عرفت فيروز كيف تتقمّص روح فيلمون في حنجرتها وأدائها

فيلمون وهبي الملحّن الشقيّ

فيلمون وهبي

فيلمون وهبي فنان لبناني اسمه الكامل “فيلمون بن سعيد وهبي” (19181985) من مواليد كفرشيما. بدأ العمل في إذاعة القدس، ملحناً ومغنياً، وهو بعد فتى لم يتجاوز السن القانونية. ثم انتقل إلى إذاعة الشرق الأدنى.

هناك، في إذاعة الشرق الأدنى، بإدارة المخرج الفلسطيني صبري الشريف، اجتمع في مطلع الخمسينات رهط من الموهوبين صنعوا في سنين معدودات ما يسمّى اليوم الأغنية اللبنانية، ضمّ الأخوين رحباني وزكي ناصيف وتوفيق الباشا وحليم الروميووديع الصافيوفيروزوصباحونصري شمس الدين إلى جانب فيلمون وغيره.

وائتلف فيلمون مع الباشا وناصيف و الأخوين رحباني في “عصبة الخمسة” تحت رعاية بديع بولس صاحب استديو الفن ونشطوا في تعزيز هذا البنيان الذي أضحى صرحاً في غضون عقد واحد.

أغانٍ من ألحانه

عالطاحونة ـ أنا خوفي من عتم الليل ـ يا دارة دوري ـ يا مرسال المراسيل ـ فايق ياهوى ـ كرم العلالي ـ من عز النوم ـ طيري ياطيارة – على جسر اللوزية ـ البواب – ورقو الأصفر – لما عالباب – ياريت منن – زهرة الجنوب (أسوارة العروس) – طلعلي البكى – بليل وشتى – يا راعي – سوا ربينا- جايبلي سلام … وغيرها.

فيلمون و الأخوين رحباني وفيروز

كان يظهر في معظم مسرحياتهم بدور “السبع” وقد لحن لفيروز عدة أغنيات منها:

وفاته

رحل فليمون وهبي – عام 1985 بعد صراع مع المرض.

ليس مجدِّداً في الأغنية اللبنانية، لكنّه صاحب أسلوب مشرّع على حساسية مغايرة. «جامعة البلمند» توجّه الليلة تحيةً إلى ابن بلدة كفرشيما، الذي لا يزال يثير دهشتنا بألحانه وخفّة ظلّه التي زادته شعبيةً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(فيلمون وهبي) 
(1918ـ 1985)

 

فيلمون وهبي فنان لبناني كبير، خاض غمار عدد من
المجالات الفنية، فهو ملحن عبقري، وأحد رواد الأغنية الشعبية اللبنانية، جاءت
ألحانه امتداداً طبيعياً «للفولكلور» الغنائي الشامي، وهو لم يدرس الموسيقى، وإنما
اعتمد على موهبته الفطرية، فابتدع أكثر من خمسمئة لحن، اتسمت جميعها بالسلاسة
والدفء العاطفي والبساطة، إلى جانب الصياغة المتقنة والجمال الأخاذ، وإضافة إلى
التلحين والغناء خاض فيلمون وهبي غمار كتابة الشعر الغنائي والتمثيل.

أحب وهبي الغناء منذ صغره، إذ تربت أذنه على
الأغنيات التي كانت سائدة من خلال الأسطوانات وبدأت الإرهاصات الأولى لموهبته
الموسيقية تظهر في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين عندما لحن وغنى نشيد «شباب
البلاد»، ثم لحن أغنية «دبِّرها يا مستر ديل» في أثناء اندلاع الثورة الفلسطينية،
وغناها مطرب فلسطيني اسمه نوح إبراهيم.

بدأت مسيرة وهبي الفعلية عام 1941 عندما لحن
وغنى بصوته أغنيتين هما «يا حياتي وقلبي وروحي» كلمات سامي الملاح، و«على مهلك يا
مسافر» كلمات محمد علي فتوح، واستمر يلحن ويغني حتى أواخر الأربعينات حين بدأ يلحن
لغيره من المطربين وكانت المطربة حنان التي لحن لها «ليه تسرق قلبي وترميه»
و«وحملتني فوق الألم»، وتلتها نجاح سلام التي لحن لها عدداً من الأغنيات الجميلة
منها «برهوم حاكيني» و«الشب الأسمر جنني» و«بين حانا ومانا». وفي مطلع الخمسينات
ارتبطت ألحانه بصوت المطربة صباح وأول ألحانه لها «دخل عيونك حاكينا»، ثم توالت
ألحانه لها ومنها «ع العصفورية» و«متل الأطرش بالزفة»، وفي الوقت نفسه تقريباً بدأ
التلحين لوديع الصافي، ومن ألحانه لوديع «بترحلك مشوار» و«حلوة وكذابة» ولحن
لسميرة توفيق أغنيات عدة من أجملها «يا هلا بالضيف» و«حبك مر متل الكينا».

لحن وهبي لعدد من المطربين السوريين، ومن أجمل
ألحانه الأغنية الوطنية «عروس المجد» شعر «عمر أبو ريشة» وغنتها سلوى مدحت بمناسبة
عيد الجلاء، ولحن لفهد بلان[ر] أغنيات عدة من أشهرها «عباية مقصبة»، ولحن للمطربة
المصرية شريفة فاضل أغنيتين هما «حبيبي نجار» و«يوم الحد تلاقينا»، ومن الذين غنوا
ألحانه أيضاً نصري شمس الدين، ومحمد سلمان، ونونا الهنا، ودلال شمالي.

حقق فيلمون وهبي نجاحاً جيداً بألحانه مع هؤلاء
المطربين، إلا أن ذروة تألقه في التلحين كانت مع المطربة فيروز التي أعطاها خلاصة
عبقريته الموسيقية، وتزيد ألحانه لها على عشرين أغنية، كتب الأخوان رحباني معظم
كلماتها، وكتب جوزيف حرب وطلال حيدر كلمات عدد آخر منها، ومن هذه الأغنيات «إسوارة
العروس» و«ورقه الأصفر»، و«ع الطاحونة» و«على جسر اللوزية» و«أنا خوفي من عتم
الليل».

اشتهر فيلمون وهبي تمثيلاً بشخصية (سبع) التي
مثل من خلالها مجموعة من «الاسكتشات» مع الرحابنة منها «رابوق» و«كاسر مزراب
العين» و«الغربال» و«براد الجمعية» و«بحر الستات» و«أوتومبيل» و«الناطور»، كما مثل
في عدد من مسرحيات الرحابنة مثل «فخر الدين» و«لولو» و«جسر القمر» التي لحن فيها
ثلاث أغنيات: «هدوني هدوني» و«نقلة نقلة» لنصري شمس الدين، و«جايبلي سلام» لفيروز،
ثم في مسرحيات «المحطة» و«بترا» و«بياع الخواتم» التي لحن فيها لفيروز أغنيات عدة،
ومسرحية «جبال الصوان» التي مثل فيها، وكتب ولحن لفيروز «صيف يا صيف» ومثل مع صباح
في مسرحيتي «دواليب الهوا» و«ست الكل».

وقدم فيلمون وهبي بشخصية «سبع» بعض الأغنيات:
«بسيطة» و«الحسون» و«طل البوسطجي» و«الترين» و«صندوق الفرجة»، واستمر بالعمل ضمن
مجموعة الرحابنة بعطائه الفني المبدع حتى آخر أيام حياته.

ــــــــــــــــــــــــــــــ
هالة نهرا

هذا المساء، تستعيد «جوقة جامعة البلمند للغناء الشرقي» (بقيادة جينا متى رزوق) أشهر الأغنيات التي لحّنها فيلمون وهبي (1918 ـــ 1985)، برفقة فرقة الجامعة للرقص الفولكلوري، ويديرها أدونيس الخطيب. على برنامج الحفلة التي تكتنف تحية إلى الملحّن اللبناني النابغة: «لَيْلِيِّ بترجع يا ليل»، و«ورقو الأصفر»، و«بِلَيْل وشتي»، و«من عزّ النوم»، و«إسوارة العروس»، و«فايق يا هوى»… يؤدّيها محمد الشعار، وجينا رزوق، وتمارا حنّا، وجاك خوري، ووسام المرّ، وزياد نعمة، وغيرهم.

لا تزال معظم ألحان ابن بلدة كفرشيما تثير الدهشة عند متلقّيها، وتحفر ظلالاً في الحنين فينا. يتعجّب الدارسون من ألحان لا يُرتوى منها، تتقطّر سطوتها من بساطتها وهويّتها، ولو تخلّلها شيء من التركيب المفاجئ.
نهل فيلمون وهبي من الموسيقى اللبنانية الشعبية والتقليدية، وتجوّل في المقامات بعفوية وسلاسة مذهلتين في أغنيات محدّدة مثل «إسوارة العروس» (شعر جوزف حرب) التي يمزج في مقدّمتها مقام العجم بالنكريز (في عقده العلويّ هبوطاً)، قبل أن يلجأ إلى الصبا في مطلع الأغنية. لا نميل إلى إلحاق المقدّمة المذكورة آنفاً بمقام «الشوْق أَفْزا». رغم أنّ ألحان وهبي تُعدّ تقليدية نسبياً، إذ ترتبط فطرياً بالمحلّي المتأصّل، فإنّ توزيعها وتأديتها بأسلوب مغاير لناحية تقنيات الغناء والعزف، والمسافات الصوتية… جعلا بعضها معبراً بين التراث والطرب الشعبي الحديث. أدّى الأخوان رحباني دوراً محورياً في صقل العديد من الأغنيات التي لحّنها فيلمون، وتعديل بعض مقدّماتها، وإتباعها فواصل تطريب يخيّل إليك أنّها مرتجلة. «تقليدية» وهبي وجنوحه نحو الشعبيّ غير المنقطع عن الموروث لناحية النفَس والنوتات المتتابعة أو المتقاربة عموماً، يتقاطعان عنده مع نزعة حدسية إلى الابتكار داخل أنماط التلحين المألوفة لبنانياً. لا يُعدّ فيلمون وهبي «مجدّداً» أو «مطوّراً» في الأغنية اللبنانية بالمعنى المباشر، بل إنّه صاحب أسلوب متفرّد، ومشرّع لحساسية تلحينية مغايرة في الأغنية اللبنانية. يخلط الجمهور أحياناً بين أغنيات لحّنها وهبي، وأخرى من تلحين المبدع زياد الرحباني («سألوني الناس»، و«حبّيْتَكْ تنسيت النوم»)، وخصوصاً أنّ الثاني حذا حذو الأوّل تقريباً في ألحان معدودة.
أسلوب فيلمون هو إذاً ما يميّزه ويُعليه، ومكّنه من نقْش بصمته في سجلّ الأغنية اللبنانية والعربية. الملحّن هو الأسلوب أوّلاً، مثلما أنّ «الأسلوب هو الرجل» أو الإنسان. لهذا، يُتوقّع أن تبقى معظم ألحان وهبي حيّة في ذاكرة الناس، وأن تندرج مستقبلاً في خانة التراث. تأدية الأغنيات التي لحّنها فيلمون ليست سهلة. لا يقتصر الأداء على التنفيذ الحرفي في أغنيات مشابهة، بل يشمل أيضاً «إعادة تشكيل» اللحن بأمانة وحيوية وتفرّد. هنا تكمن أهمّية وديع الصافي، ونصري شمس الدين، وفيروز التي عرفت كيف تتقمّص روح فيلمون في حنجرتها وأدائها، مغدقةً روحها على أغنياته في الوقت نفسه، فيما لم ينجح تماماً بعض المؤدّين في إيصال روح وهبي الموسيقية إلى الجمهور. الوجه الآخر للملحّن الموهوب ضاعف شعبيّته. خفّة ظلّه وطرافته مثّلتا جزءاً من شخصيّته التي تكثّفت في مونولوغات، وأدوار تمثيلية، ومحطّات غنائية مفكِّهة مثل «سَنْفِرْلو عَ الـ ça ne fait rien» داخل الملحّن الرزين إذاً، كان ثمة أُلعبان يعبث بالعبارات والمعاني، ويندّي شقاء الناس بالضحك. رغم أنّه لم يكن يجيد قراءة النوتات، أبدع ألحاناً تنمّ عن بذور عبقرية خام.


«تحيّة إلى فيلمون وهبي»: 7:00 مساء اليوم ــــ «أوديتوريوم الزاخم»، «جامعة البلمند» (شمال لبنان) ــ للاستعلام

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.