وجدتُ_حلاً: كيف جعلني الإنترنت مصوراً محترفاً

ورثت حب التصوير من المرحوم والدي الذي كان دائما يصورني أنا وإخوتي بأحدث الكاميرات الفلمية حينها، اقتنيت أول كاميرا فوتوغرافية رقمية في عام 2005م حينما كان اقتناء الكاميرا الرقمية شيئا مميزاً، حلمت بالكثير.. لكن الكاميرا أعطتني القليل من ناحية الألوان والدقة في الصور المطلوبة، ويعود ذلك أيضاً لضعف وبساطة التقنية الموجودة في الكاميرا، وهي تعتبر كاميرا لتصوير اللحظات العائلية، الشخصية والمناسبات، وبهذا القليل تمكنت من عمل أول معرض صور لي في مدينة بودابست المجرية للترويج بجمال اليمن، كنت سعيداً جداً بهذا الإنجاز وانطلقت لالتقاط صور أكثر، وبحكم عملي السابق كنت دائم الاحتكاك مع مصورين عالميين من ناشيونال جيوغرافك.. أتذكر حينها أنى قابلت أحد المبدعين في التصوير، والذي تمكن من اقتناء كاميرا تبلغ دقة التصوير فيها 160 ميجابكسل، وأنه يستطيع تكبير أي شيء صغير في أي صورة يلتقطها ليجعل منها صورة واضحة المعالم..

قابلتُ العديد من المصورين الذين كانوا يتباهون بكاميراتهم وعدساتهم الغالية الثمن حينها، وبالمثل قابلت أحد المصورين البريطانيين الهواة الذي كان يستخدم كاميرا لم تكن أكبر حجما من الكاميرا التي بحوزتي، ولكن الصور التي كان يلتقطها كانت جميلة جدا فهو يعرف كيف يختار الزواية، الضوء والوقت المناسب، أعجبت بصوره بشدة وأخذته مثلاً أحتذي به، حاولت استغلال كل الإمكانيات الموجودة في الكاميرا إلا أنها كانت لا تعطي الصور التي أرغب بها، نجحت بعمل معرض آخر في اليمن لدعم إحدى الرياضات الناشئة إلا أني ما زلت أبحث عن الصورة التى رسمتها في مخيلتي ورأيتها بعيني.

في عام 2009م ادخرت مبلغاً من المال واشتريت ثاني كاميرا رقمية بعدسة تتمتع بميزات أفضل ودقة أكبر، حتى أن أحد أصدقائي نعتني بالمجنون بسبب سعر الكاميرا، كنت سعيداً جداً لأني أمتلكت الكاميرا ذات العدسة التي رغبت بها.. وبدأت رحلة جديدة لالتقاط الصور وأنا لا أعرف شيئاً عن أي تقنية في الكاميرا الجديدة، حتى أتذكر أني قابلت أحد المصورين من ناشيونال جيوغرافك، والذي كان يسألني حينها عن التقنيات التي استخدمتها في صوري، كان يسألني عن فتحة العدسة، سرعة الغالق وغيرها من الأسئلة التى لا أفقه فيها شيئاً، كنت دائما أقوم بطباعة بعض الصور المميزة التى التقطها لكي أصنع عالمي الفوتوغرافي وأمضي قدماً..

مع وفرة الإنترنت واظبت على رؤية صور لمصورين عالميين محترفين، حتى أثري ذاكرتي بالألوان وجمال صورهم وقمت باستغلال كل ما هو موجود في محيطي لالتقاط صور جميلة مثل صور المحترفين، بالرغم من اقتنائي الكاميرا ذات العدسة التي كنت أحلم بها، إلا أني لم أصل للصورة التي حلمت بها والتي رسمتها في خيالي، حيث إن معظم الصور كانت دائماً باهتة وتفتقد للكثير من ناحية الضوء والألوان، كان ينقصني شي وهو العلم التقني بالكاميرا التي أمتلكها والعلم بتقنيات التصوير التى تسهل استخدام الكاميرا، سنحت لي الفرصة في عام2011م أن ألتقي أحد المصورين الذي قال لي حينما شاهد صوري إنني أمتلك عين المصور ولكني لا أمتلك العلم التقني الذي سيساعدني كثيراً على أن ألتقط صوراً جميلة، خرجت معه في رحلة تصوير في أزقة صنعاء القديمة.. حينها قام بإعطائي بعض المعلومات عن كيفية التحكم بالكاميرا من فتحة عدسة، غالق، أيزو، وبعض المعلومات التقنية عن العدسات.. أتذكر حينها أني قمت بتصوير بعض الصور التى رسمتها في خيالي من حيث الضوء والظلال والألوان، كنت سعيداً جداً وذهبت للبيت لكي أقوم بالتصوير في ظروف مختلفة لترسيخ المعلومة، ولكني كنت قد نسيت بعض التفاصيل المهمة، ولكني ما زلت أتذكر جميع المصطلحات التى ذكرها لي معلمي، دخلت إلى الإنترنت إلى جوجل تحديداً وبحثت عن شرح يذكرني بما نسيت ويجيب على الأسئلة التى طرأت على بالي، كنت أستغل فترة انقطاع الكهرباء الطويلة في 2011م بسبب الاضطرابات السياسية في اليمن لأقوم بتطبيق ما تعلمته من تقنيات جديدة، كل ما أذكره أنني صورت كثيراً جداً واشتريت أشياء لأصورها لكي أقوم بتطيق ما تعلمته حتى أني أحرقت الكثير من الملابس بسبب رغبتي في تصوير الشموع.

تعلمتُ تقنيات كثيرة وبدأت أضع نفسي في الطريق الصحيح في عالم التصوير الفوتوغرافي، استغليت الإنترنت لكسب المعرفة، ومواقع التواصل الاجتماعي -بالأخص الفيسبوك- لعرض صوري ولعمل المعرض الإلكتروني الخاص بي، تعرفت على مصورين عالميين ومحليين أرسلت بعضا من صوري لمجلة ناشيونال جيوغرافك العربية التى قامت بنشر عدة صور في أعداد مختلفة من مجلاتها عن جزيرة سقطرى وعن صنعاء، ولصور التقطتها في رحلاتي الخارجية. طُلب مني أن أشارك بصورة في أحد المتاحف الإيطالية التى يوجد فيها صور لمصورين من جميع أنحاء العالم، كنت أقوم بعمل تحضيرات لعمل معرض متنقل بين اليمن وأوربا، ولكن الأحداث الأخيرة منعت من حدوث ذلك.

في ذلك الوقت كان الأغلبية يسألوني هل تدرس التصوير؟ بدأت بالتفكير بتدريس التصوير.. فبعد فترة ليست بالوجيزة من التصوير والتعلم والإثراء المعرفي والبصري كانت حافزاً كبيراً للتفكير بجدية وعمل منهج مبسط مرئي يعتمد على الصور؛ لأن للصورة تأثيرها في التعليم أفضل من النص، جمعت كل المعلومات التى عانيت في تحصيلها بطريقة مبسطة لشرح التقنيات الفوتوغرافية التى تبدأ من الأساسيات إلى استخدام الكاميرا بطريقة محترفة، بدأت في التدريس في صنعاء، ومن ثم سقطرى والمكلا وإب وتعز بشكل تطوعي مع جمعيات التصوير المحلية لمساعدة الرغبين في تعلم التصوير ولخلق فرص عمل، درَّست ما مجموعة 210 طلاب، كانت هناك نوايا للتدريس في محافطات أكثر، لكن الحرب أوقفت جميع المشاريع المستقبلية لن أقول إنها النهاية، ولكن ما أردت أن أقوله إنني كمصور فوتوغرافي ما زلت أتعلم وأثري معارفي بكل ما هو جديد وأثري بصري بكل ما هو جميل موجود في الإنترنت لذلك فعلاً أنا وجدت حلاًّ لمعضلة التعلم.

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.