الاداء الفني

سنتحدث في هذه المادة عن الاداء الفني في الاوبرا والرقص واللعاب الناريه، فلتبدأ الاحتفالات.

هل تعلم ان ذبذبة الأوتار الصوتيه هو اقدم السبل في الاداء الموسيقي العالمي؟ كان الغناء في البداية احد اشكال تقليد اصوات الطبيعه. اما اتقانها فهي عملية بالغة التعقيد فعلا.

الصوت البشري في الموسيقى هو الى حد ما اكثر الادوات الموسيقية كمالا.

اما تدريب الصوت الطروب على الغناء فيحتاج الى سنوات من التدريب.

تعتمد الالية الغنائية على ثلاثة عناصر،النفخ، الذي يعتمد على الرئتين،والمذبذب، الذي يعتمد على الاوتار الصوتيه، والمرنان، اي تضخيم الصوت بالاعتماد على الأخاديد التي في الفم الأنف.

عند الغناء تصطدم الهواء الخارج من الرئتين بالاوتار الصوتيه المغطات بغشائين في الحنجره، ما يجعلها تهتز. تتصل الاوتار الصوتية عند اطرافها بغضاريف متحركه.

تسمح هذه الغضاريف للاوتار الصوتية للتحرك معا او الانفصال عن بعضها، بأن تزداد كثافة او رقه، كما وان يزداد توترها او ينقص.

كلما ازدادت رقة الاوتار الصوتية كلما تسارعت ذبذباتها. فهي تسمح بمرور الهواء بسرعة وتوال اقل او اكثر. فكلما انغلق مخرج النفخ كلمال ارتفع الصوت الذي يصدر عنه.

عند خروجه من الحنجره يمر الصوت عبر الاخاديد الصوتية المتعدده. ليتعدل الصوت حسب ممراته وشكل الاخاديد الشفهية التي يتبعها.

هنا تتخذ النبرة التي هي لونها المحدد تماما.

على سبيل المثال عند غناء حرف العلة الاول، الالف، يخرج الصوت من الفم وحده. اما عند اضافة حرف النون اليه، يخرج الصوت من الفم والانف معا.

خروج حرف العلة الثاني اي الواو، يتطلب ذلك امتداد اخاديد المرنان بين الشفتين.

لا شك ان اعتماد احرف العلة يسهل الغناء، والعكس صحيح فيما يتعلق بغناء الاحرف الساكنه.

والحقيقة ان الاحرف الساكنة تصدر عن التعقب المؤقت لما يتخللها من احرف علة بين الحنجرة والفم.

تؤدي لحظة اقفال التعقب الى تقطع خروج الهواء. يكبح هذا الصمت المختصر استمرارية انسياب النغم.

للتقليل من لحظات الصمت هذه، يلفظ المطرب الاحرف الساكنة بنعومه. ما يعني ان يختصر استمراريتها ومن نسبة اقفال الاصوات التي يحتاجها لاصدار هذه الاحرف.

تحول هذه التقنية دون سهولة سماع النص الذي يتم غناؤه. لهذا يقال ان اللغات الاكثر مناسبة للغناء هي تلك التي تحتوي على عدد كبير من احرف العله،كما هو حال اللغتين اللاتينية والايطاليه.

في فن الغناء الكلاسيكي،هناك ستة تصنيفات رئيسية للاصوات.

تصنف اصوات النساء في هذا الفن بالتدرج من الاعلى الى الاسفل سوبرانو وميسوبرانو وكونترولاتو.

اما اصوات الرجال فهي تينور وباريتون واصوات الباص.

حجم الاوتار الصوتية هي التي تحدد تصنيف الشخص.فالرجال مثلا يعتدون بحنجرة اكبر،وبالتالي فأن اوتارهم الصوتية اطول واعرض من الاوتار الصوتية لدى النساء.

لدى النساء والرجال على حد سواء، هناك اسلوبين اساسيين في اصدار الأصوات. عند اصدار اصوات الباص تهبط الحجرة الى القفص الصدري.

عند الغناء تنتقل ذبذبات الاوتار الصوتية الى الهيكل العظمي.

لهذا تنقل الحنجرة طاقة ذبذباتها الى الجدار الصدري، فيشعر المطرب وكأن صوته يرن في صدره.

وهكذا عند اصدار الاصوات العاليه ترتفع الحنجرة عن المستوى الطبيعي لها. حينها يتم الاحساس بطاقة الذبذبات في الجمجمة وعظام الوجه، فيشعر المطرب ان لصوته صدى يخرج من رأسه.

هذه الرنات الصوتيه هي التي تساعد المطرب على التأرجح بصوته.

حين يتغنى المطرب بنغم ما،لا يؤدي صوته الاصوات الرئيسية للنغم وحدها، بل ومجموعة من الاصوات الثانوية الاعلى التي تعرف بالاصوات المتآلفه.

اذا كان موقع الصوت مناسبا عادة ما تتقوى الاصوات المتآلفة العليا. وهذا ما يساعد المطرب على ان يكون مسموعا بوضوح فوق الالات الموسيقي، التي عادة ما تولد تآلفا في الذبذبات المنخفضه.

اضف الى انه يجب ان يحاول ضرب التوازن القائم بين نوعية الاصوات ووضوح النص الذي يطربه.

———————

فن الرقص يتطلب ما يوازي الغناء من عناية وجهد.

رقص الطقوس كان موجودا منذ العصور البدائية قبل اثني عشر الف عام.

الرقص هو فن التعبير من خلال التركيبة العضوية والقوانين الفيزيائة للجسد.

الرقص هو اكثر من فن جمالي، انه وسيلة للتعبير عن الافكار والاحاسيس. علما ان حركات الرقص تخضع الى قوانين علم الاحياء الاليه.

الرقص هو تآلف بين الحركات الديناميكية والاوضاع الجماليه. لممارسة لغة الجسد هذه ككل، على الراقص ان يعرف اولا اصول السيطرة على توازنه.

يكون الراقص متوازنا حين يكون مركز جاذبيته فوق عماده الرئيسي. العماد الرئيسي هو السطح الذي يعتمد عليه الجسد في استرخائه، ويتم تحديده من خلال موقع القدمين على الارض.

اما مركز الجاذبية في النقطة التي نتخيلها ليتوزع عليها وزن الجسم بشكل متساو.

حين يقف الراقص واذرعه على جنبيه،يقع مركز جاذبيته على مستوى حوضه. رغم ذلك فأن موقع هذه النقطة يختلف مع اختلاف موقع الجسد.

على سبيل المثال، حين يرفع الراقص يديه يرتفع مركز جاذبيته فتتعرض جاذبيته للمخاطره.

والحقيقة انه حين يرفع مركز جاذبيته تساعده حركات كالانحاناء الامامي الى التخلي عن نقطة اعتماده بسهوله اكبر.

اليك مثلا ان الراقصة الطويلة التي تعتد بمركز جاذبية اعلى من زميلتها الاقصر منها، فتفقد توازنها بسهولة اكبر.

حجم قاعدة الارتكاز تؤثر ايضا على التوازن.فحين يضع قدميه بثبات على الارض، تتمتع الراقصة بمزيد من الدعم الذي يعزز من توازنه الثابت.

اما توازن الاداء لدى الراقصة في مكانها بالمقابل فهو اقل استقرارا على اعتبار ان قاعدة ارتكازها اصغر.

حين يقع مركز جاذبية الراقصة خارج قاعدة ارتكازها، تفقد التوازن تماما.

القفز هو عنصر هام في الرقص. le grand jete’ هي قفزة واسعة وجميلة الى الامام لانها توحي للمشاهد بأن الراقصة توقفة في الهواء.

هناك عاملين هامين يؤخذا في الاعتبار لهذا المشهد وهما اولا: طالما ان سرعة الراقص الافقية تستمر على حالها طوال مدة القفز، فأن سرعة قفزه العامودية تتعدد،نتيجة تأثير الجاذبيه.

يرتفع جسد الراقص بسرعة مع بداية القفز، الا انه سرعته تنخفض بسرعة الى ان تنعدم في ذروة القفز.

ومن ثم تنخفض مع هبوط الجسد حتى وصوله الى الارض.

ينجم عن ذلك ان يبقى جسم الراقص لنصف فترة القفز معلقا في الجزء الاعلى من المسافه.

العامل الثاني الذي يعزز هذا المشهد هو ان الراقص يرفرف في الهاواء اثناء قفزة le grand jete’.

في هذه القفزة كما في اي سواهامركز الجاذبية يتبع انحناءا يشبه المظله. ولا شيء يمكنه ان يعدل المسيرة لانها على صلة بجاذبية الارض.

في ذروة هذه الوثبه ينشر الراقص يديه وساقيه معا. ما يرفع مركز جاذبيته من حوضه الى اعلى المعده.

رفع مركز الجاذبية بهذه الطريقة يسمح للجسد بأداء حركة افقية للحظات قصيره. فيبدو للعيان ان المسافة قد تمددت.

وحقيقة ان الراقص ينشر يديه وساقيه في ذروة القفز تعزز صورة وقوفه في الهواء لبرهة.

لاداء حركة كنشر اليدين والساقين على الراقص ان يكون بالغ الليونه. رغم ان الليونة تكتسب من خلال التمارين، الا ان البعض يولد لينا بطبيعته.

يعتد هذا النوع من الاشخاص في اوتاره وانسجته المحيطة بألياف عضلاته، بكميات اكبر من الالياف المطاطيه.

تعتمد هذه الالياف على البروتين والمطاط الذي يمكن الانسجة من التمدد عند انقباضها.

تكتسب ليونة الراقص تحديدا في عمر مبكر.

اي عندما تتكون العظام في غالبيتها من مواد غضروفيه. لهذا فهي تكون مطواعة، ويمكن من خلال التمارين ان نجعلها تتخذ الشكل الذي نريده.

يمكن اجراء هذه التعديلات على الجسم طالما ان عملية التعظم لم تكتمل بعد.

للاوتار العضلية سبل تأقلمها ايضا. فهي حين تتعرض للشد مثلا تتراكم الالياف المطاطية التي تتألف منها وتتلاحم مع بعضها البعض، ما يمكنها من التمدد.

تجهيز الراقص يحتاج الى تمارين مطولة ومحدده جدا.ولكن في كل مرحلة من الاداء على الراقص ان يتعلم كيف يمكنه الذهاب الى ما هو ابعد من التقنيات ويمنح الروح تعابيرها.

—————-

على مدار التاريخ، تعرض الاداء الفني كغيره من الامور للتأثيرات الناجمة عن متغيرات تقنيه.

التقنيات الحرارية هي اكبر دليل على ذلك. فقد بدأت في الصين حوالي القرن الثامن بأختراع اصاب ظهوره الجميع بالدهشة والجزع. انه البارود الاسود.

منذ ذلك الحين تميزت جميع الاحتفالات الرائعه بالالعاب الناريه.

صوت احتكاك يليه اشتعال باقة من الالوان الناريه على شكل مظلة هائله يصدر عنها لمعان ونجوم براقه.

للقيام بعمل فني كهذا يعتمد فني الألعاب الناريه على مجموعة كبيرة من التقنيات بين يديه. الا اننا الان ما زلنا في بداية فهم الظواهر الكيميائية والفيزيائية التي تؤدي الى روائع الالعاب الناريه.

هناك انواع متعدد من اجهزة الالعاب الناريه. ينفجر بعض منها على مستوى الارض لتنجم عنها شلالات ونوافير.

الا ان اغلبها يعلو الى السماء كالصاروخ تاركا خلفه مذنبا من الشرارات اللامعة خلفه. وهناك ايضا ما يعرف بالشمعدان الروماني، التي يستمر بأطلاق عدد من الشعلات الى السماء. كما والصاروخ المتعدد المراحل، الذي ينفجر على مراحل متعدده.

تعتمد اشكال والوان الالعاب النارية على التركيبة الكيميائية للعبوة المستعملة فيها. فعلى سبيل المثال العبوة اليابانية التي لها شكلا مميزا هي صاروخ مستدير يتشكل من ثلاثة مركبات، جهزت في قاعدة شحنة انفجارية تكفل ايصال الصاروخ الى السماء.

قريبا من هذا الجزء وضع فتيل بطيء الاشتعال، الهدف منه هو الابطاء في اشعال المركب الثالث الذي يحتوي على العبوة الخاصه بالتأثيرات البراقه. يحول فتيل التأخير دون انفجار العبوة قبل وصولها الى الارتفاع الطلوب مسبقا.

كما هو الحال بالنسبة لغالبية الالعاب الناريه,تشتعل العبوة اليابانيه من خلال البارود الاسود.الذي هو مزيج من الفحم، والسولفر ونيترات البوتاسيوم والمعروف احيانا بملح البارود. تصدر عن هذه المادة عند اشتعالها كميات من الغازات المفاجئه.

تعلق الغازات في قاع الهاون،وهو نوع من المدافع المعدنية المدفونة في الرمال، حيث توضع العبوه.

بما ان الغازات المتمددة لا يمكن ان تخرج الا صعودا، فهي ترفع العبوة من الهاون. حسب كمية الالبارود الموضوعة في القاعده،يمكن للعبوة ان ترتفع من خمسين الى اربعمئة مترا قبل انفجارها.

توضع النجوم في اعلى العبوة. يتشكل هذا البريق من كتل كيميائية مركبه،تصدر عنها انوار ملونه عند اشتعالها. وهي ممزوجة بالبارود الاسود كي تشتعل.

في هذا النوع من الالعاب اليابانيه، توضع العبوات المتتالية بترتيب متوازن داخل الغشاء الكروي، المحشي ايضا بالبارود الاسود.

عند انفجار الغشاء تصدر عنه كميات هائلة من النجوم المشتعلة والملونه.

عند اشتعالها تتحول هذه النجوم الى شعلات نارية ملونه. فعلى سبيل المثال يؤدي هذا التركيب من غبار الالومنيوم والماغنيزيوم لشعلات بلون ابيض.حين يشتعل هذا البارود المميز تشكل جزيئات من اكسيد المعادن الذي تصل حرارته الى الثلاثة الاف درجة مئويه. عند بلوغ هذه الدرجة تصدر عن الجزيئات شرارات بيضاء.

جزيئات الفحم والحديد بالمقابل، تشتعل بحرارة اقل من الالف وخمسمئة درجه. تصدر عن هذه النجوم شرارات ذهبيه.

الالوان الاخرى التي يمكن ان تصدر عن الالعاب النارية تنجم عن ظاهرة ذريه.عندما تسخن ذرات الصوديوم، على سبيل المثال,تفعل السخونة بعضا من الكترونات الذرات. فتحتوي على نسبة عالية من الطاقه.

عندما تعود هذه الالكترونات الى الى حالتها الطبيعيه،تقوم بأطلاق الطاقة المنتشره التي امتصتها على شكل انوار بلون اصفر وبرتقالي. بعض المركبات الذرية او من الجزيئات، تنتج الالوان ايضا، اثناء انتقالها من درجات الحرارة المرتفعة الى حرارة اكثر استقرارا.

هذا هو حال مركبات السترونتيوم، التي تصدر الشرارات الحمر.

الالوان الخضراء تصدر عن الجزيئات التي تحتوي على كبريت الباريوم. اللون الازرق هو المعادلة الاصعب في التركيب. حتى اليوم، ما زال يصدر عن مركبات املاح النحاس، حتى انه يصدر افضل الاشكال حتى اليوم.

يتحدد طول المدة التي يمكن للعبوة ان تشتعل فيه من خلال الكميات التي تمتزج فيهاالمعادلة الكيميائيه. فالجزيئات الصغيرة تشعلا شرارات صغيرة لا تدوم طويلا.بينا تشعل الكبيرة منها شرارات اطول عمرا تترك خلفها مذنب طويل من الأناره. علما ان الالعاب النارية قصيرة العمر تحتاج الى تحضيرات دقيقه.

يتم تركيز الهاونات اولا، لتوضع في كل منها عبوة محدده. ومن ثم توصل الصواعق لكل منها في المشعل.

اما المشعل فهو يرتبط بدوره بموصل في الوحدة الكهربائيه. مساء ليلة العرض، يتولى فني الالعاب النارية اشعال العبوات من منصة النيران.

في بعض الاحيان،يضفي بعض التصاميم الى المشاهد الى جانب عدد من التأثيرات الصوتية والموسيقى المناسبه.

اصطحاب الاوركيسترا الموسيقية للالعاب النارية هو عمل بالغ الدقه. الا ان نجاحه، يترك لدى المشاهد احساسا خياليا.

كان الاداء الفني منذ العصور الاغريقية القديمه وحتى يومنا هذا يخدم الهدف ذاته، وهو التفوق على الوجودية اليوميه الغامضه، كما والاحتفال بغموضية الحياة.

——————–انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.