نشر بواسطة يونس العلوي

مجلة فن التصوير ترصد لكم الخبر:

التوتر البصري (visual tension) … النظرية والتطبيق بقلم الأستاذ حسين نجم السماوي
بسبب طول البحث والمقال سوف ينشر  تباعاً على شكل أجزاء.
المدخل:
(فمخاطبة العقول و إثارة المشاعر والأحاسيس بأسلوب التصوير الفني عبر الادراك الحسي للغة الجسد أو أي عناصر أخرى، من خلال التعبيرات المختلفة للفعل الانساني ، حيث يتحول السرد البصري إلي صورة ناطقة مشاهدة يتحسس فيها الحركة و الحياة نستطيع من خلال لغة الجسد(ينظر صورة أستاذ زهير شعوني) اقامه حوار بصري يكشف لنا عن امور قد تكون غامضة للوهلة الاولي يمكن من خلالها ثراء التصورات الشكلية بمجال الرسم والتصوير . فاللغة الصورة في عالم ثورة الاتصالات حيث اصبحت الصورة ترسل رسالة عالمية لا تعترف فيها بالحدود الجغرافية والاختلافات اللغوية).
التحفيز البصري (visual tension)
أو ما يطلق عليه بالتوتر أو (الإدراك البصري ، النظرية الجشطلتية *)، في الصورة الفوتوغرافية ، وتشمل كثير من الفنون سواء كانت ضوئية أو تشكيلية وتصاميم مجلات وكتب.
وقبل الدخول في معناها وتطبيقها واهدافها ولكي نفهم التوتر البصري وكيفية الاستفادة من ذلك في مسح الصورة الضوئية ، ينبغي أن ننظر أولا في طريقة عمل الدماغ البشري واستجابته إلى المعلومات البصرية.
“أصبحت أدمغتنا وألية تفكيرها جيدة جدا في تعيين الانتباه إلى أشياء مهمة ، ومن ثم الانتباه الى ما تعنيه وترمز اليه، فتنساق لا شعورياً الى تفاصيل صغيرة ، أو ينقاد البصر الى عنصر أخر، من باب الفضول لاستكشاف، ما وراءه من معاني ، ودلالات، ليصل الدماغ الى عملية تحليلية ،كي يخرج بمفهوم إدراكي واعي ، للإجابة عما حفز ووتر الدماغ بواسطة المد البصري”.
من هذا المنطلق يتضح لنا أن عملية التحفيز، الإدراك ، التوتر، هي آليات تفكير منطقي، كامنه في الدماغ البشري علينا استغلالها ، لجذب المتلقي ، لرسالتنا الضوئية بذكاء وفطنة.
إذا ما هو التحفيز –الإدراك- التوتر البصري في التصوير الضوئي ؟.
هو ذلك الوقت الذي يبقى فيه الدماغ البشري مشغولاً بتحليل السرد الضوئي إذا ما كانت هناك عناصر تجذبه كي يستفهم ويدرك ما وراءها ، ماهيتها. حينما تكون هناك قيمة مضافة، تسترعي الانتباه، وتساعد على فكيك الفكرة أو الوصول وأدراك مبتغى المصور.
إذاً التوتر ببساطة هو كالتالي:
إذا ما كان هناك عنصر أخر موجود مع العنصر الرئيسي ، يعضد ويساعد على الكشف السردي، عبر الأدراك الحسي لدى المتلقي .
بمعنى أخر : كلنا نعلم أن الموضوع الرئيسي له السيادة المطلقة ، والهيمنة على الكادر لإظهار موضوع معين أو فكرة بذاتها، وهذا العنصر يجب أن يكون محط عناية من قبل المصور ، وإزالة المشتتات وحصره دون غيره، كي يرسل مفهومه الى المتلقي بسهوله ويسر.
ولكن ماذا نفعل لو كان في الكادر موضوعان وكلاهما مهمان ، يعضدان بعضهما البعض.
بهذا الكادر والحال هكذا ؟ ماذا نفعل؟.
هذا ما سنعرفه من خلال المقال.
حينما يحكمك السرد الضوئي بوجود عنصر أخر ، “معنى يحكمك” أنك أخترت اضافة عنصر ثاني لتتجلى فكرتك أكثر، وليس أمراً مجبراً أنت عليه ( راجع مقالي حول الرمزية).
هناك قواعد وضوابط لا بد لنا من الالتزام بها قدر الإمكان ليتناغم الإحساس وتتدفق المشاعر المنبعثة برويه وانسيابية من الكادر الى المتلقي.

القواعد والضوابط:
1- قاعدة التثليث والتوتر البصري
إذا كنت ترغب في إظهار عنصرين بشكل واضح في الصورة باعتبارهما العنصرين الرئيسيين، عليك أيضا باتباع قاعدة التثليث ولكن هذه المرة مستخدما “التوتر البصرى” أو الـ visual tension أو ما يطلق عليه كذلك القطب المائل “diagonal pole”، وذلك يكون من خلال تقسيم المشهد إلى 9 مربعات بثلاث صفوف رأسية وأخرى أفقية، ومن ثم وضع العنصر الأول عند نقطة التقاء إحدى الخطوط الرأسية بالأفقية في إحدى جوانب الصورة، والعنصر الآخر عند نقطة الالتقاء المقابلة للنقطة الأولى.
لماذا هذه القاعدة وما الذي يستفاد منها؟.
يجعل هذا التوتر البصري عين المشاهد تنتقل ما بين العنصرين ذهابا وإيابا، وكونهما متقابلين بشكل مائل يجعل العين تنتقل فيما بينهما، وهو ما يسمح برؤية حيز أكبر من باقي مكونات الصورة ،على عكس ما إذا كانا متقابلين بشكل أفقي أو عمودي( الشرح في الصور المرفقة).
أي أن الكادر سوف يتم مسح أكبر مساحة منه على اعتبار ميلانهما وهذا يسمح للمتلقي أن يسافر عبر عناصر الصورة بترقب وبحث واستكشاف هو مجبر في الولوج لبحره واكتشاف كنوزه الفنية والرمزية والمعرفية.
2- التوتر البصري والأوزان البصرية:
هناك علاقة مترابطة ومتينة بين التوتر والأوزان البصرية, فوجود الوزن (الثقل) البصري بمكان ما داخل الصورة، يقوي ويضعف التوتر حسب وجوده.

لاحظ الصورة رقم (1) وسوف يتجلى المفهوم أكثر
لو نظرنا الى هذه المربعات الثلاثة مع ما موجود فيها من النقطة ، وأسأل نفسك ايهما جعلك مرتبك ومتأمل. ربما نختلف فيما بيننا على هذا المضمون( اتبع إحساسك) وأنظر بعين روحك وقلبك.
حسناً، دعني أساعدك على كشف ماهية هذه الدوائر وماذا تعني تكوينياً وبصرياً؟.
المربع(أ) جهة اليسار: تشعر أنه رتيب تحيطه مساحات سلبية غير نشطة من جميع الاتجاهات يميل الى الهدوء والسكون والثبات ” لا يوجد فيه حركة” ولا تشعر معه بالتوتر ( لذا تجد بعض الأساتذة يذهب بالقول أن التوسيط للموضوع خطأ تكويني) إلا في بعض الحالات ليس محل ذكرها الأن “ولكني سوف اتناول كسر لهذه القاعدة لصورة استاذي زهير شعوني وكيف انه استفاد من الفراغات النشطة والألوان لتصب في مصلحة العمل في اواخر المقال.
المربع(ب) الذي في الوسط: تشعر أن المسافات لم تعد متساوية، وهناك قوة طاردة ودافعة للنقطة نحو اليمين مخلفة فراغ سلبي نشط ينبعث منه قوة دافعة للنقطة ، موحية أن النقطة تكافح للعودة الى المنتصف، وهنا تم خلق توتر أكثر من النقطة (أ).
المربع (ج): نرى النقطة وصلت الى حافة الكادر مما يوحي أنها سوف تخرج مع ترك مساحة فارغة غير نشطة كبيرة قياساُ مع مكان النقطة من الحافة وهذا مدعاة الى تقليل التوتر , بل تسلب الصورة روحها ، وتُفقد العمل أهميته ،ويكون عملاً كالجسد الخاوي.
لذا نجد ضمن نقاط التكوين أن اتجاه العنصر يجب ان يكون له فراغ يماهي اتجاهه ووجهته كي لا نشعر بخروج العنصر عن الحدث، ولا يترك لنا مساحات شاسعة من غير دلالة فيها، فتصبح فراغات ميته.
3- التوتر البصري يخدم الفراغ .
عندما تراعي الاثقال البصرية ومكان وجودها فأن التوتر البصري سوف يخلق لنا فراغ حي نشط ذو معنى يدخل ضمن المضمون العام للسرد البصري، لذا عندما نخلق التوتر سيكون منسجماً انسجاماً تاماً مع الفراغ النشط دون خوف منه.
4- كلما زاد ابتعاد العنصر الثاني عن العنصر الرئيسي الأول كلما كان التوتر أكثر.

لقد تكلمنا عن النقطة الواحدة في المربعات الثلاث والأن نستعرض لو كان هناك موضوعان رئيسيان في الصورة الضوئية وهو هدفنا من هذا المقال:
نستطيع أن نجمل القول: كلما كانت المسافة بين الموضوعين بعيدة ( البعد لا يكون خارج عن الحد المعقول للكادر)، كلما كان التوتر أكثر ومسح نواحي الصورة بصرياً والبحث عن دلالات فنية أكبر، وهذا نجده في المربع على جهة اليسار.
أما في المربع الذي في الوسط نجد ان الموضوعان تقاربا وخلقا فراغاً غير نشط ، لا بل اثر كل منهما على الأخر وسلب منه القوة التكوينية والطاقة المنبعثة من العنصر نفسة.
أما المربع الذي على جهة اليمين، فقد اندك العنصران بعضهما البعض، وصارا كتلة واحدة مما افقدهما القدرة على تبيان الموضوع والفكرة ، وضاعت المفاهيم بسبب اندماجهما سوية، مع فراغات زائدة.

يتبع الجزء الثاني قريباً أن شاء الله.

حسين نجم السماوي
نجم