بمشاركة مواهب متنوعة
رحلة بين عراقة الماضي وحداثة الحاضر في «مهرجان أم الإمارات»

أبوظبي مريم عدنان:
تواصلت فعاليات «مهرجان أم الإمارات» لليوم الخامس على التوالي، التي شهدت خلاله إقبالاً لافتاً من الأسر المواطنة التي شكلت نسبة كبيرة من زوار المهرجان، خاضت خلاله تجارب متنوعة أخذت مرتادي المهرجان في رحلة ممتعة جمعت بين ماضي وتراث الإمارات الجميل، وحاضره الحافل بنهضة شاملة تواكب متطلبات العصر وتحقق مستقبل أفضل.
روائح، عطور، وعود، وبخور عبقة تفوح بتراث إماراتي خالد في قلوب المواطنين، وأسلوب حياتهم المعاصر، وألبسة تراثية، ومأكولات شعبية، ورسوم ولوحات فنية تعكس تاريخ وحاضر الدولة، جميعها صنعت وشكلت بأياد وقلوب إماراتية، استعرضتها منطقة السوق، إحدى المناطق الخمس المتميزة التي يضمها «مهرجان أم الإمارات».

خلال جولتنا في منطقة السوق وتنقلنا بين أزقتها، لمسنا عراقة التراث الإماراتي بملامحه المتنوعة، التي تمزج العراقة والحداثة، في صورة تعبر عن حقيقة التبادل الثقافي الذي تتمتع به دولة الإمارات، وتضم منطقة السوق 7 أركان تعرض جوانب مختلفة لعلامات تاريخية بارزة، قدمت خلالها صناعات حرفية تراثية، زينة وأزياء شعبية، ألعاباً وفنوناً شعبية، مأكولات شعبية، لتعكس التطور الثقافي والحضاري لدولة الإمارات على مدار العقود.

مواهب إماراتية نسائية

تميز «مهرجان أم الإمارات» بحضور لافت لمواهب إماراتية متنوعة ومن مختلف المراحل العمرية، وشكلت النساء النسبة الأكبر منها، استعرضت خلاله منتجات محلية الصنع وبأياد إماراتية، جمعت بين تاريخ وحضارة الدولة، وأكدت المواهب الإماراتية المشاركة أهمية المهرجان في إتاحة الفرص لهم لتقديم منتجاتهم المختلفة، وتعريف الجمهور بها، لاسيما وأنها مستوحاة من تراث الدولة.

وشاركت المواطنة فاطمة أحمد خلال المهرجان بصناعة الحلي والزينة التراثية من الألمنيوم، وقالت أقوم بصناعة الحلي وفقاً لطلب الجمهور، وخلال تواجده في المهرجان، كما نوفر أيضاً صناعة الأواني، والعديد من الأدوات الأخرى باستخدام الألمنيوم وتصل مدة صناعة بعضها أكثر من 8 أيام.
من جانبها، استعرضت فاطمة خلفان الهاملي، إحدى المواطنات المشاركات ضمن الأسر المنتجة التي تدعمها مؤسسة التنمية الأسرية، خلال المهرجان نحو 50 نوعاً مختلفاً من العود والعطور والدخون، وقالت المواطنة بدأت بالتجهيز للمشاركة في المهرجان قبل نحو أسبوعين من انطلاقه، وأقوم بتصنيع جميع المنتجات داخل المنزل باستخدام مواد محلية تعكس الطابع التراثي الإماراتي، لافتة إلى أهمية الفعاليات المحلية في توفير فرص للمواطنين لتقديم منتجاتهم التي حظيت بإقبال لافت من قبل الزوار لشرائها.
وأشارت آمنة محمد الرميثي خلال مشاركتها في المهرجان إلى منتجات مختلفة تضم، دخون وعطوراً، وأواني مختلفة مصنوعة من الفخار، جميعها صنعت داخل مشغلها الخاص في منزلها في أبوظبي، لافتة إلى أنها بدأت بتصنيع تلك المنتجات منذ نحو 4 أعوام.
وأكدت مصممة الحلي الإماراتية نورة نصيب الله، التي شاركت ضمن الأسر المنتجة، الإقبال الكبير من قبل المواطنين والمقيمين لشراء المنتجات الإماراتية محلية الصنع، وقالت أقوم بصناعة الحلي والزينة يدوياً بأشكال وألوان متنوعة لترضي جميع الأذواق.
وتم تصميم منطقة السوق لتعكس التراث الإماراتي بمنظور عصري وحديث ممزوج بلمسة من الإبداع الذي يتماشى مع التاريخ، ويبرز في الوقت ذاته سمات من الحاضر والمستقبل، وتتضمن المنطقة 50 متجراً لأبرز العلامات المحلية والعالمية، التي تم انتقاؤها لتعرض منتجات متميزة لزوار المهرجان، منها المجوهرات والملابس وأغراض الديكور المنزلي، وغيرها.
ويضم أحد أركان السوق مشاهد من التاريخ الإماراتي بتقديمه عرضاً خاصاً لآلات تصوير فوتوغرافي قديمة، إلى جانب صور لأهم المعالم التي تميز الدولة الحديثة في مكان واحد، فيما استعرض ركن آخر أقدم أنواع الراديوات التي تواجدت في دولة الإمارات وأتاح للزوار فرصة الاستماع إلى صوت تلك الراديوات.

رحلة غوص بحثاً عن اللؤلؤ

بضع دقائق في جولة داخل ركن «حان وقت الغوص واستخراج اللؤلؤ»، كافية لتعود بك إلى مطلع القرن العشرين، وتأخذك في رحلة غوص بحرية، تعيش خلالها شغف الغوص بمعدات غوص بدائية استعملها الغواصون الإماراتيون في تلك الفترة.
عند زيارتك لركن «حان وقت الغوص واستخراج اللؤلؤ» داخل منطقة السوق، يأخذك صوت النهمات إلى قاع البحر بحثاً عن اللؤلؤ، وهي عبارة عن ترانيم شعبية تراثية اعتاد البحارة سابقاً على الترنم بها، وكانت طريقتهم لحساب الوقت الذي قضاه الغواص تحت الماء من دون أوكسجين، وإذا لم يعد الغواص إلى سطح الماء عند انتهاء النهمة، علم البحارة أنه يحتاج إلى المساعدة.
ويتيح لك الركن فرصة تخيل تجربة الغوص بحثاً عن اللآلئ مع مشاهدة مجموعة من اللآلئ الأصلية المعروضة، والمعدات التي كانت تستخدم سابقاً للغوص واستخراج اللؤلؤ، فعلى الرغم من المخاطر التي كان يتعرض لها الغواصون خلال الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، إلا أن تجارة اللؤلؤ شكلت مصدر الدخل الأساسي للمنطقة، وكان الغواصون يمضون 4 أشهر ونصف الشهر في البحر لصيد اللؤلؤ، حيث يتواجد المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ في عمق 10 أمتار.
ويعرف الركن زواره على أدوات الغوص التي كانت تستخدم قديماً وهي: الحصاة، وهي حجر ثقيل يربطه الغواص بإصبع قدمه لتساعده على الوصول إلى القاع، والزبيل وهو الحبل المربوط على الحصاة ليتم سحب الغواص بواسطته بعد انتهائه من الغوص، والديين وهو سلة مصنوعة من الحبال المنسوجة لجمع المحار، واليدا وهو الحبل الذي تربط به اليدين، والفطام وهي أداة تستخدم لسد الأنف أثناء الغوص.

عروض الحظيرة

لم تقتصر منطقة السوق على المنتجات الشعبية التراثية، حيث ضمت العديد من المنتجات والأنشطة المعاصرة التي حظيت إقبالاً كبيراً من قبل مرتادي السوق، بينها عروض الحضيرة، التي تقع في قلب منطقة السوق، والمقهى الإماراتي التقليدي، والتي تتألف بموقد النار الذي يتوسطها، مع إطلالاتٍ خلابة لمشهد غروب الشمس على كورنيش أبوظبي، وتقدم الحظيرة لزوارها فرصة تذوق القهوة التقليدية المحلية وأطايب الطعام لتكون بذلك وجهةً تستحق الزيارة في المهرجان، والاستمتاع بالأجواء الهادئة بعيداً عن صخب الحياة في أبوظبي.

وتقدم ردهة «الحضيرة» عروضاً موسيقية منفردة لعازفين موهوبين كعازفة القيثارة، ليديا ستانكولوفا وعازف آلة «الهاندبان» الفنان شريف مغازي.

«البشتختة» تخلد أصداء الماضي

خلال تجول الزوار في منطقة السوق تنثر على مسامعهم أصداء الماضي بأصوات أوائل الفنانين الإماراتيين والعرب التي يصدح بها «البشتختة»، من ضمنهم عوض دوخي، وإبراهيم حبيب، وأحمد القميري، وأم كلثوم، وفيروز، وناظم الغزالي، ووديع الصافي، وياس خضر، ومحمد عبدالوهاب وفايزة أحمد.
وحدثنا عبدالله النهدي أحد المشرفين على معرض «البشتختة» في مهرجان أم الإمارات عن بداية استعمال الآلة التي تعود لعام 1917، بعد أن تم استيرادها من الهند لتخليد الكلمات والأمثال الشعبية الإماراتية، وأبيات الشعر القديمة، حيث كانت وسيلة لحفظ وتناقل القصص والتقاليد في المنطقة، فقد وفرت وسيلة جديدة للحفاظ على التراث، حيث تم تسجيل الأغاني في الأسطوانات ما سمح للناس بالاستمتاع، بمجموعة كبيرة ومميزة من الموسيقى، وكان هذا التحول من القصص والأغاني الشفهية إلى التسجيلات أحد الخطوات نحو العالم الذي نعيش فيه الآن.

عالم مصغر: صور تحاكي الواقع

دمج في تصويره الفوتوغرافي «عالم مصغر» بين الواقع والخيال عبر استخدام مجسمات صغيرة جداً وتوظيفها في سيناريوهات حاكى خلالها مواضيع حياتية متنوعة، ما أضفى على تصويره طابعاً مبتكراً فريداً من نوعه ميزه عن غيره من المصورين الفوتوغرافيين، وجعل من ركن معرض التصوير الخاص به «عالم مصغر» وجهة متميزة استقطبت زوار المهرجان.
حدثنا المصور الفوتوغرافي عمر مرعي عامر حميد صاحب فكرة «عالم مصغر» التي بدأت عام 2012، وقال تعتمد الفكرة بشكل أساسي على توظيف المجسمات التي يبلغ حجمها 1.87 ملم بحيث تنقل سيناريوهات ورسائل مختلفة لمن يشاهد تلك الصور، معتبراً أن هذه الصور تساعد على إيصال رسائل موجهة للجمهور.
وأشار إلى أنه قام بتصوير نحو 160 صورة تعتمد فكرة العالم المصغر، ويتراوح أسعار هذه الصور من 1000 إلى 5 آلاف درهم، لافتاً إلى أنه حصل على توكيل لبيع تلك المجسمات ألمانية الصنع في الدولة.

أكثر من 100 عرض فني وترفيهي

يواصل «مهرجان أم الإمارات» تألقه بزخم لا ينضب، مستقطباً آلاف الزوار الذين حضروا لمتابعة أكثر من 100 عرض موسيقي وفني وترفيهي، على مدى 10 أيام، تشمل فقرات الموسيقى، وعروض الأداء الفنية والتفاعلية.
واحتضنت المنصات المتوزعة في جميع مناطق المهرجان عروضاً تفاعلية، قدمت من خلالها مواهب فنية رائعة، تم تصميمها خصيصاً لخطف أنظار الجمهور، وجذبهم للتفاعل مع النشاطات الترفيهية الممتعة، والمعارض التعليمية والمأكولات الشهية المتاحة على طول شاطئ كورنيش العاصمة.

وجمعت عروض المهرجان كلاًّ من الابتكارات العصرية والعروض الترفيهية التقليدية الحافلة بالذكريات، حيث استمتع رواد المهرجان، أمس الأول، بالعرض الحي الذي قدمته فرقة الأوركسترا العربية على خشبة العرض الرئيسية في منطقة السوق، لمنح آلاف الزوار فرصةً استثنائية لخوض تجربة غامرة حملتهم في رحلة مشوقة بين جنبات التراث الموسيقي العربي الغني وأنغامه الأصيلة.

– See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/fbc51c96-97d4-4bdd-b604-f8bf36d9e303#sthash.1mKVSykV.dpuf

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.