لا يتوفر وصف.

التاريخ والمتخيل السردي في رواية ( قبل.. منتحرة) للكاتبة سماح بني داود
بقلم الروائي والناقد العراقي رئيس تحرير جريدة “اوروك” الصادرة عن وزارة الثقافة العراقية الاستاذ عباس لطيف
حين قال ( بات المؤرخين الحقيقيين هم الروائيون ) وأن الفن يؤرخ ما لا يؤرخه التاريخ .. فالتاريخ وكتابته المحض يتناول ما هو جزئي بينما الفن الروائي يتناول ما هو كلي .
فالرواية تعكس البنية العميقة للواقع الأنساني وتتناول ما هو سوائي وتقترب من المسكوت عنه .
ومن موجات القراءة لهذا النص هو الكشف عن فكرة الأغتصاب ودلالاتها السينمائية فالاغتصاب شفرة تأولية للقبح والأستبداد ويتحول الجسد الى أيقونة تعكس مدى وحشية الأشرار وهم يسلبون الجسد كمحاولة لتشويه الجمال .
لذا نجد الجسد هو ترميز للأنوثة المستلبة والمقموعة .
لكن الرواية برغم القبح والرماد والضياع المتواتر الذي تكشف عنه لكنها تنتمي الى الأنسان بمعناه الفلسفي المتعالي وتحوله الى بطل مقاوم يشبه الأبطال الظافرين في التراجيديات اليونانية القديمة ويمكن ملاحظة أن الحفيدة سمراء تحولت الى ما هو أبعد من النضال والبطولة السيوسيولوجة بأختيارها المعرفة بوصفها وسيلة للكفاح فقصة الشعوب هي قصة الثراء المعرفي وحقيقة وحدانية الصراع تكمن في أنه صراع قيم وخطاب للتناقض بين الزيف والحقيقة .. فعمل سمراء كاتبة مؤشر على أن الكفاح يحتاج الى توازن معرفي فالأنتقام ليس في السواتر والرصاص وأنما في الكشف عن الحقيقة وسيادة المنطق العقلاني
التنويري الذي يمثل المأثرة المركزية للشعوب وهي تحطم الأغلال وتشيع الضوء الأمل والعطاء هذه الرواية أستطاعت أن تقدم قراءة للتاريخ والأنسان وتحولات الواقع عبر صياغة سردية متقدمة ووفق توجهها الأنساني من حيث يبين المحلية ومحاولة ربط مصائر الشعوب وما بينها من مشتركات الدفاع والمقاومة بكل أبعادها ولعل فكرة ألغاء الحدود بين تونس والجزائر أستطاعت الكاتبة أن تعبر عنه بصياغة شعرية توجت بالزواج بين سمراء والنمر القسطيني وهذه الوحدة بين الشعوب في أفريقيا أجمالاً ولعل أسم ( سمراء ) يوحي بالنضال القومي بمعناه الرفيع وبعده الأنساني والثوري .
وتحول العقم ووهم العجز الى مخاض وولادة الطفلة ( بثينة ) .
هناك مقولة تشير الى ان الأستغراق والأخلاص في الواقعية تنتج نسقاً من الترميز والتأويل والأسقاط لذا نجد البؤرة التشاركية على مستوى الرمز تنتقل مثل جدل حتمي بين تدفق ( المحلي ) بالأتجاه الأنساني وتحطيم أسلاك الحدود كصورة بلاغية لتحقيق التحرر وتقويض الجغرافيا وصولاً الى صياغة وجودية للتاريخ .. الوجود الأنساني المقترن بالحرية وليس الوجودية كمذهب خلقي تجلي التآصر التاريخي والمصيري بين شعبي الجزائر وتونس في أقامة كمونة ثورية في ساقية ( سيدي يوسف ) الحدودية والكاتبة تسعى الى تحطيم الأستبداد المكاني
لذا نجد شخصيات تتحرك في فضاء واسع وهي تسعى الى تحقيق الحرية ونبذ القيود الأغلال فنجد تلميحات واحداث في ليبيا والعراق وكأن الرواية تسعى للقول الى أن الفعل والأنتماء الأنساني هو الذي يحطم سلطة المكان وأن فكرة الحرية تكمن في تهشيم الجغرافيا التي تفرضها قوى الأستلاب على الأنسان لكي تنتصر القيم الحقيقية وتندحر القيم الرثة … هذا الجوهر الحقيقي الذي سعت اليه شخصيات الرواية ببحثها عن العشق الحقيقي وتجلياته وربما ( قبل منتحرة ) تقترب كثيراً من رواية ( ذهب مع الريح ) لمارغريت ميشيل التي جسدت بشكل ملحمي الحرب الأهلية في أمريكا بين الشماليين والجنوبيين وأنتهت الى شفرة أختزالية لتقول لنا بعد كل الأحداث والتحولات وصيرورات الأبطال بأن الحب أهم من الحرب .. وأن حاء الحب أقوى وأبهى من حاء الحرب .
استطاعت هذه الرواية أن تشتغل على أكثر من مستوى على صعيد التقنيات السردية وتوظيف عناصر الميثاسود وتجسد وتؤسطر ما هو يومي أزاء ما هو تاريخي وتلتقط بذكاء نثارات الذاكرة المتوهجة وهي ترصد ما هو محتدم واعادة أنتاج الصراع وفق نظرة عميقة تنتمي الى أن الأرتقاء بالجمال والحقيقة يبدأ بالرفض والأحتجاج والمقاومة الجمالية .
إن عمق وجدارة هذه الرواية يكمن في أنها مزجت التاريخ بالفن وتضمنت الكثير من الشفرات والترميز والإيحاء بأن الحلم سيدحض كل كوابيس القبح والإرتكاس .

لا يتوفر وصف.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.