خصوصية الكتابة النسوية العربية من هاجس التجربة الى انسانية الابداع

بقلم : نصيرة مصابحية

ان الحديث عن علاقة المرأة بالممارسة الإبداعية يحيلنا إلى ذلك الجدل الواسع الذي أثاره مصطلح الكتابة النسوية في المشهد الثقافي العربي ،وهو أشكال ارتبط بمسالة تخصيص هذه الكتابة بجنس كاتبها ما ادى الى تقسيم الادب على اساس الهوية الجنسانية لمنتج النص .وقد شاع هذا المفهوم خصوصا في السنوات الماضية الاخيرة ،ويعتبر غياب التحديد الدقيق لهذا المصطلح وغياب الاطار المفاهيمي المصاحب له ، دورا جوهريا في تعميق الاشكال مما زاد الامر تعقيدا وغموضا وظهرت على اثر ذلك مجموعة من المصطلحات المتضادة : الكتابة النسوية مقابل كتابة الرجال ، الكتابة الانثوية مقابل الكتابة الذكورية .

وقد انقسم الموقف النقدي العربي بين القبول والرفض لهذا المصطلح ومحاولة البحث عن البديل الذي يفرغ مفهوم الكتابة النسوية من جانبها الجنسي الذي تحيل اليه ، فنجد من يطلق عليه الادب النسائي او النسوي او الانثوي او ادب المراة ، ويجتهد كل فريق في تعليل الاسم الذي اختاره فنجد الناقدة خالدة سعيد تقول ” القول بكتابة ابداعية نسائية تمتلك هويتها وملامحها الخاصة يفضي إلى واحد من الحكمين: اما ما كتابة ذكورية تمتلك مثل هذه الهوية ومثل هذه الخصوصية، وهو مايردها بدورها إلى الفئوية الجنسية، فلا تعود صالحة كمقياس ومركز، واما ما كتابة بلا خصوصية جنسية ذكورية، أي كتابة بالإطلاق، كتابة خارج الفئوية، مما يسقط الجنس كمعيار صالح للّتمييز إلى ذكوري ونسائي “1، فالناقدة ترفض المصطلح لانه ينوء عن الدقة والموضوعية فهو يحصر الادب في الفئوية الغير مبررة لان ادب المراة لايمتلك خصوصيات تجعله متميزا بهوية خاصة .
كما نجد يمنى العيد تستعمل مصطلح الادب النسائي لكن بعيدا عن الاشكالية المطروحة وترى بان هذه التسمية تساهم في تسليط الضوء على المراة كمبدعة وان هذا المصطلح يعيد الاعتبار لذات المراة ولا ينتقص من قيمتها “ان مصطلح الادب النسائي يفيد عن الاهتمام واعادة الاعتبار لانتاج المراة العربية الادبي وليس عن مفهوم ثنائي ،انثوي ذكوري “2
كما نجد ان بعض النقاد يرفضون تسمية الادب النسائي من منطلق جنساني ويرون بان مشروعية هذا المصطلح ،لا تتحدد الا وفق الموضوعات المطروقة وان يكون النتاج الادبي للمراة يعكس مشكلاتها الخاصة ،وهذا مايؤكد عليه حسام الخطيب في قوله : “تكون الأهمية النقدية لمثل هذا المصطلح ضئيلة جدا اللهم اذا انطوى مفهومه على الاعتقاد بان الانتاج الادبي للمراة يعكس بالضرورة مشكلاتها الخاصة وهو المسوغ الوحيد الذي يمكن ان يكسب مصطلح الادب النسائي مشروعيته النقدية “3. ولعل اخطر المواقف واعتاها ذلك الموقف الذي ينطلق من كون المراة تكتب بجسدها ،وان كتابتها لا تخرج عن نطاق البوح الشبقي الذي يعتريها وهي بذلك تمارس غواية الجسد عبر اللغة وتستبيح الفني من اجل التعبير عن شهواتها وتوظيف جسدها تحت شعار الادب وهذا ما ذهب اليه عبد المعطي كيوان حيث انه قام بتجريد المراة المبدعة من هذه الصفة وجعلها ترتدي قميص بائعة الهوى في تعاملها مع اللغة حيث يقول: ” تصبح الكتابة النسائية ذاتية أكثر من أي شيء آخر إذ يشير المصطلح صراحة إلى الخصوصية والتفرد والتعبير الموحي إلى دلالات، فالمبدع هنا امرأة تكتب عن نفسها عن لقائها بالآخر، عن شبقها عن حرمانها، المضاجعة ولونها، وهي امرأة تتقمص دور العاهرة،أو عاهرة تتقمص دور الكاتبة، فتستنطق الجسد، وتكشف عن مفرداته في لغة خاصة هي لغة حقيقية جاءت كما هي، دون رتوش، أو بهرج، إّنه النص البصمة …… انه ادب الذات الداعرة “4
ان هذا الموقف النقدي ينم في ابعد تجلياته عن لاموضوعية بعض النقاد في تعاملهم مع ادب المراة والموقف البطريركي المنحاز الذي لايزال يعامل المراة على اساس انها عورة ، يتبلور الاشكال انطلاقا من خلفية ثقافية فحولية تؤسس لفكرة التمركز على الرجل ورفض المراة ، لا من خلال خلفية معرفية وعلمية رصينة .
غير ان المراة ومن خلال ابداعاتها المختلفة استطاعت ان تثبت ذاتها ادبيا كما انها استطاعت ان تبرهن للرجل ان الكتابة ليست حكرا عليه ،فاستباحت التكلم بضميره وتحكمت بمصيره من خلال شخصياتها .
إن خصوصية الكتابة النسائية من منطلق ا التحليل النفسي والرومانطيقي ، يأتي ، ليميز بين الرجل/الكاتب والمرأة/الكاتبة حيث ان الرجل الكاتب يلجا الى الرمز في كتاباته فتكون الام مغيبة او ميتة، فهو يسعى الى تقديم البديل والى تحوير المواقف ، فيحاول قدر المستطاع ان يحول السلطة الامومية الى شي يستطيع التحكم فيه ، أما بالنسبة للمرأة الكاتبة، فهي في تعاملها مع النص ، تظل الابنة التي لا تخاف التوحد مع الام على عكس الابن ، ولهذا ستكون في النهاية قادرة على صياغة عوالم اللغة بطريقة خاصة وبهذا يظهر تفردها وخصوصيتها التي تكون حاضرة في اعمالها نظرا لاختلاف تجربتها الحياتية، وتركيبتها النفسية والبيولوجية ويكون تفردها ظاهرا ، “على لغتين: اللغة الأمومية الحرفية التي فقدها الرجل او اللغة. الرمزية المجازية الخاصة بالنظام الأبوي”5 . وظلت خصوصية ابداع المراة او الكتابة النسوية قضية شائعة في النقد الأمريكي، تبحث فيه الناقدات عن أسلوب خاص بالأنثى
على سبيل المثال نجد ألين مور” تنسب للمرأة ميلا غريزيا فطريا صور معينة، أو أشكال لغوية محددة. وإن كانت في بعض الأحيان تربط ما بين الاستعارات التي تستعين بها الأديبة، والوضع الاجتماعي لها، وما تعرفه من أساليب حياتية خاصة بمجتمع النساء، فنجد مثلا، صورة الطائر المتكررة في كتابة المرأة، أو صورة العصفور في القفص التي ترد كثيرا في روايات المرأة “6. فمسالة الخصوصية تبقى بالنسبة لابداع المراة شي حتمي تثبته النصوص في حد ذاتها ،من خلال تبلورها – المراة -كذات فاعلة لها اثرها النفسي والاجتماعي والشعوري وهذا ماذهب اليه بوشوشو بن جمعة عندما اراد ان يثبت ان المراة لا تستطيع ان تنفصل بخلفياتها الشعورية وبنفسيتها عن ماتكتب وان خصوصيتها وتركيبتها سيكون لهما الاثر الواضح على ابداعها وفي هذا يقول: ” فتثبيت خصوصية الأدب النسوي هو من تثبيت هوية الأنثى المستقلة، التي تسعى المرأة إلى الترفع بها من خلال إبداعاتها الأدبية والفنية. وما موقف الرفض لهذه الخصوصية سواء من طرف الرجال أو النساء، إلا انعكاس لمكانة المرأة الاجتماعية، ويتم التركيز في تناول المصطلح حول منطق التمييز القائم تاريخيا واجتماعيا بين الرجل والمرأة، فالملاحظ أن واقع هذا التصنيف هو الذي يتحكم في التصريحات عند فئة النساء بالخصوص، نتيجة شعور بالنقص، وادعاء زائف، وخروج على الفطرة. وهو في لغة علم النفس، حيلة لاشعورية لإقناع الذات بالمساواة مع الرجل، لأنه قد تشكلت لديهن عقدة من أن أي فارق يميز الرجل عنهن نقص في المرأة، لابد أن يكتمل بالتشبه به”7
وقد حاولت المراة من خلال فعل الابداع ان تثبت ذاتها مقابل الاخر حيث جعلت اللغة مرتكزا في التعبير عن واقعها الذي اتخذته كمعادل موضوعي من خلاله تمارس سلطتها كذات لها وجودها وهذاما حدث مع فضيلة الفاروق التي لم تصرح باسم عائلتها مخافة العقاب الذي سيلحق بها جراء ما تكتب ، فكان وعيها قد صادر قيود المجتمع التقليدي ليصدح في سماء البوح كثيمة ، مارست اللغة من خلف قناع الاسم وتمردت في صياغة هواجسها التي كانت تتقاسمها مع بنات جلدتها فهربت من قمع ابوي بطريركي يقاضي الابداع خصوصا ان كان من امراة فتحرشت باللغة وضاجعت المعاني واستباحت المعقول لتصوغ عالما مميزا كانت فيه المبدعة والكاتبة والمراة ، لهذا قررت الهجرة لتعود من خلف اسوار وطنها اسما لامعا في الابداع بعد ان كسرت قيود المنع وفي هذا تقول “اضطررت إلى أن أتخذ اسما مستعارا حتى لا أحمل عائلتي مسئولية ما أكتب وحتى أتحمل مسئولياتي كاملة تجاه ما أكتب”..؟ ،في نفس الاتجاه تسير زينب الاعوج التي حاولت فضح المجتمع الذي وصفته بالتخلف والجحود ، وحاولت ان تنزع عنه وجه الفضيلة لترسمه مجتمعا ابويا فحوليا يعتبر المراة سقط متاع لا اكثر واذا تحدثنا عن التجربة الابداعية الخليجية والسعودية بصفة عامة سنجد ان المراة استطاعت ان تقاوم الفحولة من خلال فرض نمط سردي جديد يقوم على التمرد ونبذ السلطة بمختلف انواعها وتعرية الواقع ونقده من خلال كشف الحقائق وبلورتها فنيا “حيث ان الروائي الماهر هو الذي يساعدنا على معرفة هذا الجزء من حياتنا الذي يبدو للوهلة الاولى مكانا لا يمكن الاطلاع عليه “8
فالروائيات يرسمن الواقع من خلال الشخصيات والأماكن من خلال الذكر الصريح لأسماء الشوارع والأمكنة،بالإضافة الى تسليط الضوء على عرض الظواهر الاجتماعية مثل الطلاق،و حرية المراة العمل والزواج، وايضا تعرية الفحل العربي الذي لا يفكر الا في ما تحت حزامه ،فتظافر الواقعي مع المتخيل لينجب ابداعا متفردا عكس حقيقة الواقع المجحفة وكسر صورة الرجل العربي الذي لا يحلل التطور الا خارج بيته وما ملكت ايمانه ، فنجد رواية “انثى العنكبوت ” لقماشة العليان حيث صورت البطلة “أحلام ” القضايا الاجتماعية مثل توظيف المعلمات خارج مناطق سكنهن والمحرم أثناء السفر، الزواج الإجباري، و واقع الفتيات داخل القرى وغيرها من القضايا.
وبهذا نستطيع القول ان المراة من خلال الابداع حاولت ان توصل صوتها وان تعري واقعها المازوم وان تدفع عنها ضيم السلطة الابوية التي هتكت عرض وجودها كامراة مميزة لها حضورها الخاص

الهوامش
1خالدة سعيد: المرأة، التحرر، والإبداع، سلسة نساء مغاربيات: بإشراف فاطمة المرنيسي نشر الفنك 1991 . ص 86
2-يمنى العيد :الرواية العربية المتخيل وبنيته الفنية دار الفارابي بيروت لبنان ط1 20011 بيروت لبنان ص 137
3-رشيدة بنمسعود: المرأة والكتابةالاختلاف وبلاغة الخصوصية)، إفريقيا الشرق، المغرب/ بيروت، 2002 ، ص 78
4عبد العاطي كيوان: أدب الجسد بين الفن والإسفاف دراسة في السرد النسائي، مركز الحضارة العربية القاهرة
5 -فاطمة كدو،الخطاب النسائي في الأدب والنقد، ص 1
6 – المرجع نفسه ص 12
(د.ت)، ص 1 7-بوشوشة بن جمعة، الرواية النسائية التونسية، المغاربية للطباعة والإشهار،، تونس، 2009. ص 121
البيرس،ر.م : تاريخ الراوية الحديثة، ترجمة جورج سالم، ط1،مكتبة الفكر :لبنان ط1982 ص 18

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.