الحوار Dialogue :

هو الشكل الثانى من الأشكال الصوتية . ويأتى الحوار متزامناً مع صورة مصدره ، فهو يسمع ويرى فى نفس الوقت ,

ومن فوائده إضفاء نوع من الواقعية على القصة . ويكون المتفرج هو الطرف الثالث فى القصة ، الطرف الذى يسترق السمع لحياة الشخصيات على الشاشة . ويكون ذلك مختلفاً عن البرامج التليفزيونية ، حيث يكون التعليق فيها موجهاً مباشرة إلى المتفرج .

ويتقبل المتفرج الحوار كشئ حقيقى وواقعى ، كالذى يحدث فى الحوارات فى الحياة الحقيقية . ونادراً ما تحمل الحوارات فى الحياة الحقيقية قيمة درامية . وتكون مليئة بالتعليقات غير الهامة، والنكات ، والشكاوى ، وجمل غير مكتملة . فإذا ما تم عرض الحوار على الشاشة كما هو ، لن يكون له معناه الدرامى فى الفيلم ، ولن يتقبله المتفرج , لأن الواقعية على الشاشة لها مفهوم مختلف عن الحياة . فالواقعية السينمائية هى العمل على تقليل الحوار على الشاشة بقدر الإمكان ، بحيث يمكن قول كل ما له معنى فى أقل الكلمات ممكنة ، والتى تعجز الصورة عن التعبير عنها . فالذى يُعبر عنه بالكلام المنطوق يجب أن يكون جوهرياً ، ولا يمكن التعبير عنه بالإمكانات المرئية .

ويقوم الحوار بثلاث وظائف : تطوير القصة ودفعها للأمام ، تطوير وتنمية الشخصية ، الإضحاك ، بالإضافة إلى التأكيد على التتابع .

1- تطوير القصة ودفعها للأمام :

يمكن استخدام الحوار التفسيرى في تطوير القصة story advancement . فمثلا لو أن فيلماً قصته تتناول فيروساً هاجم الأرض

من الفضاء الخارجى ، لن يستطيع المتفرج أن يفهم من خلال الصورة فقط ، إلا إذا تم الشرح من خلال شخصية عالم فى الفيلم .

وغالباً ما يكون الحوار التفسيرى مكثفاً فى بداية الأفلام ، وذلك لشرح الفكرة الأساسية فى القصة ، أو شرح الأحداث التى ستؤدى للصراع ، أو إعطاء نبذة عن تاريخ البطل . فمثلاً فى فيلم Lust For Life ، لخص نورمان كورين Norman Corwin تاريخ الفشل المتكرر لفان جوخ حين حاول الإنضمام للخدمة التبشيرية ، قبل أن يصبح فناناً مشهوراً . ففى بداية المشهد ، تم تعريف المتفرج بأنه رُفض قبول طلبه من المجلس فى حوار استمر دقيقتين ، ولكنه عبر عن عشر سنين من الفشل .

ويخدم الحوار التفسيرى عدداً من الأهداف الأخرى . فهو يُستخدم لشرح تحركات لشخصيات ليست موجودة فى المشهد مثلاً ، أو وصف أماكن وأزمان وأحداث أخرى ، ولكن عادة ما يصاحب ذلك القطع إلى لقطة خارج الكادر ، أو لقطة رجوع للماضى .

2- تطوير وتنمية الشخصية :

تنمية الشخصية character development هى الوظيفة الثانية من وظائف الحوار . وإلى أن يتكلم الممثل ، لن يعرف المتفرج كيف يتفاعل مع شخصيته ، اتجاهاته ، مستواه الوظيفى والتعليمى والإجتماعى . ويكون ذلك مهماً خاصة للرجال ، حيث أن المظهر الخارجى لا يكون بنفس ذات الأهمية كما هو بالنسبة للمرأة . لذا فإكتشاف مواصفاته تكون من خلال أفعاله والحوار . فالحوار والتفاعل مع شخصيات القصة يكشف عن نوع الشخصية الموجودة واتجاه تطورها فى الفيلم .

يكشف الحوار أيضاً عن الحالة الشعورية والمحتوى العاطفى الذى تشعر به الشخصية فى أى موقع من الفيلم . فالمبالغة والتكلف فى التعبير العاطفى الذى

اُستخدم فى مرحلة الأفلام الصامتة ، لم يعد له مكان مقارنة بفصاحة وبلاغة التعبيرات فى الأفلام الناطقة . فالكلمة الواحدة قد تعبر عن الكثير من المشاعر، وتشرح العلاقات بين الشخصيات , وهوية الشخصية ، وماذا تريد ، وأين موقعها واتجاهها فى الفيلم الدرامى . إن الحالة العاطفية هى التى تتحكم فى الحوار . فحين تكون الشخصية سعيدة ، تتكلم بمرح وبهجة . وحين تكون حزينة ، تتكلم ببطء وتردد ، أما حين تكون غاضبة ، فتتكلم بشكل متقطع وبسرعة ، وهكذا .

3- الإضحاك :

يعتبر الإضحاك من خلال الحوار الوظيفة الثالثة فى الدراما . ورغم صعوبة كتابة حوار يتمتع بقدر من المرح إلا أنه يكون ضرورياً في كثير من الأحيان للتقليل من توتر المتفرج . فلو أن هناك فيلماً طويلاً يشتمل على درجة عالية من الإثارة ، دون أن يكون هناك بعض المرح من حين لآخر لإراحة المتفرج ، سيزداد توتره إلى درجة قد تجعله يضحك في مشهد للبطل وهو يُهاجم بسكين ، أو مشهد لرجل وامرأة فى حالة حب . فهو يبحث في هذه الحالة بنفسه عن طريقة لتقليل توتره .

4- التتابع :

يمكن التأكيد على التتابع Continuity من خلال الحوار . يمكن إعادة كلمة رئيسية مثلاً أو جملة معينة فى الحوار المباشر بين شخصية

وأخرى ، لترك أثر معين فى نفس المتفرج ، وبعث فيه درجة من الإثارة ، وللتأكيد على تلك الكلمة الرئيسية .

فاستخدام السؤال هو أحد الطرق المتنوعة التى يستخدمها الحوار ، وتعمل على جذب إنتباه المتفرج ، لأنها تلعب على فضوله . ولو تم إجابة السؤال بسؤال آخر ، يعمل ذلك على زيادة الإحساس بالمواجهة والتحدى بين الشخصيتين .

وقد أُستخدم الحوار المفرد soliloquy فى الأفلام الدرامية ، عادة مصاحباً للقطات قريبة للشخصية ، ولكن سرعان ما تم تجنبه بسبب ما يثيره من شعور بالإفتعال والتظاهر فى التعبير ، وما سببه من عرقلة الزمن السينمائى . أما الحوار المفرد فى التليفزيون ، فله تأثير مختلف على المتفرج . فالأفلام التى بها حوار مفرد ، والتى قد تسبب الملل والضيق للمتفرج ، قد تكون مقبولة إذا ما تم عرضها فى التليفزيون . وهذا الفرق فى التقبل له علاقة بحجم الشاشة نفسها أكثر من أى شيئ آخر . فلقطة قريبة لوجه على شاشة 40 قدم تظهر هائلة للمتفرج ، بينما على الشاشة الصغيرة تكون نفس اللقطة قريبة من الحجم الحقيقى . ومن الملاحظ أن الأفلام الدرامية المنتجة خصيصاً للتليفزيون ، تحتوى أكثر على الحوارات المفردة ، من تلك المخصصة لإنتاج السينما . إن وظيفة الحوار فى فن السينما هو الكشف عن الحقائق الدرامية التى لا يمكن التعبير عنها بالصورة فقط . فيجب أن يمتلك الحوار قوة التاثير الواقعية فى الإخبار بالقصة ، والكشف عن الشخصية ، والقدرة على بعث روح الفكاهة ، مع التأكيد على التتابع كما أخبرنا من قبل . ويجب أن يكون ذلك تبعاً لاختيارات دقيقة . فلو أن الحوار حاد عن دوره الوظيفى فى القصة ، وأصبح هدفا فى ذاته ، او أنه حاكى الواقع تماما فتحول إلى مجموعة من الكلمات والتمتمات ، مما يوقف التدفق الدرامى فى القصة . لذلك يجب أن يحتوى الحوار فقط على تلك الكلمات والجمل الضرورية لتقدم القصة حتي يسير مونتاج الحوار بسلاسة ويسر كباقى العناصر السينمائية .

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.