Image resultRelated imageRelated image

ابن البواب (علي بن هلال)

 

ابن البَوَّاب (نحو350ـ413 هـ/ 961ـ1022 م)

 

أبو الحسن علي بن هلال بن عبد العزيز خطاط مبدع وكاتب مشهورعرف بابن البواب، لأنّ أباه كان بوَّاباً لبني بويه، وربما لقب بابن السّتري والمعنى واحد، فالبواب يلازم ستر الباب. عاش في بغداد ولا يعرف عن حياته إلا القليل، فلم تذكر المصادر تاريخ مولده، واضطربت في تحديد سنة وفاته، والثابت أنه لم يعمّر طويلاً. دفن في بغداد إلى جوار قبر الإمام أحمد بن حنبل، وقد رثاه الشريف المرتضى بقوله:

قالوا قضى غير ذي ضعَفٍ ولاِ كبَرٍ

فقلتُ ماكلُّ أسباب الرَّدى كبرُ

أغنيتَ في الأرض والأقوام كلهم

من المحاسن مالم يغنه المطر

فللقلوب التي أبهجتها حزن

وللعيون التي أقررتها سهر

قيل عن ابن البواب إنه أخذ علوم العربية عن أبي الفتح عثمان بن جني (ت 392هـ)، وصحب أبا الحسن ابن سمعون، أشهر وعّاظ بغداد وأخذ عنه، فوعظ في جامع المنصور ببغداد. حفظ القرآن الكريم وجّوده وتفقه وفسّر الأحلام وكانت له قدرة عجيبة فيه، وكان سنياً مع ميل إلى التشيع، دمثاً لطيفاً، وإن لم يسلم من نقد معاصريه.

عمل ابن البواب في مطلع حياته مزوّقاً للسقوف، ثم مصوراً للكتب ومذّهباً لها. وانتهى به المطاف إلى جودة الخط الذي درسه على محمد بن أسد الكاتب المشهور (ت410هـ)، ومحمد السمسماني (ت415هـ)، وهما من تلاميذ ابن مقلة[ر] (ت328هـ)، فبزّ كلّ من سبقه، وانتهت إليه الرئاسة في حسن الخطّ وجودته. قال عنه الغوطي: «ورزق مع ملاحة الكتاب محاسنَ الآداب، من الفَضْلِ الظاهر والنظم الباهر، كأنمّا ألفاظه الفصيحة مدامة تُعَلُّ بماء المُزْنِ». والظاهر أن ابن البواب قد برع في الكتابة المسجّعة التي عُرف بها عصره، وله عدة رسائل، كما كان ينظم الشعر إلاّ أن شعره ضاع، ولم يبق منه إلاّ رائيته في الخط وبعض أبيات وردت ضمن رسالة كتبها، وهي لا تمثّل أسلوبه الشعري، والضعف فيها واضح ولاترقى إلى الشعر الجزل المتين، أما رائيته فهي رسالة تعليمية في فنّ الخطّ أوردها ابن خلدون في مقدمته، وعزا إليها القيمة الفائقة إلاّ أنها في واقع الأمر لاتشمل إلاّ على عموميات، ولا تقدم ما يفيد عن أسلوب ابن البواب.

لما جاء الوزير فخر الملك أبو غالب محمد بن خلف (قتل عام 407هـ) الذي تولى الوزارة، لأبي النصر بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي (ت 403هـ) والياً على العراق، قرّب ابن البواب، واتخذه نديماً. ويروي ابن البواب فيقول إنه عمل مدة من الزَّمن أميناً لمكتبة بهاء الدولة البويهي في شيراز.

أما مفخرة ابن البواب التي يرجع إليها السبب في شهرته، فهي اتقانه طراز الخط الذي ابتدعه قبله بقرن الوزير ابن مقلة حتى أجاده، روى عن نفسه كيف كان يحاكي الالتباسات في خطّ ابن مقلة، حين عَهدت إليه مكتبة بهاء الدولة في شيراز تصنيف أجزاء القرآن الكريم التي كتبها ابن مقلة، وكانت متناثرة بين مخطوطات أخرى في المكتبة، اكتشف تسعة وعشرين جزءاً منها، ومع بحثه المدقق والمتواصل فإنه لم يعثر على الجزء الثلاثين، فعتب على بهاء الدولة إهمال مثل هذا المخطوط الثمين، فكلفه الأمير بنسخ الجزء الناقص مقلّداً خط ابن مقلة. وقد تعهد ابن البواب القيام بهذا العمل، ووعده بهاء الدولة بمكافأة قيّمة إذا لم يتمكن من التفريق بين الجزء المزوَّر وبقية الأجزاء، واحتاج ابن البواب إلى عام كامل، ليكتب الجزء المفقود ويقدمه إلى بهاء الدولة الذي فحصه بدقةٍ، ولم يتمكن من التفريق بين الجزء المقلد والأصل ولكنه لم يقدّم لابن البواب المكافأة التي وعده بها. ولما طال انتظار ابن البواب ومل اصطباره، سأل الأمير أن يصّرح له باستعمال مايحتاج إليه من ورق المكتبة من صنع الصينيين، وهو من الأصناف العزيزة في ذلك الزمن، فأجيب إلى طلبه وأُشبعت حاجته منه لسنين.

وينسب إلى ابن البواب أنه ابتدع خطّ المحقق والخط الريحاني، إلاّ أن هذا الادعاء غير صحيح، فقد وُجد خط المحقق والخطّ الريحاني قبل ذلك بوقت طويل.

نموذج من خط ابن البواب سنة 414هـ. وهذه اللوحة تثير شكاً في أقوال المؤرخين حول وفاته سنة 413هـ

ترك ابن البواب آثاراً متفرقة، إضافة إلى رائيته التي وردت في مقدمة ابن خلدون، كتب أربعاً وتسعين مصحفاً، لم يصل منها إلاّ نسخة واحدة كتبها في بغداد سنة 391هـ، وهي محفوظة اليوم في مكتبة شِسْتربِتي في دبلن بإيرلندة، وقد كتب الباحث «س. رايس» دراسة قيمّة عنها وعدّها الأثر الصحيح الوحيد الباقي لابن البواب. ويشير رايس في كتابه إلى أن زخرفة هذا المصحف وتذهيبه ـ وذلك من عمل ابن البواب أيضاً ـ لايقل روعة عن الخط الذي كتب به، وأن تلك الزخارف كلها تتسم بتجانس رائع وبراعة فائقة في التنفيذ.

من آثار ابن البواب الأخرى في الخط قصيدة من نظم سلامة بن جندل السعدي محفوظة في متحف طوب قبو في اصطنبول، وورد في آخرها: «كتبه عليّ بن هلال في شهر رمضان من سنة ثمان وأربع مائة حامداً لله ومصلياً على نبيه محمد وآله». وفي مكتبة آيا صوفيا نسخة أخرى من القصيدة نفسها. كما ينسب إلى ابن البواب كتاب «بزوغ الهلال للخصال الموجبة للضلال»، وهي رسالة بقلم الثُلث من سبع صفحات من القطع الصغير. وينسب إليه كذلك ديوان شعر موجود في محفوظات دار الكتب المصرية، ويحوي هذا الديوان في مقدمته ثلاث لوحات خطية يعتقد أنها بخط ابن البواب.

يرى الباحثون أنَّ ابن البواب نقل طريقة ابن مقلة، فأَعجز الكتاب جميعهم في حسن طريقته وحلاوتها وقوتّها وصفاتها، كما يقول القزويني. ولو كتب حرفاً واحداً مئة مرة لا يخالف شيء منها شيئاً كأنها قُلّبت في قالب واحد. ويقول فيه التوحيديّ: «وأما الشيخ ابن البواب فوجد الناس قد اجتهدوا قبله في إصلاح الكوفيّ، وأقبلوا على ترطيب الكتابة للسرّ الخفيّ، وهو حبُّ النفس للرطوبة، لأنها مادة الحياة، وهي لدونة الخطّ ورِيُّهُ، وألا يُرى من خارج زواياه، وكانت أسباب إتقان هذه الصناعة قد كملّها الله له بأسرها، وأراده لهذه الرتبة فشدّ لها أسره وأطلعه على سرّها، فرأى ابني مقلة قد أتقنا قلمي التوقيعات والنسخ، لكن لم يرسخا ـ رحمهما الله ـ في إتقانهما ذلك الرسخ، فكمّل معناهما وتممه، ووجد شيخه ابن أسد يكتب الشعر بنسخ قريب من المحقق فأحكمه، وحرّر قلم الذهب وأتقنه، ووشى بُرْدَ الحواشي وزيَّنَهُ، ثم برع في الثُلث وخفيفه، وأبدع في الرقاع والريحان وتلطيفه، وميّز قلم المتن والمصاحف، وكتب بالكوفي فأنسى القرن السالف».

أخذ عن ابن البواب محمد بن عبد الملك، وعنه أخذت الشيخة زينب، الملقبة بشهدة ابنة الأبري (ت 575هـ)، وعنها أخذ أمين الدين ياقوت بن عبد الله الموصلي (ت 618هـ). ويعد جمال الدين ياقوت المستعصمي (ت 689هـ) في أتباع ابن البواب في الخط، وكذلك كمال الدين ابن العديم (660هـ)، صاحب «تاريخ حلب».

 

أحمد المفتي

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.