10168128_869273003151985_5269583090485516392_n

الفن و الناس

في فيلمه الرائع (جمعية الشعراء الموتى) قام الممثل الراحل روبن ويليامز بتأدية دور مدرس الآداب للطلبة بطريقة لا تنسى حيث كان يقف على حافة مقاعد الدرس محولاً إياها إلى خشبة مسرح لا تتجاوز مساحتها ربع متر مربع و أدى في الفيلم أروع أدواره ليس فقط كفنان بل كإنسان أيضاً . نختار روبن ويليامز هنا لكي نقدمه كمثال في هذا الفيلم – و في أفلامه الأخرى أيضاً – عما يمكن أن يصنع الفن بالأجيال و عن الإجابة الحاسمة التي يجب أن ندافع عنها نحن محبو السلام و الحياة ضد الذين يحاربون الفن . ففي نفس الفيلم يمنع والد أحد الطلبة ولده من التمثيل المسرحي بحجة أن هذا الأمر سيفسده و يؤثر سلباً في دراسته و لكن في الفيلم و في كل الحياة الأجابة معاكسة تماماً إذا كان الفن حقيقياً و المثل الإغريقي القديم يقول ( اذا شبع الإنسان فإنك ستراه يغني) فهل تختصر هذه الحكمة قضية الفن و الانسان ؟
منذ خمسمئة عام تقريباً انتقلت الكنيسة الأوروبية من حالة الظلام إلى النور بإعطاء الضوء الأخضر للرسامين و النحاتين الاوروبيين لكي يرسموا و ينحتوا و يقدموا الفرح إلى القلوب بدلاً من تقديم الحزن و الخوف . لأن الحياة بلا فن هي حياة الخوف .
ولأن الإنسان خلق ليعمل و يزين محيطه بالجمال فالفن هو أحد أساسيات هذا الجمال من حيث كون الجمال شكل و جوهر ، فالشكل هو الذي تراه العين و الجوهر هو الذي يحول الحياة كلها إلى السعادة ، نعم السعادة التي سعى كل الفلاسفة للوصول إليها، و قليل منهم استطاع أن يختصر عصفه الفكري بالقول (الجمال هو مقصدي) فإذا كان ما يحيط بنا جميلاً حصلنا على السعادة و إذا كان ما يحيط بنا بشعاً حصدنا التعاسة .
ودعونا نسأل هل نستطيع العيش بلا غناء ؟ بلا موسيقى ؟ بلا الفن السابع (السينما) ؟ بلا الصورة ؟ بلا الرسمة و المنحوتة و الفن الاستعراضي ؟ و كيف ستكون الحياة بلا هذه الأشياء كلها ؟
لابد أن معظمنا سيجيب .. كم ستكون الحياة بشعة بلا هذه الأشياء ..
ولو تسنى للأطفال أن يجيبوا عن هذا السؤال لصاحوا مطالبين بأغنية قبل النوم ، ولو تسنى لأطفال المدارس لطالبوا بأناشيدهم و كذا سيفعل المراهقون مطالبين بالأغاني التي تناسب سنهم و الكبار بدورهم كل سيطالب بأغانيه التي يحبها و موسيقاه التي يعشقها و من ليس من هؤلاء هم فقط أولئك الذين يريدون تدمير الحياة و ليس بناءها .. فهل نعرف من هذا موقع الفن من الإنسان ؟ وهل تحرص النخب على الفن كما يجب أن تفعل ؟ وهناك سؤال يبدو على درجة عالية من الأهمية .. هل نقوم نحن العرب من أجل نهضتنا الحديثة بتقليد الإصلاح الأوروبي التاريخي و القيام بالإصلاح الثقافي و المعرفي من خلال الدفاع المستميت عن الفن المحترم و الراقي ؟ .. إن الدفاع عن هذا الهدف النبيل يعني الدفاع عن الحياة لأن الحرص على القيمة الفنية يتطلب شروطاً كثيرة ستؤدي إلى النهضة .

د.محمد عبدالله الأحمد

12494786_1194907823879364_4019864687144724423_n

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.