كيف غير الاعلام الجديد أساليب العمل الصحفي؟
تكوّن آلاف الصحفيين الذين يمارسون حاليا مهنتهم لعصر غير عصرهم إذ تمت تهيئتهم للعمل في الجرائد اليومية و المجلات و وكالات الأنباء أو في المحطات الإذاعية و التليفزيونية و لكنهم يشاهدون اليوم بإعجاب لا يخلو من الخوف أن محطتين تلفزيونيتين مثل الجزيرة و العربية أصبح لهما موقع إخباري ينشر مادة إعلامية مكتوبة تضاهي ما تنشره الجرائد و أن مؤسسات صحفية عريقة مثل الشيكاغو تريبيون في أمريكا أضافت أستديو تليفزيوني إلى جانب قاعة التحرير و أصبحت تبث ، مادة إعلامية صوتية أو مصورة.عبر موقعها الإلكتروني.

ما هي أوجه الممارسة المهنية في الصحافة المكتوبة التقليدية التي تغيّرت نتيجة للمستجدات التي أدخلتها التقنيات الحديثة على مهنة الصحافة ؟:

• التعامل الجديد مع الآنية و الانتقال من الوتيرة الدورية لتغطية الأخبار الى الجريدة المسترسلة.
• الانتقال من الرسالة الاعلامية المشكلة من رمز واحد أو من رمزين فقط الى الرسالة المتعددة الرموز.
• الانتقال من النص المطبوع ذا مساحة ثابتة الى النص الفائق الموصول بنصوص أخرى.
• التحول الجذري في نوعية العلاقة مع الجمهور من متلق سلبي تفتح له صفحة القراء في أفضل الحالات الى شريك تفاعلي له دورحقيقي في صياغة الرسالة الاعلامية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كيف غير الاعلام الجديد أساليب العمل الصحفي؟

د.المهدي الجندوبي

journalisme d'agence journalisme de base

 

المقدمة:

تكوّن آلاف الصحفيين الذين يمارسون حاليا مهنتهم لعصر غير عصرهم إذ تمت تهيئتهم للعمل في الجرائد اليومية و المجلات و وكالات الأنباء أو في المحطات الإذاعية و التليفزيونية واليوم و هم يشاهدون بإعجاب لا يخلو من الخوف أن محطتين تلفزيونيتين مثل الجزيرة و العربية أصبح لهما موقع إخباري ينشر مادة إعلامية مكتوبة تضاهي ما تنشره الجرائد و أن مؤسسات صحفية عريقة مثل الشيكاغو تريبيون في أمريكا أضافت أستديو تليفزيوني إلى جانب قاعة التحرير و أصبحت تبث ، مادة إعلامية صوتية أو مصورة.عبر موقعها الإلكتروني، مثلها مثل جريدة لوموند الفرنسية و غيرها من الجرائد.
و من الطبيعي أن تتوجه كل مؤسسة إعلامية إلى أعضاء هيئة تحريرها بالدرجة الأولى لمدها بهذه المادة الإعلامية الجديدة التي لم يتعود الصحفيون على إعدادها لأنهم تكونوا ومارسوا مهنتهم عدة سنوات على أساس تقسيم عمل واضح الحدود بين الموضوع المعد للنشر في جريدة و الموضوع المعد للبث في إذاعة أو تليفزيون، فكيف لهم أن يستجيبوا لذلك سواء من ناحية حجم العمل الإضافي أو من ناحية المهارات الجديدة اللازمة لمتطلبات الإعلام الاندماجي الذي لم يعد يميز بين طبيعة الرموز المستعملة في صياغة الرسالة الإعلامية.
رافقت العديد من مؤسسات تكوين الصحفيين متطلبات الإعلام الاندماجي و أضافت الى مناهجها مهارات الكمبيوتر و الصحافة الإلكترونية مما سيعزز في السنوات القادمة عدد الصحفيين الذين تحصلوا على هذا النوع من التكوين و لكن في انتظار الانتشار الواسع لهذا الملمح الجديد للصحفي المندمج يبقى الصحفي المخضرم الملمح السائد في هيئات التحرير و عليه أن يستجيب عن طريق التدريب لتوفير المهارات اللازمة فيتعلم الصحفي في الجريدة كيف يسجل بطريقة مهنية حوارا صحفيا سينشر مكتوبا في الجريدة إضافة الى بثه صوتيا في الموقع الإلكتروني.

إن استعمال المادة الإعلامية الواحدة مرتين، مرة أولى للنشر في شكل مكتوب و مرة ثانية للبث في شكل صوتي آو مصور ليس سوى مستوى واحد يتعلق بصياغة الرسالة من بين العديد من المستويات الأخرى التي شملتها التقنيات الحديثة للإعلام و الاتصال و أدخلت عليها تغييرات جوهرية. يصف هذا الباب جانبا من هذه التحولات التي تشهدها المؤسسات الإعلامية مقتصرا على ممارسة المهنة الصحفية و المهام الجديدة التي تجابه الصحفي المخضرم في هذه المرحلة الانتقالية التي ستستمر الى عدة سنوات أخرى. و سنقوم على امتداد هذا الباب بمقارنة بعض أوجه الممارسة المهنية في الصحافة المكتوبة التقليدية بالمستجدات التي أدخلتها التقنيات الحديثة على مهنة الصحافة و يمكن تلخيصها في العناصر التالية:

· التعامل الجديد مع الآنية و الانتقال من الوتيرة الدورية لتغطية الأخبار الى الجريدة المسترسلة
· الانتقال من الرسالة الاعلامية المشكلة من رمز واحد أو من رمزين فقط الى الرسالة المتعددة الرموز
· الانتقال من النص المطبوع ذا مساحة ثابتة الى النص الفائق الموصول بنصوص أخرى
· التحول الجذري في نوعية العلاقة مع الجمهور من متلق سلبي تفتح له صفحة القراء في أفضل الحالات الى شريك تفاعلي له دورحقيقي في صياغة الرسالة الاعلامية
1. من الصدور الدوري الى الاعلام المسترسل

ارتبطت مهنة الصحافة منذ نشأتها بالآنية اذ هي تلتزم أمام القراء بتوفير الأخبار في أقرب وقت حتى يكون كل قارىء أول من يعلم بالحدث بمجرد اطلاعه على الجريدة. لا تقتصر الجريدة على توفير الأخبار و لكنها تقدم آخر الأخبار، أي كل ما كان يجهله القارىء قبل اطلاعه على الجريدة وما سيبقى يجهله غيره من الناس الذين لا يطالعون الجرائد. لذلك تعتبر كل كتب الصحافة عنصر الآنية أو الحالية من أهم القيم الاخبارية عند قرار النشر أي عند المراوحة بين ما يستحق نشره من الوقائع و ما يمكن اهماله.

 
1. مختلف مراحل الخبر:

بين وقوع الحدث في الواقع و وصول الخبر الى القارىء عدة مراحل يحتاج تنفيذها الى مدة زمنية تطول أو تقصر، و تتراكم هذه الحصص الزمنية فتكون سببا في الفارق الزمني بين زمن وقوع الحدث و زمن اطلاع القارىء على الخبر، و كلما نجحت الجريدة في تقليص هذا الفارق كلما حققت درجة أنية مرتفعة الىحد تزامن وقوع الحدث و اطلاع المتلقي عليه مثلما يتحقق ذلك في التغطيات التليفزيونية المباشرة .

· بين وقوع الحدث في الواقع و علم الصحفي به قبل التغطية

بغطي الصحفي الأحداث المتوقعة و الأحداث غير المتوقعة و اذا كان الحدث المتوقع يسمح للصحفي بالتواجد قبل الحدث و متابعته بصفة مباشرة مثل مقابلة كرة القدم أو جلسة في مجلس النواب، فان الأحداث غير المتوقعة مثل اندلاع حريق أو انفجار قنبلة أو استقالة رئيس بلدية، لا يعلم بها الصحفي الا مدة قد تقصر أو تطول بعد اندلاعها أو انتهائها.

· مرحلة التغطية الميدانية

يحتاج الصحفي الى وقت عمل عند وصوله للميدان لمتابعة مختلف أوجه الحدث في صورة الحدث المتوقع أو لمعاينة بعض آثار الحدث في صورة الحدث غير المتوقع و ملاحقة المصادر التي ستسمح باعادة تركيب صورة وقوع الحدث و صياغة مادة اعلامية قابلة للنشر.

· ارسال النسخة الى مقر الجريدة

يسلم الصحفي الموضوع مباشرة عند عودته الى المقر في صورة وجود الميدان على مقربة من المقر و لكنه في أغلب الأحيان يحتاج الى ارسال النص بأية وسيلة نقل( باخرة، قطار، سيارة، طائرة) أو اتصال متاحة ( التليغراف، الهاتف، البريد الالكتروني)

· المراجعة و الاخراج

فور وصول النص الى المقر يطلع عليه المحرر قصد تعديله و اقراره للنشر ثم يسلم للمخرج الذي سيحدد موقعه في الصفحة و يعالجه تيبوغرافيا قصد تهيأته للطبع.
· مرحلة الطبع و التوزيع

تسمح بطبع الجريدة و نقلها من المطبعة الى الأكشاك و مختلف نقاط البيع أو الى مركز البريد و هكذا يتم اللقاء بين الحدث و بين الجمهور.
يتحدد الوقت المخصص لتنفيذ مختلف المراحل اللازمة لجمع الأخبار و معالجتها و توزيعها، حسب الكفاءة المهنية لكل صحفي و حسب أساليب تنظيم العمل المعتمدة في المؤسسة الاعلامية و حسب التقنيات المعتمدة في انتاج الوسيلة الاعلامية و حسب سرعة وسائل النقل و حسب سرعة وسائل الاتصال المعتمدة.
2. من الجريدة الدورية الى الجريدة المسترسلة
مثل الصدور المنتظم للجرائد نقلة نوعية رئيسية بالنسبة الى صدور الكتب و هو الشكل المطبوع الدارج قبل نشأة الصحف، الى درجة أن هذه الميزة أصبحت تعتمد مقياسا للتعريف القانوني للصحف هذا اضافة الى أنتشار أهم ظاهرة اتصالية في المجتمعات الحديثة و هي خلق عادة شراء الصحف و قراءتها بصفة منتظمة.
و سمح تطورتقنيات انتاج وسائل الاعلام و الانصال ووسائل النقل و اعتمادها في مختلف مراحل العمل الصحفي بتقليص الوقت المخصص لكل مرحلة من مراحل جمع الاخبار و تويعها و تمكنت الصحف من الصدور في أوقات متقاربة أكثر فاكثر الى أن نشأت الجرائد ذات الدورية اليومية و مثلت نقلة نوعية بالنسبة الى الدورية الشهرية أو الاسبوعية.

بين صدور عدد و آخر يكون العالم من وجهة نظر القارىء و كأنه متوقف اذ الصدور الدوري يعتمد نشر الأخبار على وتيرة دفعات منتظمة و بين الدفعة و الأخرى هناك صمت اعلامي، فاصبح الصدور الدوري للجريدة يحدد وتيرة العالم لأن العالم لا وجود له في ذهن القارىء الا عبر النافذة التي تسمح بها الجريدة و هذه النافذة مثل ستار خشبة المسرح تغلق و تفتح في أوقات محددة.

و استقر الوضع هكذا منذ نشأه الجرائد اليومية الى اختراع الراديو ثم التليفزيون اللذان سيدخلان وتيرة دورية أسرع و سيفتحان نافذة العالم أكثر من مرة في اليوم حسب عدد نشرات الأخبار فتتقلص المدة الفاصلة بين وقوع الحدث و اطلاع المستمع و المشاهد عليه الى درجة تحقيق التزامن الكامل مع بعض التغطيات المباشرة حيث يكتشف المتلقي الحدث مع الصحفي.

و تبقى التغطيات المباشرة محدودة زمنيا أو استثنائية و حافظت المحطات الاذاعية و التليفزيونية على التوزيع الدوري للأخبار حتى و ان تقلصت هذه الدورية الى نصف ساعة بالنسبة الى النشرات الموجزة في بعض المحطات ذات الصبغة الاخبارية البحتة.

و تمثل نشأة الجرائد الالكترونية في العشرية الأخيرة من القرن العشرين نقلة نوعية جديدة في تقليص الوقت المخصص لتوزيع الأخبار الى درجة أن البعض يعتبر أن مصطلح الدورية لم يعد ملائما لأن توزيع الأخبار أصبح يتدفق بصفة مسترسلة و تعطي هذه الخاصية صفة مميزة تجعل الجرائد الالكترونية تحقق درجة آنية مرتفعة بالنسبة الى الجرائد اليومية و حتى بالنسبة الى محطات الاذاعة و التليفزيون، اذ يمكن ادراج خبر جديد في كل لحظة يضاف الى سيل الأخبار السابقة.

و استطاعت تقنيات الاعلام و الاتصال الحديثة أن تقلص الى أقصى حد الزمن المخصص لأنتاج الوعاء ( مرحلة الطباعة ) و لتوزيع الجرائد فأصبح الموضوع الصحفي جاهزا للقراءة من قبل المتلقي فور الانتهاء من تحريره.

و لا يفوتنا أن نلاحظ أن وكالات الأنباء التي نشأت في منتصف القرن التاسع عشر هي أول من مارس التوزيع المسترسل للأنباء التي كانت تجمع و تبث على الفور دون انتظار آجال محددة مثل بقية وسائل الاعلام التي تبث أخبارها بصفة دورية، و لكن خدماتها لم تكن تصل مباشرة الى الجمهور العريض لأنها كانت تقتصر على توزيع الأخبار فوريا الى الجرائد ثم الى المحطات الاذاعية و التليفزيونية و أضيفت لها حديثا سوق المواقع الاخبارية على شبكة الانترنت.

يمكن أن نقول دون مبالغة أن الصحافة الالكترونية في نهاية القرن العشرين اكتشفت من جديد أسلوب عمل اخترعته وكالات الأنباء منذ أكثر من قرن و لكن الجرائد الالكترونية سمحت بتوزيع خدماتها الى عامة الناس بينما بقيت الوكالات مقتصرة على الأوساط الاعلامية المهنية.

 

2. تعدد الوسائط

تعتمد كل وسيلة من وسائل الاعلام التقليدية صنفا من الرموز تسمح بتشكيل الرسالة الاعلامية، و هذه الرموز يمكن أن تكون كلمات مكتوبة أو صور ثابتة أو كلمات صوتية أو صور متحركة و يمكن أن تجمع بعض الوسائل الاعلامية أكثر من رمز واحد مثل الصحافة المكتوبة التي تقدم في صفحاتها نصوصا مكتوبة و رسوما و صورا ثابتة بينما تجمع التليقزيون بين الصوت و الصورة المتحركة.

و تختص كل وسيلة اعلامية تقليدية بوعاء خاص بها تحدده طبيعة تقنيات الانتاج المستعملة اذ تستعمل الصحافة المكتوبة الورق المطبوع الذي يمثل القناة التي تسمح بتوزيع الرسالة و ايصالها الى المتلقي و يستعمل الراديو و التليفزيون تجهيزات التسجيل و الارسال.

و من البديهي أن نذكر أن القناة الورقية المعتمدة في الصحافة لا تسمح بحمل رسائل صوتية أو صور متحركة و كذلك لا تسمح أجهزة التسجيل و البث الاذاعي بحمل الرموز المكتوبة، فكل تقنية متخصصة في صنف من الرموز و هذا ما يعرف تقنيا بالنظام التناظري analogic.

و سمح تطور تقنيات الاعلام و الاتصال الحديثة التي نجحت في الربط بين جهاز الكمبيوتر و شبكات الاتصال من الانتقال الى النظام الرقمي digital الذي يوفر وعاء الكترونيا جديدا مندمجا أي انه يسمح في نفس الوقت بمعالجة و تخزين و بث مختلف اصناف الرموز التقليدية التي كانت تستوجب أوعية تعتمد تقنيات مختلفة فأصبح من الممكن تواجد الكلمة المكتوبة و الصوت و الصورة الثابتة أو المتحركة في وعاء الكتروني واحد و بالتالي انتاج رسائل اعلامية متعددة الوسائط.

أنشأت وسائل الإعلام و الاتصال الحديثة مع نهاية القرن العشرين وسيلة إعلامية جديدة تضاف الى وسائل الأعلام التقليدية تسمى الصحافة الإلكترونية أو الإعلام الإلكتروني new journalism, on line journalism تماما مثلما نشأت الصحافة بعد تطور تقنيات الطباعة و مثلما نشأ الراديو في مطلع القرن العشرين نتيجة تطور تقنيات الإرسال اللاسلكي و التليفزيون في الأربعينات من نفس القرن، بعد تطور تقنيات إرسال الصور المتحركة. و في حين كانت وسائط الاتصال التقليدية منفصلة الواحدة عن الأخرى بحكم تقنيات الإنتاج و التوزيع المختلفة، برز الإعلام الإلكتروني في شكل وسيلة إعلامية متعددة الوسائط تعتمد تقنية رقمية موحدة تسمح بإنتاج و معالجة و تخزين و توزيع رسالة تجمع بين الكلمة المكتوبة و الكلمة الصوتية و الصورة الثابتة و الصورة المتحركة تتكامل كلها في صياغة موضوع واحد.

3. النص الفائق

عندما نقرأ نصا على مواقع الويب تعترضنا داخل النص كلمات عادة ما تكون ملونة بالأزرق، أو نجد الى جانب النص أو في أسفله عناوين لمواضيع اخرى باللون نفسه تسمى روابط و بجرد الضغط عليها ننتقل الى نص آخر له علاقة بالموضوع الأصلي، و هكذا ننتقل من نص الى آخر حسب ما تتيحه الروابط التي وضعها مصمم النص الأول. هذه الرحلة الفكرية بين النصوص تفتح النص الواحد على أفق من النصوص المترابطة و المتكاملة و المتداخلة و هذه خاصية رئيسية اضافية من خصائص النص الالكتروني تعرف بالنص الفائقhypertext .

النص المطبوع الذي تعتمده الصحافة المكتوبة التقليدية نص مثبت على ورق يفرض عادة مسار قراءة متسلسلة حسب نظام الكلمات و الجمل و الفقرات من البداية الى النهاية لذلك يقال انها قراءة خطية linear أي تخضع الى خيط خفي شبه مفروض على القارىء. و لكن نعرف في الواقع أن هذه القراءة الخطية ليست بالضرورة النمط الوحيد للقراءة اذ يمكن للقارىء أن ينقطع عن القراءة بعد الاطلاع على العنوان أو أن يقتصر على المقدمة أو أن يقفز بين الأسطر و الفقرات و تساعده في ذلك العناوين الفرعية داخل النص أو أن يكتفي بالصورة المرفقة بالنص. و يبقى النص المطبوع رغم هذه الحرية المتاحة للقارىء نصا مغلقاعلى ذاته يتسع الى حدود الحيزالمادي الذي تحتله كلماته على الورق.

و من أهم ميزات النص الفائق انه أنهى مشكلة رئيسة تعترض الصحافة المكتوبة التقليدية كما الاذاعة و التليفزيون و هي محدودية المساحة المتاحة لنشر أو بث المواضيع. و يعرف كل الصحفيين أن ضغوط مساحة الصفحة الورقية أو الوقت المخصص للنشرات الاخبارية الاذاعية تجب الصحفي على الضغط على مواضيعه و اهمال العديد من العناصر التي يمكن التعرض اليها. فالنص الفائق يسمح باعداد مواضيع مختصرة مع روابط لمواضيع مطورة ويبقي القرار للمتلقي حسب مستوى اهتماماته.

 

و يسمح النص الفائق بمسار قراءة لا خطي لا يخضع الى تسلسل محدد مسبق، أكثر شبها بأسلوب القراءة الفعلي الذي يعتمده عامة الناس و ينتج عن هذه الخاصية الجديدة التي أضافتها تقتيات الاتصال الحديثة الى النص في شكله التقليدي العديد من الامكانات نذكر منها على سبيل المثال:

· كتابة خبر مختصر و ادراج رابط في آخر الخبر أو وضع الرابط في عنوان الخبر يسمح بفتح صفحة جديدة لخبر مطول حول نفس الموضوع. و هكذا يتاح للقارىء مستوى أولا للقراءة و في صورة اهتمامه بالموضوع يمكنه أن ينتقل الى الخبر المطول.

· ادراج روابط لنصوص أخرى لها علاقة بالموضوع و يمكن أن تكون أخبارا سابقة أو مادة مكملة تسمح بفهم أوضح و أعمق كأن ندرج سيرة لشخصية مذكورة في الخبر أو مادة علمية في شكل مقال موسوعي مثل التعريف بمرض أنفلونزا الطيور في خبر حول نفس الموضوع.

· يسمح الجمع بين النص الفائق و تعدد الوسائط بالانتقال في نفس الموضوع من مادة مكتوبة الى مادة مصورة أو صوتية كأن نضيف الى خبر حول صدور كتاب جديد رابط يحيل الى تسجيل مدة دقيقة أو أكثر بصوت الكاتب و رابط يحيل الى مجموعة من الصورالتقطت في حفل توقيع الكتاب، أو صور الغلاف لكتب سابقة لنفس المؤلف هذا اضافة الى روابط نصية مثل ملخصات الكتب السابقة أو نقد صحفي نشر حول الكتاب الجديد أو حديث صحفي سابق نشر لنف المؤلف. و هكذا تتوفر للمتصفح، مادة في شكل ملف متكامل يمكنه أن يتجول بين صفحاته حسب رغبته.

تحديد الروابط و اعداد المادة الاعلامية المناسبة التي ستضيفها الروابط الى النص الأصلي مهمة جديدة تضاف الى المهام التقليدية للمحرر الصحفي الذي يجب أن يتعامل مع كل موضوع و كأنه ملف قابل للتطوير أو كأنه فرع واحد ظاهر على الصفحة المفتوحة و لكنه في علاقة مع شجرة مخفية ذات عدة فروع يمكن للمتصفح اذا أراد ذلك أن ينتقل بسهولة من فرع الى فرع.

 

 
4. علاقة تفاعلية مع الجمهور

تشترك وسائل الاتصال الجماهيرية التقليدية في طبيعة تعاملها مع المتلقي الذي بقي في أغلب الأحيان طرفا سلبيا في عملية الاتصال يكتفي بالتلقي هذا بالاضافة الى صعوبة تحديد ملامحه من جهة الباث. و لكن هذا لا ينفي أن وسائل الاتصال الجماهيري حاولت بدرجات متفاوتة الاقتراب من هذا اللغز بوسائل مختلفة نذكر منها:

· صفحات بريد القراء

· صفحات رأي مفتوحة لعامة الناس و تم استغلال هذه الصفحات من قبل أكثر الأفراد اهتماما بالمشاركة في الحياة العامة (مناضلون و ناشطون، مثقفون و خبراء..)

· استفتاءات سريعة على قارعة الطريق، تسمح بطرح سؤال على مجموعة من المواطنين و نشر تصريحاتهم مرفقة عادة بصورة شخصية و أصبح هذا الاسلوب في حد ذاته شكلا صحفيا مميزا.

· تعيين رقيب داخلي يتلقى شكاوي و ملاحظات المواطنين حول الأداء الاعلامي للمؤسسة قصد الاستماع الى ملاحظات الناس و محاولة الاجابة عنها و الاعتذار في صورة الخطأ و عرفت في البلدان الاسكندنافية تحت اسمOmbudsman ثم انتقلت الى بلدان أخرى.

· للأذاعة و التليفزيون فرص أكثر لتشريك المواطنين في البرامج المباشرة أو المسجلة عن طريق الهاتف أو الحضور في الاستيديو.

· تحرص المؤسسات على انجاز دراسات جمهور تسمح بتشخيص ملامح القراء أو المستمعين و المشاهدين و الاطلاع على أفضلياتهم و تقييمهم للمادة الاعلامية.

أحدثت تقنيات الاعلام و الاتصال الحديثة نقلة نوعية حقيقية في طبيعة العلاقة بين الباث و المتلقي، فبينما يعتمد الاتصال الجماهيري التقليدي نموذج البث في اتجاه واحد من الواحد الى الكل أي من المؤسسة المنتجة للرسالة الى الجمهور العريض، مكنت وسائل الاتصال الحديثة من الانتقال الى نموذج الكل الى الكل،أي أن كل باث أصبح متلق و كل متلق اصبح باثا. و تتعدد أشكال التفاعل الممكنة المتاحة فعليا في الكثير من المواقع الاخبارية، نذكر منها:

· انتشرت بين الصحفيين الذين يكتبون مقالات الرأي و الأعمدة عادة تتمثل في ادراج عنوان بريدهم الالكتروني الشخصي في آخر الموضوع و هي طبعا دعوة ضمنية للتحاور مع القراء.

· يمكن لكل متصفح اثناء تصفحه موقعا اخباريا و فور اطلاعه على موضوع، تحرير رد فعله و ابداء تعليقه أو اضافته عن طريق صفحة بريد الكتروني يوفرها الموقع.

· بعض المواقع مثل موقع جريدة الشرق الأوسط اليومية السعودية التي تصدر في لندن و موقع القناة التليفزيونية العربية تسمح لكل قارىء باضافة تعليقه مباشرة في آخر الموضوع و هكذا يستطيع كل متصفح أن يطلع على ردود فعل القراء بعد اطلاعه على ما كتبه الصحفي. بينما تحيل مواقع أخرى القراء الى منتدى يمكنهم أن يدخلوا فيه ردود فعلهم ( جريدة السفير اللبنانية).

· لم يعد يكتفي بعض الصحفيين بردود الفعل أي بنعليق القراء بعد اطلاعهم على الموضوع فأصبحوا يناقشون الموضوع فبل نشره و هي تجربة تنجزها الجريدة اليومية الفرنسية ليبراسيون، اذ يخصص كاتب العمود يوميا نصف ساعة لمناقشة الموضوع الذي ينوي نشره، عن طريق المحادثة الالكترونية تشات التي يشارك فيها كل من يرغب في ذلك من القراء.
كما تعلن بعض الجرائد في منتدى عن موضوع الملف القادم الذي ستتناوله الجريدة و تطلب من المقراء تقديم آرائهم و تجاربهم فيتحول المنتدى الى مصدر من مصادر الصحفي المكلف باعداد الملف.

· تدرج كل المواقع الاخبارية استفتاءات الكترونية تطرح فيها سؤالا عن موقف القارىء من أحداث الساعة و يمكن لكل متصفح المشاركة في الاستفتاء و الاطلاع على النتائج.

· تشجع بعض المواقع الاخبارية المواطنين على مدها بالأخبارو هي تجربة تقوم بها حاليا جريدة الوسط البحرينية التي خصصت في موقعها رابطا يحمل عنوان ((ارسل خيرا)) و بمجرد الضغط عليه تفتح رسالة الكترونية لكتابة الخبر. و في هذه الحالة يتحول كل مواطن الى مخبر صحفي.

· تسمح كل المواقع الاخبارية حاليا بامكانية ارسال نسخة من موضوع الى صديق أو أكثر و هكذا يمكن لكل قارىء أن يشترك مع قراء آخرين في القراءة و هو في نفس الوقت يضمن فرص توزيع جديدة للموضوع.

الخاتمة

الانتقال من الصحافة الورقية الى الصحافة الالكترونية، ليس مجرد تغيير في الوعاء مثلما تصور ذلك في مرحلة أولى أصحاب الصحف الذين وضعوا نسخة الكترونية من جرائدهم على مواقع في الانترنت، مطابقة للأصل على الورق. فذلك لا يعد الا اهدارا للعديد من الامكانات التقنية التي تتيحها و سائل الاعلام و الاتصال الحديثة و التي يمكن أن تدخل نقلة نوعية حقيقية تمس مختلف أوجه ممارسة المهنة الصحفية.

حاول هذا الباب التعريف ببعض الخصائص التي تميز الإعلام الإلكتروني و منها التعامل الجديد مع مسألة الآنية و التحول من الإعلام الدوري الى الإعلام المسترسل و الانتقال الى الرسالة المتعددة الوسائط التي تتكامل فيها الكلمة المكتوبة و الصوتية مع الصورة الثابتة و المتحركة و التحول من النص الثابت الى النص الفائق و الدور الجديد الذي احتله المتلقي الذي أصبح باثا للرسالة بقدر ما هو متلق.

إنتاج الرسائل الإعلامية نشاط فكري بالأساس، لذلك من الطبيعي أن تلجأ كل وسائل الإعلام من الصحافة الى الإعلام الإلكتروني الى موروث فكري إنساني نشأ و تطور في مختلف مجالات الإبداع الفكري مثل الأدب و التاريخ و غيرها من الحقول. و لكنه لا يمكن أن ننكر أيضا أن الرسالة الإعلامية إضافة الى بعدها الفكري شديدة الارتباط بطبيعة الأداة المستعملة لتشكيلها و تخزينها و نشرها. هذا الالتقاء بين المكون الفكري للرسالة الإعلامية الذي يحدد مضمونها و المكون التقني الذي يحدد شكلها و ظروف إنتاجها، و طرق توزيعها، أدى الى نشأة أساليب و قوالب خاصة بالصحافة المكتوبة و الراديو و التليفزيون، ابتكرتها الممارسة المهنية و قننتها و سمحت بنقلها عبر الأجيال كتب الصحافة و الإعلام.

نشأت الصحافة المكتوبة كأول وسيلة اتصال جماهيرية في القرن السادس عشر ميلادي و اعتمدت الكتابة لصياغة رسائلها. و إذا كانت الصحافة جديدة النشأة فأن الكتابة فن قديم اعتمدته الإنسانية لصياغة آدابها و من الطبيعي أن تحاكي النصوص الصحفية الكتابة الأدبية. و لم تنجح الصحافة في تطوير أسلوب مميز عرف بالأسلوب الإخباري إلا مع ظهور وكالات الأنباء في منتصف القرن التاسع عشر، التي طورت أسلوبا اعتمدته فيما بعد الجرائد و أصبحت تدرسه مدارس الإعلام التي نشأت في نهاية القرن التاسع عشر و انتشرت بين الحربين في أروبا و في النصف الثاني من القرن العشرين في البلدان النامية.

و عند نشأة الراديو في العشرينات من القرن العشرين كان من الطبيعي أن يعتمد أسلوب الصحافة المكتوبة فكانت النشرات الإخبارية جرائد منطوقة إلى أن تراكمت التجربة و نشأت أساليب عمل و إنتاج خاصة بالراديو أصبحت تدرس في كليات الإعلام. و تكررت التجربة نفسها،عند نشأة التليفزيون ، فكانت في حقبة أولى إذاعة مصورة إلى أن ابتكر الإعلام التليفزيوني أسلوبا خاصا.

و من الطبيعي أن يكون الإعلام الإلكتروني في مرحلة أولى شديد الارتباط بأساليب إنتاج و أشكال إعلامية صاغتها كل من الصحافة و الراديو و التليفزيون إلى أن تتراكم التجربة و يبتكر الإعلاميون أساليب و قوالب خاصة أكثر ملاءمة تتيحها هذه الوسيلة الإعلامية الحديثة. و كما أنشأت كل وسيلة إعلامية أساليبها المميزة بدأ الإعلام الإلكتروني و هو في خطواته الأولى يبتكر و يطور أسلوبه المميز و هذا الاتجاه سيكون أكثر وضوحا في السنوات القادمة.

المراجع

 

Institut de Presse et des Sciences de L’information, PENSER LA SOCIETE DE L INFORMATION, Actes du colloque, Tunis 7-8 Avril 2005.

Bruno Patino, Transmettre, reagir, se souvenir : le journalisme sur l internet, in Ecrans et reseaux, vers une transformation du rapport a l ecrit ?, Colloque virtuel organise par La Bibliothèque Publique D’information, Centre Pompidou, du 30 Novembre au 14 Décembre 2001.

Bruneau Giussani, Journalisme en ligne, LE MONDE DIPLOMATIQUE MANIERE DE VOIR, 46, Juillet-Aout 1999, Paris, pp 26-28.

Andrew Brown, NEWSPAPERS AND THE INTERNET, in the Penguin Book of journalism, Secrets of the press, ed. Stephen Glover, 1999, Penguin Books, London, 1999, pp: 177-185
المصدر:
د.المهدي الجندوبي، كيف غيّر الإعلام الجديد أساليب العمل الصحفي، المجلة التونسية لعلوم الاتصال،عدد 51-52، 2010 ، ص: 61-72.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.