يسير في الشوارع في حالة استعداد دائم، لا تتوقف عيناه عن البحث، يتفحص الوجوه، يتصيد الأحداث، وربما يخلق هو الحدث، يتحمل “المرمطة” والمخاطر، التي يمكن أن تودي بحياته، أو تتسبب في القبض عليه تحت شعار “ممنوع”، من أجل اللقطة التي تملكت عينيه، إنه المصور الصحفي، الذي يسعى لإثبات أن مهنته ليست أقل من غيرها في عالم الصحافة، لكنها قد تكون أقوى وأكثر تأثيرا، وأهم وأصدق من آلاف الكلمات التي تكتب ولا يقرأ أغلبها.

بدأت رحلة الصورة الصحفية في مثل هذا اليوم، الرابع من مارس عام 1880، عندما نشرت صحيفة “ذا دايلي جرافيك” في مدينة نيويورك، أول صورة صحفية لقناة السويس، باستخدام الصوغ النصفي (بدلا من النقش)، إلى أن تم اختراع المسحوق الوميضي عام 1887، وهو ما يمكن المصورين من التقاط صور في الأماكن المغلقة وخروجها بشكل واضح.

كما صار من الممكن إنتاج الصور بآلات الطباعة عام 1897، وتطور هذا المجال سريعا، حتى بدأ استخدام الماسح الضوئي منذ ما يقرب من 15 عاما لخروج الصور ملونة، قبل أن تنقل للمكتب الإخباري لطباعتها، أما الآن فيمكن للمصور الصحفي استخدام الكاميرا الرقمية في تعديل الصور وإرسالها عالية الجودة خلال ثوانٍ.

 كان كارول سازماري أول من عُرف من المصورين الصحفيين، لالتقاطه الصور الأولى لحرب القرم، التي وقعت بين روسيا والإمبراطورية العثمانية في الفترة بين 1853 حتى 1856، وأرسلت صوره إلى أفراد العائلات الملكية في الدول الأوروبية، وكانت أهم وسيلة لتوثيق الحرب.

تعطشت الجماهير بعد ذلك لمزيد من التمثيل الواقعي للقصص الإخبارية، الأمر الذي دفع الصحف، والوكالات الإخبارية، مثل “رول”، “برانجيه”، “شوسو- فلافينس” لشراء جميع الصور الفوتوغرافية في العالم، لتلبية حاجة القراء.

وجاء ما يسمى بالعصر الذهبي للصحافة المصورة (في الفترة بين الثلاثينيات إلى الخمسينيات من القرن الماضي)، وحظيت مجلات “بيكتشر بوست” اللندنية، و”باريس ماتش” الفرنسية، و”لايف” الأمريكية، بشهرة واسعة وقاعدة عريضة من القراء، لاعتمادهم بشكل أساسي على الصور الصحفية.

“التصوير الفوتوغرافي هو الاعتراف اللحظي في جزء من الثانية بأهمية حدث ما”.. 

هذا ما أكده المصور الفرنسي هنرى كارتييه بريسون، الذي لقب بـ”أب الصحافة المصورة”، وآمن بشدة أن المستقبل سيكون لها، وأن الحدث يتوقف عند الصورة، وليست الصورة هي من تتوقف عند الحدث، وأن أهمية التصوير تأتي من رصده للشارع وحياة الناس.

 تكونت عدة منظمات واتحادات تجمع المصورين الصحفيين في العالم، أبرزها الاتحاد الدنماركي للمصوريين الصحفيين، الذي تأسس عام 1912 على يد ستة من المصورين، وكان أول مؤسسة قومية لمصوري الصحف في العالم، والرابطة القومية للمصورين الصحفيين nppa) 1946) في الولايات المتحدة، ويبلغ عدد أعضائها ما يقرب من 10000 عضو، إلى جانب الرابطة البريطانية للمصورين الصحفيين، التي تأسست 1984، وأعيد تدشينها عام 2003، وتضم ما يقرب من 500 عضو، إلى جانب العديد من الروابط والمنظمات الخاصة بالمصورين الصحفيين حول العالم.

و من بين أكثر الصور تاثيرا فى العالم :

1.صورة التقطها المصور كيفن كارتر سنة 1993 لنسر يراقب طفلا وهو يحتضر حتى يأكله، التقط كارتر هذه الصورة في جنوب السودان خلال مجاعة سنة 1993 ليفوز بجائزة عالمية عليها بعدها بعام، لكن لم يمض وقت طويل على استلامه الجائزة، حتى انتحر متأثرا بما أصابه بهذه الصورة.

نسر يراقب طفلاً وهو يحتضر حتى يأكله

2.أشهر الصور التي خلدت هجمات الحادي عشر من سبتمبر لرجل مجهول قفز من برج التجارة العالمي محاولا إنقاذ نفسه، و علق المصور ريتشارد درو على هذه الصورة بقوله: “لم ألتقط موت الرجل بل التقطت جزءا من حياته”.

 3. التقط المصور جيف ويدنر سنة 1989، صورة لرجل يقف بجسده أمام طابور دبابات متجهة إلى ساحة تيانانمن في بكين، تجمع طلاب الجامعات الصينيين في هذه الساحة للمطالبة بالديمقراطية والإصلاح، قبل أن تقمعهم السلطات الصينية.

4.صورة الفتاة الفيتنامية كيم فوك، ذات التسعة أعوام وهي تجري عارية بجسدها المحترق، بعد أن قصف الأمريكيون قريتها بقنابل النابالم الحارقة 1956.

5. صورة المصور إدي آدمز عام 1968، لعملية إعدام في الشارع ضد أحد السجناء المتهمين بالانضمام للثوار الفيتناميين، وكانت إحدى الصور التي أسهمت في شحن الرأي العام الأمريكي ضد الحرب في فيتنام.

6. أول لحظة نرفع فيها أجنحتنا الصناعية فوق الأرض لنعلن بدء عالم جديد، أصبح الطيران أحد ركائزه الرئيسية، التقط المصور جون دانييلز هذه الصورة سنة 1903 لأول محاولة طيران ناجحة للأخوان رايت، حين استطاعا التحليق لمدة 12 ثانية.

7. أول صورة واضحة يتم التقاطها للأرض من على القمر، التقطها رائد الفضاء ويليام أندرز سنة 1968 خلال رحلة أبولو 8.

8. التقط المصور هازل بريانت هذه الصورة سنة 1957 لإليزابيث إيكفورد، الفتاة السوداء، وهي تذهب  للمدرسة التي كانت من أول المدارس التي تسمح بدخول السود إليها في أمريكا، وتظهر الصورة نظرة البيض العنصرية لغيرهم، وكانت ضمن الصور التي اعتبرتها مجلة LIFE الصور الأكثر تأثيرا في ذاكرة تاريخنا المعاصر.

9. رفع العلم المصري على الضفة الشرقية لقناة السويس، يوم السادس من أكتوبر عام 1973.

10. الطفل الفلسطيني فارس عودة، يتصدّى بالحجارة للدبابة الإسرائيلية، واستشهد فارس في مواجهة أخرى بعد عام تقريبا من التقاط هذه الصورة.

11. التقط المصور طارق وجيه صورة شاب يقف أمام عربة الأمن المركزي يوم 25 يناير 2011، فى منطقة وسط القاهرة، وكانت الصورة الأكثر تداولا على مواقع التواصل الاجتماعي خلال أيام ثورة 25 يناير.

12. التقط المصور إسلام أسامة صورة لمقتل شيماء الصباغ عضو حزب التحالف، أثناء مشاركتها في المظاهرة السلمية بالورود التي نظمها الحزب في ميدان طلعت حرب، بعد أن فرقت قوات الأمن المظاهرة بإطلاق الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع، في يناير 2015، وانتشرت هذه الصورة بجميع الصحف العالمية.

هكذا كانت رحلة الصورة الصحفية منذ ظهورها عام 1880، فهي اللغة التي يفهمها الجميع، و لا يختلف على صدقها أحد، وتأخذ من يهواها إلى عالم لا يكترث فيه بشيء، إلا أن يعمل ما يحب، فالتصوير الصحفي لم يكن يوما مجرد مهنة للعاملين به، بقدر كونه حياة ارتضوها لأنفسهم، لا شعار يحكمها سوى “الصورة الحلوة”.

ويقول المصور الأمريكي العالمي، انسل آدامز:

“المصور لا يصنع الصورة بالكاميرا فقط، إنه يستحضر لفعل التصوير كل الصور التي شاهدها، و الكتب التي قرأها، والموسيقى التي سمعها، و كل الناس الذين قابلهم وأحبهم ليصنع بها مشهدا حيا”.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.