6 مصورين خاضوا مغامرة اكتشاف أعماق الخليج جمعوا نتاجهم في «العويس»

عدسات توجه «رسالة من تحت الـــماء»

التاريخ::
المصدر: محمد عبدالمقصود – دبي

من أجل توجيه رسالة خاصة، قام ستة غواصين وعشاق تصوير بعدد من رحلات الغوص، قادتهم إلى أعماق مياه الخليج العربي عبر إطلالاته المتباينة في مختلف إمارات الدولة، من أجل التقاط صور فنية، وأخرى توثيقية لثراء الحياة البحرية في الدولة، ليخوضوا مغامرة الغوص إلى أعماق تصل إلى ‬40 متراً، قبل أن يجمعوا نخبة من الصور في معرض بعنوان «رسالة من تحت الماء»، تستضيفه حالياً مؤسسة العويس الثقافية في مقرها بشارع الرقة في دبي.

وإذا كان «طواويش» الماضي القريب في الإمارات ومنطقة الخليج غاصوا بحثاً عن المحار واستخراج مكنونه من اللؤلؤ، فإن «طواويش» الحاضر المدربين والمجهزين بأحدث معدات الغوص يبحثون عن لؤلؤ مواز أو رمزي من وجهة نظرهم، وهو جماليات البيئة البحرية التي يلتقطونها بعدساتهم فيعدون بانطباعات إلى سطح الماء تستوعبها ذاكرات عدساتهم.

الحرص على التقاط صور بمقاييس فنية عالية الجودة كان بمثابة محور جامع للمصورين الستة الأعضاء في جماعة الإمارات لتصوير الحياة البحرية، الذين تحولوا إلى مغامرين في أوقات كثيرة طالت فيها ساعات الغوص لتتجاوز ‬14 ساعة خلال اليوم الواحد، متنقلين من ساحل إلى آخر، ومن جزيرة إلى ثانية، وهو المجهود الذي بدأ في الوصول إلى صور تقترب في فنياتها وجمالياتها البصرية إلى التشكيل اللوني.

دعوة

معرفة وتذوققال أمين عام جائزة حمدان بن محمد بن راشد للتصوير الضوئي، الفنان علي خليفة بن ثالث، الذي منعه ارتباطه بفعاليات خارجية المرتبطة بالترويج للجائزة خارج الدولة عن زيارة معرض «رسالة من تحت الماء» لـ«الإمارت اليوم»، إن «التصوير الضوئي من الفنون البصرية التي تحتوي في كثير من نتاجها على معياري تقديم المعرفة، وتلبية شغف التذوق الفني في الوقت ذاته».

وأضاف بن ثالث أن «رحلات الغوص كثيراً ما تحفها الخطورة، ويجد الغواص ذاته معرضة للخطر في أوقات كثيرة وبشكل فجائي، لكن الرغبة في الاستكشاف، فضلاً عن السعي إلى التقاط صورة شديدة الخصوصية، بالنسبة للغواص المصور تبقى بمثابة إغواء دافع للوصول إلى المعرفة التي يرافقها الدعوة على التأمل في بديع صنع الخالق، لاسيما أن الغواص المصور يبقى بمثابة الوسيط الأمين بين تلك الجماليات التي تحجبها الأعماق، والرؤية».

وحسب الفنانين المشاركين في المعرض، فإن مقتنيات «رسالة من تحت الماء» تمثل نتاج العديد من رحلات الغوص في مناطق مختلفة في الدولة، خصوصاً في دبي والشارقة والفجيرة ورأس الخيمة وكلباء، وتعد بمثابة دعوة لتشجيع المؤسسات الرسمية والخاصة والأفراد على بذل مزيد من جهود حماية وصون الحياة البحرية في الدولة، لا سيما أن المجموعة أنجزت أيضاً فيلماً وثائقياً، ودشنت موقعاً للصور على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت.

تحولت مناسبة افتتاح المعرض الذي ضم أعمالاً لكل من: طلال الزرعوني، وراشد عبدالله الأحمدي، والدكتور حمد صالح الظفيري، وعلي بن ثابت الحميري، ويوسف جاسم العلي، وعبدالله عبدالرحمن شهيل، إلى مناسبة للتشديد على ضرورة التكاتف، وبذل الجهود لصون الحياة البحرية في الدولة، إذ دعا رئيس المجلس الوطني الاتحادي الأديب، محمد المر، إلى ضرورة أن تتحمل كل جهة وكل فرد مسؤوليته في الحفاظ على البيئة البحرية، مشيداً بفكرة تسخير الفنون عموماً للفت الانتباه إلى بعض القضايا الملحة على مختلف الصعد، على النحو الذي يتبدى في جهد الفنانين الستة الذين التقطوا بعدساتهم بعض ملامح تميز البيئة البحرية الثرية التي تزخر بها الدولة.

توثيق

استدعاء فكرة الغوص التقليدية في مياه الخليج للبحث عن المحار واستخراج مكنونه من اللؤلؤ، ربما لم تكن حاضرة تماماً لدى الفنانين المعاصرين، لكن ثمة تشابهاً من وجهة نظر عبدالله شهيل، الذي سبق له الحصول على جوائز مختلفة عدة في هذا المجال، أحدها من «ناشيونال جيوغرافيك». وأكد شهيل أن المعدات والتقنية الحديثة لم تحل تماماً من دون وجود مخاطر حقيقية، مضيفاًلـ«الإمارات اليوم»، أن «معدات التصوير التي تقترب وزن الواحدة منها من ثمانية كيلوغرامات، وأدوات الإضاءة المخصصة للتصوير تحت الماء، وغيرها من المعدات والأدوات اللازمة، مثل اصطحابها وصعوبة التحرك بها تحدياً كبيراً، ما جعل كل رحلة غوص بمثابة مغامرة مستقلة». ولفت شهيل الذي شارك بمجموعة كبيرة من أعماله في المعرض إلى أن الصور التي يحتويها المعرض بمثابة نخبة لرحلات غوص طالت لنحو أسبوعين متتاليين، مشيراً إلى أن الجميع كان يهدف إلى الحصول على صور بمواصفات فنية عالية، في الوقت ذاته الذي تؤدي فيه وظيفتها التوثيقية المرتبطة بثراء كنوز الإمارات البحرية.

واعتبر أن مسمى المعرض موائم تماماً لرغبة الفنانين المشاركين فيه في أن يكون بمثابة رسالة مفتوحة تلفت أنظار الجميع إلى الكثير من المعاني والقضايا، وعلى رأسها صون الحياة البحرية في الدولة، فضلاً عن لفت الأنظار إلى بديع صنع الخالق، على حد تعبيره. يوسف العلي، من جانبه، أشار إلى فكرة الجمع بين الجمالي والتوثيقي في مجموعة الصور التي تم التقاطها، مشيراً إلى صعوبة التعامل مع معدات التصوير الثقيلة، فضلاً عن انشغال المجموعة بالتقاط كل مظاهر الحياة البحرية التي تصادفهم من مختلف الأحجام، ما يعني الاضطرار إلى استبدال العدسات وتعديل الأبعاد الفنية لعملية التصوير، فضلاً عن أن المواءمة بين الغرضين الجمالي والتوثيقي فرضت شروطاً دقيقة تراعي عنصر الإبهار الذي لا يمنح في الوقت ذاته انطباعات تخل بالمقاييس الحقيقية الكائنات البحرية التي يتم تصويرها.

ثروة حقيقية

رغم أن جميع المصورين المشاركين في المعرض ينتمون الى مجموعة واحدة، إلا أن المتابع يستطيع أن يلمس تبايناً في اتجاهات كل منهم التصويرية، وهو أمر ربما يسهم فيه أيضاً الهدف المباشر من المشاركة في المعرض، إذ يرى طلال الزرعوني، الذي يعد من أحدث المنضمين إلى المجموعة، ويحمل لقب غواص منذ نحو ثماني سنوات، يرى أن الجانب المعرفي يبقى في صدارة اولوياته عندما يقوم بالتقاط صور تحت أعماق بعيدة من سطح الماء، مضيفاً «تتاح للغواص معرفة في هذه البيئة يصعب أن يطلع عليه معظم الناس، لذلك تبقى مهمة إيصاله لهم من خلال العدسة ذات هدف معرفي، وهو الأمر الذي سيترتب عليه بشكل تلقائي مزيداً من الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والحياة البحريتين في الدولة، والتعامل معهما على أنهما بالفعل يشكلان ثروة حقيقية».

هواة الغوص أيضاً كانوا على موعد مع قراءة أخرى لجماليات البيئة البحرية، ولكن عبر وسيط مختلف هذه المرة، وهو عدسات زملائهم الغواصين، ما جعل الاستمتاع بصور الكائنات البحرية التي اعتادوا رؤيتها بمثابة تجربة أخرى في معرض «رسالة من تحت الماء»، إذ يقول الغواص جاسم سعيد، إن «الصور التي يحتويها المعرض تؤكد أن الدولة غنية بمناطق كثيرة ذات طبيعة خلابة وجاذبة لهواة ومحترفي الغوص، والتقاط مثل تلك الصور يسهم بالإضافة في حماية البيئة البحرية من التلوث، في لفت الأنظار إلى تلك الأماكن ومثاليتها لرياضة الغوص». ولم يخف سعيد أن رحلات الغوص التي تم خلالها جمع مقتنيات المعرض مثلت بالنسبة له إغواءً جديداً يدفعه لمعايشة التجربة، بعد أن بدأ يألف خصوصية التعامل مع الكاميرا وأدوات التصوير تحت الماء.

  

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.