هل الفوتوغرافيا فن ؟
قد يبدو هذا السؤال للبعض غريباً، لكنه و بالعودة إلى تاريخ الفوتوغرافيا سنجد أنها كان دائماً و ﻻ زالت محط نقاش كبير بين النقاد و الفنانين، خاصة بين من يلحقونها بالفنون التشكيلية، و بين من يرى فيها فنا مستقﻻ له قواعده و مصطلحاته الخاصة، و طرف حديث يلحق الفوتوغرافيا بما بات يصطلح عليه بالفنون البصرية، و هو مصطلح حديث لكنه غير واضح المعالم.
كانت الفوتوغرافيا عند ظهورها قبل اقل من قرنين من الزمن مبحثا علميا صرفا، بعيداً جدا عن عالم الفن، حيث أن المشتغلين بها كانوا علماء كيمياء أو أطباء يبحثون في مسألتي الضوء و العين، فيما كان الفلاسفة يبحثون في إمكانية توقيف أو تجميد ” لحظة من الزمن “، دلك الحلم القديم.
علاقة الفوتغرافيا بالفن ستنطلق في نهايات القرن التاسع عشر، مع كثرة الطلب على البورتريه التشكيلي وجد بعض الفنانين التشكيليين في الفوتوغرافيا حﻻ مناسباً لمشكلة الزمن و الثمن، فقد كان البورتريه الفوتوغرافي أرخص و اسرع من التشكيلي. ليتحول الكثيرون منهم إلى فوتوغرافيين لكسب العيش، نذكر منهم فيليكس تورناشون، جوستاف لو جراي، و ﻻحقا الفنان الكبير مان راي، كان هذا التحول بمثابة إعلان نهاية الفن التشكيلي، ما أثار الصراع و النقاش بين الرسامين التشكيليين و الرسامين المتحولين إلى الفوتوغرافيا، حول ماهية هذا الجنس الجديد و قيمته الفنية حيث لم يكن يرى الفريق الأول في هذا الوافد الجديد سوى عين ناقلة غير مبدعة، مع محدوديته في الحجم و اللونين الأبيض والأسود آنذاك.
و لم تدخل الفوتوغرافيا عالم الفن بطريقة قوية اﻻ في بدايات القرن العشرين و بطريقة أقوى في المنتصف أي سنوات الخمسينات و الستينات بعد ظهور العديد من الفنانين الفوتغرافيين مثل أندي وارهول، الدين ابتعدوا بالفوتغرافيا من حالة ” النقل العادي” إلى حالة التعبير عن الرسائل الفنية و الانسانية عبر النقل ” أي تحميل الصورة ابعادا أخرى.
فظهرت بدلك مدارس متعددة في هذا الجنس بل و خلق قواعده الخاصة و مصطلحاته التقنية و الفنية، بالإضافة إلى أخرى مستقدمة من التشكيل. و قد ساعد في هذه الثورة الفوتوغرافية ظهور التلفاز و الموضة و الإشهار ثم السينما. ما عزز وجود الفوتوغرافيا أيضاً في عالم الفن، ظهور ما يسمى بالمعارض الفوتوغرافية التي كانت حكرا على الرسم و النحت و التشكيل. و هكذا صار مصطلح فن يلحق بالفوتوغرافيا حتى دون اعتراف رسمي أو اكاديمي. حتى أيامنا الأخيرة حيث ﻻ زالت الفوتوغرافيا ملحقة بالفنون البصرية و ليست فنا مستقﻻ. و بين الفن المستقل و الفن التابع تبقى الفوتوغرافيا تراوح مكانها من جهة التسمية و التصنيف، اما من الناحية الواقعية فﻻ شك أن عصرنا الحالي هو عصر الفوتوغرافيا.
هذه محاولة تقريبية للإجابة على السؤال و ليست إجابة شافية وﻻ كافية. ذلك أن النقاش ﻻزال مطروحاً أكاديمياً و بين النقاد بصفة خاصة. فحتى السؤال اعلاه يطرح إشكالية حقيقية في كون المقصود : هل الفوتوغرافيا فن ؟ و هل هذا الفن مستقل؟
تحية طيبة
عادل أزماط