في ذكرى اغتياله..

في ذكرى اغتياله..”ناجي العلي” شهيد الريشة والحقيقة

وكالة انباء الشعر- محمد السيد

“اللي بدو يكتب عن فلسطين ، واللي بدو يرسم لفلسطين بدو يعرف حاله ميت ، أنا مش ممكن أتخلى عن مبادئي ولو على قطع رقبتي”، قالها ناجي العلي ورحل بطلقة غادرة من مسدس كاتم الصوت. اليوم تمر الذكرى الـ28 لشهيد الريشة والحقيقة، حافي القدمين، الشهيد الفنان ناجي العلي(حنظلة). اغتيل بعد ان انتج أربعين ألف رسم كاريكاتورية خلال مسيرته الفنية التي استمرت نحو 30 سنة. لم يخش الموت فقد كان دائما ما يردد”ياعمي لو قطعوا أصابع يدي سأرسم بأصابع رجلي”. الوكالة تفتح نافذة بسيطة من حياة فنان الضمير الفلسطيني، من خلال هذا التقرير.

بدايات حياته

تميز ناجي سليم حسين العلي (1937 إلى 29 اغسطس 1987)، بالنقد اللاذع الذي يعمّق عبر اجتذابه للاتنباه الوعي الرائد من خلال رسومه الكاريكاتورية، ويعتبر من أهم الفنانين الفلسطينيين الذين عملو على ريادة التغيّر السياسي باستخدام الفن كأحد أساليب التكثيف . له أربعون ألف رسم كاريكاتوري، اغتاله شخص مجهول في لندن عام 1987م.

لا يعرف تاريخ ميلاده على وجه التحديد، ولكن يرجح أنه ولد عام 1937م، في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، بعد احتلال “إسرائيل” لفلسطين, هاجر مع أهله, عام 1948 إلى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة، ثم هَجر من هناك وهو في العاشرة، ومن ذلك الحين لم يعرف الاستقرار أبدا، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان اعتقلته القوات الإسرائيلية وهو صبي لنشاطاته المعادية للاحتلال، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها. وكذلك قام الجيش اللبناني. باعتقاله أكثر من مرة وكان هناك أيضاً يرسم على جدران السجن. سافر إلى طرابلس ونال منها على شهادة ميكانيكا السيارات.

مع النزوح بدا الوعي عند ناجي يتعمق و الدمامل في النفس تتكون وتتضخم. والحنين للوطن يكبر. في مخيم عين الحلوة، بدأت روح الفنان تتحرك في اعماق ناجي.. كما تقول السيدة وداد العلي زوجته ” فحين ذاك التقط الحزن من عيون اهله و اصحابه و شعر بحاجة كبيرة الى قذف ما تجمع في روحه من احزان و قهر، على شكل خطوط غاضبة رسمها على جدران المخيم: حيثما وجد مساحة شاغرة”.

درس ناجي في مدرسة ( اتحاد الكنائس المسيحية) حتى حصوله على الشهادة الإعدادية. و لما وجد من المتعذر عليه متابعة الدراسة اتجه الى العمل في البساتين، ثم توجه الى طرابلس حيث درس في المدرسة المهنية ليغادرها الى بيروت حيث عمل في عدة ورش صناعية.

وفي عام 1963 م سافر الى الكويت، وعمل رساما في مجلة “الطليعة” ثم انتقل الى جريدة السياسة الكويتية عام 1968م و عمل فيها لغاية 1975م ثم عاد الى بيروت للعمل في جريدة السفير. و كانت رسومه تنشر في جريدة الوطن الكويتية في ذلك الوقت . ثم عاد للعمل في الكويت عام 1982 فعمل في القبس حتى عام 1985م ثم انتقل الى لندن و كانت المحطة الاخيرة .

تزوج من وداد صالح نصر من بلدة صفورية الفلسطينة وأنجب منها أربعة أولاد هم خالد وأسامة وليال وجودي. أعاد ابنه خالد إنتاج رسوماته في عدة كتب جمعها من مصادر كثيرة، وتم ترجمة العديد منها إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى.

ويعود الفضل في نشر أعماله ودخوله عالم الكاريكاتير الى الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي شاهد ثلاثة أعمال من رسوم ناجي في زيارة له الى مخيم عين الحلوة فنشر له أولى لوحاته في الصحافة، وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوح، وقد نشرت في مجلة “الحرية” العدد 88 في 25 أيلول/ سبتمبر 1961.

العلي وحنظلة

ابتدع الرسام ناجي العلي شخصية حنظلة البالغ من العمر 10 سنوات، حيث ظهرت أول لوحة تضم هذه الشخصية عام 1969 في جريدة السياسة الكويتية، لتكون هذه الشخصية أهم رموز ناجي على الإطلاق. وعنه يقول العلي “لقد قدمته للقراء و أسميته حنظلة، كرمز للمرارة فالبداية قدمته كطفل فلسطيني، لكنه مع تطور وعيه اصبح له افق قومي ثم افق كوني و إنساني”. ويبدو حنظلة في لوحات ناجي العلي صعلوكا، رث الثياب، عاري القدمين، ضئيل القامة، و يبدو رأسه كالقنفذ.. و يمثل حنظلة موقف وضمير الفنان و يتمنى للمسحوقين والثائرين، ويقف كشاهد لا يغيب عن كل صغيرة كبيرة، ويجسد ببلاغته، رمزا لقطاع كبير من الشعب العربي وتتفق مواقفه مع مواقف السواد الأعظم من جماهيره. ويعقد حنظلة يده خلف ظهره، ويغيب وجهه عن الجمهور، وهو يعبر عن استيائه من الواقع العربي .

ويقول حنظلة في أول ظهور له :((عزيزي القارئ: اسمي حنظلة، اسم أبى مش ضروري، أمي اسمها نكبة. نمرة رجلي مبعرف لاني دائما حافي.. و لدت في خمسة حزيران، 1967 جنسيتي انا مش فلسطيني، مش اردني، مش كويتي، مش لبناني، مش مصري، مش حدا..انا بختصار معيش هوية، ولا ناوي اتجنس، محسوبك انسان عربي وبس، التقيت بالرسام ناجي صدفة، كاره شغله لانه مش عارف يرسم..عرفتو على نفسي، وأني انسان عربي، واعي معاشر كل الناس، المليح والعاطل، واللي هيك وهيك، ورحت الاغوار، وبعرف مين بيقاتل ومين بيطلع بلاغات بس.. وقتلوا إني مستعد ارسم عنه أفكار الكاريكاتير كل يوم وفهمته اني مبخاف من حدا، غير من الله، واللي بدو يزعل، يروح يبلط البحر، قلتلوا على اللي بيفكر بالكنديش بالسيارة، وشو بيطبخوا اكثر، ما بيفكروا بفلسطين، وياعزيزي القارئ، انا أسف لاني طولت عليك وما تظن أنى قلت هالشيء عشان عبي هالمساحة.. وأنى، بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن صديقي الرسام اشكرك على طول، والى اللقاء غدا ))..حنظلة )).

اغتيال..غامض!

يكتنف الغموض اغتيال ناجي العلي، ففي اغتياله هناك جهات مسؤولة مسؤولية مباشرة، الأولى الموساد الإسرائيلي والثانية منظمة التحرير الفلسطينية كونه رسم بعض الرسومات التي تمس القيادات آنذاك. اطلق شاب مجهول النار على ناجي العلي على ما أسفرت عنه التحقيقات البريطانية ويدعى بشار سمارة، كان موظفا لدى جهاز الموساد الإسرائيلي وتمت العملية في لندن بتاريخ 22 يوليو عام 1987م فاصابه تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 اغسطس 1987، ودفن في لندن رغم طلبه أن يدفن في مخيم عين الحلوة بجانب والده وذلك لصعوبة تحقيق طلبه.

قامت الشرطة البريطانية، التي حققت في جريمة قتله، باعتقال طالب فلسطيني يدعى إسماعيل حسن صوان ووجدت أسلحة في شقته لكن كل ما تم اتهامه به كان حيازة الأسلحة. تحت التحقيق، قال إسماعيل أن رؤساءه في تل أبيب كانوا على علم مسبق بعملية الاغتيال. رفض الموساد نقل المعلومات التي بحوزتهم إلى السلطات البريطانية مما أثار غضبها وقامت مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء حينذاك، بإغلاق مكتب الموساد في لندن.

لم تعرف الجهة التي كانت وراء الاغتيال على وجه القطع. واختلفت الآراء حول ضلوع إسرائيل أم منظمة التحرير الفلسطينية أو غيرها من المخابرات. ولا توجد دلائل ملموسة تؤكد تورط هذه الجهة أو تلك.

يتهم البعض إسرائيل بالعملية وذلك لانتمائه إلى حركة القوميين العرب التي قامت إسرائيل باغتيال بعض عناصرها كما تشير بعض المصادر أنه عقب فشل محاولة الموساد لاغتيال خالد مشعل قامت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بنشر قائمة بعمليات اغتيال ناجحة ارتكبها الموساد في الماضي وتم ذكر اسم ناجي العلي في القائمة.ووفقا للويكيبيديا، فقد دفن الشهيد ناجي العلي في مقبرة بروك وود الإسلامية في لندن وقبره يحمل الرقم 230191. وأصبح حنظلة رمزاً للصمود والاعتراض على ما يحدث وبقي بعد ناجي العلي ليذكّر الناس بناجي العلي.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.