523816
الآمال والطموحات في الملتقى العربي الجديد لفن التشكيل

ناصر عبدالله الربيعي

غير خافٍ على أي متابع للمهرجانات والملتقيات العربية الخاصة بالفنون التشكيلية والتي اقيمت في بلدان عربية تحت هذا الشعار انها بمجملها لم تلبِّ الطموح الذي ينشده الفنان العربي في حضور محفل يحمل من المقومات المهنية والفنية ما يوازي سمعة ومكانة الفنانين التشكيليين العرب المتطورة ضمن حركة الفن التشكيلي العالمي ، فاغلب تلك الملتقيات والتي حملت اسم ما يعرف بـ(السمبوزيوم) وهي نسخ مشوهة لمثيلاتها العالمية تحولت الى مجرد دعوات مدفوعة الثمن لحفلات يلتقي بها الفنانون في الفنادق والمنتجعات يصبح فيها الفن وورشة الفن مجرد هامش مقتطع من وقت الرحلة يمارس به الفنانون والفنانات هوايتهم بجو من اللهو وعدم الجدية ينتهي بتوزيع شهادات ودروع غير ذات قيمة اطلاقاً …والغريب هو ذلك التناسل المتوالي في كل سنة لملتقيات التشكيل العربي هنا وهناك مما شوه الصورة الجميلة لمعنى اللقاء التشكيلي ولربما شذت عن القاعدة بعض تلك الملتقيات …

ما ينقص الاغلبية من تلك الفعاليات  التي تحدثنا عنها وخصوصاً في العقد الاخير  هو خلو الساحة التشكيلية العربية، من مؤسسات فنية فاعلة ومنتظمة الاداء ، يقيمون عطاءات الفنان الإبداعية ويجيبون عن التساءلات الملحة التي يطرحها ، عن حاضره ومستقبله. إن اقصى درجات الفهم  ان نعي مشكلات الفنان  الواقعية وان يتم التعامل مع منجزه بشكل حقيقي عادل وان تتم دعوته بكل احترام الى ملتقى لا يضطر ان يصرف هو عليه ، في زمن بخس حقه كفنان وسط الصراعات الاجتماعية والسياسية والهزات الاقتصادية  للمنطقة العربية وخلطت المفاهيم ولم يعد الفن الا في المراتب المتأخرة من الاهتمام في الوعي الجمعي للمجتمع العربي المعاصر ….
وقد انعكس هذا التدني في الاهتمام المجتمعي الى رد فعل لدى الفنان في الاسلوب والتناول واتجاه الغالبية العظمى من الفنانين العرب الى اساليب ما بعد الحداثة واتخاذ منحى الفن التركيبي والتفاعلي والانستليشن والفيدو آرت كسمة اسلوبية ضاعت فيها الهوية والبصمة المحلية وذابت في أتون التغريب والمحاكاة والتأثر بالمدارس العالمية المعاصرة واصبح هم الفنان هو كسب تعاطف واحترام النقاد والمؤسسات الاجنبية بدلاً من الاقتراب من وجدان الوطن ومحنه وواقعه مما خلق جداراً من العزلة قد يكبر بمرور الزمن اذا لم تسعَ المؤسسات المعنية بالفن الى ردم تلك الهوة وخلق حالة من الاحترام المتبادل بين اطراف العملية الابداعية وهي المؤسسة – الفنان – الجمهور وهذه الاماني لن تتحقق الا اذا بدأنا في ارساء قواعد مهنية جادة لتنظيم الفعل التشكيلي بشكل يكسب احترام الجمهور المتلقي لمعنى رسالة الفن الحقيقية في جعل المنجز الفني لغة تخاطب جمالية يهذب النفس ويسمو بالذائقة البصرية ويزيد الثقافة ويحسن المعنى الانساني للتعامل بين الناس ، واولى الخطوات هو جذب رأس المال المحلي لمنطقة الرعاية الجادة والصادقة للفن التشكيلي دون ان يحس بهدر غير مجدي للاموال المصروفة في ملتقيات ومهرجانات ربما اكتسبت سمعة غير طيبة لدى الجمهورالفني المتابع بسبب الاسفاف والضعف الذي رافق الكثير منها سابقاً ، ومما جعلنا نضع بعين الاعتبار الخطوات الرصينة التي بدأتها الجمعية القطرية للفنون التشكيلية في اقامة ملتقى تشكيلي عربي يختلف عما سبقه ، فمنذ اقدام رجل اعمال مهم وصاحب عدة مجاميع اقتصادية ناجحة في قطر يدعى (عادل علي بن علي )على رعاية هذا الملتقى وتقديم كل الدعم المادي الذي يضمن نجاحه بما يعزز من صورة الفنان العربي ومكانته في المجتمع وكذلك يعزز من احترام الفنان لنفسه ابتداءً من دعوته والتكفل بحضوره من بلده  الى منحه حرية ممارسة ابداعه في ورش خاصة تليق بقيمته  وتنظيم الندوات واللقاءات الفنية التي تزيد من ثقافته الفنية ورؤيته وانتهاءً الى تكريمه بما يستحقه ..ومما يبعث على الارتياح ان هذا النموذج من رجال الاعمال في رعايته للفن العربي سيكون مثلاً لغيره في دخول هذا المضمار المربح انسانياً وثقافياً بعيداً عن أية حسابات أخرى وخصوصاً وهو يدعو الى تكريم رواد الحراك التشكيلي العربي، الذين سخروا قدراتهم الفنية وإبداعاتهم الفكرية للارتقاء بهذا الفن …
الطموح كبير فعلاً وكلنا نسعى الى تحقيقه ومؤازرة هذه الخطوة الموفقة للجمعية القطرية التي رسمت عدة أهداف مهمة لهذا المشروع كما جاء على لسان رئيسها الفنان يوسف السادة منها عمل ورشة فنية خلال الملتقى يمنح فيها كل فنان ستوديو خاص به ينجز فيه عمله وكذلك اقامة ندوات فكرية جمالية للمشاركين أضافة الى معرض فني لما تم انجازه من قبل الفنانين كل ذلك من خلال لجان متخصصة للتنظيم وفق أسس علمية من قبل لجان مختصة ..ناهيك عن الغاية وهي الحلم الاهم ان يستمر هذا الملتقى بشكل سنوي يواكب الحركة التشكيلية العربية المتسارعة ، مع تنوع في الفعاليات للدورة القادمة من خلال دعوة الفنانين الشباب ما بعد الرواد واختيارهم وفق معايير فنية خاصة…
الدورة الاولى لهذا الملتقى العربي تجربة مهمة لاعادة الحيوية لروح التشكيل العربي ومنها يمكن الانطلاق بفعل حقيقي جاد ..

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.