رقص الباليه: أزمة تعبير ووجود

إيمان أبوزينة

تطلق كلمة  رقص “باليه” على تلك التقنية التي يقوم صاحبها بأداء رقصات رشيقة الحركات بتقنية دقيقة تظهر خفة القدمين أثناء الرقص، وكان الرقص واسطة للتعبير عن الفرح والقهر، والخصب والقحط والأمل واليأس ثم طرأ عليه التغير والتطور، شأنه شأن بقية الفنون.

نشأة الباليه في سورية  (1):

مازال هذا الفن في بداياته حيث  تأسس قسم دراسة الباليه بدمشق عام 1997 وألحق  بالمعهد العالي للفنون المسرحية وإلى جانب المعهد هناك مدرسة الباليه التي تأسست عام 1988 .

بدأت الدكتورة “هبة البيروتي” بإنشاء قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية  وعملت على تدريس الباليه الكلاسيكي الذي دمجت فيه  بين المدرسة الروسية والفرنسية ، ثم تابع الأستاذ  “معتز ملاطيلي”   الذي أصبح رئيس قسم الرقص بالمعهد العالي والمتخرج من “تشيكيا” عملها، وقال في لقاء معه لوكالة سانا (3):« إن فن الباليه هو فن جديد في سورية، وتكاد سورية تحتل المرتبة الاولى في الرقص المعاصر على مستوى الوطن العربي، وقد تخرج من المعهد أربعون راقصا أكاديميا على مدى عشر سنوات » .

يعتقد البعض أن فن رقص الباليه لن ينجح إن لم يكن هناك أساتذة مختصون قادرون  على إغناء المسرح السوري المعاصر بهذا النوع من الرقص، ومنهم الأستاذ ” ملاطيه لي”  (3) حيث قال : “إن الرقص يحتاج إلى تعميق المعرفة العملية في رسم الحركة الراقصة وبنائها على الخشبة مع العناصر الأخرى المكونة للعرض المسرحي الراقص، وهذا سيساعد على تقديم  هؤلاء المصممين للرقص،   على ثقافة الراقص وقدرته على إقناع الجمهور الجديد بفاعلية حداثة الرقص كفن يتزايد جمهوره في كل دول العالم الشرقي والغربي في آن معاً” .

 ومع ذلك يعتقد الأستاذ “ملاطيه لي” إن جمهور العروض الراقصة في سورية في تزايد بعد عشرين سنة من الاشتغال على تنمية ذوق هذا الجمهور عبر نشوء عدة فرق سورية راقصة حازت عروضها على إعجاب المتفرج المحلي.

وتابع: « إن نظرة مجتمعنا للفن تتطور نحو الأفضل والجمهور اختلف وصار يتقبل ويفهم الرقص التعبيري وأتمنى ان يلقى الرقص الاحترام اللائق من الناس» .

الأستاذ “معتز ملاطيه لي”

مدرسة مادة الرقص الحديث في المعهد العالي “حور ملص” تابعت (3) : «إن مجتمع الباليه موجود في سورية ولكنه مجتمع صغير، ولا يوجد عندنا فرق باليه لأن معظم الطلاب يدخلون مجال الباليه كهواية وقلة منهم يحترفون، كما ان الباليه فن صعب وبحاجة إلى تدريب منذ سن مبكرة وبحاجة إلى تفهم واهتمام من قبل الأهل،وللأسف معظم الأهالي يدخلون اولادهم الى مدرسة الباليه للتباهي، اضافة إلى أن بعض الأسر المحافظة تعارض استمرار أولادها في التدريب عندما يصلون إلى سن المراهقة».

أهم فرق رقص الباليه في سورية:

اشتهرت فرقة “إنانا” في سورية والوطن العربي والعالم بعروضها تعتمد فرقه إنانا اليوم على تراث سوري وعربي عريق وعلى خبراء أجانب، وتأسست عام 1990 وقدمت عدة أعمال مسرحية راقصة   وأعمالاً متنوعة تلفزيونياً وسينمائياً في سورية، كما شاركت في عدة مهرجانات فنية وثقافية محلية وعربية وعالمية.

كذلك فرقة “سما للمسرح الراقص”  التي تأسست منذ عشر سنوات وسعت لتكون تجربتها خارجة عن النمطية وذلك من خلال الجمع بين الرقص الحديث ورقص الصالونات والباليه الكلاسيكي

وقد تم افتتاح مقر جديد لمدرسة الباليه في مجمع دمر الثقافيفي10 تموز ، 2013

ازداد اهتمام بعض الراقصين الأوائل بتعليم هذا الفن للأطفال، وكان لهم دور مهم في ابراز الكثير من المواهب التي كان من الممكن أن تكون الآن تقدم عروضها، لكن الأزمة التي تعيشها سورية حالت دون تقدم هذه المواهب، ودون قدرتها على المتابعة.

 الراقصة “مي سعيفان”  (2) في لقاء سابق مع المفكرة الثقافية تحدثت عن اهتمامها بتعليم الأطفال فن الرقص المعاصر بالإضافة لفن “الكيوغرافي الخاص بالطفل” الذي يتضمن الأمور الواجب مُراعاتها عند تقديم أي عرض راقص خاص بالأطفال، فقالت: «  درست علم “كنزوليكيل” وهوعلم من علوم الطاقة الذي يهدف إلى تحريك طاقة الجسم واستغلالها بشكلٍ ايجابي، أي تحويل الطاقة السلبية لطاقة ايجابية، ودرست علوم طب الرقص ويُقصد به الفهم التشريحي لجسم الراقص من حيث العضلات والأوتار لأن جسم الراقص يختلف تماماً عن غيره، فحركة الرقص ليست شيئا بديهيا للجسم ومن الضروري أن يؤدي الراقص حركات الرقص بطريقة مدروسة تشريحياَ حتى لايتعرض لأي اصابات تمنعه من متابعة الرقص فيما بعد، وهذا الموضوع هام خاصةً بالنسبة للأطفال ليعتادوا على ممارسة حركات الرقص بشكلٍ صحيح، حتى تنموأجسامهم بشكلٍ سليم خال من أي اصابات ».

راقصة الباليه “مي سعيفان”

تقنيات الباليه

يركز الباليه الكلاسيكي  على الحركة و طريقة تنفيذها  بتعليمات صارمة ويجب أن يتعلم الطلاب اسم كل حركة يقومون بها .

 “يارا عيد” في لقائها مع  المفكرة الثقافية بتاريخ 11/11/2008، أضافت: «إن رقص الباليه من أصعب الفنون الحركية، ومن خلاله يستطيع الراقص ايصال فكرته دون استخدام آلية النطق، وانما بترجمتها إلى حركاتٍ جسدية تُفهم لدى الجمهور، إلا أن الجمهور السوري نوعاً ما ليس على هذا المستوى الثقافي العالي من البالية الكلاسيكي، بحيث يكون قادراً على فهم وترجمة كافة حركات الباليه بشكلٍ جيد،  فمثلاً عندما يقوم الراقص بحركة الأرابيسك بجملة راقصة معينة نجد أن الجمهورالمثقف في الباليه الكلاسيكي سيُدرك مباشرةً أن حركة الأرابيسك من العصر الرومنسي».

 وأعربت عن إعجابها بتطور النظرة الاجتماعية لهذا الفن  مقارنةً مع الفترات السابقة، وهي تعتقد أن أهمية العرض تظهر حين يتم ترجمة كل مايريده المخرج من عمله كي يتم فهم الرقص من قبل الناس كما يجب.

أما الراقصة “رزان عيسى” فقالت للمفكرة الثقافية: «في رقص الباليه الآلة هي جسد الراقص اضافة إلى انسجام حركته مع الموسيقا والمكان، وكلما تم تعليم البالية منذ الطفولة، كلما استطعتنا الحصول على نتيجة أفضل من الراقص لأنه اعتاد الإنسجام مع هذه العوامل حتى الكبر، فمايميز هذا الفن أننا نستطيع من خلال التمارين والتدريبات تحسين لياقة الجسد».

راقصة الباليه “رزان عيسى”

فوائد رقص الباليه:

يكسب الرقص الجسم خفة وليونة في الحركة، ويساعد على تخفيف التوترات والضغوط النفسية نتيجة الطاقة التي يبذلها الجسم في التمرين،  كذلك يعمل الرقص على تخفيف الوزن وحرق الدهون المتراكمة بالجسم .

في النهاية نحن نحتاج إلى فنّ الباليه في وقتنا الحالي لما له من أهداف من الممكن أن تكون وطنية، لكن ذلك لابد أن يرتبط بتقدير الناس لفن الباليه وللموهبة، والنظر بشكل ايجابي إلى علم الرقص بشكل عام، لأن في هذا العلم سلاح لمواجهة الكثير من المظاهر السلبية التي تقتحم عالمنا دون أن ننتبه.

المراجع:

(1)           ويكيبيديا

(2)           مدونة وطن

(3)           سانا

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.