الاتجاهات التشكيلية الحديثة.. ساحة مفتوحة للعبث وتشويه الجمال

 

العبث


خير الله زربان – جدة

مثل كل مجالات الإبداع الإنساني شهدت الساحة التشكيلية تطورات كبيرة في الأنماط وأشكال التعبير مسيجة تحت أسماء مدارس تقف الواقعية على رأسها بعامل الزمن وبوصفها أو تجربة فنية قام بها المبدعون في سياق محاكاة الطبيعة والواقع دون أي تدخل بما يقارب الصورة الفوتوغرافية، ومضى قطار التطور التشكيلي مقدمًا للساحة صورًا لمدارس متعددة المفاهيم والرؤى حتى وصلت حدًا أصبح البعض يرى فيه خروجًا كليًا عن فركة الفن في جوهرها، بل ذهبوا إلى القول بأنها مجرد «تشويه» وعبث يقوم به «فقيرو الموهبة»، وأصحاب الرؤى العاجزة، فيما يرون آخرون أن المدارس الفنية الحديثة وبخاصة المفاهيمية هي نتاج تطور طبيعي لحركة الفنون محليًا وعالميًا.. جملة هذه الآراء المتقاطعة في سياق هذا التحقيق حول المدارس والاتجاهات التشكيلية الحديثة وفقا لما نشر بصحيفة المدينة ..

تجارة فنية
استهلالاً يرى الفنان التشكيلي أحمد المغلوث أنه: لم يعد الفن التشكيلي في السنوات الأخيرة يهتم بالفن الذي يجسد المدارس والأساليب الفنية المعروفة، خصوصًا مع انتشار تجارة وتسويق الفن من خلال تكريس اتجاهات معينة على حساب تلك المدارس والأساليب الفنية التي كانت تأخذ وقتًا طويلاً لإبداعها ولا نقول لإنتاجها لأن اللوحة الواقعية أو السريالية أو الرمزية تحتاج لوقت وصبر طويل من المبدع حتى ينجز عملاً فنيًا متكاملاً.
مضيفًا بقوله: أما اللوحات التي باتت تسود في الساحة الفنية فالبركة فيما أشرت إليه من أعمال وقتية تنجزها خلال لحظات لا أيام أو حتى ساعات. فعمليات التركيب والطباعة ساعدت العديد من الأسماء للسير في هذا الطريق السهل والمربح للشركات أو أصحاب (المعارض) التي تتبنى توفير أعمال تشكيلية لمشروع أو مبنى اتفقت على تأمينها خلال فترة معينة، من هنا تنامت هذه الظاهرة ليست في بلادنا فحسب وإنما في العديد من دول العالم. والفن التشكيلي الحقيقي هو عملية إبداع وهو رسالة يحملها لمجتمعه. كم من فنان استطاع أن يجسد بيئته وجمالياتها بصورة إبداعية فيها مضمون وفيها روح الفنان ولمساته وألوانه وقبل هذا فكرته وخطوطه. كم هو مؤسف أن تحظى اللوحات التي تشوه الفن باهتمام بعض اللجان الفنية. وهي تجيزها حتى لا يقال عن أعضائها بلا وعي فني أو أنهم ضد الفنون المعاصرة أو أنهم ليسوا على اطلاع كبير على التطور الذي يتنامى يومًا بعد يوم في العالم.
ويستدرك المغلوث بقوله: لا شك أن هناك أعمالاً فنية معاصرة كالتي تعتمد على توظيف الحروفية بصورة حديثة أو أعمالاً تجريدية فيها ذائقة فنية. وهناك فنانين مبدعين لكنهم باتوا بعيدين عن الاهتمام الإعلامي وحتى عن المشاركات في الفعاليات الفنية، كونهم لا يستطيعون توفير أعمال في أوقات زمنية محدودة، فالعمل الفني المتميز يحتاج لوقت. وقبل هذا لتقدير حتى يستطيع المبدع أن يوفر لنفسه ولأسرته حياة كريمة تتيح له مواصلة العملية الإبداعية الحقيقية في ظروف طيبة.

محاولات بائسة
الفنان التشكيلي أحمد فلبان جرد الفن التشكيلي السعودي من أي سمة تميزه ويبرز ذلك في سياق قوله: لازال الفن التشكيلي السعودي يقف في حدود «الظاهرة» بسبب وجود العوائق التي تعترض مسيرته وتقدمه ووصوله إلى المستوى الذي يميزه عن باقي الفنون العربية والعالمية. فالطابع مفقود والأصالة «ممحاة» عبارة عن تشويش وخلط، ومعظم الأعمال محاكاة أو نقل واقتباس من هنا وهناك أو الجمع بينها ومحاولة إبرازها وإعادة إنتاج أعمال الآخرين في ظروف مختلفة تبرز فيها بعض اللمسات التهجينة وتظهر ملامح البيئة الخارجية بفضل استلهام التراث من خلال تناول موضوعات من البيئة، على اعتبار أن ذلك مزاوجة للوصول إلى الأصالة، واللهث ما هو مطلوب تجاريًا للتسويق وتقليد أعمال من يفوز في المسابقات ومن يبيع أكثر حتى أصبحت الصيغ واحدة، والاستلهامات متقاربة، والأساليب والتقنيات متشابهة تتكرر في كل المعارض والفعاليات الفنية، وعندما عجز بعض الفنانين في إيجاد مكان له على خارطة التشكيل السعودي اتجهوا إلى الفن المفاهيمي (Conceptual) الذي يعتمد على تحويل الفكرة إلى هدف وواقع ملموس والتبديل الكلي في العلاقات التقليدية في العمل الفني وتحويل مفهوم الجمال الفني إلى مضمون الفكرة أو التعبير عنها باستخدام الوسائط المتعددة والخامات المختلفة دون الاهتمام بالعمل نفسه وأثره الفني وحرفية الفنان أو التقيد بالأسس الفنية التقليدية المعروفة من حيث التكوين والكتلة والمنظور واللون متحدية قواعد ومصطلحات الفنون ومعاييرها والقيم الجمالية والحسية، وقد ظهر هذا الفن مع الحركة الدادائية الأوروبية في نهاية الخمسينيات الميلادية وبرز من خلال كتابات الصحافي «هنري فلاينت» والفيلسوف «لودفيغ ويتغنشتِن» ومر بعدة مراحل وتجارب وأفكار وسلسلة من الأطروحات والبحوث وتطرق إلى مجالات الأدب والشعر والسينما والمسرح والعلوم والفلسفة، ولا زال هذا النوع من الفن يواجه الكثير من النقد والرفض والقبول في الأوساط الفنية العالمية وخاصة أوروبا وأمريكا التي بدأت في الآونة الأخيرة العودة إلى الفن التقليدي واللوحات، لأن المناهضين له يعتبرونه فنًا عبثيًا مضيعة للوقت والجهد والمال، حيث يتلاشى بعد العرض مباشرة ولا يمكن أن يُقتنى من قبل المتاحف والمقتنين ولأنه لا ينتمي للتقاليد وقواعد ومصطلحات الفنون ومعاييرها والقيم الجمالية والحسية ولا يُعبر عن حضارات الأمم ولا يحفظ تاريخ الشعوب، ويُذكر أنه في عام 1972م صدرت تعليمات من الجهات المشرفة على الفنون التشكيلية في إيطاليا بمنع عرض هذا النوع من الفن في صالاتها وفعالياتها الرسمية والخاصة وعرضه فقط في البيناليات أو عرضه في الشوارع والاحتفالات العامة ضمن قيود محددة لا تمس الأديان والعقائد والأعراق والأعراف والذوق العام والآداب العامة.
ويستطرد فلمبان في حديثه بقوله: خلال الخمسة عشر عامًا الأخيرة، تخطى هذا النوع من الفن إلى مرحلة متقدمة جدًا تبعًا للتطور السريع الذي يشهده العالم في الفكر والأدوات والأداء والتقنيات والتجهيزات وعادة تقوم بتنفيذها شركات ومؤسسات كبيرة وتصرف لها ميزانية ضخمة يرمون من وراءها مصالح دينية وعقائدية وفكرية وسياسية وتجارية، وقد أخذت هذه الصرعة تغزو الساحة المحلية وراقت للعاجزين فنيًا، العبث بمقدرات الفن وبدأوا في خوض هذا النوع من الفن وتجريبه وعرضه ليصبحوا فنانين ليس لقناعة أو فهم ثقافي دراسي وانتماء فلسفي، وإنما لجهل بأصول الفن وتاريخه ومناهجه وإطاره التقليدي ومهمته في حياة الأمم وحضارة الشعوب وخواء في الطرح والشعور بالفراغ الذهني والفكري والجدب في المضامين والقحط في الأفكار وتبلد الحس الجمالي، وحبًا في التحول والمغامرة، لغياب الممارسة النقدية الواعية وعدم تبلور فهم نظري لطبيعة هذه الممارسة ووجود مفاهيم محددة لطبيعة الأسلوب المتبع بعد تخبطهم في دوامة التنقل من اتجاه إلى آخر في مدارس الفن الحديث وخاصة التجريدية وهم بها غافلون، ليس بقصد الإلمام والتعلم والمعرفة، بل سعيًا وراء البحث عن الشهرة والإنتاج السريع السهل من خلال الأساليب والتقنيات الفنية الجاهزة لنيل الاعتراف بهم كفنانين وتقليد الغرب واللهث للخروج عن المألوف ومسايرة الموضة وتنفيذ رغبات المستنفعين وأصحاب المصالح الذين يستغلونهم لمنافع تجارية وعقائدية ودينية وسياسية تحت ستار الشهرة والتألق.
ويخلص فلمبان إلى القول: الواقع أن كل التجارب التي قدمها هؤلاء هي محاولات بائسة بوسائل متواضعة وأفكار بدائية تجاوزت مرحلتها الزمنية في ظل التطور الكبير والسريع ودخول الكمبيوتر والملتي ميديا والجافا والسينما والفيديو وغيرها. هي في وضعها الكئيب لا ينطبق مع فكر وفلسفة الفن المفاهيمي الصحيح، وأكثرها «ملطوشة» ومقتبسة من أعمال عالمية معروفة وفي تكوينها خلط ما بين الأعمال التركيبية والمصبوبة والمنصهرة أو التجسيمية الغائرة أو البارزة، تندرج تحت قائمة الفن التطبيقي أو الكولاج واستخدام خامات البيئة، ولا يمت أبدًا من قريب أو من بعيد إلى الفن المفاهيمي بمفهومه الشامل، هي قمة التشويه وغثاثة الفن، والسبب عدم امتلاكهم الأدوات والثقافة الفنية والتجارب الجادة والفكر الحر القائم على الفلسفة العميقة التي تخولهم إلى طرح هذا النوع من الفن، ومحدودية المجالات التي يفكرون بها في ظل القيود والضوابط والخطوط الحمراء وعدم توفر الورش الحرفية والمعامل والمختبرات الفنية والإمكانيات التقنية والمالية التي تتطلبها تنفيذ الفكرة إلى واقع ملموس بوسائط مقنعة يرتقي إلى المفاهيمية، وهذه حالة خطيرة جدًا، والمطلب ملح في وقف هذا العبث وظاهرة فنون ما بعد الحداثة التي تنادي بترك الجمال والجلال إلى فن الكفر والعهر والتخلي عن الفن الجميل الصادق ومبادئه وتقاليده السامية وقيمه الجمالية والتعبير عن الذات والمجتمع ومشاكل الإنسانية، والتفاخر بالإلمام بالأساليب الفنية الحديثة، كشيء ضروري وهام لا يمكن الاستغناء عنها لمواكبة ركب الثقافة الفنية الغربية، التي في بعضها لا توائم تقاليدنا ولا تتفق مع عاداتنا ولا قناعاتنا، وهذه الحالة تزيد من حدة الركود وقلق الساحة التشكيلية، واتساع الفجوة بين الفن وجمهوره، وبين الفنان الجاد ومتلقيه.

ظاهرة صحية
وخلافًا للرأيين السابقين يرى عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد الدكتور علي مرزوق أن ما يقدم على الساحة التشكيلية اليوم من فنون مفاهيمية يعد ظاهرة صحية تعكس مدى ما وصل إليه الفنان من رؤية فلسفية وثقافية وفكرية.
مضيفًا بقوله: إن الفن المفاهيمي قائم على مفهوم محدد عن طريق تحويل الفكرة إلى عمل فني للمتلقي في صورة عمل تركيبي أو تجميعي، أو تشكيل في الفراغ أو غير ذلك من الوسائط المتاحة، بهدف تحويل النص البصري التشكيلي إلى فن ثقافي وفلسفي. وقد ظهرت المفاهيمية في نهاية خمسينيات القرن الماضي نتيجة ملل الفنان من الإطار التقليدي للعمل الفني التشكيلي، ومن ثم انتشر في بقية بقاع العالم حتى أخذ مساحة كبيرة في بيناليات وملتقيات الفنون التشكيلية الخليجية والعربية.
ويلخص مرزوق رؤيته بقوله: إن المشكلة ليست في اتساع هذه الظاهرة في الوطن العربي والخليجي بل في تسرع البعض من الفنانين خوض مثل هذه الفنون على الرغم من تجاربهم الفنية القصيرة على الساحة التشكيلية. ولذلك فإني اقترح بعض النقاط المهمة التي يجب مراعاتها قبل التعاطي مع هذه الفنون، مثل:
– أن الفن المفاهيمي يقوم على فكرة محددة، ومفهوم واضح، ورؤية فلسفية تحتاج إلى ثقافة فنية عالية وسعة إطلاع.
– تحتاج المفاهيمية والاتجاهات الحديثة إلى تخطيط للموضوع الذي يروم الفنان تقديمه.
– الانفتاح على الواقع المجتمعي الذي يعيش فيه الفنان والتفاعل معه.
– الاشتغال بالقضايا الإنسانية وهموم الفرد والمجتمع.
– محاولة توظيف التكنولوجيا وكل ما يستجد من تقنيات حديثة.

تطور مطلوب
وتتفق رؤية الفنان التشكيلي زكي اليافعي في جوهرها مع رؤية الدكتور مرزوق، حيث يقول: التغيير والتطوير مهم ومطلوب وهو في بعض الأحيان تأثر بما يحدث من تغير وتطور علمي تكنولوجي يصاحبه تأثر فني بما يتلائم مع النسيج الاجتماعي، ولكن أن نبتعد عن الهدف الرئيس من العمل الفني ويتم العمل بأسلوب سطحي لا يؤدي رسالته في تزين المشهد أمام العين المتذوقة للإبداع والجمال وخصوصًا واللوحة هي أهم أنواع الفنون البصرية فهذا التحول يعتبر كعصر الانحطاط في الشعر العربي، لذلك الابتكار مطلوب في الأسلوب والتكنيك وربما الخامة المستخدمة ولكن مع الاحتفاظ بالعنصر الرئيس الذي يميز المدرسة التي تنتمي إليها اللوحة الفنية.

إضافة واحتياج
الفنانة التشكيليه ليلى نصرالله بدت في حديثها منحازة إلى الطرح الحديث وبخاصة المفاهيمي في مجال الفنون التشكيلية، ويتجلى ذلك في ثنايا قولها: المفهوم هو عبارة عن محتوى ومصطلح يقود للفهم له كينونته واحتوائه ومعرفته التي تأخد شكل ومحتوى المطروح المعرفي المعانق لها وتصل للمتلقي بعدة أساليب مركبة تعاصر الحاضر وربما تشعره بمعاناة استشعرها المتلقي واحتواها إعجابًا وفكرًا.. فهي طريق يناسب بنوع ما تطور الذائقة الفينة والنضج الفكري هي أعمال يحتاج لها المجتمع ولكن دون أن نلغي دور المدارس الفنية هي فقط لحظة بصرية نحن بحاجة لها كحاجتنا لتلك المدارس، فهناك صورة لونية وهنا لقطة واقعية لقضية ما بعدة أبعاد فقط اختلفت في طريقة الطرح.. فهم يختزلون الزمن بتلك الفكرة، وأعتقد أننا بحاجة لها لنضيف مساحة فكرية لبعض القضايا بعيدًا عن اللون.

مزاج شخصي
وتجد ليلى التعضيد من الفنانة أحلام الرزيق في قولها: المدارس الفنية المعروفة وليدة حقب زمنية نتجت عن تطورات مهمة عبر العصور التاريخية القديمة وواكب روداها وخضعوا لظروف كل حقبة زمانية وما يتناسب معها، فالمدرسة الواقعية كانت بكر تلك المدارس وكانت هي الأساس الذي يقيّم قوة الفنان من خلال المحاكاة للطبيعة بأبعادها وظلالها ونورها ودقتها حتى تحورت للمدارس الأخرى التي تلتها لتصبح سريعة ذات ضربات واضحة وتتسع تلك الضربات وتتجرد لتصبح بقع لونية كبيرة وكذالك الأعمال المفاهيمية والتركيبية والأعمال الوقتية التي توجه لها بعض الفنانين المحبين لتجديد والتغير والتطوير. فالفن بحد ذاته فن متجدد يخضع لمقاييس الإبداع الذاتية لدى الفنان فكل منا يرى الإبداع والتميز بشيء قد لا يراه الآخرون بنفس الروعة والتميز فالفن هو ذوق. وهذا لا ينكر وجود فنانين مازالوا يمارسون الإبداع بالمدارس التقليدية فهي خاضعه للذوق والاتجاه الفني الذاتي للشخص فليس الغرض المواكبة لمجرد المواكبة ولكن اقتناع الفنان وحبه بذلك التوجه أو ذاك هو أمر ذاتي بحت. فالفن وغيره من المجالات يشبه إلى حد كبير موضة الأزياء فما يتناسب مع شخص ويعجبه قد لا يعجب الآخر والعكس وقد يتعرض الشخص مع تلك الموضة ويرفضها في بدايتها ويتقبلها في ما بعد. خلاصة القول إن كل المدارس القديمة والاتجاهات المستحدثه هي فن حقيقي طال ما صاحب ذلك شغف واستمتاع الفنان القائم به. والسؤال الآن ما هي تسمية المدارس الحديثه المستحدثة ومن سيكون روادها حتى نحظى باستمرارية وتعدد مدارسنا الفنية الحالية والقادمة.

بحث عن الأصالة
ويعود الفنان أحمد البار عضو جماعة فناني المدينة بالحديث إلى نشأة الفن المفاهيمي بقوله: تعود نشأة الفن المفاهيمي للحركة الدادائية الجديدة التى كانت في أوروبا وذلك في مطلع القرن العشرين، والتى اعتمدت على نقل الفكرة كتعبير أو فلسفة يعتمد عليه حسب خامته وأدواته، وخروجًا عن إطار اللوحة وجمالها ورونقها الجميل والذي يتعايش مع كل الأزمان. وفكرة الفنان المفاهيمي فكرة تعتمد على الفلسفة الخاصة بالعمل وكما يراه الفنان المفاهيمي.
ويتابع البار حديثه منتقدًا التعامل مع هذا النوع من الفن قائلاً: إن الفن العربي الأصيل ما زال يبحث عن هويته وأصالته الفنية فكيف لنا أن ننخرط في المفاهيمية بشكل غير مدروس، وللأسف بعض من دخل في هذا المجال ليس لديه الخبرة الكافية فيما يقدمه
وسلامة من له فكرة وفلسفة وجمال فيما يقدمه. وأعتقد أن البعض من الفنانين في الساحة التشكيلية بدأوا يميلون لهذا الفن، وكلنا نفتخر بكل جمال ملموس من الفكر والوعي وكل ما هو جديد ومميز، والحمد لله ما زال هناك فنانون يقدمون في أعمالهم التشكيلية لوحات مخلدة، ذات أبعاد ثقافية أصيلة المعنى والفكر والجمال، ومن هنا أدعو كل فنان للبحث عن أصالته وتراثه الغزير، وأن يكون دائم الاطلاع في فكره وخاماته وألوانه، وأن يكون ذو فكر بصري قوي من خلال تجاربه العديدة وجرأته اللونية، وصقل تجربته بالأساليب الفنية المعاصرة والحديثة، وأتمنى أن نرتقي أكثر بفنوننا وأعمالنا، حيث تشهد الساحة التشكيلية المحلية نهضة شاملة في جميع أنواع الفن التشكيلي.

إثبات حضور
وتناصر التشكيلية سميرة الأهدل فكرة التجريب والأساليب الحديثة وهي تقول: أنا أجد أن أي عمل يقدمه الفنان وفيه فكرة أو مجهود هو في حد ذاته فن، لأن الفن هو اختلاق شيء بشكل إبداعي يتلقاه الناس بإعجاب وحب وهناك الكثير من اﻷعمال المفاهيمية التي ظهرت مؤخرًا فيها الكثير من الفكر والفن وتستحق التقدير، كما أن هناك مجموعة للأسف قدمت أعمالاً مفاهيمية هي مجرد رموز لا يوجد بها أي تكوين أو جهد فني ولا يمكن مقارنتها بتلك التي يقدمها فنانون آخرون. فحقيقة أن بعض هذه اﻷعمال وقتية هي مسأله يجب على الفنان اﻹنتباه لها لأن عدم ديمومة بعض هذه اﻷعمال تجعلها تنسى كما أنها لا تترك بصمة لهذا الفنان ولا تجعل جهده في إنجاز هذا العمل مستمرًا وبالتالي فالعمل ينسى كما أن صاحب العمل إذا اعتمد على اﻷعمال الوقتية فلن يترك لنفسه مكانًا ثابتًا ودائمًا بين زملائه الفنانين في عصره، كما أنه من الممكن أن ينوع بين وجود عمل مفاهيمي دائم ووقتي. وعمومًا لا نستطيع أن ننكر أن هذه المدرسة أثبتت وجودها على الساحة وهناك أسماء قوية في هذا المجال، ولذلك لا يمكن أن نسمي ما يقدمه هؤلاء الفنانين تشويه للفن أبدًا إلا إذا كان ما يقدمه الفنان هو مجرد تركيبات تستخف بعقل المشاهد وهؤلاء قلة، كما لا يمكننا أن ننكر أن هذا الفن أثبت نفسه على الساحة الفنية العالمية بقوة وأن هناك أعمالاً مفاهيمية احتلت الصدارة وهي من اﻷعمال التي تتسم بالديمومة والتي تركت في نفوس المتلقي بصمة كبيرة مثل عمل الفنان السعودي عبدالناصر غارم، أضف إلى ذلك أن العمل الذي قدمه في مزاد كريستيز العالمي بدبي وكان من أنجح اﻷعمال التي طرحت في المزاد، ولذلك فلن نستطيع أن نتغافل عن وجود هذه المدرسة المفاهيمية التي أثبتت قوتها ووجودها كما أنها مثل باقي المدارس التي تقدم أعمالًا تستحق التقدير وأعمالًا لا نستطيع أن نسميها فنونًا أبدًا. وفي النهاية البقاء للأفضل في أي مدرسة أو مجال وكل عمل راق وفيه جهد وفكر سيثبت نفسه مهما اختلفت المدارس المنتمي إليها.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.