الصفحة 5 من 7
[1 2 3 4 5 6 7]

162

كنوز .. حسن سليمان
– حين أهديته كتابى، الصادر قبل عامين ` نساء حسن سليمان`، سألنى : هل تحبين هذا الفنان؟ قلت : بالتأكيد، لكنى لست واحدة من نسائه !
– ضحك سليمان العسكرى، وطلب من سكرتيرته أن تأتى بنسخة من كتابه الصادر هذا العام `حسن سليمان ` قلت لنفسى مجنون آخر بحسن سليمان، لكنه مجنون قادر على اقتناء العديد من أعماله، وقادر على إنتاج كتاب مثل هذا، هو بمثابة كنز حقيقى.
* الكتاب الكنز :
– مجلد فخم للغاية يضم أكثر من 200 لوحة تشكيلية و42 صورة فوتوغرافية و9 بطاقات لمعارض تشكيلية، وهوامش عديدة لبعض أراء الفنان حسن سليمان فى الفن والحب والمرأة والطبيعة .ذاكرة تشكيلية تجسد مشوار الفنان ( 1928- 2008 ) من خلال أعماله المختلفة.
– الكتاب نادر وجميل، مرة لأنه يضم تقريبا معظم صور لوحات الفنان حسن سليمان ( 200 لوحة ) والتى عرضها فى أكثر من 30 معرضاً عبر مسيرته الفنية الغنية، منذ معرضه الأول 1952 حتى معرضه الأخير 2008، ومرة أخرى لأن الكتاب مطبوع بفخامة، وعناية، ودقة وبدرجة عالية من الطباعة وفصل الألوان، تحيل الصور المطبوعة إلى مستنسخ أقرب إلى اللوحات الأصلية، وهو ما يستوجب تحية المصور الفوتوغرافى عبد الرضا سالم، والمخرج الفنى، الفنان محمود مغربى .بالتأكيد أن رعاية أكثر من بنك ومؤسسة كويتية لإنتاج الكتاب، أسهم فى هذا المستوى الفخم والراقى إخراجيا، لكن الأهم هو العلاقة الأعمق بالفنان ومحبه أعماله وهو ما دفع الكاتب الدكتور سليمان العسكرى رئيس تحرير `مجلة العربى ` للإشراف على إنتاج هذا الكتاب وتقديمه، امتنانا وتقديراً وتحية لصديقه الفنان الذى رحل قبل خمس سنوات .
– يتوقف سليمان العسكرى فى تقديمه للكتاب أمام الأسقف العالية التى شغلت دائما الفنان `حسن سليمان كان يختار دائما الأسقف العالية ليتأملها، وكأنه لا يريد أن يأسر الأفكار والألوان، ولا يحب أن تبقى كائناته وهى فى فضاء اللوحات أسيرة للإطار لقد جاءت من الفضاء ويريدها أن تعود إليه` .
– كلام العسكرى عن الأسقف العالية، يستدعى بالضرورة خطوط الطول فى لوحات حسن سليمان، فالخطوط الطولية هى ما يمنح اللوحة القوة والرسوخ، وهى ما تخطف العين، لأنها تتحدى قانون الجاذبية،هكذا فكر الفنان دائما بمنطق المعمارى الذى أراد على امتداد التاريخ أن يحقق رغبته فى أن يرتفع بالبناء إلى أعلى متحديا ثقل المواد المستخدمة وجاذبية الأرض.
– خلفية اللوحة أيضا، إلى جانب الخطوط الطولية،هى إحدى خصوصيات حسن سليمان وأسلوبه المميز، وهو هنا شبيه ( بجويا )هكذا كان يردد دائما حكاية المرأة التى ذهبت إلى جويا لتسأله عملا لابنها، سألها: ماذا يريد أن يعمل ابنك؟
– قالت : يعمل أى شىء حتى ولو `الفون` الخاص بجويا وتقصد الخلفية اللونية التى كان جويا متميزا بها .
– ضحك جويا وقال : `الفون الخاص بجويا لا بد أن يعمله جويا بنفسه، وإلا أصبحنا أمام شئ آخر .
– أيضاً `الفون ` الخاص بحسن سليمان، لا يعمله سوى حسن سليمان .
– يشير العسكرى فى مقدمته إلى الملمح القصصى فى لوحات حسن سليمان ` تراه يسجل مشهدا قد يكون بداية الحكى، أو عقدة القص، أو خاتمه السرد، لكن لوحاته تحمل قصة ما صامتة، وحين تقرأ هذه الأعمال التشكيلية ستجد أن اللقطة الأم هى الإطار، بينما تأخذ اللقطات المقربة تفاصيل الحكاية، وكأنه حين اختار تصميمها، يريد لنا أن نتجول معها لنصنع من هذه الأجزاء حكايتنا الخاصة `.
* معجم مصرى بحق :
– الفنان العراقى ضياء العزاوى يمر أيضا فى مقدمة سريعة، يمسك فيها بالخصوصية المصرية فى أعمال حسن سليمان ` جداول وبساتين خضراء، أشرعة لسفن يحرسها بحارة بالقليل من القوت، أطفال يلعبون فى حارة خالية، متروكات يومية عادية تأخذ حضورا يكاد يكون مقدسا، نساء وحيدات تعبق أجسادهن بجنس متوار تعلنه حركة الجسم وزوايا الرؤية الخاصة بالفنان .هو معجم مصرى بحق، فريد بهويته مشوار حسن سليمان كتاب تشكيلى خاص به فريد بروح مصرية عذبة من دون ادعاء أو بهرجة لفظية عن الهوية والخصوصية فى العمل الفنى.. أحيانا لا تعنيه المعايير الفنية فهو من أولئك القلة من الفنانين الذين لم ينسوا المفهوم الأساسى الذى يقوم عليه الفن، وهو البعد الإنسانى ` .
الحياة الشعبية، والمرأة الشعبية تحديدا هى النموذج الأمثل فى لوحات حسن سليمان،هى الأقرب إلى البساطة والتجريد، لوحاته عامرة بهن، هن بطلات أعماله ونموذجه الجمالى، وعالمه الذى ينتمى إليه، وهو يشعر أنه جزء من الزقاق والرصيف والحارة، يشعر بمعنى الانتماء الحقيقى داخل هذا العالم.
– جمال المرأة الشعبية جمال صريح وأصيل.. يقول حسن سليمان `هى امرأة لا تخفى أنوثتها، بل تجاهر بها، ليست لديها عقدة ( المساواة ) التى لدى المرأة المثقفة أو المرأة الأرستقراطية ، لا الرجل فى الحياة الشعبية يريد أن يكون امرأة ، ولا المرأة تريد أن تكون رجلاً.
– الناقد التشكيلى صبحى الشارونى يقدم قراءة لمشوار حسن سليمان عبر العديد من المعارض `نساء القاهرة `، `فى الشمس` ، `البحر ` ويتوقف أمام خصوصية اللون الرمادى فى أعماله..` بدأت تتميز لوحات الفنان من منتصف الستينيات بطغيان الدرجات اللونية الرمادية بدرجاتها على كل الألوان الأخرى، حتى يحسب المشاهد فى اللحظة الأولى أنه لم يستخدم سوى اللونين الأبيض والأسود فى تصويره الزيتى، لكن عند تأمل اللوحات ندرك أنه استخدم جميع الألوان، محولا إياها إلى إحساس بالحجم والكتلة، ينفى عنها صفة البحث فى الألوان ، ويضفى عليها صفة البحث فى درجة القتامة والإضاءة.. تتميز لوحات الفنان بالإحساس بالتصادم والتباين بين الأسود والأبيض مع درجات الرمادى الفضى أو الأصفر (الأوكر)الفاتح حتى يوحى ذلك للشاهد بالتجسيم الحركى النابض حتى لو كانت العناصر التى يرسمها جامدة كالأوانى والثمار والزهور الموضوعة فى إناء على سطح المنضدة ` .
* شجرة ..
`الشجرة التى لا تنحنى للريح تكسر، قالها لى الدكتور شفيق غربال، فانطويت على نفسى وتمسكت عبر سنوات حياتى بموقفى الفنى والسياسى والاجتماعى، رافضا الإصغاء لمشورة شفيق غربال والانحناء للريح أثبتت السنون صحة موقفى، فالفنان الذى ينحنى للرياح يكسر حتى وهو فى قمة شهرته، فهو – للأسف – قد انكسرت روحه الثائرة المدافعة عن الحق، والرافضة للذل، ظنوا أن الدعاية تصنعهم، وإن رأيتهم يتسابقون كى يقفوا على باب مسئول أو من بيده الأمر والنهى، فلا أقول : ما أحقرهم ! أقول : ما أضعفهم ! وهل يستطيع الإنسان الضعيف أن يقول شيئا أو يصنع فنا ` .
* أحلام :
– لم يكن قد تجاوز العشرين عاماً، يجرى مرحاً على الدرجات المؤدية إلى درب اللبانة، حيث كان مرسمه كان يسميها درجات الحياة، يبتسم، يركل الحجارة ويطاردها.فى ذلك الوقت كان يؤمن أن الفنان أو الشاعر، يجب أن يعيش ويسعى على أحلامه، وأن امتلاك الأحلام لا يحتاج إلى شئ، وأنه هو ورفاقه سيغيرون العالم والمجتمع والحياة والفن، كان يحلم دائما بوجه امرأة يغسله الضوء وجه مسطح جميل بلا أغوار، فوقه شمس قوية شرسة.فى ذلك الحين، كان يملك المقدرة على تحويل كل شىء، حتى الحب الفاشل إلى حلم بسيط جميل يسعد به، فقد كان يظن أنه يملك غده ويثق فى كل فجر آت.
عبلة الروينى
الأدب – 1 /4 /2012

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.