مصوّرو غزة وشيزوفرينيا اللقطات

(عبدالحكيم أبو رياش)

مصوّرو غزة وشيزوفرينيا اللقطات

غزة ــ علاء الحلو

3 مارس 2017م

تتنوع المشاهد وتختلف الكوادِر كُلياً أمام عدسات كاميرات المصورين في قطاع غزة، إذ تُصوِّر حيناً شارعاً مرصوفاً جميلاً، أو بحراً، أو ميناء، أو طفلة أنيقة فائقة الجمال، بينما تلتقط حيناً آخر مشاهد قاسية لعائلات تحت خط الفقر المدقع، تعكس العذابات التي يعاني منها الناس نتيجة سوء أحوالهم، وأحوال منازلهم المهترئة.

التناقض الرهيب بين الصور التي تُصدِرها كاميرات المصورين إلى الخارج، تعكس حالة حقيقية من البؤس الذي يعيشه أهالي القطاع المُحاصر، منذ عشرة أعوام، والذي تعرض لمختلف أشكال المعاناة، ومحاولات إيجاد فسحة أمل، ولحظات حياة، يعيشها بين جماليات مدفونة، يتم تلميعها من أجل الاستمرار، والصمود.

الحالة المأساوية ليست فقط ما يُسيطر على قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، إذ إن هناك وجهاً آخر للقطاع، يتمثل في الاستثمارات الكبيرة، والمولات الضخمة، والمباني الفخمة، والسيارات الحديثة، والفنادق والمطاعم والشوارع والمرافق العامة، التي أصبحت مادة لأي مصور، يحاول كسر المألوف والخروج بصور جمالية من قلب قطاع مُحاصر.

المصور الصحافي شادي العصار (34 عاماً)، عمل في عدة وكالات أنباء عربية، وأسس استوديو خاصاً بالمنتجات والإعلانات، ودمج في عمله بين التصوير الفوتوغرافي وتصوير الفيديو والإنتاج، ويقول، إن الأوضاع في قطاع غزة هي من تفرض التناقض، حيث تَحكم المصور بالتقاط الصور حسب الحالة.

ويوضح لـ “العربي الجديد”، أن المصور يستطيع التحكم بالصور الجمالية قبل عرضها على الجمهور، وتدخل فيها بعض الخدع والمهارات الفوتوغرافية التي تجعل المتلقي أكثر انبهاراً بها، بينما تحمل الصور المأساوية حقيقة واحدة، وتكون ذات معنى غير قابلة للتحريف أو حتى التعديل.

ويشير العصار إلى أن المصور يحاول، من تصوير الطبيعة والجمال في غزة، إظهار مواطن الجمال والحب من داخل القطاع المُحاصر، بعيداً عن آثار الحروب والدمار، وتعكس الصور المأساوية الوضع الإنساني المتدهور في المدينة، لافتاً إلى أن التصوير “مساحة جميلة، يمكن من خلالها رؤية العالم بشكل أجمل”.

أما المصور الصحافي، إسماعيل رضوان، فيقول، إن اختيار نوعية الصور قد يرجع إلى الوسيلة الإعلامية التي يعمل بها المصور الصحافي، أو الحالة المزاجية له، إذ يهوى المصور في بعض الأحيان تصوير الغروب والنجوم والبحر وبورتريهات، مضيفاً “أصور التقارير، وفي وقت الفراغ أقوم بالتقاط صور جمالية”.

ويبين لـ “العربي الجديد” أن الصور الجمالية تخلق شيئاً من لا شيء، وتحمل رسالة مهمة للعالم، إنّ غزة على قيد الحياة رغم الحروب والخراب والفقر، بينما تعكس الصور المأساوية كمية الألم والوجع الموجود في الحالات المُستهدفة، وترسل رسالة للعالم بحجم المأساة والمعاناة، “لكل نوع من الصور رسالة قوية”.

أما الصحافي، محمد أسعد، والذي يعمل مصوراً لمواقع أوروبية وأميركية، فيوضح أن طبيعة قطاع غزة “تُحتم علينا التطرق للقصص الصحافية، ومواد تتعلق بالمشاهد العامة عن المدينة، وفي الوقت ذاته، تعتبر المدينة ذات طبيعة ساحلية، تشجع المصور على تصوير المناخ الجميل، وما يحدث في المتنفسات العامة، وهي صور مطلوبة لدى الغرب الذي يشاهد غزة بشكلها الجميل كما يشاهدها وقت الحرب”.

ويضيف لـ”العربي الجديد” أن نتائج تلك الصور ملموسة فعلاً، وإن كانت تحمل طابعاً متناقضاً، حيث ينشر المتضامنون الصور الجمالية تحت مسمى “شاهد كيف يتغلب أهالي غزة المُحاصرة على آلامهم”، بينما ينشرون صور المعاناة والقصف والحروب، لإظهار همجية الاحتلال ضد المدنيين في غزة، حسب تعبيره.

ويؤكد المصور أسعد، أن الصحافي الفلسطيني أثبت جدارته فعلاً، واستطاع تكوين جمهور على الساحة الغربية والعربية، وسط صراع دولي، وتنافس في الأحداث، واستطاع أن يصدر غزة، ويضعها المشهد رغم الأحداث الدولية الأخرى، ما يسجل على أنه نجاح حقيقي.

ويوافقه في الرأي المصور الصحافي، حسن عاشور، الذي التقط عدداً من الصور الجمالية، والصور الخاصة بالأطفال، لإظهار الجانب الجمالي في قطاع غزة، والتي حظيت باهتمام مواقع ووكالات أجنبية، ويقول، إن الصور الجمالية تعكس إرادة الشعب وصموده رغم الفقر والجوع والحروب.

ويبين أن الصور المتناقِضة قد تحمل هدفاً سياسياً، حيث تظهر الصور الجمالية الحكومة وكأنها توفر حياة مرفّهة للمواطنين، يغلب عليها التطوير والراحة، بينما قد تستخدم الصور المأساوية لعرض الواقع الصعب للمواطنين، من أجل الحصول على المساعدات.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.