https://fbcdn-sphotos-d-a.akamaihd.net/hphotos-ak-xap1/v/t1.0-9/

زهر الكرز —‏ لوحة خلابة من تراث اليابان

من مراسل استيقظ!‏ في اليابان

منذ اقدم العصور تغنّى اليابانيون بجمال الساكورا،‏ شجرة الكرز اليابانية المزهرة.‏ فأزهارها الرقيقة فازت بقلوب اليابانيين دون سائر الازهار بحيث اصبح لها مكانة خاصة في تاريخ وحضارة اليابان.‏ حتى ان كلمة «زهرة» في اللغة اليابانية صار يُقصد بها احيانا،‏ بحسب السياق،‏ الساكورا بشكل حصري.‏ وهذه العلاقة بين اليابانيين وأزهار الكرز ترجع الى اكثر من الف سنة خلت.‏

تنتشر اشجار الكرز بأعداد كبيرة في جميع انحاء الجزر اليابانية.‏ ولا حاجة بك ان تجول كثيرا لتصادف نوعا من انواع اشجار الكرز الثلاثمئة تقريبا المزروعة هنا.‏ لهذه الزهرة عادة خمس تويجيَّات او ورقات مسنَّنة الاطراف،‏ لكن عدد التويجيَّات قد يزيد عن الخمس في بعض الانواع،‏ كما يجتمع عدد من هذه الازهار ليشكل عنقودا.‏ وتصطبغ تويجيَّاتها بألوان مختلفة،‏ من شبه الابيض الى الزهري،‏ او حتى القرمزي،‏ مع ما بينهما من ألوان متدرجة.‏ ولطالما اعتُبر شكل هذه الازهار ولونها رمزا الى الطهارة والبساطة.‏

ان شجرة الكرز في ذروة إزهارها لمنظر أخاذ.‏ فحين ترشقها الشمس بأشعتها الفاترة المنسلة برفق من بين الغيوم،‏ تتوهج تويجيَّاتها الانيقة بلون زهري ابيض.‏ فكيف بك اذا ترامى امام ناظريك بستان بكامله من اشجار الكرز الساحرة المنظر!‏

عرض باهر

تشتهر جبال يوشينو منذ قديم الايام بأزهار الكرز البيضاء.‏ وفي هذه المنطقة اربعة بساتين كبيرة تضم اكثر من ٠٠٠‏,١٠٠ شجرة كرز.‏ ويُدعى احد اقسامها هيتومي سِنبون‏،‏ الذي يعني ‹الف شجرة كرز في لمحة بصر›.‏ فعلى مدّ النظر،‏ تتلألأ التلال حولك بالازهار البيضاء،‏ كأنها مكسوة برداء من الثلج.‏ فلا عجب ان يتقاطر اكثر من ٠٠٠‏,٣٥٠ شخص كل سنة لرؤية هذا العرض الباهر.‏

تُزرع اشجار الكرز في تشكيلات عديدة ينتج عنها لوحات رائعة.‏ مثلا،‏ ان صفَّين متوازيين من اشجار الكرز التي تتلامس فروعها يشكِّلان «نفقا» من اشجار الكرز.‏ تخيّل فوق رأسك ظُلّة بيضاء زهرية من آلاف عناقيد ازهار الكرز،‏ والارض تحتك مفروشة ببساط من التويجيَّات.‏

لكن هذه الازهار الرقيقة عمرها قصير.‏ فهي لا تدوم اكثر من يومين او ثلاثة ايام،‏ وقد تكون الفترة اقصر بحسب الطقس.‏

هانامي ‏—‏ نزهة تحت اشجار الكرز

تبدأ اولى براعم الكرز بالتفتُّح في جنوب الارخبيل الياباني،‏ في اوكيناوا،‏ خلال شهر كانون الثاني (‏يناير)‏،‏ وتتابع موجة الإزهار زحفها شمالا لتبلغ جزيرة هوكايدو في اواخر ايار (‏مايو)‏.‏ ويُطلق على عملية الزحف هذه اسم موجة تفتُّح براعم الكرز.‏ ويغطي التلفزيون،‏ الراديو،‏ الصحف وحتى الإنترنت اخبار هذه الموجة.‏ وإذ تسري انباء إزهار الكرز في انحاء البلاد،‏ يتهافت الناس بالملايين الى حيث يمكنهم مشاهدتها.‏

ان «مشاهدة الازهار»،‏ او هانامي،‏ تقليد عريق ممعن في القدم؛‏ وليست الازهار المقصودة في هذا السياق إلّا ازهار الكرز دون سواها.‏ ففي عصر هِيان (‏٧٩٤ الى ١١٨٥)‏،‏ كان الأشراف يقيمون الحفلات للتغنّي بجمال الساكورا.‏ وفي سنة ١٥٩٨،‏ اقام قائد عسكري اسمه هيدِيوشي تويوتومي حفلة لمشاهدة ازهار الكرز في معبد دايڠوجي في كيوتو.‏ فاجتمع الاقطاعيون والضيوف البارزون تحت اشجار الكرز المزهرة وأنشدوا اشعارا تتغنى بالبراعم المتفتحة.‏ وقد تزيَّنت النساء بأزياء رُسمت عليها ازهار الساكورا الانيقة.‏

وفي حقبة إيدو (‏١٦٠٣ الى ١٨٦٧)‏،‏ درج هذا النوع من الاستجمام —‏ النزهة تحت اشجار الكرز المزهرة —‏ بين عامة الشعب.‏ فصاروا يأكلون ويشربون ويُغنّون ويرقصون،‏ وهم يتفرّجون على الازهار مع العائلة والاصدقاء.‏ ولا يزال هذا التقليد دارجا في ايامنا اذ يقصد الجموع الموقع المفضَّل لديهم ليستمتعوا بهذا العرض الحافل بالازهار.‏

موضوع متكرِّر

تُعتبر الساكورا موضوعا متكرِّرا يتغلغل في نسيج حضارة اليابان وتاريخها.‏ وقد اصبحت عنوانا يزخر به الادب والشعر والمسرح والموسيقى اليابانية.‏ وطوال قرون،‏ نقل الرسامون روعة ازهار الكرز على مختلف المصنوعات من الخزف الى الستائر.‏

واتخذ محاربو الساموراي الساكورا شعارا لهم.‏ فتفانيهم الكامل في خدمة سيدهم عنى استعدادهم للتضحية بحياتهم في اية لحظة.‏ لذلك رأى الساموراي في ازهار الكرز رمزا الى قِصَر الحياة.‏ تُعلِّق دائرة معارف كودَنْشا لليابان عن هذا الموضوع بالقول:‏ «بما ان أزهار الكرز عمرها قصير وتتناثر بعد فترة وجيزة من تفتُّحها،‏ فقد صارت رمزا ملائما يجسِّد مفهوم الجمال الذي يقدِّره اليابانيون،‏ الجمال السريع الزوال».‏

ويستمر اعجاب اليابانيين بالساكورا حتى ايامنا.‏ فغالبا ما يحمل ثوب الكيمونو التقليدي الجميل نقشة زهرة الكرز.‏ ونجد تصميم الساكورا ايضا على الادوات المنزلية والأوشحة والثياب على انواعها.‏ ولهذه الزهرة مكانة عزيزة في قلوب اليابانيين حتى ان الابوين الفخورين بمولودتهما الجميلة لا يترددان في تسميتها ساكورا،‏ على اسم زهرة الكرز.‏

ان زهرة هشة وضعيفة القوام كزهرة الكرز التي كانت من القوة بحيث أثرت في حضارة امة بكاملها،‏ هي مثال رائع للجمال المرهف الذي يتجلّى في روائع الطبيعة التي أبدعها خالقنا.‏

اشجار الكرز المزهرة

يُستخدَم خشب الكرز العالي الجودة لصنع المنحوتات والمفروشات والقوالب الخشبية للطباعة.‏ ولكن ليس هذا ما أكسب شجرة الكرز مكانتها المميزة في اليابان،‏ ولا ثمرها ايضا.‏ فعلى خلاف مثيلاتها في مناطق اخرى من العالم،‏ تُزرع شجرة الكرز في اليابان حبًّا بأزهارها التي تخلب الالباب.‏

يمكن زرع شجر الكرز المزهر بسهولة باستعمال الشتول.‏ وقد زُرعت هذه الاشجار على ضفاف الانهار وعلى الطرقات العامة وفي الكثير من المتنزهات والحدائق في كل انحاء البلد.‏

عندما تثلج اشجار الكرز

عندما تطرح شجرة الكرز آلاف تويجيَّاتها،‏ يخيَّل للناظر ان السماء تمطر ثلجا زهريا.‏ ففجأة ودون سابق انذار،‏ تهرّ التويجيَّات عن الاغصان وتتساقط برشاقة على الارض حين تعصف بها هبة ريح قوية.‏ فتتطاير التويجيَّات وتتناثر عشوائيا وتهطل كنفناف الثلج.‏ ويدعو اليابانيون هذه الظاهرة ساكورا فوبوكي،‏ ومعناها «عاصفة ثلجية من ازهار الكرز».‏ فتُفرش الارض ببساط جميل زهري اللون.‏ ومنظر التويجيَّات المتناثرة يغمر الناظر بالسكينة والصفاء،‏ وهو مشهد قلّ نظيره في عالم الطبيعة.‏

https://fbcdn-sphotos-a-a.akamaihd.net/hphotos-ak-xft1/t31.0-8/

https://scontent-mrs1-1.xx.fbcdn.net/hphotos-xfa1/t31.0-8/

https://scontent-mrs1-1.xx.fbcdn.net/hphotos-xpl1/v/t1.0-9/

https://scontent-mrs1-1.xx.fbcdn.net/hphotos-xpl1/v/t1.0-9/

ساكورا

 (مارس 2016)

ساكورا في فوكوشيما.

أزهار الكرز (بالإنجليزية: Cherry blossom) أو ما يعرف باسم ساكورا (باليابانية: 桜) هو الاسم الذي يطلق على أشجار الكرز الخاصة بالزينة وأزهارها في اليابان، أما ثمار الكرز (يطلق عليه باليابانية اسم “ساكورانبو”) فهو يأتي من صنف مختلف من هذه الشجرة.

الرمز

قطعة 100 ين ياباني تظهر الساكورا.

الساكورا رمز معروف في جميع أنحاء اليابان، وهو مُصوَّر في العديد من بضائع المستهلك، كالكيمونو والقرطاسية والصحون بالإضافة إلى لوحات في الفن الياباني والمانغا والأنمي. أزهار الكرز تحمل في مضمونها كناية عن الطبيعة سريعة الزوال، وهي مصوَّرة بكثرة وبتكرار في الفنون ومرافقة كذلك لكل من الساموراي والكاميكازي، وهناك عدة أغانٍ شعبية لها عنوان “ساكورا” أو تتحدث عن الساكورا، بالإضافة إلى عدد من أغاني البوب.

أثناء الحرب العالمية الثانية، كانت الساكورا رمزاً محفزاً لليابانيين، فقد كان الطيارين اليابانيين يرسمون الساكورا على جوانب طائراتهم قبل الشروع في المهمات الانتحارية التي كان ينفذها الكاميكازي، ويرمز رسمهم للساكورا على جوانب قاذفات القنابل إلى الجمال والحياة سريعة الزوال، وكانت الحكومة تشجع الناس على الإيمان بأن المحاربين الفدائيين الذين قتلوا في المعارك دفاعاً عن الوطن تتجسد أرواحهم في أزهار الكرز التي لا زالت وستظل رمزاً لجمال الطبيعة اليابانية.

أنواع

النوع المحبوب والمفضل من شجر الكرز لدى اليابانيين هو النوع المسمى “سومي يوشينو” (染井吉野)، فأزهار هذا النوع من شجر الكرز أبيض صافٍ تقريباً وله لون وردي خفيف خصوصاً بالقرب من ساق الزهرة، وهذه الزهور تتفتح وعادةً ما تتساقط في غضون أسبوع قبل أن تظهر الأوراق، ومن هناك فهذه الأشجار تبدو بيضاء اللون، وقد أخذ هذا النوع من أشجار الكرز تسميته من قرية سوميه (الآن هي جزء من توشيما في طوكيو) وقد تطورت وتوسعت في أواسط وحتى أواخر القرن التاسع عشر في نهاية فترة إيدو وبداية فترة مييجي.

وبعض الأصناف الأخرى من أشجار الكرز هي: يامازاكورا(山桜)، ويايزاكورا(八重桜)، وشيداريزاكورا(枝垂れ桜)، ولنوع يايزاكورا أزهار كبيرة الحجم، وأوراق تويجية سميكة ذات لون وردي وافر، والنوع شيداريزاكورا أو الساكورا الباكية، لها فروع وأغصان متهاوية كالتي لدى شجرة الصفصاف الباكية، وهذه الأغصان مثقلة بالزهور ذات اللون الوردي.

الموسم والطقوس

تفتح أزهار الكرز يبدأ في أوكيناوا في شهر فبراير، ويصل إلى كيوتو وطوكيو في نهاية شهر مارس أو بداية شهر أبريل، وبعد ذلك تواصل أزهار الكرز تفتحها في الشمال وصولاً إلى هوكايدو بعد بضعة أسابيع، واليابانيون يهتمون جداً بمسألة تفتح أزهار الكرز فتراهم يذهبون إلى الحدائق العامة والمعابد والأضرحة لإقامة ما يدعى بـِ(حفل مشاهدة الزهور) ويسمى باليابانية “هانامي“، والهانامي احتفال بجمال زهور الساكورا وكذلك زهور أخرى كزهور شجرة الخوخ، وهي فرصة للاستجمام والاسترخاء والتمتع بمناظر الزهور الجميلة. معظم المدارس والمباني الحكومية يوجد في خارجها أشجار كرز، وبما أن السنة المالية والسنة الدراسية تبدأ معاً في شهر أبريل، فترى أنه في اليوم الأول من العمل أو الدراسة يصادف موسم تفتح أزهار الكرز في أجزاء عديدة من جزيرة هونشو (أكبر الجزر اليابانية التي توجد بها العاصمة طوكيو).

استخدامتها

في الطعام

كأس من ساكورايو (شاي الساكورا)

إن أزهار وأوراق الساكورا صالحة للأكل، وتستخدم كلاهما كمواد لتحضير الأطعمة في المطبخ الياباني. حيث تخلل الأزهار بالملح وتستخدم لإضافة نكهة على الحلويات اليابانية واغاشي. كما يحضر نوع من المشروب الساخن بإضافة أزهار الساكورا في الماء المغلي بشكل يشبه الشاي ويقدم في حفلات الزفاف وغيرها من الاحتفالات.

في الكريمات والعطور

تميزت الساكورا برائحة الرائعة والمتنوعة في حين كل نوع منها يحمل رائحة تختلف عن الأخرى، لذا فهناك كميات كبير من عطور الساكورا والتي الكثير من اليابانيين. أما عن الكريمات فقد اثبتت الدراسات ان الساكورا مفيدة جدا للبشرة في حين انها يلعب دورا مهما في حماية الجلد ومده بالطاقة والحيوية ويساعدة في عملية التجديد.

الساكورا في بلدان أخرى

الولايات المتحدة الأمريكية

أشجار الساكورا في العاصمة الأمريكية واشنطن.

في عام 1912، أهدت اليابان 3000 شجرة ساكورا للولايات المتحدة، للاحتفال بشعب البلدين وتنمية روابط الصداقة، وهذه الأشجار وضعت في صفوف عند من ساحل الحوض المدجزري في واشنطن، والهدية تجددت ب 3800 شجرة كرز إضافية في عام 1956، وهناك أصبحت الساكورا أداة جذب سياحي مميز عندما تتفتح أزهارها بشكل كامل في بداية فصل الربيع.

الصين

بعد هدوء الحرب بين الطرفين اليابان والصين، وبعد سنوات طويلة بادرت اليابان بكسر الحواجر بينها وبين الصين بإهدائها ما يقارب 2000 شجرة الساكورا وكانت تلك الشجرة سبب في لم شمل الصين واليابان, وبعد 10 اعوام اهدت اليابان ما يقارب 5000 شجرة الساكورا لتوثيق الصداقة القائمة بين الدولتين وتقوية علاقة الشعب الياباني بالشعب الصيني

https://scontent-mrs1-1.xx.fbcdn.net/v/t1.0-9/

https://scontent-mrs1-1.xx.fbcdn.net/v/t1.0-9/s851x315/

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.