ما هو الضوء ؟

ان نفهم عملية الادراك للضوء او اللون في العين البشرية لكي نفهم عملية التصوير ونفهم مكونات الة التصوير، ولنبدأ اولا بالضوء،
ما هو الضوء ؟
الضوء حسب ما ذكر في كتاب الدكتور قاسم حسين صالح  (هو عبارة عن شكل من حركة الطاقة  القائمة على مبدأ انتقال الموجات، حيث ان للضوء خاصيتان أساسيتان لانتقاله هي  (Frequency) التردد ويقصد به عدد الموجات و (Wave Length) خاصية طول الموجة ويقصد به المسافة الواقعة بين قمة موجة ضوئية والقمة الموجية التي تليها)(1).
الضوء هو المصدر الرئيسى لتحقيق البصيرة أو المشاهدة، كونه الاساس الذي يحقق العملية البصرية فمن دونه ليس هناك أي ابصار، إن الضوء هو المجال الذي تنتقل فيه الإشارات الادراكية، الإشارات الادراكية هذه تستلمها الأعضاء الحسية وتمر عبر عملية فسلجية، والواقع ان هذه العملية الفسلجية غاية في التعقيد والدقة وهي تتحقق في سرعة متناهية داخل جسم الانسان لتكون عملية الادراك متكاملة حيث يستغرق الانسان بعملية ادراكه الحسي (البصري) الى ربع ثانية كي يتحول الضوء الى صور بصرية اولية قبل ان تنتقل الى مخزن اخر تستقر فيه زمنا اطول.
هذا الضوء لا يمكن ان ترى العين بدونه أي ان قيمة العين تكمن مع وجود الضوء، فبغير الضوء لا يمكن للعين ان ترى أي شيء وهذا الامر ينطبق على الكاميرا الفوتوغرافية التي هي الاخرى لا يمكن ان تلتقط أي شيء ما لم يكن هناك ضوء وهو الامر الذي يقود الى ان العين المصدر الاساس للكاميرا حيث ان الكاميرا تقلد عمل العين من خلال امور عديدة تكمن في الضوء الذي يسقط على الاشياء لينعكس على الطبقة الحساسة في الفيلم الفوتوغرافي داخل الكاميرا وعلى الشبكية في العين البشرية، وكذلك هناك فتحة في الكاميرا تكون مدمجة مع العدسة تقوم هذه (Aperture) الفتحة بتحديد اتساع العدسة لاستقبال الضوء أي ان هذه الفتحة تحدد حجم الاتساع لدخول الضوء، هذا الأمر نراه في العين البشرية ويكمن في ( Pupil) البؤبؤ الذي يحدد  الاتساع لدخول الضوء.
ان الصندوق في آلة التصوير الذي يحوي الفيلم، يكون مملوء  بالهواء في حين ان صندوق العين يكون مملوء بسائل يمر الضوء من خلاله باتجاه شبكية عين الانسان التي تكون في حركة دائمة، حيث تمر الموجات الضوئية الى الداخل مارة اولاً بالقرنية النافذة الامامية الصافية القليلة التحدب، وبعد ان تخترق الاشعة الضوئية السائل المائي الكائن خلف القرنية تمر في عدسة العين التي هي عبارة عن قرص محدب السطحين تستقبل الاشعة الضوئية المتوزاية ثم تجمعها في الناحية الاخرى في بؤرة محدودة وترتبط العدسة بأربطة يمكن شدها او ارخاؤها بفعل عضلات رقيقة، ويعمل انكماش تلك العضلات وانبساطها على تغيير شكل العدسة ومن ثم تغيير بعدها البؤري لكي تسقط الصور بوضوح على الشبكية، بعدها تسير الأشعة الضوئية عبر السائل الكائن بين العدسة والشبكية لتسقط اخيراً على الشبكية، حيث يكون الضوء معكوساً او مقلوباً بعد ان تتعرض له الشبكية وهو ما يحدث تماماً في الكاميرا حيث يدخل الضوء ويسقط على الفيلم الحساس ليكون مقلوباً او معكوساً كما في الشبكية، الواقع ان الشبكية تحتوي على قناتين الاولى تصب في
(Visual Image)  الصورة البصرية وهي تحدث مباشرة بعد حدوث الاثارة البصرية حيث تحدث عندها المعرفة بخبرة الادراك اما القناة الثانية التي تنتقل خلالها المعلومات البصرية، فانها تصب في مخزن اخر يسمى
short term memory ))  ( الذاكرة قصيرة الأمد) حيث تجري عمليات الترميز للمعلومات برموز لغوية او صور ادراكية، حيث تستقر المعلومات في هذا المخزن لفترة زمنية اطول تصل الى عشرين دقيقة، ومن ثم يمكن ان تنتقل إلى مخزن آخر يكون ذو قدرة على حفظ المعلومات بفترة أطول وهو
Long term memory))  مخزن الذاكرة الطويلة الذي يحتوي على الصور والحروف والكلمات والرموز والأيقونات، حيث يمكن أن يكون هذا الصندوق بمثابة محصلة مسار عملية تنظيم ومعالجة المعلومات، وهذه(output) المخرجات تكون على شكل (responses) استجابات حيث تتطلب كل استجابة برامج لتنفيذها، أشبه بالحاسبة الإلكترونية التي تحتوي على بيانات وكل نوع من تلك البيانات تتحول إلى معلومات أو صور مرئية عبر برنامج حاسوبي ( software ) ينصّب في الحاسبة الإلكترونية كالصور نوع JPEG)) التي تحتاج على سبيل المثال برنامج (ACDC )  أو برنامجImaging )  ) أو (Paint) لكي تتحول البيانات إلى صور مرئية يمكن مشاهدتها من على شاشة الكومبيوتر أو من خلال طبعها على ورق عبر جهاز الـ((Printer، وعلى هذا الأساس فان المخزن Long  term memory)  ) يمثل عدداً من المسارات المحتملة لمخرجات النظام الادراكي.

@@@@@@ صورة تشريحية للعين البشرية

ان الشبكية التي لا يتجاوز سمكها بضع الميكرونات تشكل في تكوينها غاية في الإبداع الخلقي للباري عز وجل، حيث أنها بهذا السمك الدقيق جداً وتحتوي على كم هائل من المركبات المعقدة والأجهزة الدقيقة التي لا يمكن  لاكبر شركات التصنيع في الكون ان تصنع ولو جزء بسيط منها، كونها تتكون من مجموعة تركيبات وأجهزة دقيقة للغاية، أهمها المستقبلات التي تسمى  (Rods) العصيات و (Cones) المخاريط، حيث ان لكل من هذه المستقبلات وظائف خاصة، فتقوم هذه المستقبلات بامتصاص الضوء من الكائنات الموجودة  أمام العين وتقوم بتحويلها الى طاقة كهربائية وهذه الطاقة الكهربائية تشغل الأعصاب الممتزجة والممتدة في العين البشرية والمرتبطة مع الدماغ في راس الإنسان وتحديداً في مركز الرؤية بالدماغ، ومركز الرؤية في الدماغ هو (optical lobe) الفص القفوي (القذالي) الذي يكون بالعادة في مؤخرة الدماغ البشري، ولكل عين بشرية عصب بصري واحد يلتقيان هاتان العصبان في نقطة وراء العينين ليتقاطعان في نقطة تسمى بالمفرق البصري
(optic chiasm) في الواقع ان الشبكية تحتوي على ملايين الخلايا الحساسة للضوء، حيث تقوم هذه الخلايا البصرية بعملية اشبه ما تكون عملية كيميائية مصحوبة بتغيرات كهربائية تسري الى الدماغ والخلايا البصرية فتتصل كل خلية بصرية بمجموعة أو سلسلة من الالياف العصبية التي تنطلق فيما بعد الى الدماغ في الفصين القفويين ومن ثم تجري عملية سريعة جداً في الفصين ليحلل الدماغ ويخلق الصورة التي امام العين البشرية، حيث تقوم المخاريط بعملية تحسس اللون والضوء ذي الشدة الاعتيادية بينما تقوم العصيات بتحسس الضوء ذات الشدة المنخفضة، فالعصيات والمخاريط تتصل بخلايا عصبية عقدية خلف الشبكية تمتد محاورها حول العين ثم تتلاقى لتكون العصب البصري (optic Nerve) الذي ينقل الرسائل او الاشارات العصبية او الرموز لتحقيق الصورة.

@@@@@صور تخطيطية للعين والكاميرا

بعد ان عرفنا كيف تتحقق عملية النظر او الابصار نعود لنفهم المبدا الذي يستند عليه الفوتوغراف في تحقيق عملية التصوير، حيث اعتمد التصوير الفوتوغرافي على مبدأ تفاعل هاليدات الفضة أثر سقوط الضوء عليها، فالعالم الألماني ( شولز ) لاحظ وجود تأثير ملحوظ على الهاليدات حين يسقط عليها الضوء، وقد استمرت التجارب من قبل مجموعة من المهتمين في علوم الكيمياء حتى توصلوا الى طريقة مثلى لطبع المناظر او المشاهد على الزجاجة المطلية التي وضع عليها تلك الهاليدات بالاستعانة بمجموعة من العدسات التي عملت على تجميع الضوء وتركيزه بالشكل المناسب والملائم لطبيعة المواد الكيميائية الملتصقة بالزجاجة، وأيضا تطورت العلوم لتصنيع أنواع من العدسات التي تسهم في إرساء مجموعة من القوانين القياسية في تحديد المناظر المراد تصويرها.
إن عملية تعريض الفيلم الحساس إلى المصدر الضوئي تبلورت في مجموعة من التجارب والابتكارات على مر السنين ليكون التصوير وفق قياسات نموذجية ومعايير ثابتة، حيث استندت العملية على صندوق مظلم ومثقوب(1) وقد زود هذا الثقب بعدسة خاصة تعمل على تنظيم دخول الضوء بشكل مـوازي لما يتطلبه الفيلم والموضوع المراد تصويره، وقد زودت هذه العدسة بمجموعة من العتلات تعمل على تصويب وتحديد الكادر بالشكل الذي يتواءم مع طبيعـة ما هو مطلوب وأيضا زودت هذه العدسة بآلة تعمل على سيطــرة كميات الضوء التي تنفذ الى الصنـدوق المظلم، وقد سميت هذه الآلـة المرفقة ضمـن العدسة بـ Aperture (الفتحة) وهي تعمل بعدة حركات تحدد كل حركة من تلك الحركات كمية الضوء الذي ينفذ إلى الخام أو الفيلم داخل ذلك الصندوق، وأيضا زود الصندوق بآلة أخرى أساسية تعمل على تحديد سرعة أو مدة تعرض الفيلم للضوء، وقد سميت هذه الآلة بـ Autter (الغالق) وهي تعمل على تحديد وقت التعريض للخام وفق درجات متعددة، هذه الدرجات انما هي اختيارات للمصور في تحديد طبيعة تعريض الضوء الذي يتباين ويختلف من مكان لآخر ومن وقت لآخر حسب طبيعة الألوان وطبيعة المسافة التي تنحصر بين آلة التصوير والموضوع الذي يراد تصويره، اذن لا بد من توافر فتحة وغالق تسيطر على كميات الضوء الذي سيستقر على الخام، وقد تطورت تلك الآلات مع تطور التقنيات الحديثة حتى تحول الغالق والفتحة في الكاميرات الحديثة الى تقنية تعمل على اساس السيطرة الحاسوبية (الرقمية)،  وهنا لابد من الاشارة الى ان مع تقدم العلوم والتكنولوجيا استمرت الحاجة الى توافر الغالق والفتحة للتحديد والسيطرة على الضوء، فيلاحظ ان الكاميرات بشتى انواعها في الوقت الحاضر لا بد من ان تظم الغالق والفتحة فهي الاساس الذي استند اليه التصوير الفوتوغرافي في طبع او تصوير المناظر على الورق المعالج كيميائياً او المعالج طباعياً وفق تقنيات الحاسوب او وفق تقنيات الطباعة التقليدية المعهودة منذ سنوات عدة.
اذن التصوير الفوتوغرافي مهما تغيرت اشكاله وتغيرت انواعه على مر العصور والازمان لابد ان تكون هناك محددات للضوء تعمل ضمن وحدة التصوير المستخدمة في تصوير الاشياء والموضوعات، ومن بين الامور الاساسية التي لا يمكن ان يستغنى عنها مهما تطور العلم او تطورت التكنولوجيا هي :
1- العدسة
2- الفتحة
3- الغالق
4- الصندوق المظلم او الممر المظلم.
إن هذه الأمور هي أساسيات في عمل التصوير سواء كان هذا التصوير معالج كيميائياً ام انه كان يعمل وفق التقنيات الرقمية فيلاحظ ان الكاميرات الرقمية الحديثة المتطورة إنما هي تتضمن فتحة وغالق وعدسة وصندوق مظلم أو ممر مظلم يعمل للسيطرة على الضوء، حتى وان كان هذا الصندوق المظلم بمثابة نافذة صغيرة يمر منها الضوء، والواقع ان التصوير مهما تعددت استخداماته وأنواعه فانه يبقى مستند الى ما ذكر، فيلاحظ على سبيل المثال ان عمليات التصوير الاشعاعي في المستشفيات والمراكز الطبية انما تعتمد ايضاً على توافر تلك الأمور من فتحة وغالق وعدسة وصندوق مظلم لكي تتم عملية التصوير الاشعاعي المطلوب في تحديد الحالات الطبيعية، وكذلك هو الحال مع التصوير الذي يتم عبر الاقمار الاصطناعية او عبر اجهزة الارسال التلفزيوني نلاحظ انه لابد من ان تتوافر هذه الامور من فتحة وغالق وعدسة وصندوق مظلم لكي تكون عملية التصوير مناسبة لما يتطلبه الأمر، فمهما اختلفت التقنيات في التصوير فانها لا بد ان تتوافر هذه الأمور بشكل أو بآخر لتوازي او لتواكب هذا المبدأ الأساسي في التصوير الفوتوغرافي.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.