.
جواب 21

سأحاول شرح هذه العلاقة .. بإختصار شديد .. من خلال قصة لطيفة سبق لي أن قراتها في مجلة فن التصوير .. منذ أكثر من ثلاثة عقود .. ( عرض النحات الفرنسي الشهير عام 1912 على صديقه المصور الألماني إدوارد شتايغن .. تمثالا كان قد نحته للتو لشخصية الأديب و الشاعر بلزاك .. فتناول شتايغن التمثال ووضعه في ليلة صافية على ضوء القمر .. و بقي لزمن طويل يحاول أن يلتقط إنعكاس ضوء القمر الضعيف على التمثال لتسجيله على لوحه الحساس .. و لم تكن حينها أملاح الفضة ..التي تمتص إيقاع الضوء و تدرجاته بذات السرعة في التطور اللاحق فيما بعد لإستقطابه بأجزاء الثانية .. و عندما ظهّر شتايغن الصورة _ اللوحة _ عن تمثال بلزاك .. قال .. فنان عظيم مثلي .. ينحت تمثالا لكاتب عظيم .. لا بد له من مصور أعظم يبدو فيها بلزاك و كأنه شهب نازل من السماء .. ) هذا فقط مثال عن علاقة التصوير الضوئي بالنحت .. فما بالك بعلاقته ببقية الفنون .. و كيف إستفاد منها في تكويناته .. و تأليفه للمشاهد كما في الرسم .. و كيف قدر للعدسات من تغيير مسار تاريخ الفنون و عوالم جديدة من الألوان التي لم يسبق إستخدامها من قبل إختراع و إكتشاف فن التصوير .. التي كانت سببا غير معلن عن ظهور كل التيارات و المدارس الفنية في التشكيل البصري في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .. و حتى في بدايات السينما .. يمكنك قراءة الصورة السينمائية و قوة حضورها و تعبيرها .. من أن المخرج كان في ما مضلى من أيام مصورا فوتوغرافيا .. و الى الأن لا زلت أقرا بعيني حساسية عين أي مخرج تلفزيوني أو سينمائي ..من خلال رؤيته البصرية التي لابد لها أنها مرت عبر وقوفه خلف عدسة التصوير .. و ساهمت دراساته الضوئية بتميزه عن .. مخرجين فاقدين للموهبة .. و ما أكثرهم

جواب 22

لا ادعي شرف إرساء أي رسالة .. لقد عملت مدرسا للتصوير .. و نلت تقديرا و إحتراما عميقين .. و ذكريات عريضة أعتز بها كما عمالت .. مصورا للأثار .. و توثيقها و تنظيم معارضها .. و تحفل ذاكرتي بالقصص المحزنة و الطريفة .. و المغامرات المؤلمة .. و عملت في الصحافة اللبنانية التي فتحت أمامي أبوابا واسعة من حرية الرأي الى حدود مقبولة حينها .. مع الكثير من الخيبات .. إضافة الى تجاربي المقلة في تصوير و إخراج الأفلام الوثائقية التي كنت إنتجها لوحدي .. و مع ذلك لا أنسب الى نفسي أي إدعاء ليس على حقيقته .. بل علي أن أشكر ألة التصوير التي منحتني كل تلك الصور التي أحبها .. و قلمي الذي جعلني أغادر هذا الوطن بعد أن حل به واحدة من أكثر مأسي القرن إيلاما للذاكرة الإنسانية .. و بالرغم أن حالة ( الأنا ) في تكويني النفسي .. عالية .. إلا أنه لا يمكنني الإعتراف هنا بعد مضي كل هذه العقود أن هناك مصورون كنت شاهدا على إستشهادهم و هم يوثقون المجزرة السورية المستمرة منذ سنوات .. و كان بعضهم من طلبتي .. أفتقدهم اليوم بخسارة الأصدقاء .. وكانوا دائما من الأهمية .. أكثر مني بأشواط .. و أن أتواضع أمامك .. و أمامهم .. عند ذكرهم .. و تذكارهم .. فهم كانوا أصحاب رسالة .. و ليس أنا .. بالتأكيد .. !!

ليس هناك سؤال رقم 23
جواب 24

مروان مسلماني إنسان بسيط .. و متواضع .. و لم أتعلم يوما منه ما يسمى التواضع .. و ربطتني به صداقة إمتدت عقودا لحين رحيله قبل في شهر شباط قبل عامين .. و كتبت عنه عشرات المقالات و الدراسات .. و رافقته في أصعب لحظات حياته .. و لكنني لم أخترق حياته الأسرية رغم معرفتي العميقة بها .. لقد تعرفت على ابنه و إبنته من بعيد .. و لم أتشرف بالتعرف على شقيقه المهندس عدنان .. و لكنني أؤكد أن العزيز خالد حمودة كان مقربا جدا من مروان .. و كذلك سناء الأرناؤوط التي كانت مقربة منه في أخر سنوات عمره .. و مرّ علينا الكثير من الأصدقاء المشتركين و كان رحمه الله شيخ قبيلة المصورين .. الفنانين .. و لعل صداقته التاريخية الكبيرة و إرتباطه الفني العميق كانت مع النحات الكبير الراحل سعيد مخلوف .. و سبق لي أن كتبت عن علاقتهما الإنسانية و تعاونهما الفني بين التصوير و النحت في مجلة فكر .. التي تصدر في لبنان .. في أكثر من مناسبة .. !!

جواب 25
مروان رحمه الله لم ينحت تمثالا واحدا في حياته .. و لم يكن يجيد النحت .. كان يوصي أصدقاءه النحاتين .. بصنع إنموذج ( ماستر ) و كان يقوم هو بعمل قوالب عنه .. و إنتاج نسخ من مادة إنتقاها و عمل على دراسة حلات مقاومتها للكسر و حقق فيها نجاحا باهرا .. إذ إنتقاها من مادة الرزين التي تصنع منها الأسنان البديلة .. و هذه من أسرار مروان و لست مضطرا لكشفها أمام أحد .. و لا ضرورة لذكر أسماء النحاتين الذين تعاون مروان معهم .. و هم فنانون كبار .. و يعلمون جيدا حقيقة كلامي هذا .. و أذكر .. دائما أنني موثق و مدقق .. و لا أرضى برواية قصص غير حقيقية عن شخصيات كنت أنا شاهدا عليها .. أو لصيقا بشخصياتها .. و لم يكن مروان مسلماني رجلا ثريا كي يتبرع للجمعيات الخيرية بما يحصله من جهد .. لقد عاش رحمه الله حياة شبه بائسة .. و كان هو يردد بالذات ملازمة الفقر .. و الفقراء له .. و هو لم يملك ثمنا لمنزل .. مثلا .. فبيته كان بالإيجار .. و فقد مرسمه .. قبل بضع سنوات من رحيله .. و عانى الامرين و هو مهجر عن منزله .. و توفاه الله و هو لا يملك اإلا تاريخه و أسمه العريض .. و إنسانيته و كرمه الذي فاق الحدود مع زملاءه و أصدقاءه و بعض اقرباءه .. و أشهد أنه قدم لهم الكثير من المساعدات أيام التألق و النجاح .. و كان مسؤولا عن رعاية أمه المريضة و والده المتقدم في العمر بحكم الشيخوخة .. و كان هو بالذات من يقوم علة أودهم .. نعم لقد كان يتبرع للفقراء بالمال دون أن يصرح عن ذلك أو يتفاخر به .. و لكنني لا أرغب في الخوض في مبالغات غير حقيقية .. !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جواب 26

لقد تعرض للإستغلال الكبير .. من البعض .. على صناعة النسخ من تماثيله الصغيرة التي كانت تباع مرخصة في المواقع الأثرية .. و نافسه البعض على تقليد نسخ رديئة .. و مشابهة لنماذجه .. بعد أن لمسوا الرواج الكبير .. و الأرباح المقبولة نسبيا التي كانت تحققها خلال مواسم الفورات السياحية في سورية .. و بعضهم قام بسرقته الموصوفة .. بالأدلة و الشواهد التي كنت أنا بالذات .. و قلة قليلة من الاصدقاء شهود عليها .. و قاموا بتزيين كتبهم و مقالاتهم .. دون أن يكلفوا الإشارة اليه .. او تقديم جزء يسير من ريع منشوراتهم التي ما كانت لتتم أو تباع .. ولا صوره الجميلة .. لذلك قام هو بطباعة كتبه الهامة التي توثق جوانب متعددة من تنوع الأثار السورية و هي توثق أيضا جهده و نتاجه في التصوير الأثري .. لذلك لا أستغرب عند إبتعاده عن الأضواء في أخر سني حياته أن يعمد اللصوص و القراصنة لسرقة نتاجه و صوره و كتبه .. فهذه كانت فلكلورا .. في حياتنا الثقافية السورية .. لهزالة قوانين حماية الملكية الفكرية و الفساد الهائل الذي تراكم عبر السنون ..

جواب 27

لقد كانت هذه التقويمات التي تظهر مع بداية كل عام فتحا جديدا في التعرف على الوجه الحضاري و النشاط البشري في سورية طوال قرابة أكثر من ثلاثين عاما متواصلة .. قدم فيها أجمل مخزونه البصري عن سورية بحرا و برا و جبلا و سهلا .. و نهرا و حقلا .. وشارعا و طفلا .. و الكثير الكثير من أثارها .. برؤية مبكرة و واعية تدرك ما تريد من هدفها .. الى كل اصقاع العالم ..مروان مسلماتي .. كان سفيرا .. فوق العادة لسورية و أثارها .. الى العالم ..

جواب رقم 28 ..

و كان في ذروة تألقه عندما تعرفت اليه بداية الثمانينات .. و بالرغم من الفارق العمري كنا أصدقاء .. ويبدو أنه لمس بإحساسه العال شيئا ما يمزني .. كما كان يردد عني دائما .. شيئ ما صادف هوى في نفسه.. و أنا لم أغرقه بالأسئلة ..كما كان يفعل الكثر من أصدقاءه و أقرباءه .. فكنا نتحدث في لقاءاتنا بكل شيء .. أقله التصوير .. و أما و قد سألتني عن إبتكاراته فقد كان يصمم بنفسه أجهزة خشبية بسيطة للطبع التلامسي .. ( الكونتاكت ) لأعمال التوثيق المتحفي .. كما كان يقوم بتصنيع عاكسات الضوء من مكونات بسيطة للغاية .. و عندما أحس في إحدى السنوات بضغط العمل في طباعة الصور و إظهارها و تنشيفها بالطرق القديمة .. طلب الى إحدى الشركات المصنعة للأدوات المعدنية بتصنيع جهاز تنشيف الصور على الهواء الفاتر .. كي لا يتنظر الى اليوم التالي ليجف شريط فيلمه الذي كان المصورون يعلقونه على حبل .. ليمسي إنتاجه .. الأسرع و الأعلى طوال سنوات .. !!

جواب 29
سبق لي أن أطلقت على الراحل العزيز مروان شيخ قبيلة المصورين .. الفنانين .. و كان هو على رأسهم .. عونا .. و ثقافة .. و حضورا عالميا .. و مرجعية علمية لي و لغيري .. و للكثر .. و لكن مروان لم يمارس التعليم في حياته .. لقد كلفه .. الدكتور صباح قباني في بداية تأسيس التلفزيون السوري عام 1960 .. بتقديم برنامج عن التصوير الضوئي .. قدم منه بضع حلقات ثم إعتذر .. كما قال لي لعدم قدرته على الوقوف امام الكاميرا .. للتعليم .. فمروان لم يمارس التعليم في حياته .. ولم يكن ليرغب فيه .. فعندما كلفته وزيرة الثقافة عند إفتتاح معهد الأثار .. إعتذر فورا .. و قام بترشيحي بدلا عنه .. و رفضت إدارة المعهد لصغر سني .. إذ لم اكن أتجاوز العشرون عاما حينها .. فإتصل بالفنان جورج عشي و الذي كان في أوج تالقه .. و كلفه بالتدريس … و لكنه إعتذر .. و رشحني الأستاذ جورج مرة أخرى فلم تقبل إدارة المعهد .. و قيل وقتها لوزيرة الثقافة .. لا يمكن ان يكون مدرسا .. طلابه أكبر منه .. فجاء الصديق الفنان عمر البحرة .. و تسلم التدريس عدة سنوات إلا أنه قبيل سفره الى الإمارات العربية المتحدة إستقال بعد أن رشحني للتدريس أمام إدارة المعهد و قام الدكتور مروان مسلماني بإقناع الإدارة بوزارة الثقافة .. بما له من حضور كبير و بعد أن تمرست أكثر بالدراسة و البحث .. و عندما إستقال من عمله في المديرية العامة .. كنت المرشح الأبرز لتولي مكانه .. و هكذا كان ..

جواب 30

كل هذه الاسماء .. التي عددتها في سؤالك .. و غيرها .. كانت بغالبيتها أكثر الفنانين حضورا .. في الشأن الفوتوغرافي في سورية .. طوال سنوات .. و التقيت و صادقت غالبيتهم .. و كتبت كثيرا عن نشاطهم طوال سنوات .. و من حصيلة هذه الاسماء التي إنطفئ معظمها .. و بعضها غادر الساحة الفنية لإعتبارات يضيق المتاح هنا لشرحه .. و تبيان أسبابه .. و لعلي أشعر بالكثير من الحرج لأنني غفلت عن تجارب قديمة و عريقة لمصوريين مبتكرين .. و كان على رأسهم الفنان عادل مهنا الذي مارس التعليم و قام بالتضحية الكبيرة في سبيل توسيع إنتشار هذا الفن .. منذ أواسط سبعينات القرن الماضي .. عبر معرضه الفريد الذي خاض فيهغمار البحث وجوه نادرة من الشارع و الحياة اليومية للبسطاء و الفقراء و المهمشين .. و أعمل اليوم على تحقيق الجزء الثاني من توثيق تاريخ فن التصوير الضوئي تتمة للجزء الأول .. و سأقدم فيه دراسة حقيقية .. عن دور هذا الفنان الهام .. و غيره الكثر الذين كانت لهم تجارب عميقة في تصوير البورتريه .. كهيثم الكواكبي الذي غادرنا قبل بضعة أسابيع .. و سبقه الى دار البقاء كثر كانوا أصدقاء أعزاء و فنانون أقدر تجاربهم الفنية و البحثية كعبد الكريم الأنصاري و كما أن تجربة الفنان التشكيلي بطرس خازم و مأمون الحمصي أمد الله في عمريهما ..لهما قدر و نصيب من الدراسة .. لانهما بالأساس فنانين تشكيليين من أصحاب الخبرة و الموهبة الواسعة في التعامل مع اللون .. كذلك الراحل الاثري علي رضا النحوي و صديقنا الخفيف الظل و صاحب النكتة الحاضرة العزيز منير البكر .. الذي توقف إنتاجه منذ مدة طويلة .. و أخمن أنه يحتمل أنه يخفيها عن الأنظار .. و أما الراحلين الكبيرين .. طارق الشريف و صباح قباني و الذي فقدناه مع مطلع هذا العام .. فالبرغم من أنني سبق لي أن قدمت عنهما قراءات موجزة في نصوص سبق نشرها .. إلا أن كال واحد منهما جدير بالتوقف عند تاريخه .. بشكل منفصل ..

كما أن الموثقين بالصورة و الكلمة الفنانين الجليلين الراحلين خالد معاذ و من ثم أتى بعده قتيبة الشهابي .. ليقتفي اثره ..بحيث سندرك اليوم و بعد كم الدمار الهائل الذي حصل للاثار و التراث السوري و التدمير الممنهج الذي وقع عليه .. أهمية جهديهما في حفظ كم كبير من الوثائق و المعلومات النادرة و المصنفات الهامة لتاريخ الشام و أهلها .. و لا يمكنني أغفال دور كثير من الاصدقاء و الزملاء الشباب .. و منهم ..الفنان الصديق جلال شيخو و الذي قدم أعمالا لها طابعها الخاص و نكتها المميزة عن دمشق .. طوال عقود .. لا زلت أحفظ الكثير في ذاكرتي عنها و عنه .. و كل هؤلاء و غيرهم .. كنت أتعلم شيئا جديدا منهم و من تجاربهم و لم أكن يوما أحسن من أحدهم .. أو شعرت لحظة بالتفوق على فنية تجربة واحد منهم .. أو هم قد أشعروني يوما .. بأنني كنت أقل منهم .. و أكثر هذه الشخصيات الفنية الموهوبة بعمق و الذي ساهم بتاريخه الطويل في توسيع قاعدة هذا الفن و الإخلاص له هو الفنان جورج عشي.. و مع وسائل التعبير الاخرى التي إمتلكها .. و تملكته .. من عزف موسيقي و كتابة شعرية و أدبية و صحفية .. الى الرسم .. و التصوير الفوتوغرافي .. بحيث يعد بشخصه معملا فريدا للإنتاج البصري و الذوقي الرفيع .. فكان بحق أستاذ الكاميرا .. بوجهها الحضاري المتفوق و مايسترو الإبداع .. كما كنت أصفه دائما في تنظيم نادي فن التصوير الضوئي .. و دفعه .. ليرتق خلال سنوات الحماس و الذروة الإبداعية في المعارض و النشاطات .. حتى المستويات العالمية .. و كنت شاهدا عليه بأنه دفع ضريبة شهرته و نجاحه .. بأن كان دافعا للكثيرين من الفنانين الشباب كي يحققوا طموحاتهم الفنية عبره و كنت شاهدا مرات أخر على دوره في تأسيس هذا التجمع الذي دفع وزارة الثقافة لتخصيصه بجناح مستقل يعرض نتاجه .. جنبا الى جنب مع اللوحة المرسومة و المحفورة و المنحوتة .. كما أعترف بذلك الراحل العزيز مروان مسلماني أمامي في أكثر من مناسبة و الذي ترأس النادي في أولى دوراته بعد التأسيس مباشرة.. كما كان الفنان الكبير جورج عشي مدرسة وعميقة صاحب رؤية واضحة بجعل فن التصوير قائما في معارضه للأبيض و الأسود .. فحسب .. أسوة بمعارض فنية كبرى .. لم تعترف بعد بلوحة الألوان كما في الجمعية الملكية البريطانية و غيرها من أعرق نوادي الفن و تجمعاته الفوتوغرافية في العالم ..

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.