آخر شيوخ كار السينما في سورية

مالك أكبر متحف سينمائي في الوطن العربي

 شيار خليل

مازالت يداه تتذوق حتى اليوم طعم مقبض الكاميرا، وماتزال عيناه إلى اليوم ترى بتلك العدسة البلورية ما لا يستطيع الآخرون رؤيته، هو الملقب بـ”شيخ كار السينما السورية الأخير”، منزله ليس ككل المنازل إنه مستودع من الطراز الثقيل يضم أندر الأفلام وأقدم الكاميرات، هو بكل اختصار “محمود حديد”

تكبير الصورة

المصور الذي احترف التصوير وجمع آلات العرض والمعدات السينمائية التي يمكن وصفها بالتراث السينمائي الغالي على مستوى الوطن العربي.

موقع “eSyria” التقى شيخ الكار الأستاذ “محمود رشيد حديد” ليحدثنا عن المقتنيات الفنية السينمائية التي يمتلكها، وليتطرق إلى ذكرياته السينمائية التي مازالت تسجل على أشرطة نسخها في خياله.

ويبدأ حديثه بالقول: «استلمت مهنة “شيخ الكار” منذ عام 1965، المهنة التي حفرتها وحفظتها بجهدي بين دفاتر طوتها الأيام، إنها مهنة الحفاظ على التراث السينمائي السوري والعربي الغنيين، كنت أول شخص صنع صوتاً سينمائياً وطنياً، فمنذ عام 1950 بدأت بجمع الأجهزة السينمائية التي حضنت تاريخ بلادي، وفكرة اقتناء هذه الأدوات والآلات أخذتها من شيخ الكار “نزيه شهبندر” الذي كان يصر على اقتنائي للأدوات السينمائية التي ستصبح يوماً متحفاً عالمياً».

يتابع شيخ الكار حديثه متطرقاً إلى الأرشيف السينمائي الكبير الذي يملكه فيقول: «إنني امتلك أقدم أرشيف سينمائي تسجيلي في الوطن العربي إضافة إلى الأفلام النادرة والحوارات التي كانت تدار بين المغنين والفنانين خلف الكواليس، منها مثلاً نسخة عن عربة “فاراداي”، أول آلة بدائية لتحريك الكادر السينمائي في العالم تعود لعام 1895، أول آلة عرض سينمائية صامتة دخلت سورية عام 1914 حيث عرض عليها الفيلم السوري الأول المعروف باسم “المتهم البريء، أول آلة عرض سينمائية ناطقة دخلت سورية من إنتاج “فرنسا” حيث تم استعمالها في مقهى “الروضة” بدمشق، أول آلة سينمائية قياس 16 مم تعود لعام 1926، أول 

تكبير الصورة
حديد مع إحدى النجوم المصرية

آلة سينمائية ناطقة قياس 16 مم تعود لعام 1940، وبعض إكسسوارات الإضاءة السينمائية مثل كلمبات “أديسون” البدائية ولمبات “الأكزينون”، بالإضافة إلى العديد من الآلات الأخرى والأفلام السورية، العربية والعالمية».

منزل خاص استأجره “حديد” في “جديدية عرطوز” ليشكل لنفسه متحفاً سينمائياً خاصاً، هنا يتابع “شيخ الكار” فيقول: «جمعت بين رفات متحفي الخاص وإلى جانب آلات السينما القديمة حوالي 10 آلاف صفحة عن السينما السورية والعالمية، و400 ألف تسجيل نادر للفنانين مثل “محمد عبد الوهاب، نور الهدى، فريد الأطرش وأمه علياء المنذر”، حيث أقوم بإذاعة هذه الأعمال النادرة في البرنامج الذي أعده باسم “نادي الفونوغراف” في إذاعة دمشق، لم أبخل على أحد بهذه الآلات، حيث تبرعت بقسم لا بأس به إلى وزارة الثقافة وإدارة دمشق عاصمة الثقافة العربية».

عن هوس “حديد” بجمع المقتنيات السينمائية والاحتفاظ بها يقول: «احتفظت بتراث بلدي سورية، ورفضت بيعه عدة مرات إلى جهات عربية وأجنبية أخرى، فهو تراث للسوريين الذين يعتبرون من أوائل مؤسسي الفن السينمائي في الوطن العربي، حيث عملت مع أهم سينمائيي الجيل الأول مثل “إسماعيل أنزور ونزيه الشهبندر”، وحصلت على شهادة من “الشهبندر” شيخ الكار المعروف بحرفة السينما وأخرى من شيخ الكار “أحمد الخضري”، إضافة إلى أنني عضو ومشرف في نقابة العارضين بدمشق منذ 1961».

وأضاف: «مازلت أحلم بإقامة متحف “سينماتيك” الحلم الذي ما فتئ يراودني يوماً بعد يوم، ولأجل ذلك قمت بجمع أقدم الآلات، ورممت عدداً من 

تكبير الصورة
ثناء

الأجهزة المستعملة، كما أصلحت عدداً منها، واليوم معظمها قادرة على عرض الأفلام، وبهذا التراث باستطاعتي أن أصنع متحفاً يلم بكافة جوانب السينما السورية والعربية بآلاتها وتسجيلاتها وتوثيقاتها، ومتحف “سينماتيك” هو حلم يجب تحقيقه لنطلع السينما الأجنبية على عراقة السينما السورية، وبهذه المناسبة أتمنى أن يصل صوتي وتسمع وصيتي بأن تدفن هذه المقتنيات الغالية على قلبي ولا تباع كخردة مهما علا سعرها».

وعن التكريم الذي حصل عليه “محمود رشيد حديد” شيخ كار السينما السورية الأخير يقول: «قامت وزارة الثقافة السورية بتكريمي كشيخ كار السينما السورية عندما حصلت على الثناء الذي يعترف من قبل الوزارة باحتفاظي بتراث سورية السينمائي، كما تم تكريمي بمهرجان مئوية السينما العالمية من قبل السينمائية العالمية “كاترين دونوف”، وهذا التكريم دفعني للاعتزاز بالتراث الذي بحوزتي، فنحن لسنا قشوراً، وإنما لدينا جذور سينمائية عميقة، إننا ثاني دولة عربية صنعت السينما، وأول دولة صنعت الفيلم العربي الناطق الذي كان يحمل عنوان “نور وظلام”، وعشقي لهذه المهنة هو سر الاحتفاظ بتراث السينما السورية في ذاكرتي وبيتي».

“هدى محمود حديد” ابنة السينمائي “حديد”، عن والدها ومقتنياته تقول: «منذ أن وعيت على الدنيا وأنا أرى والدي منهمكاً بجمع الآلات السينمائية القديمة، كان يسافر كثيراً إلى المحافظات السورية والمدن للحصول على الآلات القديمة، كما كان يدربنا على تصليح الآلات وصيانتها وتعريفنا على الأنواع المختلفة، وأذكر اننا حرمنا من بعض المتع في حياتنا من أجل توفير المواد لشراء 

تكبير الصورة
تعلم العمل على الحاسوب متأخراً

واقتناء هذه الآلات القديمة وجمعها».

المخرج “حسن حناوي” يقول: «لدى الأستاذ “محمود حديد” إمكانات رائعة في مجال البحث السينمائي، فهو يمتلك أجهزة لها قيمة تاريخية وعالمية، ومن خلال عملنا المشترك في برنامج “نادي الفونوغراف” نعتمد عليه بعرض وإذاعة الأغاني والمقابلات القديمة للفنانين العرب القدماء، إنه شخص ذو ذاكرة فنية قديمة، وهو يعتبر من الأشخاص التراثيين ذوي الخبرة الكبيرة في العمل الفني والسينمائي، إنه يستحق لقب شيخ كار السينما الأخير في سورية، ويجب على وزارة الثقافة تخصيص متحف “سينماتيك” لمقتنياته الأثرية».

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.