الحمامات الدمشقية عبقٌ وتاريخ

 

 كانت حمامات البيوت صورة مصغرة عن حمامات السوق من حيث عدد المقاصير والأجران واتساع الأقسام من براني ووسطاني وجواني. وباعتبار أن هذه الحمامات الدمشقية البيتية كانت تقتصر على الدور الكبرى فإن الجوار المقربين كثيراً ما كانوا يُدعون للاستحمام فيها في بعض المناسبات كالأعياد والحج وماشابه ذلك.
عندما بنى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك المسجد الأموي قال لأهل دمشق «تفخرون على الناس بأربع خصال، تفخرون بمائكم وهوائكم وفاكهتكم وحماماتكم، فأحببت أن يكون مسجدكم الخامسة».
لقد تفنن أهل دمشق بصناعة الحمامات حتّى جعلوها آية من آيات الجمال حين رصفوا أرضها بالرخام المضيء، ومدوا على جدرانها القيشاني اللامع، وعقدوا على أطراف قبابها عقود الجص النافرة ذات الرسوم اللافتة والزخارف البديعة.
كما أقاموا في ساحات الحمامات البحيرات الكبيرة التي تتشامخ فيها نوافير المياه على أشكال متلألئة أخاذة. ولم تكن هذه الحمامات مكاناً للاغتسال فقط، بل كانت أشبه بنواد رياضية، وبعضها كان يشتمل على ملعب، وقاعات اجتماعية، ومكتبة للمطالعة، وكانت محاطة ببساتين مزهرة، وثمة مثل شعبي قديم يقول «نعيم الدنيا الحمام».
والحمامات الدمشقية قديمة العهد انتشرت منذ العهد الروماني، حيث قام بعض الأباطرة بإقامة عدد من الحمامات الدمشقية العامة التي تتألف من قبة كبيرة تهيمن على قباب صغيرة، ويبدأ الحمام بالبراني بكل تجلياته الحميمية، ثم الوسطاني الأول ومنه ندخل إلى الوسطاني الثاني والثالث.

أما عمال الحمامات فهم المعلم وهو صاحب الحمام أو مستثمره تقوم علاقته مع العمال على أساس متين من العون المتبادل والألفة والمحبة، ثم الناطور الذي ينوب عن المعلم في غيابه، والمصوبن والتبع والقميمي.

من أهم الحمامات الدمشقية:
حمام العفيف نسبة إلى الشيخ محمد العفيفي، وعليه لوحة كتب عليها «من يطلب العافية من ربٍ لطيف فليقصد الله ثم حمام العفيف»
حمام الملك الظاهر ويقع شمال-غرب الجامع الأموي الكبير، بالقرب من المدرسة الظاهرية
حمام الورد وهو في آخر سوق ساروجة جادة الورد
حمام الجوزة وسط سوق ساروجة
وحمام عز الدين الواقع في جادة باب السريجة ومازال عامراً
حمام القيمرية ويقع في جنوب حي القيمرية في زقاق الحمام، ويسمى أيضاً حمام نور الدين
وحمام القرماني ويقع في سوق العتيق أسفل سوق ساروجة
وحمام الخانجي عند رأس سوق الهال بجوار دار العظم (متحف الوثائق التاريخية)
حمام النوفرة عند أسفل درج الجامع الأموي عند بحرة تسمى بحرة النوفرة
حمام الشيخ بكري في جادة النحوي في باب توما
وهناك الكثير من الحمامات التي اندثرت مثل حمام الجسر الأبيض وحمام السلطان وغيرها.
الخطبة في الحمام هي من طرائف الحمامات النسائية، فالنساء اللواتي كن يرغبن بالخطبة لأبنائهن يلجأن إلى الحمام، فإذا صادفت الأم واحدة ممن تبحث عنهن أخذت تتقرب منها رويداً رويداًّ حتّى تصل إلى أمها، ثم تحدد موعداً مع أبيها.
هناك كثير من الأسر الدمشقية عملت وتوارثت العمل في الحمامات منهم آل التيناوي أصحاب حمام الناصري بالمرجة وحمام القرماني، وآل القطان، وآل كبب أصحاب حمام الملك الظاهر، وآل معتوق أصحاب حمام الملكة، وآل الموصللي أصحاب حمام الجوزة، وآل الملا وآل المارديني وغيرهم.
لقد كان حمام السوق متعة لا تدانيها متعة حيث المناظر الجميلة التي تنعش القلب والروح وحيث الموسيقا والشراب الرائق اللذيذ والطعام الفاخر الوفير، وروائح المسك والعنبر مما يفوح ويعطر، وتشربه أرواح الطيوب تنفساً، لقد كان الحمام جنة الأرض، كانت الحمامات تزيل الأوهام عن الأذهان، تماماً كما تزيل الأوساخ عن الأبدان لذلك كانوا يقولون «نعيم الدنيا الحمام».
تلك كانت مقتطفات من محاضرة الباحث أنس تللو التي حملت عنوان «الحمامات الدمشقية عبقٌ وتاريخ» وألقاها في المركز الثقافي العربي باليرموك.

 

نبيل سلامة

تشرين|بتصرف

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.