Chechen children ride a bicycle near destroyed houses in Grozny, Chechnya, Thursday, March 15, 2007. Chechnya has been plagued by fighting with separatist rebels for most of the past dozen years and the city still bears countless scars of battle with half-destroyed apartment buildings lining the streets. (AP Photo/Musa Sadulayev)

   في 2007، سُـويّـت العديد من أحياء مدينة غروزني بالتراب

“الحفاظ على الأرشيف للحيلولة دون اغتيال الذاكرة”

بقلم: لويجي جوريو

في 2007، سُـويّـت العديد من أحياء مدينة غروزني بالتراب(Keystone)

في السابع والعشرين من شهر أكتوبر من كل عام، يُـحتفل باليوم العالمي للحفاظ على التراث السمعي والبصري، الذي قررته منظمة اليونسكو.

وفي الشيشان، خاطرت زينب غاشاييفا، الناشطة والمدافعة عن حقوق الإنسان، بحياتها، من أجل توثيق الفظائع المرتكبة في بلادها. واليوم، نجحت في توفير مكان آمن لأرشيف الأشرطة المصورة والصورة الفوتوغرافية المُـلتقطة في.. سويسرا.

لدى زينب غاشاييفا الكثير من الكلام والكثير من الروايات، التي تحكي عن شعبها وبلادها. هي من مواليد 1953 شاهدت الحرب والقتل، ورأت أمهات وأطفالا مُـزِّقت أجسامهم. ورغم مِـسحة الحزن التي تغطّي وجهها، إلا أن تصميمها يبدو كبيرا، وهي تردد: “في يوم ما، ستتحقق العدالة”.

في الواقع، تُـجسّد زينب، التي لجأت إلى سويسرا منذ يناير 2011، عقلية وإرادة صِـنف من النساء من أمثال أنّـا بوليتكوفسكايا (صحفية روسية اغتيلت على أيدي مجهولين بسبب كشفها لحقائق الحرب في الشيشان)، اللواتي تحدّين السلطة في روسيا من أجل نقل الحقيقة.

ومنذ عام 1994، جمعت غاشاييفا المئات من الأفلام والشهادات عن الفظائع المُـرتكبة في الحروب التي شهدتها الشيشان. واليوم، يُـنتظر أن يُـتيح الأرشيف المحفوظ في سويسرا من طرف جمعية الدفاع عن الشعوب المهدّدة (غير حكومية)، معاقبة المُـذنبين في قادم الأيام.

swissinfo.ch: تبدو الصور القادمة اليوم من غروزني مثيرة للاندهاش. فقد استُـبدل حطام المباني بعمارات حديثة وحدائق وطرقات مضيئة. فهل طوى الشيشان صفحة الحرب والعنف المُـظلمة؟

زينب غاشاييفا: في الواقع، أرادت السلطات الروسية والشيشانية مسح جميع آثار الحرب. لقد شُـيِّـدت ناطحات سحاب ومستشفيات ومدارس. وبطبيعة الحال، أنا مرتاحة لهذا التطور، لكن إذا تعمّـقنا أكثر، نرى أن الممارسات التمييزية وانتهاكات حقوق الإنسان، متواصلة.

على سبيل المثال؟

زينب غاشاييفا: ليس هناك احترام للقانون. ففي معظم الأحيان، لا يعاقب مرتكب جريمة قتل أو يودع شخص السجن، دون محاكمة. هذا الواقع لا يعني الشيشان فقط، ولكن جميع مناطق الفدرالية الروسية. إضافة إلى ذلك، يقتصِـر الوصول إلى العلاج أو التعليم على الذين لديهم أموال، على عكس ما هو منصوص عليه في الدستور. لا يتمثل هدفي في الحديث بشكل سيّء عن بلدي، لكن هذا هو الواقع اليومي. فالأشخاص الذين يكافحون – مثلي – من أجل حقوق الإنسان، يُـعتبرون إرهابيين.

منذ سنوات، تتعاونين مع جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة من أجل إنشاء أرشيف حول الشيشان. ما الذي يحتوي عليه بالتحديد، ومن أين تأتي الوثائق؟

زينب غاشاييفا: قبل كل شيء، توجد فيه جميع الوثائق  المجمّـعة من طرف Ekho Voyny (صدى الحرب)، وهي المنظمة التي قمنا بتأسيسها في عام 1997، ويتعلق الأمر بالخصوص من أفلام قُـمت بإنجازها بالاشتراك مع سيدتين أخريين، وهي تشتمل على مشاهد من الحرب ومظاهرات مدنية ومواد تاريخية. بعد ذلك، هناك الصور المُـلتقطة من طرف بعض الصحفيين الشجعان جدا، ومن المخرج السويسري Erik Bergkraut.

لماذا يوجد الأرشيف في سويسرا؟

زينب غاشاييفا: خلال حرب الشيشان الثانية (1999 – 2000)، دُعيت إلى سويسرا من طرف جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة، وذكرت لمديرها السابق أنني أتوفّـر على عدد كبير من الوثائق، تحتاج إلى الحفاظ عليها في مكان آمن. في تلك الفترة، لم أكن أعرف ما إذا كنت سأظل على قيد الحياة في اليوم الموالي ولم أكن أرغب أبدا في فِـقدان المواد. أما الأهم، فكان نقله إلى مكان آمن وتنظيفه والحفاظ عليه. لقد طرحت السؤال على العديد من الأشخاص، ولكنه كان الوحيد الذي اهتم بالموضوع.

كيف نُـقل إلى سويسرا؟

زينب غاشاييفا: لم يكن بالأمر الهيِّـن. لقد اشترك العديد من الأشخاص في المخاطرة بنقله، أولا إلى موسكو وبعد ذلك إلى سويسرا. ففي الشيشان، كان الخطر الذي يواجهه المرء عند العثور لديه على قطعة سلاح أو على قنبلة، أقل مما لو عُـثر لديه على أشرطة مصورة. ففي نقاط التفتيش، كان أول شيء نُـسأل عنه: هل لديكم كاميرا تصوير؟ كُنا جميعا خائفين جدا، وأتذكّـر أن العسكريين الروس كانوا يقتلون جميع أفراد العائلة، إذا ما وجدوا صورة لمقاتل في البيت. ولهذا السبب، كُـنا نُـخفي الأشرطة تحت الأرض وفي الجدران.

ما هي أهمية هذا الأرشيف؟

زينب غاشاييفا: كُـنا نريد توثيق كل ما حدث في الشيشان. فالأرشيف هو صوت الشعب وذاكرة بلدنا. إنه مهمّ جدا، خصوصا وأنه لم يتم الاحتفاظ بأي شيء من تاريخ الشيشان. ففي عام 1944، عندما تم ترحيل الشعب الشيشاني إلى آسيا الوسطى، تمّ احتجاز أكثر من 700 شخص في أحد المباني في قريتي، ثم أشعِـلت فيه النيران. وعن هذه المأساة، لا توجد أية آثار، كما لا توجد أي وثائق.

بعد ذلك، يسعى الأرشيف لأن يكون بديلا عن الرواية الرسمية، التي عمِـلت دائما على تغطية الواقع. ففي عام 1999، كنت في سوق غروزني، عندما سقط صاروخ قتل أكثر من مائتي شخص. المصادر الرسمية، تحدثت حينها عن انفجار ناجم عن خطإٍ في الاستخدام من طرف بعض تجار الأسلحة. على العكس من ذلك، تُـظهر أشرطتنا المصورة بوضوح أن الأمر تعلق بجريمة ارتُـكبت ضد السكان المدنيين. إن هدفنا يتمثل في الآتي: إذا ما أراد رجال السياسة في يوم من الأيام تطويع التاريخ من أجل مصالحهم، فسيُـظهر الأرشيف كيف سارت الأمور بالفعل.

هل يُـمكن استخدام الوثائق السمعية – البصرية أمام المحاكم الدولية أيضا؟

زينب غاشاييفا: القضاة والخبراء الذين شاهدوا المواد (المحفوظة في الأرشيف)، أكدوا لنا قيمتها. فمن الممكن استخدام الوثائق للقيام بتحقيق وإدانة المسؤولين. فعلى سبيل المثال، لدينا الأدلة على أنه تم اللجوء إلى استخدام أسلحة غير مشروعة في العديد من الحالات في انتهاك للقوانين الدولية.

خلال المظاهرات الشعبية، التي جرت في ميانمار (بورما سابقا) في عام 2007، وفي سوريا في الوقت الحاضر، شاهدنا أشخاصا يخاطرون بحياتهم لتصوير قمع الحكومة. ما هي رسالتك إلى هؤلاء الأشخاص؟

زينب غاشاييفا: عندما بدأنا في التصوير، قلنا لأنفسنا سنموت جميعا ولن يعرف أحد ما الذي كان يحدُث في الشيشان. لحسن الحظ، لم نخَـفْ وصمّـمنا على أنه، حتى في صورة موت واحدة منا، فيجب على الأخريات الاستمرار. وهذه هي رسالتي: لا تخافوا، لأنكم تنقلون وتحفظون الحقيقة والذاكرة التاريخية للأجيال القادمة.

زينب غاشاييفا

ولِـدت في عام 1953 في تيكيلي في جمهورية كازاخستان، في أعقاب ترحيل والديها من الشيشان في عام 1944.

درست الاقتصاد في موسكو، وفي عام 1994، بدأت تنشُـط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.

خلال حربي الشيشان (1994 – 1996 و1999 – 2000)، وثّـقت ما كان يحدُث في البلد. وبالاشتراك مع نساء أخريات، قامت بتصوير مشاهد الحرب وجمعت شهادات السكان المدنيين.

عملت مع صحفيين ونشطاء أوروبيين وشيشان وروس. ومن بينهم الصحفية أنّـا بوليتكوفسكايا (أغتيلت في عام 2006) والناشطات الحقوقيات ناتاليا إستيميروفا وزاريما سادولاييفا (اغتيلتا في عام 2009).

في عام 1997، ساهمت في أنشطة مؤسسة Ekho Voyny (صدى الحرب)، وهي منظمة تهتمّ بالبحث عن الأشخاص المفقودين ومساعدة اليتامى وقدماء الحرب.

بعد ذلك، انخرطت في مجال الترويج للسِّـلم، وشاركت في أنشطة ذات طابع إنساني في الشيشان وفي بقية أنحاء الفدرالية الروسية.

بعد أن اضطرّت للهروب بسبب التهديدات العديدة، التي تلقتها، حصُـلت على اللجوء في سويسرا في يناير 2011.

تهتم حاليا بالأرشيف الشيشاني بالاشتراك مع جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة، التي يوجد مقرها في برن. ويضم الأرشيف جميع الوثائق السمعية – البصرية، التي قامت غاشاييفا ونساء أخريات بتهريبها سرّا إلى خارج روسيا.

قام المخرج السويسري Erik Bergkraut بتوثيق نضالها في شريط وثائقي أنجزه في عام 2005 تحت عنوان “كوكا، حمامة الشيشان”.

في مايو 2011: مُـنحت جائزة Somazzi، وهو اعتراف يُـمنح للنساء الناشطات في مجال الدفاع عن الحقوق الإنسانية والترويج للسلام.

أجواء من الخوف في الشيشان

كُـلِّـف البرلماني السويسري ديك مارتي من طرف الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بإعداد تقرير حول أوضاع حقوق الإنسان في منطقة شمال القوقاز.

جاء في التقرير، الذي صادق عليه مجلس أوروبا في يناير 2011، أن السلطات في الشيشان “مُـستمرة في الإبقاء على أجواء تعمِّـم الخوف”.

مع الإقرار بتحسُّـن على مستوى الهياكل الأساسية، شدد مارتي على أن “أوضاع حقوق الإنسان وكيفية عمل القضاء والمؤسسات الديمقراطية، لا زالت تُـثير انشغالات قوية“.

في تقريره، كتب ديك مارتي أيضا، أن عمليات اختفاء المعارضين للحكومة والمدافعين عن حقوق الإنسان، لا زالت تتمتّـع بالإفلات من العقاب.

(ترجمه من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف), swissinfo.ch

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.