السيطرة على الحكاية: صحافة ازدهرت لفترة وجيزة بعد الربيع العربي ومن ثم ذبلت

السيطرة على الحكاية: صحافة ازدهرت لفترة وجيزة بعد الربيع العربي ومن ثم ذبلت

على بعد ثلاثة أميال فقط من وسط المدينة، يلتف صحفي محلي بسيارته الصدئة، والقديمة، حول حاويات القمامة التي أشعلت بالنار؛ لمنع سيارات الشرطة من دخول الأحياء الشيعية الفقيرة، والمضطربة. وتتوقف السيارة عند أحد المقاهي؛ حيث توجد مجموعة صغيرة من المحتجين، شكلت جمر انتفاضات الشرق الأوسط المعروفة باسم الربيع العربي في البحرين. ونادرًا ما يتم ذكر السخط على شاشات قنوات التليفزيون أو الراديو المحلية، وكلها مملوكة للدولة، أو في الصحف اليومية الأربع الكبرى، التي تساند ثلاث منها العائلة الحاكمة السنية.

ويدخل الزبائن إلى المقهى وهم يفركون عيونهم مشتكين من ليلة أخرى من الغاز المسيل للدموع. وفي الزاوية، تجتمع مجموعة صغيرة من الصحفيين البحرينيين المحبطين، الذين لم يعودوا قادرين على ممارسة مهنتهم بأمان، لمواساة بعضهم البعض وتبادل التحديثات حول وضع زملائهم في السجن أو المنفى.

وخلال قراءته للصحف، يلاحظ المراسل الرياضي السابق فيصل حياة، 41 عامًا، وجود ثلاث قضايا قانونية ضد وسائل الإعلام. القضية الأولى تتعلق به شخصيًا، وهي دعوى قضائية رفعها ضده وزير الرياضة السابق عام 2007 بتهمة التشهير، ويقول حياة إنها دعوى مصممة لتدميره ماليًا. والقضية الثانية ضد رئيس تحرير صحيفة ومرفوعة من قبل وزارة الإعلام. وأخيرًا، هناك عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات على المدونة والناشطة زينب الخواجة؛ لتمزيقها صورة للملك في مكان عام. ويقول حياة: “ثلاث قضايا في يوم واحد؟ لم يحدث هذا قبل عام 2011“.

وكان الربيع العربي قد وصل إلى هذه الدولة الصغيرة، والمكونة من 1.4 مليون نسمة، والتي تضم الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، في 14 فبراير 2011. وكانت الثورات قد بدأت في تونس قبل ذلك بعدة أشهر، وانتشرت فيما بعد شرقًا عبر 12 دولة؛ ما اضطر العديد من الأنظمة الاستبدادية إلى فقدان الثقة التي تمتعوا بها سابقًا.

وكان من المفترض أن يقود الربيع العربي إلى إدخال المنطقة في عصر من الإدماج السياسي والحرية، بما في ذلك حرية الصحافة. ولكنه بدلًا من ذلك، وفي جميع الدول ما عدا تونس، أدى إلى حدوث العكس، وقاد إلى شبه اختفاء للأخبار والآراء المستقلة؛ خاصة فيما يتعلق بالحكومات وقوات الأمن التابعة لها.

 

وبعد أربع سنوات من سحق التمرد في البحرين، لم يعد بإمكان الصحفيين المستقلين هنا أخذ جهاز كمبيوتر محمول أو كاميرا لتغطية الاحتجاجات المستمرة ولكن بشكل أصغر. إنهم لا يستطيعون أن يكتبوا بأمان أي نقد للانتخابات، أو أن يقوموا بتوثيق التمييز ضد الأغلبية الشيعية، أو أن يكتبوا تقارير عن الصحفيين والنشطاء السياسيين الذين لا يزالون في السجن، وفقًا لمقابلات أجريت في ديسمبر/ كانون الأول مع عشرات الصحفيين في البحرين وفي المنفى، وغيرهم من الخبراء، والمسؤولين الأمريكيين. وقد طلب معظم الصحفيين البحرينيين عدم نشر أسمائهم؛ خوفًا من الانتقام.

إنهم يخافون من التحدث علنًا عن تشديد القيود أكثر من أي وقت مضى على الأخبار والمعلومات؛ خوفًا من أن تقوم الحكومة بسحب تراخيصهم، أو جوازات سفرهم، أو جنسياتهم، أو أن تضعهم في السجن.

وهمس أحد الصحفيين في مقابلة، على الرغم من عدم وجود أي شخص آخر في الغرفة: “الناس متوترون جدًا“.

ومن الممكن إثبات مخاوف هؤلاء بشكل جيد من خلال عمل محققي حقوق الإنسان، بما في ذلك وزارة الخارجية الأمريكية التي أصدرت هذا العام تقريرًا حادًا عن البحرين، جاء فيه: “شملت أكثر مشاكل حقوق الإنسان خطرًا قدرة المواطنين المحدودة على تغيير حكومتهم سلميًا: اعتقال واحتجاز المحتجين بتهم غامضة؛ مما يؤدي في بعض الأحيان لتعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة، وعدم مراعاة الأصول القانونية في محاكمة النشطاء السياسيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والطلاب، والصحفيين، بما في ذلك اتخاذ الأحكام القاسية بحقهم“.

وقال فرانك لارو، وهو مبعوث الأمم المتحدة الخاص السابق لحرية التعبير، إن الأمور أصبحت أسوأ. وأضاف: “يشكل الاعتقال التعسفي طريقتهم الرئيسة في التعامل مع المعارضة“. وأكد لارو أيضًا أن البحرين رفضت دائمًا طلباته للزيارة نيابة عن الأمم المتحدة.

وردًا على أسئلة صحيفة واشنطن بوست، قالت سفارة البحرين: “إن وسائل الإعلام البحرينية حرة تمامًا في الإبلاغ عن القضايا التي تحدث في البلاد. ولكن، ما لن يكون مقبولًا في أي مجتمع هو إساءة استخدام الوسائل العامة في تحريض الأفراد على الكراهية والعنف“. وأضافت: “علاوة على ذلك، يتواجد البلد في منطقة مضطربة، ولدى الحكومة واجب تجاه مواطنيها وكذلك حلفائها، وهو توفير بيئة مستقرة وآمنة، وردع من يستغلون هذه الأجواء الحساسة في تحقيق أهداف شخصية“.

 

وبحلول الوقت الذي وصل فيه الربيع العربي إلى البحرين، كانت دول الخليج قد تعلمت الدروس المستفادة من إسقاط الثورات للأنظمة الحاكمة في تونس ومصر: لقد ساعد صحفيو وسائل الإعلام الاجتماعي، والتغطية الإخبارية الدولية على مدار 24 ساعة، في دفع المطالبين بالديمقراطية، وأعطت المتظاهرين دعمًا معنويًا كبيرًا.

ولذلك؛ وحالما بدأت المظاهرات السلمية في المنامة، أرسلت السعودية 1000 جندي، وساهمت دول الخليج الأخرى أيضًا في إرسال القوات لاحتواء الحشود التي كانت تطالب بالحرية السياسية وإنهاء التمييز ضد الأغلبية الشيعية.

وألقي القبض على المئات، وتم قتل العشرات، خلال الاشتباكات. وقد تحدث الرئيس أوباما، وهو حليف وثيق لكل من العائلات المالكة البحرينية والسعودية، ضد استخدام القوة المفرطة، وحظر أكثر المبيعات العسكرية. وعادت الإدارة الأمريكية لرفع الحظر في 30 يونيو، متحدثة عن “تقدم ملموس فيما يتعلق بالإصلاح في مجال حقوق الإنسان والمصالحة“.

وتم إغلاق الصحيفة المعارضة الوحيدة مؤقتًا، واعتقل أحد مؤسسيها، وهو عبد الكريم فخراوي، وتعرض للتعذيب حتى الموت، وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية. وأصبحت مجموعة صغيرة من المصورين الصحفيين المستقلين الشبان والنحيفين وسيلة الاتصال الوحيدة مع العالم الخارجي، ويبيع كثير من هؤلاء الصحفيين صورهم لوكالة ديموتكس، ومقرها لندن. وقال واحد من أعضاء هذه المجموعة: “فقط أولئك الذين يمكنهم الركض بسرعة استمروا في العمل“.

ونُشرت صور هؤلاء الصحفيين على الصفحات الأولى للصحف حول العالم، مع إرفاق أسمائهم؛ وهو ما جعلهم هدفًا مباشرًا للشرطة، رغم أنهم كانوا يفوزون بالأوسمة والجوائز الدولية. وبالفعل، وجهت إليهم التهم واحدًا تلو الآخر، وتم الحكم عليهم بالسجن لسنوات، بتهم يتعلق معظمها بالمشاركة في تجمعات غير قانونية، والتحريض على الكراهية ضد النظام الملكي. واتهم عدد منهم بالمشاركة في أعمال العنف، وهي التهمة التي نفاها هؤلاء الأشخاص.

ولا يزال هناك ثمانية مصورين وراء القضبان. وقد حكم على المصور أحمد حميدان بالسجن 10 أعوام بعد هجوم على مركز للشرطة في قرية سترة الشيعية الفقيرة. ويقول حميدان إنه كان يقوم بتوثيق العنف، في حين تقول السلطات إنه شارك في الهجمات.

وخلال الانتفاضة، نظم المتظاهرون في البحرين أنفسهم أحيانًا وفقًا للمهنة: العاملون في مجال الرعاية الصحية، الرياضيون، العاملون في وسائل الإعلام. وكان فيصل حياة، وهو أب لأربعة أطفال، معلقًا رياضيًا تليفزيونيًا معروفًا، وكان مؤيدًا لمطالب المتظاهرين. وبعد مشاهدته لرياضيين يحبهم يتعرضون للضرب من قبل الشرطة، انضم “حياة” إلى مسيرة العاملين في وسائل الإعلام؛ حيث رفع قبضته، وحمل لافتة كتب عليها: “صحافة حرة حرة“.

 

وقد نشرت صورة حياة على شاشة التليفزيون الرسمي، الذي وصفه بأنه خائن. وبعد ثلاثة أيام، استدعي المراسل الرياضي إلى مركز الشرطة للتحقيق معه حول المشاركة في تجمعات غير قانونية والتحريض على كراهية النظام.

وصدم اعتقال حياة الكثيرين، بما في ذلك جياني ميرلو، وهو الرئيس الإيطالي للرابطة الدولية للصحافة الرياضية، الذي حث البحرين على إطلاق سراحه. وقال ميرلو حينها: “سنكون دائمًا إلى جانب الصحفيين الذين يقاتلون للدفاع عن حقوقهم وحريتهم“.

ويقول حياة إنه قيد بأوضاع مؤلمة، وتعرض للضرب بالأسلاك الكهربائية وخراطيم المياه على ظهره، وما بين ساقيه، وعلى يديه، أثناء وجوده في السجن. وكان سجانوه عازمين أيضًا على الإساءة له عاطفيًا؛ حيث وضعوه في سلة المهملات، وأجبروه على تنظيف المراحيض الفائضة، ووجهوا الشتائم لعائلته ولمعتقداته الشيعية، وهددوه بالاغتصاب.

وبعد 85 يومًا في الأسر، تم إطلاق سراح حياة، الذي يقول اليوم: “إنني أتألم في أعماق قلبي. أشعر وكأنني بلا كرامة“.

ويريد حياة أن يعود للعمل كصحفي رياضي، ولكن لا أحد في البحرين، أو في أي دولة خليجية أخرى، سوف يتعاقد معه. حيث إنه، وفي كثير من الأحيان، يتم وضع الصحفيين العرب الذين يتم فصلهم من وظائفهم على القائمة السوداء للعمل في دول الخليج الأخرى؛ وذلك بموجب اتفاق أمني إقليمي وضع في عام 2012 لمكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار.

وقد خسر العديد من الصحفيين البحرينيين الذين كانوا مؤيدين للاحتجاجات أو الذين كتبوا عن الانتفاضة لوسائل الإعلام الأجنبية أوراقهم الرسمية. وبدون هذه الأوراق، لا يسمح لهؤلاء الصحفيين بتغطية الأحداث الرسمية؛ وهو ما يعني أنهم لم يعودوا قادرين على العمل.

وبالنسبة لأولئك الذين لم يغادروا البلاد، فقد اضطروا لتغيير مهنتهم، أو قبلوا بالعمل في كتابة النشرات الإخبارية، أو استمروا في العمل في الزوايا المظلمة من شبكة الإنترنت. وقال مراسل يحاول البقاء آمنًا من خلال مغادرة البلاد بشكل دوري: “تويتر هو السبيل الوحيد لنشر الأخبار، وللتعبير عن غضبك، وفعل ذلك قد يوصلك إلى السجن في نهاية المطاف“.

ولكن الفضاء الإلكتروني أيضًا لم يعد ملجأ لهؤلاء الصحفيين. وقد ألقي القبض على العشرات من المدونين، وحكم عليهم؛ بسبب تغريدة اعتبرت مسيئة للملك أو احتجاجًا تحريضيًا.

 

وعندما دخلت القوات السعودية البحرين في عام 2011، ألهبت هذه الخطوة الانقسام السني-الشيعي الذي كان قائمًا لقرون. وأشعل التوغل غضب السكان الشيعة في منطقة الشرقية الغنية بالنفط من المملكة العربية السعودية، الذين يشاركون إخوتهم الشيعة في البحرين في التعرض للتمييز من قبل الطائفة السنية الحاكمة. وعلى الرغم من الحظر الصارم على المسيرات المناهضة للحكومة، نزل الشيعة في المحافظة السعودية إلى الشوارع للاحتجاج.

جاسم السافر، الذي كان حينها في الـ26 من عمره، كان مصورًا حرًا لصالح Awamphoto، وهي وكالة لبيع صور الاحتفالات التقليدية والدينية. وقال ابن عمه مهدي الظاهر، في مقابلة سكايب من المملكة العربية السعودية، إن جاسم بدأ بتوثيق الاحتجاجات في مسقط رأسه في محافظة الشرقية، العوامية، في ربيع عام 2011.

ومثل معظم الناس الذين يعيشون في العوامية، دعم جاسم المحتجين، وكان يتواصل مع الصحفيين الأجانب عبر وسائل الإعلام الاجتماعي؛ لأن السلطات منعت الوصول إلى المنطقة، وقال ابن عمه إنه قاد واحدًا منهم إلى الاحتجاج.

وعمل جاسم أيضًا كمشرف في “نسمة”، وهي مجموعة لضمان أن العمال الأجانب كانوا يقومون بعملهم بشكل صحيح وفي الوقت المناسب.

وفي صباح يوم 8 يوليو 2011، استيقظ جاسم على مكالمة هاتفية من مدير شركة نسمة يقول له فيها إنه مطلوب على الفور. وبينما كان يقود سيارته في موقف سيارات الشركة، شاهد جاسم اثنتين من سيارات الشرطة عند البوابة. لقد تم وضعه في سيارة إسعاف، واقتيد إلى مركز شرطة الجبيل الذي يقع على بعد 65 ميلًا إلى الشمال.

وفي صباح ذلك اليوم نفسه، تم استدعاء ستة مصورين آخرين بوكالة Awamphoto إلى أماكن عملهم؛ حيث تم اعتقالهم ووضعهم في السجن أيضًا. وانتهى المطاف بجاسم في الحبس الانفرادي في سجن مديرية المباحث العامة في الدمام، وهي أكبر مدينة في محافظة الشرقية. وقال جاسم لابن عمه إن الحراس يزورونه مرة واحدة كل أسبوعين لاستجوابه، وضربه، وحرمانه من النوم.

وقال ابن العم إنه، وبعد ستة أشهر من وصوله إلى الدمام، استطاعت عائلة جاسم العثور عليه أخيرًا. وخلال زيارته في السجن، رفع جاسم قميصه إلى الأعلى، وقال لابن عمه: “لا زالت علامات التعذيب على ظهري، ولكن لا تقل شيئًا لوالدي ووالدتي. سوف يشعران بالحزن علي، وسوف يبكيان“.

وتمت محاكمة جاسم من قبل قاض في محكمة الأمن والإرهاب الخاصة. ووجهت إليه تهم “إنشاء خلية إرهابية“، و”نشر الصور وأشرطة الفيديو التي يمكن أن تشوه سمعة المملكة على يوتيوب“، و”اللقاء مع صحفيين أجانب“. حكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، وتم منعه من السفر إلى خارج المملكة لسبع سنوات إضافية.

وفي أعقاب الربيع العربي، تم تشديد القوانين السعودية لردع التقارير الإخبارية المستقلة، وأصبحت العقوبات مشددة أكثر. ويتم استخدام قانون مكافحة الإرهاب الغامض الصياغة لعام 2013، والذي يعرف الإرهاب بأنه “أي فعل… يهدف إلى تعكير صفو النظام العام للدولة… أو إهانة سمعة الدولة أو مكانتها“، في اعتقال المدونين. وقد رفضت السفارة السعودية الرد على طلب للتعليق.

 

وشكلت مواقع الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي الأكسجين بالنسبة للربيع العربي. وقام النشطاء والصحفيون أدوات جيلهم للالتفاف على قوات الحرس القديم. وكانت فعاليتهم في ذلك أمرًا مفاجئًا بالنسبة للمؤسسة الأمنية.

ولكن الحرس القديم استطاع العودة من الناحية التكنولوجية، ويرجع الفضل في ذلك إلى الشركات الغربية التي كانت على استعداد لبيع هذه الأنظمة وسائل المراقبة والتكنولوجيا الحديثة وتدريبها عليها.

وتقوم مصر بتنفيذ مشروع رصد المخاطر على شبكات الإعلام الاجتماعي، الذي يسمح لها بالبحث في، وتحليل الاتجاهات، على مواقع الفيس بوك، تويتر، إنستغرام، لنكدإن، جوجل، WhatsApp، وغيرها. وفي أي وقت من الأوقات، سيكون هناك 30 محللًا على الأقل لمراقبة التدفقات الضخمة للبيانات المكتوبة بكل من العربية الفصحى والعامية، وفقًا لطلب من وزارة الداخلية في عام 2014، تم تسريبه إلى وسائل الإعلام المصرية.

وفي البحرين، تراقب المديرية الجديدة للسلامة المعلوماتية مواقع الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية التي قد “تهدد الوحدة الوطنية”. وفي الوقت نفسه، يدعو قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية لسجن أي شخص يستخدم الإنترنت أو أجهزة الكمبيوتر لتحميل “المواد التي تؤثر على النظام العام، والقيم الدينية، والآداب العامة، والخصوصية“. وقد حكم على المدون السعودي رائف بدوي (31 عامًا) بالسجن لمدة 10 سنوات و1000 جلدة، في عام 2012؛ بتهمة “إهانة الإسلام من خلال القنوات الإلكترونية“.

 

ومن بين كل دول الشرق الأوسط التي هزها الربيع العربي، كانت مصر الأشد ضد الصحفيين الذين يحاولون متابعة الأحداث. لقد قتل 10 أشخاص على الأقل هناك، وتعرض العشرات للضرب، من قبل قوات الأمن أو الميليشيات البديلة التي حاولت تفريق الحشود، والحد من التغطية الدولية للمظاهرات التاريخية.

ومن بين أولئك الذين فقدوا حياتهم كان ميك دين (61 عامًا) مصور لشبكة سكاي نيوز. لقد تم إطلاق النار عليه من قبل قوات الأمن في أغسطس 2013 عند محاولة هذه القوات تفريق المتظاهرين في القاهرة. وكان دين زوجًا لدانييلا دين، وهي صحفية مساهمة في صحيفة واشنطن بوست.

وبعد أن اضطر حسني مبارك للتنحي، ازدهرت وسائل الإعلام المستقلة في مصر لمدة 18 شهرًا. ولكن الرقابة والاعتقالات والمضايقات عاودت الظهور بعد انتخاب زعيم الإخوان المسلمين محمد مرسي رئيسًا للبلاد. وتحولت بعض الصحف الـ600 في البلاد إلى وسائل للدعاية السياسية.

ومنع الانقلاب العسكري في يوليو 2013، والذي جاء بالجنرال عبد الفتاح السيسي كرئيس للبلاد، صحف جماعة الإخوان المسلمين ومحطاتها الإذاعية والتلفزيونية وسجن صحفييها. وأرجعت الحكومة العسكرية الجديدة وسائل الإعلام مرة أخرى إلى أيام الأحكام العرفية. وفي أكتوبر 2014، قالت مجموعة من المحررين إنها ستحد من انتقادها لمؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش؛ من أجل الاستقرار.

وشكلت إحدى الصحف استثناءً لهذه القاعدة. وقالت لينا عطا الله، وهي رئيسة تحرير “مدى مصر”، إن موقعها الإخباري الجديد على الإنترنت بالإنجليزية والعربية لا يزال يحاول تغطية كل شيء. وعندما سئلت عما إذا كانت تمارس الرقابة على نفسها أحيانًا، قالت عطا الله بعد دقيقة من التفكير: “يجب أن تكون سياسيًا… علينا أن نمر من خلالها من أجل مواصلة وجودنا“. وأضافت عطا الله أنه إذا كان المقال ينتقد النظام؛ فإن الموقع قد يخفف من حدة العنوان بحيث يكتسب اهتمامًا أقل. وأوضحت بالقول: “إننا نحاول الاستفادة من هذه الثغرات من أجل عدم التنازل عن المحتوى الفعلي“.

هذا، ولا يزال هناك نحو 10 صحفيين في السجن في مصر.

 

وما يعنيه أن تكون صحافيًا في البحرين اليوم هو أن تكون خائفًا جدًا من إغضاب السلطات؛ لدرجة أنه عندما تطالب الرقابة في هيئة شؤون الإعلام بتغيير كلمة معينة في العنوان، يتم تغييرها. وقد اضطر بعض الصحفيين الذين لا يستطيعون العثور على وظيفة مراسل مستقلة في البحرين، مثل فيصل حياة، إلى اللجوء لنشر المونولوجات الساخرة على موقع يوتيوب.

وتدعى مونولوجات حياة “What’s Up”. وهو يستخدم النكتة في انتقاد الحكومة بطريقة موارية. وفي بعض الأحيان، لا تكون هذه الانتقادات متوارية جدًا، كما هو الحال في الحلقة التي كان قد انتهى من تسجيلها في ديسمبر/ كانون الأول. وقال حياة حينها: “أنا قلق قليلًا من هذه الحلقة“.

وفي الحلقة المذكورة، يسخر حياة من نتائج الانتخابات الأخيرة. وقد حصلت الحلقة على 9671 مشاهدة. ويقول حياة: “عندما أخرج من المنزل، أتوقع حدوث أي شيء: حادث سيارة، أو أن يقوم شخص ما بإطلاق النار علي“. ولكنه رغم ذلك لا يزال يخرج من المنزل، ويلتقي بالأصدقاء، وينشر أشرطة الفيديو. ويضيف حياة: “شيء ما في داخلي قد تغير بعد السجن… لدي حقوق وسأبقى أكافح من أجل حقوقي حتى يتغير شيء ما“.

 

واشنطن بوست – التقرير

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.