تماثيل مختار تنبض بالحياة وترقص
 مى سليم .. تصوير : بسام الزغبي
نستمع إلى صوت رضيع يعلن ميلاد جديد.. بؤرة ضوء تقع على خلفية المسرح التى تظهر لنا كجبال صخرية قديمة.. يخرج من عالم الأحجار حاملا الأزميل والمطرقة فنان مصرى قديم.. يتقدم ببطء حتى يصل لمقدمة المسرح ومع أول طرقة للأزميل تتحرك أجساد الراقصين التى تفترش خشابات المسرح بعد سبات طويل..يرتفع الستار الشفاف ويفتح غطاء التابوت المختزل فى شكل كادر هندسى حديث .. تدب الحياة أمامنا ويظهر المثال محمود مختار يرتدى زيه ويتسلم الأزميل من المصرى القديم… يتحاور الاثنان معا بالرقص على أغان قديمة من التراث المصرى فى عرض ا حلم نحاتب الذى تقدمه فرقة الرقص المعاصر خلال هذا الأسبوع على مسرح سيد درويش بالإسكندرية ومن إخراج الفنان وليد عوني.يعود عونى إلى فرقة الرقص المعاصر التابعة لدار الأوبرا زائرا للمرة الثانية ويعيد تقديم عرضا من الريبرتوار الخاص بالفرقة التى أسسها واشرف على إدارتها حتى 2011.

اكتشف عونى النحات المصرى محمود مختار (1891- 1934) فى بداية التسعينيات قبل ان يستقر بمصر وكان وقتها يسعى لمعرفة المزيد عن الحياة الثقافية والفنية المصرية وخصوصيتها. وقدم وقتها عرض ليالى ابو الهول الثلاثة ا لفرقة الباليه فى 1991 واستلهم فى احد مشاهده المثال محمود مختار. لكنه كان يدرك أن العمل على محمود مختار يستلزم عرضا كاملا يتناول إبداعاته وعبقريته الفنية. اختمرت الفكرة برأسه بعد أكثر من 15 عشرة سنة ونجح فى تقديم عرضه الأول مع فرقة الرقص المسرحى الحديث (حاليا فرقة الرقص المعاصر)عن تماثيل وحياة محمود مختار فى 2003 بعنوان ة محمود مختار ورياح الخماسين. لكنه فى هذا العرض لم يتناول فقط حياة مختار وتماثيله بل تناول أيضا رموز عصر النهضة فى مصر. ووفقا لعونى وقت ظهور مختار وإحيائه لفن النحت على الأحجار كانت مصر تعيش فترة حراك فنى وثقافى كبير وهذا هو ما دفعنى لإضافة شخصيات أخرى بالعرض واستلهام تلك الفترة.

ففى النسخة الأولى من العرض تتحرك تماثيل مختار ونراها حية ترقص أمامنا مثل رياح الخماسين، وحاملة الجرة ونهضة مصر.. وكذلك نجد شخصيات أم كلثوم وسعد زغلول وهدى شعراوى وغيرهم.

وفى عرض مئوية الفنون الجميلة الذى قدمته الفرقة فى 2011 نرى مختار مثالا راقصا مرة أخرى وتظهر رموز عصر النهضة فى خلفية المشهد من خلال الفيديو بروجكتور.. فدائما مختار حاضرا وتتجدد أعماله برقصات عوني.

فى نسخة العرض الجديدة حلم نحات والتى سبق وان ختم بها عونى سيمبوزيوم أسوان الدولى للنحت فى دورته العشرين العام الماضي، يعود مختار وتماثيله راقصين محتفين بالوجود إلا أن عونى ابتعد هنا عن رموزه السابقة لعصر النهضة فى مصر واكتفى بالتركيز على مختار وأعماله وتطوير رقصات التماثيل فى مشاهد أكثر حيوية وتعبيرا وحاول من خلال العرض أظهار فكرة تواصل أجيال النحاتين..ولعل الفكرة أصبحت مبررة بعد ظهور جيل كامل من النحاتين المعاصرين افرزه سيمبوزيوم أسوان الدولى للنحت على الجرانيت.. فهذا الجيل هو ورثة المصرى القديم وورثة مختار.

استطاع عونى فى مشهد النهاية أن يعلن تدريجيا موت مختار عكس ما كان فى النسخة الأولى من العرض والتى كان مشهد الموت فيها صادما ومؤلما..كما انه فى هذه المرة قدم لفكرة ظهور فنانين نحاتين آخرين فى رقصات جماعية ظهر فيها مختار ومجموعة من الراقصين الشباب. أحاط الراقصون بمختار وحاولوا الاقتراب منه وتشكيل حركته على المسرح وقت احتضاره ليعود كل واحد منهم فيما بعد إلى الجلوس وتأمل تماثيله الحية أمامهم… فأعمال مختار حية نابضة والفنان المصرى القديم يطرق على أزميله من جديد.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.