شاءت الأقدار أن تكون رحلة الفنان الراحل عبد الرحمن آل رشي الأخيرة في عالم الفن وهو يؤدي شخصية زعيم حي الشاغور الدمشقي العريق الذي يقاوم الاحتلال الفرنسي في مسلسل الغربال كيف لا وهو فارس الدراما السورية الذي وافاه أجله وهو على صهوة الجواد.

ولم يكن راحلنا الكبير أحد الأسماء الكبيرة في الجيل الأول من الفنانين السوريين فحسب ولكنه ابن دمشق البار الذي تنسم هواءها ورسمها لوحات اختزلت حكاية أقدم عاصمة في التاريخ لنجد في العلاقة بينه وبين دمشق شيئاً من الحب المتبادل فهي المدينة التي احتضنته ولمع اسمه على مسارحها وشاشاتها ليبادلها هو حبا بحب ويرفض مغادرتها كما فعل غيره ويثبت جذوره ضاربة في تربتها كشجر السنديان الذي لا يفارق دمشق ويموت واقفا.

لقد حمل آل رشي على كاهله هو وزملاء له سبقه بعضهم إلى الخلود الفن السوري المعاصر منذ منتصف الخمسينيات عندما قدم على مسارح القاهرة مسرحية لولا النساء بمشاركة الراحل الكبير نهاد قلعي تتالت بعدها أعماله المسرحية آخرها كانت مسرحية شيترا التي قدمها على مسرح دار الأسد للثقافة والفنون عام 2006 ومن بين الأفلام السينمائية العشرة التي قدمها راحلنا الكبير يستوقفنا أداؤءه لشخصية السائق أبو الخيزران في فيلم المخدوعين والذي اختير في قائمة أفضل 100 فيلم سينمائي عربي حيث يقوم السائق بنقل ثلاثة شبان فلسطينيين في صهريج ولكنهم يلاقون حتفهم على الطريق وسط صياحه الباكي عندما اكتشف وفاتهم لماذا لم يدقوا الخزان لماذا…

وظهرت شخصية عبد الرحمن آل رشي الحقيقية جلية في أعماله على الشاشة الصغيرة التي ناهزت ال 225 عملا تلفزيونيا والتي رسخت في أذهان الناس شخصية البطل الشعبي والإنسان الشهم وهو ما أكده آل رشي نفسه أنه جسد على التلفزيون كل الشخصيات عدا شخصية الإنسان الثعلبي الطباع والجبان التي لم يستطع تجسيدها لأنه وجد نفسه في تقديم الرؤية الفنية المسؤولة تجاه قضايا الوطن والناس.

وإذا كان فناننا الراحل غبط زملاءه الذين وافاهم أجلهم وقاماتهم واقفة غير أذلاء فإن القدر كان رحيما به إذ حقق له أمنيته الأخيرة ليداهمه الأجل في مدينته التي أحب وسط أهله وناسه ومعجبيه وهو في ذروة عطائه وهو يردد على أسماعنا وصيته الأخيرة.. “كل شي تدمر بدو يعمر بيت وحارة كنيسة وجامع بدنا الأسود يرجع أخضر”.
تصوير خلدون الخن

صورة ‏خلدون الخن‏.
صورة ‏خلدون الخن‏.
صورة ‏خلدون الخن‏.
صورة ‏خلدون الخن‏.
صورة ‏خلدون الخن‏.
       

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.