2-10-2012 
 شارقة العرب الإماراتية تحتضن فنون بلاد الشام في أعراس تشكيلية
  عبد الله أبو راشد*

 

برعاية دائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة الإماراتية، وبدعوة من إدارة الفنون فيها وبالتعاون مع متحف الشارقة للفنون، تم إنجاز مجموعة من الأنشطة الثقافية ذات الصلة بالفنون التشكيلية، تلك المتدثرة لبوس أعراس فكرية وبصرية وتقنية وثقافية، مندرجة في سياق عنوان رئيس وجامع تحت مسمى: (الاستشراق الفني في بلاد الشام) وموزعة في ثلاثة محاور فرعية.


غلاف الكتاب المطبوع للوحات الاستشراق في بلاد الشام

المحور الأول: ورشات العمل الحفرية

 

وتضمنت إقامة ورشتي عمل صباح يوم العشرين من أيلول 2012 في قاعات معهد الفنون التشكيلية في إمارة الشارقة القديمة، حيث كانت الورشة الصباحية بقيادة الفنان والناقد التشكيلي الفلسطيني “عبد الله أبو راشد” وقد دارت حول مهارات الرسم والطباعة المباشرة على سطوح مستوية وحيدة الطبعة. والثانية مسائية بقيادة الفنان التشكيلي الأردني “غازي أنعيم” وقد لامست مواضيع الرسم والتلوين المباشر والطباعة على قطع من البلاستيك القاسي وبوسائط المكابس اليدوية.



الفنان والناقد التشكيلي عبد الله أبو راشد في ورشة عمله
 


الفنان غازي أنعيم وتحضيرات ورشة العمل

المحور الثاني: الندوات الحوارية التشكيلية التداولية

 

أما المحور الثاني من الفعالية الثقافية، فقد تركز على إقامة ندوات فكرية تشكيلية ونقدية موازية حول مقتنيات سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، وتدور في مواضيعها الأساسية حول لوحات فنية تشكيلية لمجموعة مُختارة ومميزة لعدد من فناني الاستشراق الأوربي الغربي، والمرسومة والمنفذة والمطبوعة بتقنيات الحفر والطباعة الكلاسيكية والتقليدية، وضمت نحو 171 لوحة حفرية أصلية مطبوعة لفنانين من الدول الأوربية لاسيما فرنسا وبريطانيا. وقد جرت الندوات في قاعة المؤتمرات بمبنى دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة يومي 23- 24/9/2012.


افتتاح الندوة التداولية

 

وشارك في إدارة جلسات الافتتاح والندوة الأولى الفنان والباحث الفلسطيني الدكتور عبد الكريم السيد بحضور الأستاذ الفنان هشام المظلوم مدير إدارة الفنون، حيث قدم الأستاذ عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة والأعلام بالشارقة في جلسة الافتتاح كلمة طيبة الأثر حول المناسبة والمعرض والمشاركين من فنانين ونقاد عرب والجهة الراعية، وما تعنيه فعالية الاستشراق الفني في بلاد الشام في مضامينها وخلفياتها التاريخية والحضارية من أهمية استثنائية، مُتمنياً النجاح والتوفيق للجميع ومعلناً بداية الفعاليات الثقافية.


الندوة التداولية الأولى من اليمن د.ياسر الدويك

 

وكانت الجلسة الحوارية الأولى للندوة تشمل أربعة أوراق عمل جاءت على التوالي بمشاركة الفنان الفلسطيني الدكتور ياسر الدويك، وتلاه الفنان التونسي الدكتور سامي بن عامر، ثم الباحثة اللبنانية الدكتورة مهى سلطان. وتبعها الفنان والناقد التشكيلي الفلسطيني عبد الله أبو راشد. بينما كانت جلسات اليوم التالي بإدارة الدكتورة الباحثة مهى سلطان، وبمشاركة ثلاث أوراق عمل بدأها الفنان الأردني غازي أنعيم، ثم الدكتور عبد الكريم السيد، وختامها كان مع الناقد والباحث المصري محمد مهدي حميدة.


الندوة التداولية الأولى – من اليمين . عبد الله أبو راشد

الندوة التداولية الثانية من اليمين غازي أنعيم، د.عبد الكريم السيد

وجدير بالإشارة أن الندوات أعقبت كل جلسة حوارات مستفيضة حول ما قُدم من مداخلات ومناقشات حوارية، انتهت بوضع توصيات وصيغ تطويرية لأنشطة وفعاليات مستقبلية. وقد كانت الأوراق البحثية المقدمة من الفنانين والباحثين والنقاد مجتمعين متشابهة المضامين ومتناغمة مع محتويات الأعمال الفنية لفناني الاستشراق في بلاد الشام، وتدور في فلك مقاربات وصفية وسردية في المحتوى العلمي والفني التي شملها العنوان الرئيس للتظاهرة الفنية التشكيلية، وتقاطعت المداخلات في سياقها التاريخي السردي والزمني، ذات الصلة بمفهوم الاستشراق وخلفياته وضروراته في مرحلة زمنية فائتة عموماً والفني التشكيلي خصوصاً. فضلاً عن تناول أساليب واتجاهات ومدارس الفنانين الاستشراقين الذين عبروا عن جغرافية بلاد الشام وسجلوا مآثرهم البصرية من خلال جمالياتها وذاكرتها البصرية والجغرافية، في تفاوت سردي ما بين تجربة وأخرى.


بداية افتتاح معرض بلاد الشام في لوحات المستشرقين

 

وتوصل الباحثون والنقاد حول دلالات مصطلح “الاستشراق” باعتبارها ظاهرة أوربية مركبة ومعقدة ومحض استعمارية في بداية تشكلها مع نهاية القرن الثامن عشر، وتفاعلية حضارية مع المنتج الحضاري العربي الإسلامي، وما تكتنفه بلاد الشام من مكانة دينية وقيم روحية ومآثر وخفايا وأسرار وأساطير وثروات مادية وروحية، والمعشقة بديناميكية الغرب الأوربي المادية في ديمومتها والمتبحرة في ميادين العلوم والمعارف والصنائع والثقافة والفنون وولادة النزعات المركزية الأوربية الثقافية والتشكيلية على وجه التخصيص. وبمرتكزات الاستشراق القائمة على التبشير والتنصير والاستعمار، وديمومة الحروب العدوانية المستمرة على الوطن العربي ومصر وبلاد الشام خصوصاً.


الجناح الفلسطيني من المعروضات

 

أي منذ ما قبل غزو الفرنجة لمنطقتنا العربية، وفق حسبتها المعيارية النابعة من مصالح الدول الأوربية الغربية المتنازعة والمتساوقة مع أطماع قادتها العسكريين والتجار والسياسيين، والمحكومة أيضاً بالأزمات الداخلية في المجتمعات الأوربية ما قبل الثورة الفرنسية (كومة باريس عام 1871) وما بعد من أزمات بينية. وقائمة على سياسة الاحتواء المتدرج للمنطقة العربية ومحاولة خلق بيئات ثقافية مناسبة لمسالك عدوانيتها المستدامة. من خلال القوى الثقافية الناعمة كبديل للغزو العسكري المباشر. وتوافقت رؤى المحاضرين بأن الاستشراق على صعيد الفنون التشكيلية هو أقل سوءاً من الميادين الأخرى العدوانية.


الجناح الفلسطيني من المعروضات

 

وقد شملت ميادينه الجمالية والتشكيلية على أربعة معابر رئيسة: (فنون العمارة والزخرفة التزيينية، الرسم والتصوير الملون، الحفر والطباعة اليدوية، المهن والصنائع التطبيقية). وتركزت اهتمامات غالبية الباحثين والنقاد على الحديث والإشادة بأعمال الفنانين الفرنسيين والبريطانيين، أمثال ديكان، ليون بولي، جان ليو جيروم، فيليب بافي، ماك فارلان، ج. وليامز، ج.م.و. تيرنر، ديفيد روبرتس، وليم بارتليت، ديلاكروا، أيميل فيرنت لوكانت.

 

المحور الثالث: معرض بلاد الشام من مقتنيات سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي

 

تم افتتاح معرض بلاد الشام من لوحات الحفر والطباعة اليدوية الأصلية من مقتنيات سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة وبحضوره وسط جمهور غفير من الفنانين والمهتمين ورجال الثقافة والصحافة والإعلام، وذلك مساء يوم 23/9/2012 بمتحف الشارقة للفنون.


الجناح الفلسطيني من المعروضات

 

وقد بلغت لوحات المعرض نحو 171 لوحة مطبوعة لنحو ثلاثين رساما وفنانا من عموم القارة الأوربية، وقد وزعت في أجنحة صالات العرض في أربع مجموعات رئيسة تضم تسجيلات بصرية حفرية موثقة لذاكرة المكان العربي في بلاد الشام بدايتها فلسطين والتي أخذت أوابدها وجمالياتها الطبيعية ومناظرها ومعالمها التاريخية والدينية والريفية النصيب الوافر من أجنحة العرض، وأكثرها عدداً لخصوصيتها في ذاكرة الفنانين الرسامين المستشرقين من جهة، وفي ذاكرة صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي كمقتني اللوحات من جهة مقابلة. وفيها فسحة جمالية واسعة الطيف لقداسة المكان وحيويته وأهميته الثقافية والدينية لاسيما معالم مدينة القدس الشريف.


الجناح الأردني من المعروضات

 

القسم الثاني اشتمل مناظر طبيعية وتاريخية من المملكة الأردنية وأكثرها تواجداً وتسجيلاً في لوحات المستشرقين مدينة البتراء. أما الجناح الثالث فقد ضم معالم تاريخية ومناظر طبيعية من لبنان، والجناح الرابع خصص لسورية ويضم تسجيلات بصرية لافتة لمعالم مدينة دمشق القديمة وأوابدها وحواريها ومساجدها، وغوطتها ومنابع نهر بردى وروافده.


الجناح اللبناني من المعروضات

 

خلاصة القول: أن إمارة الشارقة هي بحق شارقة العرب وموئل ثقافي عربي أصيل، وحاضنة لجماليات المنطقة العربية بكل ما تعني الكلمة من مدلول ومعنى. والمتتبع لمسيرة الإمارة الثقافية والمعرفية والفنية الجمالية ومشاهدة مظاهر العمران فيها، وهندسة عمارتها المنتمية جملة وتفصيلا إلى الحضارات العربية الإسلامية المتعاقبة، وفعالياتها الثقافية متعددة المنابع والمشارب والتخصصات بعامة والفنون الجميلة والتشكيلية منها بخاصة.


الجناح السوري من المعروضات

واتباع آليات التواصل والتفاعل مع الخبرات العربية في مجالات شتى، والتركيز على تقنية عمل الفريق العربي الجمعي التعاوني، لاسيما في ميادين الفنون التشكيلية وخصوصاً الفنانين والنقاد من دول عربية متعددة، والتي عهدنا دائرة الثقافة والإعلام وإدارة الفنون في إمارة الشارقة الحريصتين كل الحرص على ديمومتها، هي مدعاة للفخر والاعتزاز والانتماء لثقافتنا العربية المسكونة والمتوالدة في جميع الحضارات العالمية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فنان وناقد تشكيلي فلسطين
[email protected]

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.