كتب – مصطفى ياقوت:

59 ثانية هو عمر مقطع الفيديو الذي التقطته عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان، مراسل قناة “فرنسا 2″، لمشهد احتماء الطفل محمد جمال الدرة، ذو الـ12 عامًا، بوالده الثلاثيني، خلف كتلة إسمنتية بشارع صلاح الدين، بقطاع غزة.

الدرة المحتمي بوالده من نيران الهجمات الإسرائيلية في ثاني أيام الانتفاضة الفلسطينية عام ٢٠٠٠، أصبح اليوم أيقونة الانتفاضية في الأراضي المحتلة بفلسطين، والأراضي العربية من حولها.

عاش الدرة وسط مخيم البريج، في قطاع غزة الذي تقطنه أغلبية كبيرة من اللاجئين. هو من أسرة تعود أصولها إلى مدينة الرملة -والتي احتلت وطرد أهلها منها عام 1948- مكونة من أبيه وأمه وستة من الأبناء سواه.

ساقه قدره للتواجد بصحبه والده في منطقة نزاع مسلح، فجاهد بالتشبث بقميص والده، قبل أن تصيبه رصاصات الاحتلال، وترديه “رمزا” لانتفاضة الأقصى ٢٠٠٠ ولكل انتفاضة أخرى.

قبل 16 عامًا، وعبر مداخلة صوتية مع المصور صاحب الجنسية الإسرائلية، ومدير مكتب قناة “فرنسا ٢” بإسرائيل، أخبر المشاهدين أن محمد الدرة ووالده كانا “هدف القوات الإسرائلية لإطلاق النيران”، وهو ما أحرج سلطات الاحتلال وجعلها تعترف -في بادئ الأمر- بمسئوليتها عن الحادث، وتعرب عن أسفها لمقتله، قبل أن تعود وتتراجع عن الاعتذار بعدما أعلنت أن الجيش الإسرائيلي ربما لم يطلق النيران على الدرة، وعلى الأرجح أن الفتى قتل برصاص القوات الفلسطينية”.

“ربما.. وعلى الأرجع”، هكذا خرجت الرواية الإسرائيلية، مقابل ما رواه جمال الدرة، عن وقائع لحظة استشهاد نجله في الـ29 من سبتمبر عام ٢٠٠٠، قائلًا إنه قرر اصطحابه لسوق السيارات، لشراء سيارة كبيرة، خاصة بعد أن أغلقت مدرسته الابتدائية أبوابها، بسبب تداعيات الاحتجاج، وأثناء عودتهما، أخبرهما الثوار الفسطينين باتخاذ طريق صلاح الدين مترجلين، قبل أن تصيبهم رصاصات الغدر.

بيد أن صراخ الاستنجاد الذي أطلقه جمال، لم يشفع لوقف سيل الطلقات الذي اخترق جسد نجله النحيل، وباتت ذكراه محفورة في أذهان العالم أجمع، والذي اكتفى بالشجب والتنديد لتلك الواقعة، وتخليد اسم “الدرة” ضمن لوحات الشرف الدولية.

ووفق إحصائية فلسطينية وإسرائيلية رسمية، فقد أسفرت الانتفاضة عن استشهاد قرابة 4412 فلسطينيـا و48322 جريحا ومصابا، ومقتل 1069 إسرائيليًا.

ويستمر مسلسل اقتناص أرواح الأطفال على أيدي العدوان الإسرائيلي، منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في فلسطين، وقدر الفرع السويدي من منظمة “انقذوا الأطفال” أنه خلال أول عامين من الانتفاضة التي انطلقت عام 198، احتاج ما يتراوح بين 23600 و29900 طفلا للعلاج الطبي نتيجة التعرض لهذا النوع من الإصابات الناجمة عن الضرب، وكان ثلث هذا العدد تقريبًا ممن هم دون العاشرة.

وتشير إحصاءات منظمة مراقبة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” إلى أن نسبة 75.47 من وفيات الأطفال الفلسطينيين قتلوا في قطاع غزة، في حين قتل 24.31 بالمائة في الضفة الغربية، وقتل ثلاثة فلسطينيين داخل إسرائيل أثناء المشاركة في أعمال العنف العدائية. كما قتل 65.89 بالمائة من وفيات الأطفال الإسرائيليين داخل إسرائيل و31.01 بالمائة في الضفة الغربية و3.10 بالمائة في قطاع غزة.

ووفقًا للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، فإن إجمالي الأطفال الشهداء الفلسطينيين منذ عام 2000 حتى الآن، بلغ قرابة الـ 2008 شهيدًا.