ساعده بدايةً مجيء بعض الفنانين ومحبي الموسيقا إلى متجره، وعندما تلقى دعوة من أحدهم إلى منزله التقى ببعض الفنانين وبدأت رحلته في عالم الفن حيث تم قبوله في الإذاعة بصفة مطرب لكنه ترك الغناء بناء على نصيحة أحد الفنانين وركزعلى التلحين، وهذا ما حدث فعلاً حيث تعلم العزف على العود والنوطة الموسيقية على يد مهتمين في ذلك الوقت، وقدم أول لحنين حوالي عام 1958 للمطرب “فهد بلان” أغنية “يا بطل الأحرار” وفي عام 1959 أغنية “رمانا بحبو يا قلبي” للمطربة “نجاح سلام”.

الشاعر عبد الرحمن الحلبي مع الراحل عرفة (1)

“سهيل عرفة” الأب والإنسان

وعن صفاته الإنسانية يقول: “كان والدي يعشق الفن والموسيقا بغض النظر عن الأمور المادية، يحب عمله محبة كبيرة، جاد في العمل، منظم، واجتماعي خصوصاً في الوسط الفني وله علاقات مع كل الأوساط الفنية، الأدبية، الثقافية، السياسية والطبية، يحترم مواعيده، عصبي عندما يرى خطأ ما، جريء في قول الحقيقة، هو أب حنون، كريم ومحب للجميع، لا يتوانى عن مساعدة أي أحد قدر المستطاع”.

رحلة حافلة بالتكريم

منح السيد الرئيس “بشارالأسد” الملحنَ الراحل “عرفة” وسامَ الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة في نهاية عام 2007 وبهذه المناسبة أقامت وزارة الثقافة حفلاً خاصاً لتكريمه في دار الأوبرا في بدايات عام 2008.

كما أصدرت وزارة الثقافة عام 2014 كتابين الأول بعنوان “النغم والكلمة” يتضمن مسيرته، ولادته، بداياته الفنية وكل أعماله، والثاني بعنوان “سهيل عرفة رحلة في حدائق النغم”عام 2015.

وبحسب د.”عادل” حصل الراحل على الكثير من الجوائز من قبل جهات ومؤسسات وشخصيات سورية، عربية وعالمية، منها جائزة أفضل لحن من مهرجان “قرطاج” للأغنية العربية في “تونس” عام 1994 عن الموشح الغنائي (زارني طيف الذي أهواه) للمطربة “نجاح سلام”، جائزة أفضل أغنية للطفل في مهرجان “النقود الذهبية” في “إيطاليا” في نهاية التسعينات عن أغنية (غنوا معنا لطفولتنا يا أطفال العالم) للطفلة “هالة الصباغ”، وتم تكريمه عشرات المرات نذكر منها تكريم جامعة الدول العربية له ضمن مهرجان “الرواد” عام 1999، وتكريم المجمع الموسيقي العربي في اجتماعاته بدمشق عام 2000 وغيرها الكثير.

الملحن الشامل

يكمل ابنه د.”عادل” قائلاً: “لحّنَ والدي كل أنواع الأغاني الشعبية، الطقطوقة، الناقدة، العاطفية، الوطنية، الموشحات وأغاني الأطفال كما قدم الموسيقا التصويرية، شارات الأفلام، والوثائقية منها، والتي نال بعضها جوائز عالمية والمسلسلات منها شارة وموسيقا تصويرية لمسلسل “أيام شامية”، وله في الستينات والسبعينات عدد كبير من الأغاني الوطنية المحفورة في الذاكرة بالتزامن مع قيام ثورة الثامن من آذار والحركة التصحيحية، إلى جانب أغاني للأطفال كانت على الأغلب إذاعية غير مصورة من إنتاجه الخاص وزعها لعدة محطات عربية”.

في الذاكرة

وكيف ننسى أغنيات لحّنها بقلبه للشحرورة صباح (عالبساطة)، (آخد قلبي سكارسة)، ومن (قاسيون أطل يا وطني)، (مدي جسور الضياء) لدلال شمالي و(صباح الخير يا وطناً) لابنته “أمل عرفة” و”فهد يكن”، وما غنّاه المطرب الراحل وديع الصافي من ألحانه ومنها أغنية (يا دنيا راحوا الغوالي)، وأغنية (بلدي الشام وأهلي الشام) لوديع الصافي وفاتن حناوي وغيرها مثل (رفّي بجناحك رفّي) لمروان حسام الدين، و(يا طيرة طيري يا حمامة) لشادية في فيلم (خياط للسيدات) بطولة دريد لحام ونهاد قلعي وأخرى لمروان محفوظ (كيف حوالكن)، (ودي المراكب عالمينا)، (طيروا يا نسور)، ولسمير يزبك (يا حوا راح اللي راح)، (يا مهندس عمرلي دار)، (رشوا الملاعب ياسمين)، (يا بلادي خدي شادي)، (بالعزم بالإصرار بالثبات بقوة الإيمان بالسلاح) وتسمى نشيد الزحف الكبير من كلمات الشاعر “صالح هواري” غناها “مصطفى نصري” ثم غنتها المجموعة ومازالت شارة برنامج “القوات المسلحة” في إذاعة دمشق.

ألحان لا تعد

الشاعر الغنائي “عبد الرحمن الحلبي” يستذكر قربه منه فيقول: “عرفته منذ التسعينيات كانت هناك عدة ألحان لحنها الراحل “سهيل عرفة” من كلماتي غناها الفنان “عبد الرزاق محمد”، وفنان الشعب “رفيق سبيعي” وأخرى قدمت على المسرح ولم تسجل لصالح الإذاعة وهناك بعض الأعمال التي قدمناها للأطفال وسجلنا لإذاعة دمشق أعمال رمضانية، وابتهالات دينية وكانت ألحانها موفقة جداً”.

سهل ممتنع

ويتابع الحلبي: “الراحل إنسان راقي جداً كان بيننا احترام شديد من ناحية الأعمال الفنية كان يتمتع بجمل لحنية مميزة يبني اللحن كله على جملة ترسخ في عقول الناس، ألحانه من السهل الممتنع. قلت له ذات مرة (أعمالك التي أكن لها إعجاباً كبيراً قريبة من أعمال الملحن الراحل “عبد الفتاح سكر”) كان الراحل “عرفة” عندما يلحن يبني مذهب الأغنية وكوبليه واحد ويبني عليه الكوبليات كلها بروح واحدة مما يجعلها ترسخ في عقول الناس وقبل وفاته بسنة ونصف كنا نجتمع بشكل أسبوعي، ووجدت فيه إنسان محباً، ترك برحيله فراغاً كبيراً. أمضى فترة مرضه في مشفى “الطلياني” حيث زرته مع المايسترو “أسعد خوري” وكانت معنوياته عالية، متفائل بالشفاء رغم علمه بإصابته بمرض السرطان”.

قصة أغنية

ويتابع “الحلبي”: “في مرة تحدثنا عن ألحانه الوطنية وأغنية (يا بلادي يا بلادي خدي شادي) التي كتبها “عيسى أيوب” عندما رزق بابنه شادي وقال له يومها (سأكتب أغنية وأريد منك تلحينها) وبالفعل لحنها الراحل “عرفة” على نغمة مقام العجم (ماجور الغربي) وعندما سألته لماذا اختارها بالذات أجاب: (أردت أن تصل هذه الأغنية للعالم) وبالفعل نالت إعجاب كثيرين”.

توثيق أعمال المؤسسين

المؤلف والموزع الموسيقي “مهدي المهدي” الذي شارك في حفل تحية لروح “سهيل عرفة” يعتبر الراحل من مؤسسي الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون موسيقياً مع ملحنين آخرين أمثال “عدنان أبو الشامات”،”أمين خياط” و”عبد الفتاح سكر” ومن أوائل الملحنين الذين سجلوا الأغنيات يقول: “عزفت الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو “عدنان فتح الله” حفلاً كاملاً من ألحانه عام 2018 في دار الأوبرا بمناسبة الذكرى السنوية لوفاته أحيته “أمل عرفة”،”ليندا بيطار”، “سيلفي سليمان” و”ريان جريرة”، وقمت بتوزيع هذه الأعمال، كما وزعت أحد أعمال “سهيل عرفة” وهي أغنية “أحلى الحلوين” في آخر حفل للراحل “مروان محفوظ” بتاريخ 23 حزيران 2020 في دار الأوبرا مع أوركسترا الموسيقا الشرقية بقيادة المايسترو نزيه أسعد”.

يبين “المهدي” أن هذه الحفلات توثق أعمال المؤسسين من خلال إعادة توزيعها أوركسترالياً لإعطائها صيغة محدثة مع الحفاظ على أصالتها وبذلك نعيد إحيائها مع تحية الموسيقيين الراحلين وتذكير الناس بأعمالهم وتعريف الأجيال الجديدة بها.

ويضيف: نحن كموسيقيين نقدر جهود المؤسسين نتعلم منهم ونحمل الراية بعدهم مع امتلاكنا للعلوم النظرية التي تجعلنا نطوِر أو نوزِع اللحن لكننا نتعلم منهم الأصالة والجودة وهما عنصران أساسيان مع إضافة لمستنا المعاصرة والتطور الذي وصلنا له موسيقياً.

تجدر الإشارة إلى أن الموسيقار “سهيل عرفة” ولد في “دمشق” عام 1935 وتوفي في 25 أيار 2017، وبحسب مقال للمؤرخ الموسيقي “أحمد بوبس” وضعَ عملين موسيقيين هما “صوفيات من دمشق القديمة” جزءان و”أنغام من الريف السوري”. له ثلاثة أولاد د.”عادل” طبيب أسنان، والفنانة “أمل عرفة”، والمطربة المعتزلة “سمر عرفة”.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.