قبلات من القدس
بدايات التصوير الفوتوغرافي في فلسطين
المصدر : (جورج هانتليان – ترجمة: أحمد عثمان)
في شتاء ،1839 التقط رحالة فرنسي أولى الصور الفوتوغرافية للقدس، بعد رحلته وحتى أوائل الحرب العالمية الأولى، سيقتفي أكثر من مئة مصور، غربي خاصة، أثره، مخلدين الأرض المقدسة، ومصورين سكانها لأجل موضوعات علمية، دينية وتجارية .كان المصورون الأولون متأثرين بتقاليد فنية متأصلة، مثل الرومانتيكية والمشهدية، تتمثل أحد أهم خطوط الرومانتيكية الرئيسة في امتزاج المعرفة العلمية وأهمية التاريخ، ما أدى إلى فرض الطموح التوثيقي نفسه على المشهد تدريجياً ابتداء من أوائل القرن التاسع عشر، زد على ذلك، كانت الرومانتيكية تشبع رغبات هواة المشهدية بما تمنحه من موضوعات جديدة: البلاد البعيدة وثقافتها أكثر جاذبية من المناظر والشعوب المألوفة! عمل الرسام ديفيد روبرتس في الأرض المقدسة قبل أشهر بالكاد من قدوم أوائل المصورين الفوتوغرافيين، أثرت لوحاته، المتأثرة بالرومانتيكية والمشهدية، الرسامين والمصورين الفوتوغرافيين .

مع مقدرته على إعادة الانتاج الكبير للصور، أصبح التصوير الفوتوغرافي وسيلة الإعلام الشائعة ليس عن صور الرحلات فقط، وإنما عن موضوعة الأرض المقدسة أيضاً، صور الحج، بالنسبة إلى الجمهور المتدين، تصور أغلبية الصور البانورامية عن القدس، المنتجة في القرن التاسع عشر، أرضاً خربة ومهجورة، ولكن في مخيلة الغربيين، كانت هذه الأودية والجبال علامات الدلالة الكتابية غير المباشرة، فضلاً عن كونها تشير إلى آثار السيد المسيح نفسه، مناظر جبل الزيتون، أو المأخوذة منه شعبية لأنها في غير حاجة إلى أن تكون موثقة كجزء من الأرض المقدسة .

أصبح السفر إلى فلسطين أكثر سهولة، ومنذ ذاك، توافد المكتشف، المبشر، العلامة، الرومانتيكي، الإكليروسي، الأركيولوجي، الإمبريالي، المقاول والحاج (أو خليط من كل ما سبق) على القدس برغبة وضع المدينة في خدمة أيديولوجيتهم .

صور داغرية ضائعة

كان الفرنسي فردريك فسكيه أول مصور فوتوغرافي يستعمل آلة التصوير داغر في الأرض المقدسة، برفقة الرسام هوراس فرنيه . كان أحد أفراد فريق بعثه خبير البصريات الفرنسي ليربور: دفعتهم الدوافع التجارية إلى نشر الرحلة الداغرية لفسكيه . الثاني، فرنسي أيضاً، جيرو دو برانغي، وكانت له مقاربة خاصة للغاية: الرغبة العلمية الخالصة، إذ كان منجذباً إلى الأركيولوجيا يعد أول من رسم تخطيطات عن آثار الأرض المقدسة، الأبنية والخرائب المغطاة بالأعشاب الشيطانية التي منحت رواسمه عطراً رومانتيكياً عتيقاً ينتمي إلى روح العصر، بينما الثالث، الدكتور جورج كيث، سكوتلندي، وهو الوحيد الذي عمل في الأرض المقدسة، كانت حوافزه دينية: حدد لنفسه غاية الربط بين تاريخ الكتاب المقدس وجغرافيا الأرض المقدسة .

وقتذاك، لم تكن الطرق مؤمنة بالقدر الكافي، ولذا عمل المصورون الفوتوغرافيون على طرق المسالك نفسها وتصوير الأماكن نفسها . فضلاً عن ذلك، للأسف لم نتوصل إلى أية صورة داغرية حققها هؤلاء الثلاثة فقط هناك رسوم مأخوذة عن الأصول .

تمويل لا غنى عنه

أقدم الأعمال التي وصلتنا حققها المصورون الفوتوغرافيون الكالوتين Calotypistes واستخدم سبعة مصورين فوتوغرافيين هذه التقنية مابين 1849 و1859 كان بعضهم من الأثرياء، مثل س . غ . فلهاوس، طبيب إنجليزي قام برحلة بحرية في البحر المتوسط في ،1849 جون شاو سميث، أو الفرنسي المهووس بالشرق منذ طفولته، لوي دو كليرك أيضاً، الذي حمل معه من رحلة قام بها في عام ،1858 وهو في سن الثالثة والعشرين، 222 صورة .

اعتمد آخرون على الدعم المادي يدفعهم اهتمامهم العلمي، من ضمنهم، ماكسيم دو كامب الذي مولته وزارة التعليم في نوفمبر ،1849 وأوغست سالزمان الذي أمضى ستة أشهر في القدس خلال عام ،1854 وقام بالتقاط 200 صورة لفائدة صديقه لوي دو صولسي، الأركيولوجي وعضو المعهد الفرنسي، الذي كان في حاجة إلى صور موضوعية وتفصيلية تعزز نظرياته حول التعيين التاريخي لآثار الاقليم . في مقدمة ألبومه، كتب سالزمان: الصور تواريخ، وقائع غنية بقوة الاثبات الخام .

كان الكالوتيب يتطلب وقتاً طويلاً من التعريض للنور نحو سبع دقائق في النور، ولكن بعد عام ،1851 فتح لاصوق Collodion سكوت آرشر عهداً جديداً من الحركية والسهولة، مع غرفة التحميض ذات الغطاء، انتشرت هذه التقنية لدى الرحالة الذين كانوا أول من استعمل تقنية اللاصوق في الأرض المقدسة خلال خمسينات القرن التاسع عشر، على وجه التحديد، يتعلق الأمر بجون أنطوني، فرانسيس فريث وجون غرامب الذين رجعوا إلى ديارهم بكمية كبيرة من الوثائق الفوتوغرافية بعد إقامة قصيرة .

مقيمون دائمون

في منتصف العقد الخامس من القرن التاسع عشر، بدأ مصورون فوتوغرافيون في الاقامة في القدس، ولكن من الصعب تحديد كرونولوجيا مؤكدة عن هذا الموضوع، على الأرجح، كان جيمس غراهام أول من استقر بها قبل عام ،1960 ومع ذلك، كان التصوير الفوتوغرافي بالنسبة له عملاً هامشياً -، والثاني، ارميت بيروتي، مهندس ايطالي ومستشار ثرياً باشا، الحاكم العثماني، عاش في القدس منذ عام 1845 ذكر غرامب مصور فوتوغرافي ثالث، بيتر برغهايم، اليهودي المتحول إلى الكاثوليكية، الذي كان يتردد على القنصلية البريطانية .

رابع المصورين المقيمين في القدس قبل عام 1860 والوحيد الذي عاش بصفة دائمة البطريرك الأرمني ايساي غارابديان الذي أسهم بصورة كبيرة في تطوير التصوير الفوتوغرافي في فلسطين . تدرب غارابديان على التصوير الفوتوغرافي في عام ،1855 وكوّن فريقاً من الكهنة لالتقاط صور عن الأماكن المقدسة لصناعة البطاقات المثمنة غالياً في الغرب، كان الحجاج، المواطنون الأصليون والمقيمون الأوروبيون يأتون للتصوير تحت بوابة دير سان-جاك (التابع للطريركية الأرمينية في القدس) أو في ستوديو ذي طراز غربي، ديكوره أعمدة وأغطية من الجوخ وأغصان مقطوعة . ظل المعمل الأرمني يعمل بفضل تلميذه ايساي، وغارابد كريكوريان، هذا الأخير أسس في عام 1885 ستوديو خاصاً به، سوف يبقى في مكانه قرب باب يافا حتى عام 1948 . في عام ،1898 أصبح كريكوريان أحد مصوري القيصر (لقب إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني) .

إمكانات جديدة

انفتح فصل جديد مع بيت آل بونفيس، عائلة فرنسية أقامت في بيروت ويرجع اليها أفضل الصور الفوتوغرافية المعروفة عن القدس، كانت غالبية بورتريهاتهم ومناظرهم منظمة ويدفعون أجراً لم يصوروه، وبعض هؤلاء قام بأداء أكثر من دور، هذه الصور تبين التوجه المميز للانتاج الذي يتوجه إلى متلقين باحثين عن الشرق الغرائبي، ولكن عن أي ستوديو آخر، ركز ستوديو بونفيس على القدس العثمانية .

هناك أيضاً النشاط الفوتوغرافي لصندوق اكتشاف فلسطين، الذي تديره كوندر وكتشنر، في عام ،1865 عمل كلاهما في ترميم الآثار، بيد أنهما تفرغا للتصوير الفوتوغرافي أيضاً . أخذ كثير من التقاليد القديمة والخاصة بفلسطين في التلاشي أمام هجمة السلوك الغربي، كما كتبا . في فترة من الزمن، سوف يختفي المعنى الدقيق لكثير من الأشياء الموجودة في الكتاب المقدس . غير أن الفضل يرجع إلى السرجنت هنري فيليب، خلال سبعينات القرن التاسع عشر، لالتقاط سلسلة من بورتريهات الشعب الفلسطيني . في نهاية القرن التاسع عشر، حقق المنظار المجسم اليدوي، الذي اخترعه أوليفر فندل هولمز، ثراء ثقافياً وتثقيفاً دينياً كما سلوة شعبية، وهكذا تمكنت أية عائلة من الطبقة الوسطى في أوروبا أو أمريكا من الشعور بكونها في الأرض المقدسة . اشتهرت شركة أونروود آند أوندروود في هذا المجال، وفي عام ،1901 بدأ ستوديو التصوير الفوتوغرافي لمدرسة الدومينيكان الكتابية نشاطه، وتبعه ستوديو الأمريكي كولوني .

أين كان اليهود والمسلمون منه؟ على كاهلهم وقع التحريم المناهض للأيقونة، حتى وإن لم يترددوا في التصوير الفوتوغرافي، لم يكن من بينهم مصورون فوتوغرافيون قبل التحول الحاسم في القرنين التاسع عشر والعشرين.

انغرس التصوير الفوتوغرافي في الأرض المقدسة، وقتما زادت حمية النشاط الديني، فضلاً عن النشاط السياسي والاقتصادي المكثف الذي كانت فلسطين هدفه، قبل عام واحد من وضع أول مصور فوتوغرافي قدمه في البلاد، تشجع عدد من المبشرين، ومن ضمنهم الأمريكي إدوارد روبرتسون على القدوم لدراسة الأماكن الكتابية والإسهام في إصدار بحوث الكتاب المقدس في فلسطين قام التصوير الفوتوغرافي بدور عظيم في استكشاف الإقليم، بينما تضاعف البحث عن الروابط بين تاريخ الكتاب المقدس والتصوير الفوتوغرافي للأرض المقدسة .

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.