الدراما السورية بين الواقع ورغبات المشاهد

  eSyria

إيمان أبوزينة

من منا لا تشده حكاية شامية قدم أبطالها قيم النفس، والعرض، والعقل ولم يتأثربهذه الحكاية؟

ومن منا لم يتابع مسلسلات عرضت تاريخ سورية ونضالها ضد المستعمر ولم يتابع كل حلقاته ؟

لقد لعبت الدراما السورية دوراً مهما في دراسة حياة الشارع وهموم الشباب والبطالة، والهموم الاجتماعية والوطنية، وقدمت رؤيا مهمة لنبض المجتمع ومواضع الخلل الاجتماعي في الفساد الإداري والوظيفي والقيمي .

وقدمت الدراما هموم الناس بتوثيق حياتهم، والمراحل التي عاشوها في فترات متعددة من تاريخ سورية فكان مسلسل “أيام شامية” مثلا أحد أهم هذه المسلسلات التي عززت روح الواقع وتنوعه.

كما عملت  على امتاع المشاهد بمعرفة تضاريس وطنه في كل بقاع الوطن، وساعدت على لعب دور هام في تشجيع السياحة الداخلية والخارجية.

حتى التراث والفلكلور السوري عبر العصور تم عرضه في الدراما السورية، فكانت منعكسا حقيقيا للحياة  اليومية.

 الدراما السورية بين حقيقة الواقع ورغبات المشاهد:

لاشك أن السؤال الأول الذي يجب طرحه في هذا العنوان هو: ماهو العمل الذي سيشد المشاهد إلى الشاشة، وهل سيحقق له المتعة والفائدة؟

 للاجابة عن هذا السؤال سيتبادر إلى الذهن بشكل مباشر الحالة المادية للمسلسل والتي من خلالها يتم تقدير التكلفة الانتاجية للعمل حيث هي الأساس في معرفة أهمية المسلسل حتى قبل عرضه.

في الآونة الأخيرة بدأنا نسمع آراء مختلفة حول الدراما السورية حيث الكثير من الآراء أكدت أنها بدأت تفقد بريقها وتتحول إلى عمل استهلاكي ممل ولايستحق المتابعة نظرا لتكرار الأحداث وحتى الشخصيات والأماكن، وفي هذه الحالة لابد من إعادة الاعتبار للدراما من خلال عمل دراسة منطقية بين مايريده المشاهد وماتطلبه شركات الانتاج، وبين مكامن القوة والضعف في النص الدرامي.

في إحدى اللقاءات مع الممثل “بسام كوسا” قال: “لا يمكن الوصول إلى عمل إبداعي عاليالمستوى من دون نص يمتلك مواصفات عالية المستوى لأن جميع الجهود ستبوء بالفشل إذ كانت متكئة على نص هزيل”. (1)

أما السيدة “ثناء دبسي” فقالت: “نقاط الضعف تختلف من كاتب لآخر‏، ففي حال عدم وجود هذه النقاط الأساسية يُصبح النص غير متفاعل مع الواقع، وبالتالي خارج الرؤية المفهومة للعمل الدرامي لذا يجب مُلاحظة ما هي الأهداف التي يُعالجها النص الدرامي وهل هي مهمة للمشاهد أم لا”. (1)‏ ‏

الأستاذ “دريد لحام” كان له رأي آخر حيث قال: “من دون شك أن العمل الدرامي أولاً وأخيراً هو عمل للمتعة فحبذا لو نقوم من خلاله بتسريبنا لبعض الأفكار الإيجابية لأن الفن ليس من مهمته تسليط الضوء على ما يجري ولا هو مرآة لما يحدث فقط، وإنما من مهامه أن يُضيء شمعة للمستقبل”.

لاشك أن النصوص التي قدمها الكتّاب السوريون في مسلسلاتهم الدرامية كان لها تأثير مهم في وجدان المشاهد السوري خصوصا في التعاطف مع أبطال روايتهم الدرامية.

لو أخذنا مثلا مسلسل ” خان الحرير” بجزئيه الأول والثاني (3) سنجد أن الكاتب كتب قناعاته وايماناته السياسية والاجتماعية ، لكن هل كتب ذلك بموضوعية وحيادية؟؟

لابد للكاتب أن يكون حياديا كي يشكل المشاهد رأيه الخاص بالعمل والأحداث التي يدور في فلكها هذا العمل.

 وهذا الأمر ينطبق أيضا على عدة مسلسلات كان لها ضجيج اعلامي وشعبي أثناء عرضها مثل مسلس “حمام القيشاني” بأجزائه الخمسة (4)، ومسلسل الثريا” (5).

إن أزمة النص الدرامي لها أسباب عديدة أهمها الترويج للمسلسل من خلال المنتج الذي يريد الترويج لمسلسله متناسيا في كثير من الأحيان أهمية النص وجودته.

الكاتب “فادي قوشقجي”يقول : لا توجد أزمة إبداع في سورية. إن كانت هناك أزمة فهي أزمة في العقل التسويقي الرائج، الذي يتبنى أحياناً نصوصاً ضحلة، ويهمل نصوصاً على درجة عالية من الجمال والحرفية”.

تراجع الدراما السورية وملل المشاهد:

 إن القوة التي ميزت الدراما السورية كانت في بناء المشهد الواقعي للمجتمع السوري من خلال النص الذي كتبه صناع الدراما بذكاء مثل مسلسل  “نهاية رجل شجاع” للمخرج نجدت أنزور عام 1993 المأخوذ عن رواية للأستاذ حنا مينة (7) ، لكن ماحدث من تكرار للنص، وتكرار للممثل، وأحيانا المخرج، والاستثمار الرديء للعمل المبني على الشهرة القديمة للمسلسل السوري، جعل المشاهد يفقد الثقة بالدراما، ويعرض عنها في كثير من الأحيان حتى في حالات الذروة التي تشهدها المسلسلات عموما في شهر رمضان المبارك، وخير مثال على ذلك ماتم تكراره في مسلسلات مثل: “باب الحارة، جرن الشاويش، الغربال”… الخ….

لابد من ذكر قضية هامة جدا على الصعيد الدرامي خلال السنوات الخمس الماضية ألا وهي عدم وجود مسلسلات  استطاعت أن ترسخ في ذهن المشاهد سواء كان هذا العمل دراميا أو إخراجيا أو تمثيليا، والسبب هو تشابه النصوص لتعميم الفكر السلبي في النص الدرامي كما شاهدنا في بعض المسلسلات مثل: “خواتم، صرخة روح، الخبز الحرام، العشق الحرام”. وربما يمكننا ايعاز هذا الأمر لتأثر صناع الدراما بالدراما التركية التي طرحت مواضيع سطحية لاتمت لمجتمعنا السوري بصلة، ولانستطيع تعميمها كحالة اجتماعية موجودة ومنتشرة، وأيضا احساس الصانع بأن المشاهد السوري بات يحب هذا النوع  من المسلسلات بسبب عدم رغبته التفكير بحبكةٍ تتعب رأسه أثناء المشاهدة. والسبب الأهم أن هذه النصوص بعيدة بشكل أو بآخر عن مجتمعنا مايجعل المشاهد يسعد لرؤية مشاكل لاتتعلق ببيئته، فيزيح عن كاهله التفكير أو الخوف من وجودها في عالمه، رغم أن ذلك لاينفي وجودها فعليا لكن بشكل مخفي وبعيدا عن الطرح العام والعلني. 

خاتمة:

لابد من الاعتراف بأن ماتم انجازه من ابداع في الدراما السورية لايمكن اهماله أو تجاهله  بدءا من كتابة السيناريو مروراً بالتصوير، والموسيقا وانتهاء بالتمثيل،  لكن ذلك لن يكون مستمرا طالما أن هناك من لايهتم بالابداع، وطالما أن هناك  إهمال للنقد الدرامي البنّاء .

المراجع:

(1)   نور الموسى – إباء الساعدي- تشرين دراما

(2)   ويكيبيديا

(3)   خان الحرير مسلسل تلفزيوني سوري درامي اجتماعي من تأليف نهاد سيريس، تدور أحداثها في خان الحرير إحدى أشهر خانات مدينة حلب وأعرق الأحياء الاقتصادية فيها. يقدم البيئة الحلبية بصورتها الجميلة، كما يطرق الأبواب المغلقة على العلاقات الاجتماعية والسياسية المتداخلة في فترة الخمسينيات من القرن العشرين.

(4)   حمام القيشاني مسلسل سوري يتكون من 5 أجزاء (الأول كان من إنتاج عام 1994). وهو من تأليف دياب عيد وإخراج هاني الروماني. وقد عرض العمل وقائع تاريخية في حارة سورية هي «حمام القيشاني» والتي يحمل المسلسل اسمها. وكان المسلسل قد نال على الجائزة الثانية في أحد مهرجانات تكريم الأعمال الدرامية السورية.

(5)   مسلسل “الثريا” تأليف نهاد سيرييس: عرض هذا المسلسل الضخم في بداية عام 1997 وحظي أيضاً بشعبية كبيرة ونال الجائزة الفضية في مسابقة الأعمال الاجتماعية في مهرجان القاهرة للمسلسلات والبرامج التلفزيونية في نفس العام. يرصد المسلسل حياة أسرة باشا من أصول تركية عشية وصبيحة خروج العثمانيين من سورية ثم دخول الفرنسيين. يعتبر المسلسل ملحمة عن البطولة الفردية والعشق فيرصد قصة حب نادرة بين ثريا ابنة الباشا وأحد قطاع الطرق المناوئين للأتراك. يرصد أيضاً بدايات التنوير في المجتمع السوري.

(6)   “فادي قوشقجي” كاتب وروائي سوري ،  وكتب روايته الأولى “خريف الأحلام” سنة 1998 ، بعد ذلك اصدر روايته الثانية “اطياف الشمس” سنة 2000 و له عدة تجارب في كتابة الدراما التلفزيونية .

(7)   “نهاية رجل شجاع” مسلسل سوري ومن أفضل الأعمال التلفزيونية العربية، قصة الروائي السوري “حنا مينه”، إنتاج 1993 وكتب سيناريو المسلسل السيناريست “حسن م. يوسف”، والمؤلف والموزع الموسيقي “طارق الناصر” والعمل من إخراج نجدة إسماعيل أنزور.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.