صحيفة الوطن البحرينية -
تواصل سرد قصة حب وهواية امتزج فيها الفن بالتجارة

باقر: كاميرا بـ «روبيتين» أدخلتني عالم الأنتيك

عبدالرحمن صالح الدوسري
تواصل «الوطن» كشف تفاصيل ملف «الأنتيك» بالبحرين وأحلام وطموحات وأمنيات العاملين في هذا المجال، وتطرح معاناتهم وشكواهم وقضاياهم التي تعوق ازدهار ذلك النوع من الهواية قبل أن تتحول لتجارة من نوع خاص.
وفي الأسبوع الماضي، بدأنا مشوار عبدالله باقر الذي عمل عند اليهودي بثلاثين روبية وتحول للبنك البريطاني من فراش لمسؤول إداري، عبدالله كانت له أحلام كبقية زملائه في هذا المجال ومازالت بأن يكون لهم جمعية، وسوق خاص ومتحف وأن تكون كل مقتنياته محط أنظار السياح ومحبي الأنواع من «الأنتيكات» القديمة التي تربطه بتاريخ ماضٍ جميل، وحضارة تنم عن أن البحرين بلد كان يتميز بحضارته ورجالاته ومازالت الأحلام تراودهم باهتمام المسؤولين بما يمتلكونه.
ونتواصل هذا الأسبوع مع عبدالله في دخوله عالم « الأنتيك « من خلال أول كاميرا اشتراها من إنجليزي خلال زيارته للمعرض الزراعي الذي كان يقام سنوياً في حديقة «الأندلس» ويقدم خلاله العديد من المعروضات الزراعية والمهرجانات الغنائية، إذ كانت تحضر الفرق والمطربون العرب أمثال ماهر العطار، وشريفة فاضل، وتقام فيه حلبات المصارعة الحرة بين متصارعين عرب وأجانب، إضافة للعروض الشعبية للفرق المحلية والخليجية والمعروضات التي تبيعها المحلات بأسعار رمزية.
62.. كانت البداية
وبدأ عبدالله باقر لـ»الوطن» سرد قصته بعالم «بالأنتيك»، والتي كانت عام 1962، عندما افتتح المعرض الزراعي بحديقة «الأندلس»، قائلاً «كانت المرة الأولى التي ازور فيها المعرض، لأن بيتنا بالقرب من البناية الكويتية والذي أتذكره كان هناك المصارع العربي «عدنان القيسي» ضد أحد المصارعين الروس، وكان عدنان يلقب بالمصارع «المقنع» وهو لبناني الجنسية، وبالصدفة وأنا أتجول في المعرض وقعت عيني على إنجليزي يفترش بعض الأشياء القديمة ومن ضمن معروضاته كاميرا «البوكس» والتي تعد من أقدم الكاميرات في العالم، فشعرت برغبة امتلاكها، وكنت أمتلك خمس روبيات، وسألته عن سعر هذه الآلة ولم أكن أعلم أنها كاميرا، فقال لي «عشر روبيات»، قلت له «وايد بس خمس روبيات أنه عندي»، ولما هممت بالذهاب، ناداني وقال لي «أنت خذ جولة في المعرض وآخر النهار تعال عندي إذا مازالت الكاميرا موجودة سأبيعك إياها بخمس روبيات وبعد جولة بالمعرض أحسست بالجوع فاشتريت «نفيش وحلاوة»، وصرفت من الخمس روبيات ثلاث ربيات، ولم تتبق معي إلا روبيتان، فذهبت له وإذا بالكاميرا موجودة فذكرته بأنني الشخص الذي جئت لك في بداية النهار قال أتذكرك «هات خمس روبيات وخذ الكاميرا»، قلت له «لكن أنا لا أمتلك روبيتين وقد اشتريت أكلاً بالباقي»، قال «لالا دبرلك ثلاث روبيات وتعال»، قلت له ما عندي، قال «خلاص هات روبيتين» واشتريت بذلك الكاميرا وكانت بداية العلاقة مع جمع الأنتيكات».
ألف كاميرا بمتحفي
وواصل عبدالله «كانت هذه الكاميرا بداية الطريق نحو «الأنتيك» لأنني من صغري وأنا أعشق الكاميرات واليوم يوجد عندي بمتحفي قسم خاص بالكاميرات التي يصل عددها إلى ألف كاميرا من مختلف الأنواع والشركات والسنين، وفي عام 1974-1975 كنت ألاحظ الإنجليز الذين يعملون في البنك بعد نقلهم من دول الخليج دائماً ما يسألونني عن البحث لهم عن «دلة» قديمة، أو «مرشات»، أو «خذنه إلى محلات الأنتيك»، فدفعني الفضول وقلت لنفسي الأجانب يشترون «الأنتيك» البحريني ويأخذونها إلى دولهم، فلماذا لا تهتم بتجميع الأنتيكات وهي في بلدنا وتحافظ عليها من أن تخرج إلى دول خارجية، فبدأت بالكاميرات وفي السبعينات تحولت لجمع «الراديوات»، والساعات والوثائق والطوابع، والعملات كنت أشتريها من البحرين ماعدا كاميرتين اشتريتهما خلال سفري لألمانيا، وكنت مرافقاً لشقيقي في مرضه في «هامبورغ» وبعد فترة العلاج وخلال عودتنا للبحرين مررنا «بفرانكفورت» هناك كان أحد محلات «الأنتيك» كانت عنده كاميرتان «بوكس» من نوع «كوداك»، أما بقية الأغراض المعروضة كلها من سوق البحرين، ومنها «كايات» «بوأسد»، والطوابع، والعمل، و»الراديوات» والتلفونات، و»الدلال»، و»البراقيات»، و»مناظر بوطاووس»، و»علب السجاير»، و»لايترات»، وحلويات، حتى «طمغات» بابكو، كان لكل منطقة لون للراكب «مخرومة»، إذا سلمتها إلى «سالم قطر» يعرف أنك تعمل في «بابكو» فكل منطقة لها لون يعني شيئاً، «خضرة» من المحرق، و»حمرة» من الرفاع، و»زرقة» من المنامة، وهكذا، وقديماً كانت سيارات بابكو تقف عند مستشفى السلمانية وتتجمع لحمل العمال من كل مناطق البحرين».
كنت ألعب الكرة
واستطرد عبدالله «كنت لاعب كرة جيداً ولكنني وبسبب مسؤوليتي في البنك تركت الكرة، وكنت قد بدأت لعب الكرة بفريق «الانتصار»، وكان فريق الانتصار وفريق شباب المتحد في ملعب بالقرب من «البناية الكويتية»، بعدها انضممت إلى نادي المجد، وكان يضم 3 أندية؛ المجد، واللولو، والنيل، بعد ذلك اندمج الثلاثة في ناد واحد أطلق عليه «نادي السلمانية»، وكانت عبارة عن «صندقة» بالقرب من القلعة، وعلى ما أذكر أن فريقاً إنجليزياً زار البحرين في تلك الفترة، كان رئيس الفريق «بوب جلكريس»، كان صديقهم بحرينياً يسمى «سعيد» هو من أوصاهم باختياري ورشحني للعب معهم ولعبنا مباراة ضد المحرق وفاز المحرق علينا 2/صفر.
الفريق هو بالأصل إسكتلندي ويعزفون «القرب»، وبعد المباراة فوجئت بالفريق يزورني في مجلسي بلباسهم الرسمي ويعزفون لي الأغنيات الإسكتلندية التقليدية وكانوا حوالي خمسة وعشرين وزاروني في باص وقضينا وقتاً جميلاً، وأقمت لهم وجبة غداء واستمتعت بزيارتهم».
«كوداك» و«كانون»
وأضاف عبدالله «علاقتي بالأنتيك زادت من الأصدقاء عندي، فقررت أن أفتح مجلسي كل يوم أحد ليلة الإثنين، وبدأت أستقبل في المجلس الكثير من الأصدقاء من السفراء والوزراء والأعيان والأصدقاء الذين يحرصون على زيارتي والاستمتاع بمشاهدة مقتنياتي من التحف القديمة والأنتيكات، وبدأت أطور متحفي وأتوسع فيه، والبداية كانت عشقي للكاميرات وأقمت أستوديو خاصاً لها والتي كما ذكرت لك تربو على الألف كاميرا، طبعاً الكاميرات لعدة شركات شهيرة، مثل «كوداك»، و»كانون»، وغيرها، وتعد الكاميرات التي أمتلكها الأقدم ليس في البحرين أو الخليج بل في الشرق الأوسط، ويعود بعضها إلى الحرب العالمية الثانية، وأنوي افتتاح الأستوديو الخاص بالكاميرات، وأحاول إنجاز الأستوديو ليتم افتتاحه تزامناً مع احتفالات البلاد بالأعياد الوطنية، مضيفاً «كنت قد استأجرت بيتاً قديماً يتكون من خمس غرف وملأته بالأنتيكات، من «كرافي» الأعراس وكل المقتنيات القديمة التي مرت بتاريخ أهلنا بالبحرين، وكل ما تفكر فيه في الماضي من أيام الغوص، والأعراس، والمشروبات، و»الراديوات»، والملابس التي كانت تستخدم بالمناسبات وكل هذه الأشياء كنت أحتفظ بها، بالإضافة إلى المطبوعات من ساعات وكتب ومجلات قديمة، وحتى أفلام سينمائية وأشرطة وصور قديمة، لكن للأسف مرت بي ظروف صعبة أجبرتني على بيع بعض منها «مرغماً» وخصوصاً الساعات، فقد كنت أمتلك حوالي ثلاثة آلاف ساعة يد منهم، «الرولكس»، و»الأوميغا»، و»اللوفادوا» و»اللونجين» والعديد من الماركات العالمية، إلا أن الظرف الذي أجبرني على بيع هذه النوادر الثمينة، زواج ابني، فقررت أن أبيع بعضاً من التحف التي أمتلكها، فنصحني أحد الأصدقاء بألا أستعجل في بيعها وقال لي: الكثير من أهل الخليج قد يعطونك مليون دينار فلا تتعجل، قلت له إن زواج ابني قريب وأنا مضطر للبيع، وإذا بأحد الزوار في نفس اليوم في أحد الليالي يطرق باب منزلي، وإذا به المصور خليفة شاهين، ومعه محمد نور ابن أخته، قال لي خليفة سمعنا من أحد الأصدقاء أن عندك نادياً تبيع فيه أغراضك، قلت له نعم «الحاجة» تجبرني على بيعها، قال «هذي عشرة آلاف دينار جاهزة»، واحنا شرينه كل الأغراض، ما أقدر أقول شيء «خصوصاً أنني بأمس الحاجة للمبلغ، ودخلتهم المجلس وأول شيء وقعت عليه عيونهم «الساعات» الثمينة والنادرة، وقالوا هذه المجموعة سنأخذها معنا الآن، وشالوا الساعات والصور القديمة التي احتاجوا لحملها لأكياس كثيرة وكانت الصور عبارة عن تاريخ الفرق الرياضية بالبحرين، إضافة إلى الصور التاريخية النادرة، فحملوا معهم ألبومات الصور النادرة والطوابع والساعات، وبالنسبة لبقية التحف الأخرى استغرق شحنها أكثر من ثلاثة شهور وهم يشحنونها يومياً في سيارات «سكس ويل»، وبعد أن حملوا كل النوادر بالمتحف والساعات فتح محمد نور محلاً لبيع التحف القديمة التي اشتراها «تراث الأجداد» في بداية سوق بوكوارة، بعد شهرين اتصل بي وطلب مني أن أزوره في المحل الذي تعتبر محتوياته كلها من المتحف التي اشتراها مني، وعندما ما زرته في المحل شعرت بألم بأنني أشاهد جزءاً من حياتي يباع في السوق، وأخبرني أنه قد باع ربع التحف التي اشتراها مني بمبلغ خمسين ألف دينار، وكان قد اشتراها كلها بعشرة آلاف دينار، والباقي منها شحنها إلى سوق القيصرية، وقد باع «البشتختات» بالميزان بالشخاضيل للغواصة واللولو بخمسة آلاف دينار، وأنا أشاهد هذه التحف تعرض وبعد أن بعتها بحاجتي الماسة لذلك انتابتني حالة من التعب وشعرت بالمرض لمدة أكثر من أسبوعين كمن فقد عزيزاً عليه، وبعد أن عملت على جمعها لفترة طويلة من الزمن وأصبحت «الأنتيكات» جزءاً من حياتي أشاهدها كل يوم وأتجول بينها وأقوم بتنظيفها والاهتمام بها».
الكاميرا الوحيدة
وذكر عبدالله «قمت ببيع كل الكاميرات النادرة التي أمتلكها، لكنني لم أفرط في الكاميرا التي اشتريتها من الإنجليزي بالمعرض الزراعي، لأنها أول علاقاتي بالأنتيك، وأتفاءل بها كثيراً وهي تعتبر في الكاميرات النادرة في العالم، بعدها لم أستطع أن أتوقف عن علاقتي بالأنتيك، فبدأت تدريجياً في شراء النوادر في سوق البحرين من كل الحاجيات التي تقع عليها عيني، وبعد فترة استعدت عافيتي وبدأت باستعادة الكثير من «الأنتيك» لكنني كما قلت لم أشتر ولا قطعة من خارج البحرين، بل أخذت أتردد على أسواق البحرين ومحلاتها التي تبيع القطع القديمة والنادرة، وأصبحت ذا خبرة في اختيار ما هو مطلوب ونادر وغير متواجد في العديد من محلات الأنتيك، وأكون استعدت بعضاً مما فقدته ولكن ليس كل ما خرج من يدي سيعود رغم أن الأنتيك الذي استطعت شراءه من جديد أعاد لي بعضاً من عافيتي وابتسامتي وبمقدار نصف ما كنت أمتلكه وفقدته لظروفي الصعبة».
ساعات نادرة
واستكمل باقر سرد قصته مع الأنتيك، قائلاً «من بين الساعات التي كنت محتفظاً بها وأعتبرها من النوادر ولا يمكن لي أن أفرط فيها خمس ساعات «رولكس»، وثلاث ساعات «أوميغا» مزينة بصورة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة -طيب الله ثراه- وكانت عندي أيضاً ساعة «باتريك» فيليس، وساعة «موفادو» من الذهب، ومن حسن حظي أن الساعات كنت أحتفظ بها في «التجوري» وعندما قررت بيع الساعات التي أمتلكها نسيت تلك الساعات، وبعد البيعة كنت أفتش التجوري وإذا بي أجد الساعات الثلاث منهم «رولكس» في صندوق كبير الحجم، من الجلد والساعة من الذهب مائة في المائة، والساعة الثانية «أوميغا» مزينة بصورة الشيخ عيسى، والثالثة «موفادو»، وأخذت الساعة «الرولكس» وعرضتها على مجوهرات «طارق» فطلبت فيها سعر «ألفي دينار» واشتراها مني بألف وخمسمائة دينار، خلال وضعه الساعة على الكونتر، وبدأ يعد لي المبلغ الذي اتفقنا عليه، في هذه الأثناء دخل أحد اليابانيين، ولفتت انتباهه الساعة، وفي الحال طلب شراءها وأنا لم أستلم سعرها إلى الآن، فسأل «طارق» عن سعرها وأجابه أنها بمبلغ خمسة آلاف دينار، وبعد أخذ ورد اتفقوا على أن يشتريها الياباني من مجوهرات طارق بأربعة آلاف وخمسمائة، وأنا موجود بالمحل وأشاهد البيعة التي أشعرتني بمقتل فأنا للتو بعتها بألف وخمسمائة، وقبل أن تكتمل النقود في يدي باعها بأربعة آلاف دينار وخمسمائة وكانت الضربة الثانية لي بعد أن بعت «أنتيكاتي» وخسارتي في الساعة هي الضربة الثانية، لكنه «نصيب»، وبعد ذلك بعت الساعة التي تحمل صورة الشيخ عيسى بثلاثمائة دينار وهي من نوع «الأوميغا»، والساعة الثالثة وكانت أيضاً من الذهب بعتها بمائة وخمسين دينار».
سيارة الشيخ عيسى
وقال عبدالله «أتذكر من القصص التي مرت علي كان يعمل معنا في البنك البريطاني عبدالواحد وهو مؤذن بمسجد الحورة، واشترى الرجل من الديوان سيارة مرسيدس 230 موديل 1970، وكنت يومها مسؤول عبدالواحد في البنك وأعجبتني السيارة وطلبت منه أن يبيعني إياها، واشتريتها منه بمائتي دينار، وهذه السيارة سافرت بها لكل دول الخليج من السعودية، وقطر، والإمارات، والخسارة الثالثة كانت في هذه السيارة، كان دفترها أزرق، ومسجلة باسم حاكم البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وهو صاحب السيارة، وعبدالواحد عندما اشترى السيارة لم ينقلها على ملكيته فظلت باسم الشيخ عيسى، وبعد عشر سنوات من استخدامي السيارة تعطلت عن العمل، وأصبحت غير نافعة، واستأجرت لها «طبيلة» بخمسة دنانير في الشهر وتركتها فيها لفترة طويلة، وإذا باتصال من خليل الشنو، وهو أيضاً يجمع الأنتيكات، وطلع رقم السيارة وسأل عن صاحبها الأصلي ووجد أنها مازالت باسم الشيخ عيسى، ورغم أنني أضفت اسمي بعد ذلك في دفتر «ملكية « السيارة فسألني عن المشكلة في السيارة، قلت له إن «ماكينتها» لم تعد تعمل، فعرض علي شراءها، وكنت قد اشتريتها بمائتي دينار واستخدمتها أكثر من اثني عشر عاماً، فسألني عن السعر قلت له خمسمائة دينار، فأعطاني أربعمائة وخمسين ديناراً وأخذها، وأنا لم أعلم سبب اهتمامه بالسيارة، وبعد فترة طويلة اتصلت له وسألته عن السيارة، فإذا به يضحك وقال تصورت أنني اشتريت منك السيارة بهذا المبلغ، قلت اشلون وأنت من دفع فيها، قال السيارة بعتها على محلات «السكراب» بخمسين دينار، قلت له يعني خسرت فيها وضحك وقال كيف أخسر فيها، أنا لم أكن محتاجاً للسيارة يا عبدالله، كنت محتاجاً أن أشتري دفترها، والمسجل باسم الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين، وهو صاحب السيارة الأصلي، قلت له طيب تبيعني الدفتر بأربعمائة وخمسين، قال ولا ألفي دينار، ومازال الدفتر من ضمن الأشياء الجميلة المحتفظ بها، وهذه واحدة من الخسائر التي فقدتها أيضاً».
«الطاووس» هدية المهراجا
وأفاد عبدالله أن من القصص الطريفة التي مازال يتذكرها والتي لا يعرفها الكثيرون من أهل البحرين، «هل تعرف قصة مناظر الطاووس التي يعتز «المعاريس» في البحرين بتزيين «الفرشة» بها ليلة الزفاف؟، وراء هذه المناظر قصة طريفة، فقد اعتاد تجار اللولو في البحرين سنوياً السفر إلى الهند لبيع أغلى الدانات التي يحصلون عليها طوال رحلة الغوص، وكان التجار الذين يشترونها هم أغنى أغنياء الهند ويقال لهم «المهراجا» وكان المهراجا لا يسكنون في العاصمة دلهي لكنهم يمتلكون مزارع كبيرة في الريف الهندي ويربون فيها الطيور والحيوانات، وفي إحدى المرات عندما زارهم وفد من تجار البحرين سمعوا أصواتاً غريبة في مزارعهم ولما استفسروا من المهراجا عن هذه الأصوات قيل لهم إنها لطيور «الطاووس»، فقال التجار إننا نود الحصول على بعض منها في سفرتنا القادمة، ولأن ما بين المهراجا وتجار البحرين علاقة صداقة قوية لم يرفض طلبهم لكنه وعدهم في زيارتهم العام القادم سيجهز لهم مجموعة من طيور الطاووس، وبعد أن حضروا ليبتاعوا اللؤلؤ في السنة التي تليها كانوا ينتظرون أن يفي المهراجا بوعده، لكنه وقبل أن يحضروا إلى الهند كان قد تشاور مع مستشاريه بأن أهل البحرين يودون أخذ بعض طيور الطاووس معهم فاقترح عليه مستشاروه بأن الجو في البحرين لا يساعد على بقاء الطاووس على قيد الحياة خصوصاً بأن البحرين تتميز بالطقس الحار والرطب وأن بيوت أهل البحرين صغيرة ولا تساعد على تكاثر هذه الطيور، ولذلك نقترح بأن تأتي برسامين يرسمون لك الطاووس على مناظر وتهديها للتجار، وبذلك تكون قد وفيت بوعدك لأصدقائك، وفعلاً قدم المهرجا لكل تاجر طاووساً مرسوماً على زجاج، وبذلك دخل الطاووس البحرين وانتشر في بيوت الأغنياء الذين كانوا يشاركون الفقراء في فرجانهم ليلة الزفاف بإهدائهم المناظر المزينة بالطاووس».
سوق «واقف»
وأوضح عبدالله، «عندما نزور الشقيقة قطر نسعد بما نشاهده من اهتمام المسؤولين بالتراث من خلال تحويل محلات البيع الشعبية والتحف إلى مكان جميل يرتاده السياح ويحرصون على زيارته كلما زاروا الدوحة، لا بل وتنظم هيئة السياحة والتراث في قطر الزيارات لأفواج السياح لسوق واقف على أنه جزء هام من تاريخ الدوحة، وشيدت فيه الفنادق التي يسكنها السواق والمقاهي وتقام فيه المهرجانات الغنائية والاحتفالات بالأعياد الوطنية والرسمية والمزادات وأسبوعياً هناك حفلات تقام في ساحات السوق الذي شيدت فيه محلات الخبابيز والخضرة وبيع الأكلات الشعبية والقهاوي وتقام فيه المسابقات الشعبية والاحتفالات بقدوم رمضان والأعياد وانتشرت فيه محلات الأنتيكات القديمة وأصبح المكان لا يخلو من مسابقات واحتفاليات.. فهل نحلم بنقل تلك التجربة إلى البحرين؟».
أمنيات خاصة
وينهي عبدالله ذكرياته، قائلاً «تبقت كلمة لابد لي أن أقولها للأجيال الحاضرة والتي أتمنى أن يتم تدريسها بالمدارس مواد عن تاريخ «الأنتيك «، ومن الذي كان يستخدمها في ذلك الزمن وكيف دخلت إلى البحرين، ومن الأشهر من أهل البحرين الذين تعاملوا معها وأبقوها على هذه الأرض، وأتمنى من إخواني العاملين في هذا المجال والمسؤولين في البحرين الكثير من الاهتمام بهذا المجال والعناية به وبأسواقه والعاملين فيه، فهو كما ذكرت جزء لا يتجزأ من تاريخ الأرض، وحكاياتها الجميلة والطريفة، وعلينا أن ننقلها إلى الأجيال القادمة ونحافظ على تواجدها في متاحف أوسع وأكبر مما هو موجود اليوم، وأن نقيم المعارض والمشاركات للعاملين فيها، ليعرفوا أجيالنا والسياح والمحبين للبحرين على هذه «الأنتيكات» التي لابد أنها ستنقرض إن لم نعطها اهتمامنا الأكبر، فكل هذه القطع لها قصص وروايات من تاريخ البحرين.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.