• مصورة رويترز الجزائرية زهرة بن سمرة للنصر
    صورت 400 جثة في مجزرة رايس وأنا أبكي  و  المهنة  أنستني أنني إمرأة
    سلاحها آلة التصوير وثقت من خلالها معظم الحروب و الأزمات الأمنية التي شهدتها المعمورة في العشرين سنة الأخيرة، فاقتنصت صورا فوق العادة تروي آلام و آمال شعوب العالم، ما جعلها تصنف ضمن أحسن 100 مصور في القرن العشرين.. هي المصورة الصحفية في وكالة “رويترز” زهرة بن سمرة ابنة الجزائر  التي كانت أول من  وثق أحداث العشرية السوداء، تروي لـ”النصر” فصولا تكشفها لأول مرة عن حياتها المهنية ومواكبتها لأحداث قلبت موازين العالم.
    حاورتها  : ياسمين بوالجدري
    أخبرينا في البداية كيف اقتحمت مجال التصوير الصحفي؟
    دخلت مجال التصوير و عمري 20 سنة، و قد عملت في البداية بالمتحف الوطني للفنون و التقاليد الشعبية بالقصبة، و قد كان ذلك في أواخر الثمانينات و بداية التسعينات، لكن بعد الانفتاح الإعلامي قررت العمل في الصحف المستقلة التي صدرت و كان أولها “لوبسيرفاتوار” التي كانت تصدر في تلك الفترة، ثم انتقلت إلى “لوجون أنديبوندون” و بعدها في الوطن الناطقة باللغة الفرنسية، و كل ذلك كان بين سنتي 1992 و 1997، قبل أن التحق بوكالة الأنباء العالمية “رويترز”.
    تزامن عملك في الصحف الجزائرية مع العشرية الدامية التي عاشتها الجزائر، كيف استطعت كامرأة الصمود أمام التهديدات و الاغتيالات التي طالت الصحفيين في تلك الفترة؟
    في الواقع لم تكن هناك أية مشكلة أمام الصحفية و المرأة في العمل بالجزائر، لكن الأمور تغيرت في سنوات الإرهاب، حيث حاول المتطرفون الغلق على النساء و إجبارهن على ارتداء الحجاب، و قد كانت ردة فعل المرأة تعتمد على مدى قوة شخصيتها، فإن قبلت يتم السيطرة عليها.. بالنسبة لي فرضت نفسي كامرأة صحفية مصورة مثل الكثير من الصحفيات في تلك الفترة و أذكر من بينهن الصحفية سليمة تلمساني بجريدة “الوطن”.

كنت أول عربية صورت الحفرة التي إحتمى بها  صدام

لقد كانت التهديدات تطال الجميع في تلك الفترة، لكننا اتكلنا  على الله الذي سترنا، و قد كنت أول مصورة صحفية في الصحافة المستقلة، تغطي الأحداث التي دارت خلال سنوات الإرهاب.
ما هي الصورة التي التقطتها في العشرية السوداء و لا تزال عالقة في ذهنك؟
التجربة الأولى كان لها أثر كبير علي، فقد كنت لا أزال شابة في بداية العشرينات عندما صورت لأول مرة قرابة 400 جثة لمدنيين الكثير منهم أطفال و نساء ذبحوا بوحشية في مجزرة “رايس” سنة 1997.. لقد كان المشهد مريعا و صادما.. لا أخفيك لم يكن ذلك سهلا و أحسست أني تزعزت في داخلي.. التغطية الثانية التي أثرت في كثيرا هي عند تصوير ضحايا تفجير سيارة مفخخة بشارع عميروش قرب مركز أمن بالجزائر العاصمة.
في تلك اللحظات المؤلمة، هل منعتك مشاعرك كإنسانة من اداء عملك؟
صحيح أني بكيت و تأثرت كثيرا لما شاهدته، لكن مشاعري الإنسانية لم تمنعن من أداء عملي كصحفية مصورة، فقد كنت واعية بأن علي أن أكون شاهدة على التاريخ و العمل لتوثيق ذاكرة الجزائر لكي يعلم العالم ما الذي يفعله الإرهاب في الشعوب.. مع مرور السنوات و اكتساب الخبرة تعلمت أن أنسى أني امرأة أثناء ممارسة مهنتي.
كيف فتحت لك الأبواب للعمل في وكالة “رويترز” العالمية؟
في الحقيقة، لاحظت الوكالة تغطيتي لأحداث السنوات الأولى للإرهاب التي شهدتها الجزائر، و طلبت مني أن أعمل معها بالقطعة فوافقت و كان ذلك سنة 1997، حيث استمريت في تغطيتها، و مع استتباب الأمن في البلاد منذ سنة 2000، قررت “رويترز” توظيفي للعمل في خارج الجزائر، و بدأت في تغطية الحروب الدائرة في العالم.
ما هي الحروب التي قمت بتغطيتها عبر بؤر التوتر في العالم؟
على اعتبار أني اكتسبت خبرة خلال الأزمة الأمنية بالجزائر، اعتمدت علي وكالة “رويترز” في تغطية حروب و نزاعات كثيرة عبر العالم لا يمكنني أن أعدها كلها ، لكن أهمها النزاع المسلح في كوسوفو، و حرب لبنان سنة 2006 بين اسرائيل وحزب الله ، غطيت أيضا قضية الصحراء الغربية، و الاضطرابات الأمنية بباكستان و كذا القتال بين الجيش و الميليشيات في الكونغو و أزمة دارفور بالسودان، إضافة إلى الصراع بين طالبان والأمريكان بأفغانستان، و كذا إسقاط  نظام صدام بالعراق،  التي دخلتها أسبوعا فقط بعد سقوط بغداد قبل إعدام صدام حسين، و قد صورت حينها الحفرة التي وُجد مختبئا بداخلها بتكريت، بعد القبض عليه بساعات و كنت العربية الوحيدة التي قامت بذلك، كما عملت في الثورة التونسية و غطيت الاقتتال الدائر في ليبيا، دون أن أنسى سوريا.

غادرت سوريا بعد أسبوع من دخولها لأن حياتي كانت مهددة

تجربتك في سوريا كانت مختلفة كثيرا عن كل ما غطيته و قد اضطررت للخروج منها بعد أيام إثر محاولة قتلك.. لماذا كانت سوريا الاستثناء؟
في الحقيقة خلال جميع تغطياتي للحروب، كان هناك دائما جهة تضمن لنا الحماية و كنا نعمل ببدلات واقية من الرصاص و بسيارات مصفحة، كما كان مصدر الخطر معروفا بالنسبة لنا، لكن في سوريا التي دخلناها سنة 2011 كل شيئ اختلف، هناك لم نستطع أن نثق في أي جهة و أن نعمل تحت حمايتها، و قد كانت جميع أطراف النزاع مسلحة و خطيرة، إلى درجة أننا دخلنا قرية صغيرة أهلها منقسمون و يتقاتلون فيما بينهم، و الأخطر أني و فريق العمل دخلنا بطريقة سرية، بما يعني أن النظام السوري أيضا قد يستهدفنا.
كنا بين نارين و اضطررنا للخروج بعد أسبوع، بعد أن أصبحت حياتنا مهددة فعلا، فالموت يتتبعك هناك جوا و برا، حتى في ليبيا لاقينا مشاكل في العمل لكن ليس بهذه الخطورة.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.