حوار نادر / محمد خان الكبير يحاور صلاح أبو سيف!

 

كتب / حسام حافظ

السيناريو الجيد يصنع الفيلم الجيد .. ونجاح السينما مرهون بالكتابة.

السينمائى يحتاج الفكر واللغة السينمائية والصنعة وهذا هو الفرق بين مخرج وآخر.
• كان همى عندما توليت إدارة المؤسسة المصرية العامة للسينما فى منتصف الستينات هو إيجاد جيل جديد يكتب السيناريو الجيد .

• كل أفلامى تضم فلسفتي السينمائية والدليل حركات الكاميرا والإضاءة , وتحريك الممثلين وعلاقتى بالرمز والتشبيه موجودة فى كل أفلامى .
• إخراج نص سينمائى عن رواية يعد مسئولية لا يستهان بها فلو أخرجت رواية لكاتب معروف فعلىّ أن أتفاهم معه .
• من الخطأ , مثلما يفعل بعض المخرجين , إبعاد الرواية عن خطها العام . ولذا فإن البعض قام بتسطيح الأحداث .
• يجب أن يكون هناك تفاهم بين المخرج والمؤلف , كى يكون هناك اتفاق .
• نجيب محفوظ الذى لايتدخل فى الأفلام المأخوذة عن رواياته مع المخرجين , كان يجدنى أرجع إليه , واستشيره , لأن رواياته مليئة بأحداث يجب معرفة تفاصيلها منه . وذلك من أجل عدم تفريغ الرواية من قيمتها .

هذا الحوار مع المخرج الكبير الراحل صلاح أبو سيف تم قبل وفاته بعام , وهو يختلف عن الحوارات التقليدية التى نطالعها فى الصحف والمجلات , بسبب أن الذى أجرى معه الحوار وهو المخرج محمد خان وهو واحد من كبار المخرجين المتميزين الذين أضافوا الكثير للسينما المصرية رغم أنه لا يحمل الجنسية المصرية , وقد تتلمذ على يد صلاح أبو سيف فى معهد السيناريو الذى أنشأه أبو سيف عام 1964 , ونلاحظ أن هذا الحوار رغم أنه بين اثنين من المخرجين إلا أنه اهتم كثيراً بالسيناريو خاصة المأخوذ عن رواية أدبية , بالتالى فهو حوار يعلى من شأن الكلمة رغم أنه من المفترض أنه يعلى من قيمة الصورة لأن المتحاورين يعملان فى مجال الصورة بالأساس .

الحوار نشرته مجلة ” العرب ” الكويتية فى عدد يونيو 1995 وهى مجلة ثقافية عامة وليست متخصصة فى السينما , بالتالى أهتم حوار خان وأبو سيف بالجانب الحضارى لفن السينما وليس الفنى فقط مع إشارات إلى أهمية الفكر بالنسبة للسينمائى بشكل عام , إلى جانب الأشارة إلى علاقة أبو سيف بالكاتب الكبير نجيب محفوظ الذى كان لأبو سيف الفضل فى جعله يتجه إلى كتابة السيناريو فى الخمسينات مما كان له أثراً كبيراً فى أبداع محفوظ فى مرحلة الستينات والسبعينات وما بعد ذلك .
كما أهتم الحوار بالنقد السينمائى المكتوب الموجه لأفلام أبو سيف وغيره من المخرجين , ويتضمن الحوار أيضا فلسفة أبو سيف ورؤيته لدور السينما فى المجتمع المصرى فى الحاضر والمستقبل .
أشتهر المخرج الرائد صلاح أبو سيف بنزعته الواقعية ولكنه طوال مسيرته الفنية مارس إبداعه فى كل الأنواع الفنية السينمائية . فقد أخرج الفيلم الغنائى والتاريخى والبوليسى والكوميدى وكان فى كل هذه الأنواع رائداً ومجدداً . وأبو سيف المولود فى 10 مايو 1915 فى بولاق أبو العلا درس السينما فى فرنسا , وعمل موظفا فى ستوديو مصر , ثم عمل مساعداً للإخراج مع كمال سليم فى فيلم العزيمة , وكان أحد الذيــن أتقنوا فن المونتاج باعتباره المدرسة الأساســـية لكل مخرج متميز , ثم كان فيلمه الأول ” دايما فى قلبى ” عام 1946 و” الصقر” عام 1949 , ثم بدأت المرحلة الواقعية عام 1951 بفيلمه ” لك يوم يا ظالم ” , التى ضمت أفلاما من طراز , ” الأسطى حسن ” , ” الفتوة ” , ” ريا وسكينة ” . ثم كان أول من قدم روايات أدبية إلى السينما فأخرج العديد من روايات إحسان عبد القدوس , ونجيب محفوظ , ثم يوسف إدريس , وحصلت أفلامه على جوائز سينمائية كبرى فى مصر , والوطن العربى , وفى المهرجانات الدولية .
وحول هذا التاريخ الطويل من العطاء للمخرج صلاح أبو سيف , يحاوره المخرج وكاتب السيناريو محمد خان .
صلاح أبو سيف , كنت أول من أحس بقيمة السيناريو فى تكوين سينما عربية جديدة , ولذا قمت بتأسيس أول معهد لتعليم السيناريو . بعد أن كانت كتابته مجرد اجتهادات من كتاب سواء كانوا موهوبين , أو أقل كفاءة ؟
ــ كان همى عندما توليت إدارة المؤسسة المصرية العامة للسينما فى منتصف الستينات هو إيجاد جيل جديد يكتب السيناريو الجيد , فلا شك أن نجاح السينما يكمن فى نجاح السيناريوهات المكتوبة . فالسيناريو الجيد يمكنه أن يصنع فيلما جيداً , حتى وإن كان المخرج أقل جودة , ولا يمكن للسيناريو المتواضع أن يكون فيلما عظيما مهما تولى إخراجه فنان متميز . ومن أجل هذا أنشأت معهد السيناريو . وعلى سبيل المثال , فعندما قرأت روايات نجيب محفوظ عام 1945 , قبل أن أتعرف عليه , اكتشفت أن له مخيلة خصبة لصناعة الصورة السينمائية . فاقترحت عليه أن يعمل فى كتابة الســــيناريو . ولم تكن لديه أى فكرة , فرحت أشرح له كيف يكتب السيناريو , وأتيت له بكتب حول هذا الأمر باللغة الإنجليزية , وكانت النتيجة أننا كسبنا مؤلفا كان من أحسن كتاب السيناريو العرب.

هذه التجربة دفعتنى لتأسيس معهد السيناريو , لتعليم جيل جديد كيفية الكتابة , وتعليم اللغة السينمائية . وقد تخرج فى هذا المعهد على سبيل المثال كل من رأفت الميهى , ومصطفى محرم , وممدوح الليثى ووفية خيـــرى وغيرهم . وهم من أهم كتاب السيناريو فى مصر .
• من أين تجئ أهمية السيناريو بالضبط , برغم أن الفيلم عبارة عن مجموعة من الفنون والتقنيات المترابطة ؟
ــ أى عمل فنى يحتاج إلى ثلاثة عناصر أساسية : أولا – أن يكون لدى الكاتب أو المخرج فكر , أى أن يكون له رأى معين فى الحياة , والسياسة , والاقتصاد , وما شابه , فالسينما عمل فنى له مقولة , وإذا لم يكن للمخرج , والسينمائى بشكل عام , رأيه أيا كانت اتجاهاته السياسية , فإنه يفتقد الكثير , وبالتالى يكون العمل غير ذى قيمة , وأنا أعرف بعض المخرجين , من القدامى والشباب , لديهم تقنيات فنية متميزة , لكن ليس لديهم فكر , ولا توجد لهم هموم عامة , مما يفقد أعمالهم الروح الحقيقية للإتصال بالحياة .
أما العنصر الثانى – فهو اللغة السينمائية , وهذه يجب دراستها , والتعرف على أبجدياتها , مثل أى لغة أخرى . فإذا أتقنت لغتك يمكنك أن تتفلسف بها , وأن تطورها . وعلى كل إنسان أن يفهم لغته , وبالتالى سوف يختار ألفاظه . وكذلك اللغة الفنية يجب امتلاكها على أحسن ما يكون .
والصنعة هى العنصر الثالث – فعلى الســــــينمائى أن يفهم صنعته , وإلا بدا عمله سخيفاً , فيمكن مثلا للمخرج غير الملم جيداً بتقنيات الســـينما أن يتعرض لمواقف غير لطيفة ممن حوله , وأنا أعرف فنيين كم سخروا من المخرجين الذين يبدون أقل استيعابا لتقنيات السينما وهذه العناصر الثلاثة يجب أن تكون متساوية ومتكافئة , وهذا هو الفارق بين مخرج وآخر .
• عندما كان هناك معهد للسيناريو , انضم إليه أدباء متميزون , وتعلموا أدوات جديدة , ثم راحوا يطبقونها فى أعمالهم الأدبية والسينمائية , الآن هناك قسم للسيناريو بمعهد السينما والملتحقون به يهوون أن يكونوا مخرجين , أى أن أغلب المشتغلين بالفروع السينمائية يضعون أعينهم على الإخراج . وكم أشعر بإفتقاد أن يبقى كاتب السيناريو وفيا لعمله دون أن يتحول إلى مخرج . كما أن بعض المخرجين يكتبون الســيناريو , وهناك مخرجون لديهم حرفية عالية جداً فى الإخراج ولكنهم يفتقدون حرفية كتابة السيناريو , ويكتبونه ؟
ــ لا شك أن عدد كتاب السيناريو قليل فى السينما العربية , لكن هناك كتاب سيناريو متميزين , مثل وحيد حامد . يجب أن نخلق كتاب ســـيناريو جيدين , لديهم أفكار محددة لأن العدد الكبير الذى ننتجه من الأفلام , يحتاج إلى كتاب جدد .
• ليس المهم فقط هو أن يكون لدينا كاتــب , بل المهم أيضا الوسيلة التى نقدمه بها إلى الناس ؟
ــ المهم هو أن يتعلم الكاتب , علينا أن نخلق معهد سيناريو جديداً , وأن نصنع أجواء جديدة من أجل المساهمة , والمساعدة فى خلق إبداع جديد .
• هناك الكثير من الأدباء الذى يتساءلون : لماذا لا تتعاملون مع الأدب . لا شـــك أن هناك فجوة بين الأدب والسينما اليوم . فالأديب والسينمائى كل فى وادِ . فأحدهما يتعالى على الآخر , برغم وجود الهم المشترك لدى كل منهما ؟
ــ لا شك أن إخراج نص سينمائى عن رواية يعد مسئولية لا يستهان بها فلو أخرجت رواية لكاتب معروف فعلىّ أن أتفاهم معه ومن الخطأ , مثلما يفعل بعض المخرجين , إبعاد الرواية عن خطها العام . ولذا فإن البعض قام بتسطيح الأحداث . ويجب أن يكون هناك تفاهم بين المخرج والمؤلف , كى يكون هناك اتفاق , فنجيب محفوظ الذى لايتدخل فى الأفلام المأخوذة عن رواياته مع المخرجين , كان يجدنى أرجع إليه , وأستشيره , لأن رواياته مليئة بأحداث يجب معرفة تفاصيلها منه . وذلك من أجل عدم تفريغ الرواية من قيمتها . فإذا نظرنا إلى فيلم ” الطريق ” المأخوذ عن رواية لمحفوظ فإن صابر يمر بمرحلة البحث عن المطلق , وهو يعتنق افكاراً من الصعب تحويلها إلى فيلم , ولكن عندما تحولت الرواية إلى فيلم مرتين أخذت أبعاداً أخرى ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر / جريدة مصر المحروسة عن جريدة العرب الكويتية عام 1996 .

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.