501331

لندن/ عدنان حسين أحمد
جوائز مسابقة يلماز غوني في مهرجان الفيلم الكردي

أُعلِنت جوائز مسابقة يلماز غونَي الخامسة للأفلام القصيرة التي أسفرت عن فوز المُخرجَين التركيين من أصول كردية سيرهات كارسلان وتحسين أوزمَن بالجائزتين الأولى والثانية عن فيلميهما الموسومين “آيس كريم” و “لَبَن”، فيما فاز المخرج العراقي الكردي كاميران بيتاسي بالجائزة الثالثة عن فيلمه المعنون “ليلة طويلة”. أما جائزة لجنة التحكيم فقد أُسنِدت إلى المخرج الكردي الإيراني إيرَج محمدي رزيني عن فيلمه التجريبي القصير “والآن الرجل”.

لم يكن فوز فيلم “آيس كريم” للمخرج الكردي التركي سيرهات كارسلان مفاجئًا للنقاد السينمائيين في الأقل، وربما لغالبية المشاهدين الذين يتوفرون على عين ذكيّة قادرة على فهم الخطاب البصري والاستمتاع باللغة السينمائية، ذلك لأن الفيلم نابض بالحياة، ولافت للنظر في سرعة إيقاعة التي تأخذ بتلابيب المتلقي منذ مُستهل الفيلم حتى نهايته. فالطفل “روشهات” ذو الأحد عشر عامًا لا يدخِّر وسعًا للحصول على الآيس كريم أسوة ببقية الأطفال الذين لا يقلّون عنه خفّة وحماسًا لكنه لا يمتلك في البيت مثل غيره من أطفال القرية النائية حاجات مطاطية أو بلاستيكية أو معدنية كي يقايضها بعُلبة مخروطية من الآيس كريم. ولم يبقَ أمامه إلاّ أن يدخل إلى الغرفة المخصصة للدجاج ويختطف على وجه السرعة بيضتين ويسرع بهما صوب بائع الآيس كريم الذي يأتي بين أوانٍ وآخر على دراجة نارية لكي يبيع بضاعته أو يقايضها ببعض الحاجيات المنزلية المذكورة سلفا. وبما أن روشهات يأتي مسرعًا ومتلهفًا لتناول المرطبات فإنه لسوء الحظ يسقط أرضًا فتنكسر البيضتان، لكنه لم ييأس حيث يعود راكضًا ليأخذ بيضة أخرى غير أن والدته تلاحقه هذه المرة وتقذفه بالحصى وحينما لم تجد أية حصاة تخلع حذاءها المطاطي وتضربه به فينتبه الطفل إلى أن بائع الآيس كريم قد طلب الأحذية المطاطية كمادة للمقايضة فيلتقطه على عجل ليصل في خاتمة المطاف إلى البائع ويحقق رغبته الطفولية في تناول المرطبات. وبينما هو جالس يلعق علبة الآيس كريم المخروطية تنقضّ عليه والدته الغاضبة بصفعة قوية على رأسه فتسقط العلبة أرضًا ثم تسحبه إلى المساحة المكشوفة أمام المنزل لتحمِّمه في العراء. وبينما هو مبتلّ ومحمّر العينين ينهض تاركًا طست الماء ويتجه إلى المكان الذي سقطت فيه علبة الآيس كريم التي ينظفها مما عَلُق بها ويشرع بأكلها بمتعة كبيرة.
وتعزيزًا لما ذهبنا إليه من خفة روح الفيلم وحيويته المفرطة التي خلبت الألباب نقتبس رأي لجنة التحكيم التي قالت عن هذا الفيلم الآسر: “لقد جذبت القصة الهازلة انتباهنا على الفور فهي تتمحور حول صبي شقي لا يُوقفهُ أي شيء للحصول على الآيس كريم. وأكثر من ذلك فقد استمتعنا بالتصوير الذكي، والإيقاع المُثير، والشخصيات النابضة بالحياة. لهذه الأسباب، وللمشهد السياسي الذي يُلمّح إليه خارج الشاشة نحن سعداء لأن نمنح هذا الفيلم الجائزة الأولى”.
جدير ذكره أن سيرهات كارسلان من مواليد قرية فارتو Varto في شرقي تركيا عام 1984. درس الصيدلة في جامعة إستانبول عام 2006. ثم درس الفيلم والدراما في جامعة قادر هاس عام 2009. أنجز حتى الآن ثلاثة أفلام وهي “الدراجة”، “موسى” و “آيس كريم” وقد عُرضت هذه الأفلام الثلاثة في مهرجانات محلية وعالمية مثل أناتاليا وأنقرة وفرنسا وألمانيا وروسيا وأرمينيا وتونس والمغرب وفاز بأكثر من خمسين جائزة بما فيها جائزة مهرجان لندن للفيلم الكردي.
أما الجائزة الثانية فقد أُسنِدت إلى فيلم “لبن” للمخرج الكردي التركي تحسين أوزمَن الذي وضعنا أمام فيلم مثير في أحداثه على الرغم من قِصرها. فثمة صبي مراهق يُدعى (علي) يريد أن يُوصل شريط كاسيت لمغنٍ كردي لكنه يخشى نقطة التفتيش التي تقيمها الجندرمة التركية ونتيجة لقلقه وتوتره المتواصلين أوشكَ أن يرمي الكاسيت من نافذة السيارة وحينما تنتبه إليه بريفان “فيدان يتير” تخطف الكاسيت من يده وتدّسه في سطل اللبن. وما إن تصل المرأة إلى المحل المقصود حتى يتبعها ويكتشف أن سطل اللبن يحتوي على مسدس كان تخبئه بريفان. يأخذ كاسيته إلى جده الكبير الذي يجد متعه كبيرة في الاستماع إلى الأغاني الكردية التي كانت ممنوعة إلى وقت قريب. ركزت لجنة التحكيم في قرارها على أن الفيلم “مثير وطموح. والخطورة فيه ملموسة لأنه يبقينا في حالة قلق وتوتر على مدار القصة كلها”. لا شك في أن التصوير كان مبتكرًا ولافتًا للانتباه كما أن أداء الشخصيتين كان معبرًا ومستوفيًا لشروط القصة السينمائية التي تغلّفها الإثارة والغموض. تحسين أوزمن من مواليد مدينة جزرة التابعة لمحافظة شُرناق عام 1985. يعمل مونتيرًا في مركز الشرق الأوسط السينمائي في مدينة آمد. أنجز فيلمه الأول “لبن” عام 2014، كما صوّر فيلم “صياد سيئ” لسهيم عمر خليفة.
فيما ذهبت الجائزة الثالثة إلى المخرج الكردي العراقي كاميران بيتاسي عن فيلمه المعنون “ليلة طويلة” الذي يروي تضحيات امرأة كردية شجاعة تقوم برحلة شاقة إلى إيران بعد انهيار الثورة الكردية في العراق عام 1975 تاركة خلفها زوجها البيشمركة في كردستان العراق. كانت المرأة بصحبة طفليها تنشد حياة أفضل وأكثر أمنًا واستقرارًا لكنها تجد نفسها في مخيم للاجئين سوف يكلّفها الكثير غير أن عزيمتها لن تلين فلاغرابة أن تقف ضد كل التهديدات والمخاطر التي كانت تواجهها خصوصًا وأن حرّاس المخيم كانوا يتابعونها ويحصون عليها أنفاسها. وحينما تأتي دفعة من اللاجئين العراقيين الكرد تذهب إلى مكان التجمع حيث يترجل من السيارة العسكرية أشخاص عديدون ثم نسمع صوت الطفلة وهي تطلق كلمة “بابا” لنفهم أن الأب قد التحق بها وإنْ كانت ابتسامتها الأخيرة التي أشرقت على وجهها تشي ببعض الغموض الذي يختبر ذكاء المتلقي، ويمتحن شدة تركيزه كي لا تفوته حتى الإيماءة العابرة. رأت لجنة التحكيم “أن المرأة في هذا الفيلم تفوق الرجل ذكاء وتخدع الحرّاس الذين يتابعونها ويعتدون عليها بطريقة أو بأخرى لكنها تظل شجاعة ومُلهِمة وباعثة على الأمل”. كما شعرت لجنة التحكيم “بضرورة الاعتراف بهذة التجربة النسائية الضائعة في خضم خطاب الحرب في كثير من الأحيان”. ولذا السبب استحق مخرج الفيلم الجائزة الثالثة. ولد المخرج العراقي الكردي كاميران بيتاسي في محافظة دهوك عام 1972. أنجز عددًا من الأفلام نذكر منها “المرآة السوداء”، Roshan، صورة ظليّة و “ليلة طويلة”.
أما جائزة لجنة التحكيم فقد ذهبت هذا العام إلى المخرج الإيراني إيرج محمدي رزيني عن فيلمه “والآن الرجل” وهو فيلم تجريبي ينطوي على نَفَس سريالي واضح. ينتمي هذا الشريط القصير إلى أفلام التحريك “الأنيميشن” وقد وصفه النقاد بأنه فيلم إبداعي وهو توصيف يستحقه المخرج عن جدارة. فمن خلاله يتابع حلم امرأة تتحول عيناها إلى طائر يشرع برحلة عبر الزمان والمكان. وحينما يتصل هذا الطائر بالوجوه والأجساد والأفكار يحوّلها إلى أشكال أخرى تتيح مجالاً واسعًا للتخييل وتأويل الابعاد الرمزية من خلال التفاعل بين اللغة المجازية البسيطة والمعقدة. تعتقد لجنة التحكيم أن هذا الفيلم “قد أشعرنا بأنه حلم داخل حلم” حيث أحبوا الجانب الجمالي والإيقاع السريع اللذين قالا أشياء كثيرة عن جمال كردستان ولهذه الأسباب مجتمعة توّجت اللجنة هذا الفيلم بجائزة لجنة التحكيم.
لم تكن بقية الأفلام القصيرة ضعيفة أو لا تستحق الفوز، بل بالعكس هناك أفلام تنافست بشدة على نيل إحدى الجوائز الأربع ومنها فيلم “صيّاد سيئ” للمخرج العراقي الكردي سهيم عمر خليفة الذي يتناول ثيمة حسّاسة فالصياد الماهر يتم اصطياده من قبل الفتاة التي اغتصبها شخص آخر حيث تدعي في نهاية المطاف أن الصياد هو الذي اغتصبها بينما كان هو المُنقذ الذي قدّم لها المساعدة حينما خاط ثوبها الممزق بيده. لا يخلو فيلم “مايكروفون” من جرأة ومواقف كوميدية باعثة على المرح والاسترخاء. وهذا الأمر ينطبق على بقية الأفلام المشاركة في مسابقة يلماز غوني للأفلام القصيرة التي أحبّها متابعو مهرجان لندن للفيلم الكردي وأبدوا آرائهم الصريحة في مضامينها، وتقنياتها، وأساليبها الفنية

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.