“نهاد قلعي”.. رُقي فني “ثلاثي الأبعاد”

إدريس مراد

الأحد 19 نيسان 2015

ساروجة

استطاع أن يدخل بصدقه وعفويته إلى قلوب المتلقين، فكوّن لنفسه شخصية بارزة في الحياة الفنية، وساهم في تأسيس المسرح والدراما والسينما في “سورية”، وترك بصمة وصلت إلى شاشات العالم.

تكبير الصورة

مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 3 آذار 2015، المخرج المسرحي “نورس برّو” الذي تحدث عن الفنان الراحل “نهاد قلعي” ويقول: «أحد أهم أعمدة الفن السوري، وشريك الإبداع “الماغوطي” بجدارة، تميز بإحساسه العفوي والصادق على المسرح، كما كان صادقاً وشفافاً مع زملائه، لولاه لم يكتمل ما يسمى مسرح “الشوك”، ولا رأت أعمال عديدة النور، فبديله صعب إن لم يكن مستحيلاً، “نهاد” عكس باقي ممثلي عصره الكوميديين، حيث اعتمد في أعماله كوميديا الموقف، التي تعتمد على رد فعل كلامي وتعبيري معين، لا على تهريج الفارغ، وبالشكل ذاته وبعد أن أغنى المسرح السوري والعربي رأيناه في أعمال درامية سورية متميزة لامست مشاعر الناس بكل شرائحه، يستفاد من تجربته كما يستفاد تماماً من تجربة الكاتب والمخرج المسرحي الكبير “فواز الساجر”».

أما المهندس “جمال سلامة” من متابعي أعمال “قلعي” منذ ظهوره على الشاشة فيقول: «الفنان “نهاد” صورة سورية مرسومة بريشة شعبية أصيلة، قريبة من وجدان الناس، مازلت أتذكر جيداً برنامج “الإجازة السعيدة” الذي ظهر فيه على التلفاز بداية الستينيات، بتلك الكوميديا الشعبية الهادفة، ساهم في نشر اللهجة السورية في أصقاع الوطن العربي على أجنحة الفن النظيف والضحك العذب، ضمن أعمال خالدة تستعيدها المحطات الفضائية العربية حتى اليوم مثل: “مقالب غوار – حمام الهنا – صح النوم – ملح وسكر”، كنا ننتظر المساء بفارغ الصبر لنرى هذه الأعمال الجميلة، فلم نكن نرى حتى “الدومري” في الشوارع عندما تعرض هذه المسلسلات، تلتزم العائلة كلها صغاراً وكباراً الصمت أمام التلفاز، من دون أي حديث فقط وحده الضحك بين لحظة وأخرى».

وفي لقاء مع الكاتب والصحفي “حسين خليفة” المتخصص في المجال الفني، تحدث عن مسيرة حياة الفنان

تكبير الصورة
الصحفي “حسين خليفة”

الكبير “نهاد قلعي”، ويقول: «استطاع أن يرسم عبر كتاباته الشخصية الشامية بحذافيرها، لكونه ابن “دمشق” وأدرى بحاراتها العريقة، فهو من مواليد أواخر عام 1928 في حي “ساروجة”، وليس غريباً أن يصبح أحد أهم الشخصيات الفنية في التلفزيون والمسرح والسينما لا على الصعيد العربي فحسب بل على صعيد العالم، لكونه من عائلة فنية وأدبية كبيرة، فخاله الفنان “توفيق العطري” أحد الرواد السينمائيين السوريين».

ويتابع: «تعثر سفره إلى “القاهرة” لدراسة التمثيل ليبقى في “دمشق” ويعمل في عدة وظائف، منها: محاسب في معمل “المعكرونة”، وموظف في وزارة الدفاع وفي الجمارك أيضاً، هذا قبل أن ينتسب إلى الفرقة المسرحية التابعة لاستديو “البرق” عام 1946، وبعدها وتحديداً في عام 1954 أسس إلى جانب “خلدون المالح” و”عادل خياطة” و”سامي جانو” تجمعاً مسرحياً سمي نادي “الشرق”، وقدم من خلاله العديد من العروض المسرحية داخل “سورية” وعلى مسارح “مصر”، وفي عام 1962 كلف بتأسيس المسرح القومي؛ حيث تمكن من تقديم خمسة عروض خلال عام واحد نذكر منها: “المزيفون”، و”ثمن الحرية”، و”البرجوازي النبيل”».

وعن بداية عمله في التلفزيون يقول “خليفة”: «فور تأسيس التلفزيون السوري منتصف عام 1960 تمت دعوة “نهاد قلعي” ليشارك في برامجها، وهنا تعرّف الفنان “دريد لحام”، وكوّن معه ثنائياً مدهشاً فيما بعد، وبداية هذه العلاقة كانت برنامج تحت عنوان “الإجازة السعيدة”، ولم يكن “قلعي” ممثلاً ومخرجاً فحسب، بل تعدت مهمته أبعد من ذلك؛ حيث كتب العديد من المسلسلات ليكون مشاركاً في وضع شخصيات كوميدية رسمت بصماتها في عالم الكوميديا السورية والعربية مازالت في الذاكرة، مثل: “أبو صياح”، “أبو عنتر”، “أبو رياح”، “ياسينو”، “عبدو” وغيرها، ويعطي للشاشة الصغيرة أجمل المسلسلات مثل: “حمام الهنا”، “مقالب غوار”،

تكبير الصورة
“دريد ونهاد”

“صح النوم”، “ملح وسكر”».

وعن السينما يقول: «صنع “قلعي” إلى جانب “دريد لحام” ظاهرة سينمائية ذاع صيتها في الوطن العربي وجذبت العديد من نجوم العرب مثل: “نجلاء فتحي”، “شادية”، “نور شريف”، “كمال الشناوي”، “ناديا لطفي”، “صباح” وغيرهم، وكان فيلمهما الأول في الفن السابع بعنوان “عقد اللولو”، ثم توالت الأفلام نذكر منها: “غرام في إسطنبول”، “الصعاليك”، “النصابين الثلاثة”، “اللص الظريف”، “خياط السيدات”، “الصديقان”؛ وأغلبها من تأليف “قلعي”.

لم تقف مسيرته عند الأفلام والمسرحيات الكوميدية الشعبية بل انخرط في الجانب السياسي والكوميديا السوداء، وخاصة عندما انضم إلى مسرح “الشوك” إلى جانب الفنان الكبير “عمر حجو”، وعندما تعاون “دريد” و”نهاد” مع الكاتب “محمد الماغوط” ليقدما عدداً من المسرحيات طبعت في التاريخ مثل: “ضيعة تشرين”، “غربة”».

وأنهى “حسين خليفة” حديثه قائلاً: «لم يكن “نهاد قلعي” محظوظاً في حياته رغم أنه كان شخصاً نبيلاً ويعشق أصدقاءه وكل من رافقه يشهد بذلك، حيث تعرض لحادثة سرقة سلبته كل نقوده التي كان قد رصدها للسفر لدارسة التمثيل، وآخرته كانت مؤلمة جداً أيضاً حيث تعرض للضرب بكرسي على رأسه على يد شخص ثمل في أحد مطاعم “دمشق”، وتسببت هذه الجريمة له بشلل نصفي حتى نهاية حياته، ورغم ذلك لم يستسلم للقدر حيث كتب العديد من المسلسلات منها للأطفال، وكتب مسلسل “وادي المسك”، وللأسف لم ينته من كتابته، ليكمله من بعده “الماغوط”».

يصف “آصف ابراهيم” (إعلامي متخصص في المجال الفني) في إحدى دوريات مهرجان “دمشق” السينمائي، الفنان الكبير “نهاد قلعي” ويقول: «عندما نتطرق إلى المسرح السوري في أي مناسبة لا بد أن نتوقف عند الإنسان الذي ترك بصمة رائدة ومتميزة في رحلة المسرح السوري الرائد، ألا وهو

تكبير الصورة
من إحدى مسرحياته

“نهاد قلعي” الذي لعب دوراً فاعلاً في تأسيس المسرح القومي السوري عام 1960.

لم يكن “قلعي” ينظر إلى المسرح نظرة فنان يؤدي دوراً في مسرحية، بل كان ينظر إليه على أنه روح وحياة مجردتان، وقل أن تجد فناناً يعيش للمسرح والفن فقط، وهكذا يرتبط اسم “نهاد قلعي” بعدد كبير من المسرحيات المهمة إلى جانب عدد لابأس به من الأعمال التلفزيونية والسينمائية».

يذكر أن الفنان الكبير “نهاد قلعي” توفي في 17 تشرين الأول 1993 بـ”دمشق” تاركاً خلفه أعمالاً كفيلة أن يخلده التاريخ، ومنح بعد وفاته وتحديداً في عام 2008، وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.