إيدي آدمز .. مصور أسس لقواعد رد فعل الجمهور عبر «الصدمة الصحفية»

صورة نيجوين نيجوك لوان، رئيس بوليس فيتنام الجنوبية يصوب مسدسه لرأس اسير معصوب العينين من الفيت كونج ليعدمه بدون محاكمة في فبراير عام 1968، حولت مسار التاريخ كرمز لقسوة ووحشية الحرب الفيتنامية، والتصقت باسم المصور الحربي الأمريكي ايدي آدمز الذي غطى بكاميرته 13 حربا من فيتنام حتى تحرير الكويت في رحلة استمرت اربعة عقود اصبح خلالها واحدا من اساطير شارع الصحافة العالمي حيث حصل على 500 جائزة صحفية وفقا لتقرير نشرته صحيفة «الشرق الاوسط».
الصورة الشهيرة التي تدرس مع ملابسات وظروف التقاطها في معاهد الصحافة ارست اسس واحدة من اهم قواعد الصحافة وهي رد فعل الجمهور لصور «الصدمة» الصحفية، مثل صور الطفلة العارية الهاربة من غارة امريكية على قرية فيتنامية، او صورة طفلة احرقتها قنابل اسرائيلية في غارة على بيروت عام 1982 ادت الى رد فعل شخصي من الرئيس الراحل رونالد ريجان، او صور الطفل محمد الدرة محاصر بين رصاص الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني.
ورغم قيمة «الصدمة» التي حولت الرأي العام تجاه الحرب الفيتنامية، فإن آدمز لم يقصد شخصيا احداث هذه الصدمة فلم يكن له موقف سياسي محدد، وانما كان، كمعظم الصحفيين والمصوريين المحترفين العظام، محايدا تماما، رغم ان الصورة اكسبت الجنرال لوان لعنة كابليس فلكلور الحرب الفيتنامية في المسيرات والمظاهرات التي شهدها عقد كامل واعتبر اليمين الأمريكي آدمز مسؤلا عن خسارة الحرب الفيتنامية بتحويل الرأي العام.
كان آدمز، مراسل ومصور وكالة الأسوشيتيد بريس في فيتنام منذ مطلع الستينات، قد وصل العاصمة سايجون ضمن مراسلين آخرين كطاقم شبكة NBC بعد ان هاجم الفيت كونج وقوات فيتنام الشمالية معظم المدن الكبرى في فيتنام الجنوبية بمناسبة رأس السنة الفيتنامية «13 يناير 1968». وفي اليوم التالي اسرع الصحفيون الى معبد آن كوانج باجودا البوذي الشهير بعد ان سمعو باندلاع القتال قربه. شاهد الصحفيون جنود فيتنام الجنوبية يسحبون شابا حافي القدمين خارج المعبد، و«تقدم ضابط، وبمجرد ان سحب مسدسه من غمده صوبت الكاميرا نحوه معتقدا انه قصد تخويف الشاب فقط» كما يقول آدمز. ولسوء حظ الجنرال لوان ضغط آدمز الزر لتنطلق رصاصته لتردي الشاب قتيلا. ورغم ان كاميرا تلفزيون NBC التقطت مشهد الإعدام كاملا وتبرير الجنرال لوان بأن الفيت كونج قتلوا الكثير من «المستشارين» الأمريكيين والمدنيين الجنوبيين، وبثته لـ 20 مليون متفرج، الا ان صورة آدمز هي التي بقيت عالقة في الأذهان واعتبرها المؤرخون مسؤولة عن تحول الرأي العام بشكل ادى الى خسارة الحرب. وتحولت الصورة المطبوعة على الصفحات الأولى لمعظم الصحف الأمريكية الى درس لأخصائيي الدعاية في البنتاجون لتعلمهم ان الصورة الحربية ستكون دائما في غير صالحهم. المفارقة ان آدمز كره الصورة، رغم حصدها لجوائز الصحافة وكان يشمئز منها ولم يعلقها ابدا في بيته مع العشرات من الصور الآخرى التي اعتز بها والتقطها على مدى نصف قرن في الحروب، والمؤتمرات والأحداث السياسية ومهرجانات الفنون وحتى عروض الأزياء.
ولد ادوارد توماس آدمز في نيوكينسينجتون في ولاية بنسلفانيا عام 1933 واهتم بالتصوير منذ الدراسة الثانوية، وكلف بتصوير الأحداث والمعارك اثناء خدمته في المارينز في الحرب الكورية. وبعد تسريحه عمل مصورا في الصحيفة المحلية «نيوكينسينجتون ديلي ديسباتش» ثم «الفيلاديلفيا انكويرار»، وشقيقتها المسائية «الفيلادلفيا ايفيننج بوليتين». ثم التحق 1962 بالأسوشيتيد حتى 1972 قام خلال الفترة برحلات لفيتنام وكاد ان يفقد حياته مرتين عندما اصيبت مروحية الصحفيين برصاص المضادات الأرضية. ترك آدمز الوكالة للعمل اربع سنوات في مجلة «تايم»، ثم عاد للأسوشيتيد بريس مرة اخرى من 1976 الى 1980 . وقضى آدمز السنوات الأربع عشرة الأخيرة من حياته مصورا حرا Freelance  ينشر صوره في مجلات «لايف» و«برادا» وغيرهما من المجلات التي تعتمد على الصور، وكان مركزه الاستوديو الخاص به في قرية جرينيتش في شرق مانهاتن، حيث وفر العمل لعشرات من الشباب المصوريين لمساعدتهم على دفع مصاريف الدراسة في معاهد التصوير.
وكان الاستوديو هو المقابل المرئي للصالون الأدبي حيث ارتاده كتاب المسرح ومخرجو السينما وحتى البباراتزي.والى جانب الحروب والصور التي صادفت صنع الأخبار برع آدمز في البورتريه الذي يعبر عن سلوك الشخصية. وفضل صور الابيض والاسود ككل المصورين العظام معتبرا ان البراعة في استخدام الظلال، وتدريجات الضوء والبحث عن التوليفة المناسبة من فتحة العدسة والمسافة Zoom  والزاوية والتناقض الظلي Contrast، هي التحدي الحقيق الذي يظهر براعة المصور ويترجم انفعالات وعواطف الشخص الى تعبيرات على الوجه تضيع في الصور الملونة لكن المصور البارع يبدع في ابرازها في الصور البيض والأسود.
ورغم اصابته بمرض عضال بتليف متعدد في الجهاز العصبي بلغ نقطة اللاعودة في شهر مايو، فإنه ظل يعمل لآخر وقت ممكن. وكان قد اسمى اخر عمل يقوم به «المراسلة الأخيرة» Last assignment وهو شريط فيديو التقطه للممثل الكوميدي الذي مات قبل اسابيع في يوم العمال في مايو في تيليثون لجمع التبرعات للبحث الطبي في المرض الذي اودى بحياة آدمز.

صورة

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.