مدينة يريفان، وفي الأفق جبل أرارات.

نبذة تاريخيّة

لمنطقة يريفان تاريخ عريق غارق في القدم اذ أنها استوطنت في القرن الرابع ما قبل الميلاد وانشيء فيها تحصينات عديدة منذ العصر البرونزي مثل مستعمرات شينغافيت وتستسيينغباريت وتيشبايني وارين بيريد وبردادزور.

فترة الإرباني وأورارتو

بقايا حصن إربوني الذي بناه الملك أرغيشتي عام 782م.

أسس الملك أرام مملكة أورارتو في القرن التاسع ما قبل الميلاد في حوض بحيرة وان في هضاب ارمينيا والتي شملت مناطق يريفان الحالية. وكانت تعتبر هذه المملكة من اكثر المملكات المتقدمة في عصرها.[15] تشير التنقيبات الأثرية للنقوش المسمارية عن انشاء حصن إربوني في عام 782 ق.م. بأمر من الملك أرغشتي[16] لحماية المنطقة من هجمات القوقاز[7]. وخلال الحكم الأورتي، شهدت نهضة زراعية حيث بنيت قنوات الري وتجمعات حفظ المياه. وفي عام 585ق.م. تم تدمير حصن تيشيبايني التي تبعد 45 كلم شمالي يريفان على أيدي تحالف من الميديون والسكوثيون.

فترة الميديون والسكوثيون

كأس شراب على شكل القرن وجد في إيربوني

في عام 590 ق.ب. احتل الميديون الفرس الهضبات بما فيها حصن إربوني. وفي عام 550 ق.م.، احتل خسرو المنطقة التي اصبحت جزء من المملكة الاخمينية. وبين عامي 522 ق.م. و331 ق.م.، اصبحت إربوني المركز الرئيسي التابع لسترابة (أي ولاية) السلالة الأورنتيون الأرمنية الذين حكموا باسم الامبراطورية الأخمينية. وقسمت هذه السترابية إلى قسمين شمالي وجنوبي. اصبحت إربوين (أي يريفان) عاصمة القسم الشمالي بينما اصبحت توشبا (أي وان) العاصمة الجنوبية. وتبين النقود التي وجدت في حصن إربومي مدى أهمية المنطقة كموقع تجاري. وخلال قرنين من حكم الأخمينيون تغير وجه المدينة واصبحت فارسية الهوية والثقافة والتراث.

فترة المملكة الأرمنية القديمة

كنيسة القديسين بولس وبطرس من القرن الخامس الميلادي

وبنتيجة خسارة الأخمينيون امام جحافل الاسكندر المقدوني بعد معركة غوغميلا عام 331ق.م.، حقق الأورنتيون الاستقلال وأنشاؤا المملكة الأرمنية وبدؤا بإنشاء مدن جديدة مثل ارمافير وزريهافان وباغاران ويرفانداشات مما ادى إلى الإضمحلال التدريجي لأهمية أورباني.

في عام 189 ق.م سطع حكم السلالة الأرتخية، فتوسعت المملكة الأرمنية في مناطق أسيا الوسطى والأناضول والأتروباتين ومملكة ايبيريا وسوريا وفينيقة. اعتبر الأرتخينيون إربوني ذو تراث فارسي، لذا اهملوها وشرعوا في بناء مدن جديدة.

وفي فترة حكم السلالة الارساسيدية (54م – 428م)، ازدهر العديدة من المدن المجاورة لأربوني ممن افقدها كل ميزاتها التجارية والثقافية. ولم يعد لها ذكر في التاريخ الا في نص ماني واحد اشار إلى انشاء تجمع للمانيين بجانب مسيحيي المدينة. وبحسب كتاب أشخاراتسيوتس الجغرافي، كانت أيربوني تابعة لمقاطعة كوتياك ضمن محافظة آيرارات في أرمينيا الكبرى.

وفي بدايات القرن الرابع أيام الملك تريتاديس الثالث، اعتنقت أرمينيا الديانة المسيحية. وعلى أثره، بنيت كنيسة القديسين بولس وبطرس في إربوني في القرن الخامس الميلادي مما يجعلها من اقدم كنائس إربوني والتي هدمها السوفييت عام 1930م بسبب سياساتهم المناوئة للأديان.

فترة الساسانيين

كنيسة كاتوغيكي في منطقة ايفان، القرن السادس الميلادي

بعد تقسيم ارمينيا إلى مملكتين ايام البيزنطيين في عام 387م والفرس عام 428م، اصبحت إربوني تابعة لحكم الساسانيين الفرس[17] من ضمن أرمينيا الفارسية. بسبب فقدان اهميتها، لم تذكر اي معلومات تاريخية حول المدينة. كل ما هنالك ان هو ذكر لبناء كنيسة كاتوغيكي في منطقة ايفان عام 595م وهي اقدم كنيسة لم تهدم مع انها تعرضت لبعض الاضرار بسبب زلزال الذي ضرب المدينة عام 1679م. وبقيت مقاطعة أرمينيا الفارسية حتى عام 646م حين احتلها العرب المسلمون.

فترة المسلمين

فتح العرب المسلمون المدينة عام 658م من ضمن حملتهم لفتح بلاد فارس اذ اعتبرت جزءا من المملكية الفارسية. وبفترة حكم الامويون، ضمت المدينة لإمارة ارمينيا والتي كان مركزها مدينة دفين. وبسبب نشاطات العرب التجارية، اصبحت أرمينيا ممر مهما للقوافل العربية التي تاجرت بين أوروبا والهند المارة بسهول أرارات. وهناك دلائل تشير إلى اعتماد اسم يريفان في القرن السابع الميلادي.

فترة أرمينيا البقردونية

في عام 850م، قاد الامير البقرادوني آشوط الأول ثورة ضد الحكم العباسي وحرر يرفان مما جعل الخليفة المستعين بالله العباسي يعترف به كأمير لأرمينيا في عام 861م. وفي عام 885م، توج ملكا على أرمينيا بمباركة الخليفة المعتمد على الله. وخلال حكم البقرادونيين (885م – 1045م) اصبحت يريفان آمنة ومستقرة لحين سقوطها بيد البيزنطيين لكنها لم تكسب مكانة مهمة اذ بنى البقرادونيين مدنا أخرى.

فترة حكم السلجوقيين والزكاريد والمغول

حكم البزنطينيون المنطقة لفترة وجيزة (1045م – 1064م) بعدها سيطر السلجوقيون بأمرة ارطغرل و آلب أرسلان على كل المنطقة بما فيها يريفان. وفي فترة حكم الزكاريد، توسعت يريفان بشكل كبير. وبعد غزو المغول لأرمينيا في عام 1236م اصبحت يريفان محمية مغولية من ضمن الحكم الإيلخاني واصبح الزكاريديون اتباع المغول. بعد سقوط الإيلخانية في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، بقي الزكاريديين يحكموا المنطقة حتى سقوطها بيد الاتراك عام 1360م.

قبائل الآق قويونلو و القراقويونلو

ضريح الامراء القرا كيونولو في أرغافاند بالقرب من يريفان.

في الربع الأخير من القرن الرابع عشر، استولت قبائل الأق قويونلو الأتراك الأوغوزيون السنة على أرمينيا بما فيها يريفان. وفي عام 1400م، غزى تيمورلنك أرمينيا وجورجيا وسبى 60،000 من سكانهما مما فرغ يريفان من سكانها.[18]

في عام 1410م، وقعت ارمينيا تحت حكم قبائل قراقويونلو التركية الشيعة الذين فرضوا ضرائب عالية وبنفس الوقت فرضوا الأمن والآمان وقاموا بتوسعت وتطوير المدن[19] وجعلوا يريفان مركز مقاطعة “شكور ساد” التي انشاؤها.

لكن الأمور تغيرت مع قيام حكم القرا اسكندر بين عامي 1420م و1436م الذي شاع في أيامه الفساد والقهر والقتل والسبي[20] فنزح عدد كبير من السكان عن المنطقة[21]. وانتهى حكمه بوصول التيموريين.

وفي عام 1375م سقطت المملكة الأرمنية في قلقيلية مما دفع لّعودة مركز الكنيسة الأرمنية إلى يريفان عام 1441م. لهذا، عادت يريفان المركز الاقتصادي والثقافي والاداري لأرمينيا من جديد.

فترة الحكم الإيراني

رسم لمنطقة يريفان رسمها الرحالة الفرنسي جان شاردان عام 1673 خلال ترحاله في الدولة الصفوية

يرفان في العام 1796م في عهد القاجار رسمها ج. سيرغيفيتش. وتظهر كنيسة أرمنية لجهة اليسار وجامع صفوة على اليمين.

في عام 1501م استطاع الشاه اسماعيل الصفوي من احتلال معظم مقاطعات أرمينيا الشرقية.[22] وفي عام 1502م، اصبحت يريفان مركز مقاطعة يريفان الفارسية التي أنشاءها الصفويون. وبقيت تحت حكم الفرس لثلاثة قرون. بسبب موقعها الإستراتيجي. شهدت منازعات حولها بين الصفويين والاتراك. وفي عام 1555م، ضمت يرفان إلى الحكم الصفوي بشكل تام بعد معاهدة اماسيا.[23] وفي عام 1582م، احتلها العثمانيون بقيادة السردار فرحات باشا وبنى حصن إيريفان مكان حصن أرمني قديم على ضفاف نهزر هردزان.[24] وبقي العثمانيون في المدينة حتى عام 1603م حين استعادها الصفويون مرة أخرى إثر الحروب العثمانية الصفوية الأولى.

أمر الشاه عباس الأول الصفوي (جكم بين 1588م و1629م) بسبي مئات الألاف من سكان ارمينيا بما فيهم يريفان إلى إيران مما افقد المدينة أكثريتها الأرمينية واصبح المسلمون (فرس وأتراك وكورد وتتار) اكثرية بحدود 80٪ من عدد سكان المدينة. لكن بقي للأرمن أهمية اقتصادية لما لهم من باع في الصناعة والخرف والتجارة.[25] وأكد الفرس حكمهم ليرفان عقب معاهدة زهاب الموقعة عام 1639م.

في عام 1679م، وقع زلزال ضخم هدم كل المدينة.

في عام 1724م، وقعت قلعت آيريفان بأيدي الاتراك وبعدها حلت مقاطعة بغالبيغي الصفوية.

في عام 1736م، بعد سقوط الدولة الصفوية، اصبحت يريفان والمناطق المحيطة بها تحت حكم خانية إيريفان التابعة لحكم الدولة الافشارية الإيرانيين والتي بلغت مساحتها 15،000 كلم2. وحوالي عام 1790م، وقعت المنطقة تحت حكم القاجاريون الايرانيون الذين خسروها بعد حربهم مع الروس عام 1828م واثبتوا ملكيتها للامبراطورية الروسية في معاهدة تركمانجاي ثم خسروا مناطق واسعة من جورجيا وداغستان واذزبيجان للروس نتيجة معاهدة كلستان عام 1813م.[26]

فترة الاستقلال الوجيزة

خريطة يريفان عام 1920م جهة الغرب في الأعلى على غير عادة.

كانت مدينة يريفان في بدايات القرن العشرين مدينة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها الـ 30 ألف نسمة.[27] وفي عام 1917م بعد سقوط الامبراطورية الروسية بيد الشيوعيين، تحالف وجهاء المدينة الأرمن والجيورجيين والمسلمين ليؤلفوا الاتحاد القوقازي واعلنوا الانفصال عن تركيا وانشاء دولة جنوب القوقاز. لكنها لم تعمر طويلا. سارالجيش التركي إلى يريفان، التي كانت ثقل الدولة الجديدة، لإخضاعها من جديد. ودق الكاثوليموس كيفورك الخامس الأجراس في البلاد لمدة ستة أيام فالتحق به عدد كبير من الأرمن من كل الأطياف ليشكلوا وحدات عسكرية منظمة.[28]

الاحتفالات بذكرى اول سنة استقلال في عام 1919م.

مبنى الحكومي لأول جمهورية أرمنية حيث أعلن أرام مانوكيان الاستقلال في 28 أيار/مايو 1918م.

في أيار/مايو 1918، استطاع الأرمن هزيمة الجيش التركي في معارك ساردارباد وأباران وكركيليسيا. وفي آيار/مايو 1918،أعلن قائد الطاشناق أرام مانوكيان استقلال أرمينيا كجمهورية وجعل يريفان عاصمتها. وتوجه اعضاء المجلس الوطني الأرمني من تيفليس إلى يريفان لعقد جلساتهم هناك. وهكذا، أصبحت أرمينيا جمهورية برلمانية مقسمة إلى أربعة قطاعات ادارية منها منطقة آرارات التي احتوت يريفان العاصمة. في نفس الوقت، نزح إلى المدينة حوالي 75،000 الف أرمني هربا من المذابح التي قام بها الأتراك في غربي البلاد.

وإثر توقيع معاهدة سيفير التي أنهت الحرب العالمية الأولى، اعترف العالم باستقلال أرمينيا وفتحت العديد من الدول وخاصة دول الأميريكتين قنوات ديبلوماسية مع حكومة أرمينيا المستقلة. كما قامت الدولة الأرمنية بفتح قنصليات في بريطانيا العظمى وإيطاليا وألمانية وصربيا واليونان وإيران واليابان.

لكن سرعان ما سقطت آرمينيا بأيدي البولشفيك في 2 كانون الأول/ديسمبر 1920م وضُمت للإتحاد السوفييتي. تحرك الوطنيون الأحرار لاستعادة البلاد ونجحوا في اطلاق السجناء السياسيين والعسكريين الا أنهم منيوا بهزيمة قاتلة في 2 نيسان/أبريل عام 1921م.

فترة الحكم الروسي

المخطط العام التي وضعها السوفييت لتطوير يريفان

في 29 نوفمبر 1920، غزى الجيش الأحمر السوفييتي أرمينيا من الشمال الشرقي. وفي 2 ديسمبر 1920م اصبحت يريفان والمناطق الأزمنية الأخرى جزء من الاتحاد السوفييتي واصبح اسم البلاد جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية. بين عامي 1922م و1946م، اصبحت أرمينيا جزء من جمهوريات القوقاز السوفييتية مع جمهوريات جورجيا وادربيجان السوفييتيتين. وفي عام 1924م، تم الموافقة على “خطة يريفان العامة” التي وضعها الاكاديمي الكسندر تمانيان وكانت اول مدينة سوفييتية تطور وتنفذ خطة تطوير.

فترة الاستقلال

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990م، اصبحت يريفان عاصمة الجمهورية الارمنية. وواجهت المدينة بعض المشاكل في البنية التحتية والخدمات بسبب سوء تخطيط الانتقال إلى سياسة سوق العمل. فالكهرباء، مثلا، لم تعمل بشكل طبيعي حتى عام 1996م.

تحولت يريفان منذ 2000م إلى موقع انشاءات وتعمير ضخم كجزء من تخطيط مدني طموح. وارتفع ثمن الشقق عشر المرات خلال العقد الاول من القرن الواحد والعشرين. وتم تشيد الكثير من الطرق الجديدة. وبنتيجة الاعمار هذه، فقدت المدينة الكتير من العمارات التاريخية التي تحولت إلى عمارات حديثة. لم يبقى الا القليل من الابنية التاريخية.

وشهدت المدينة العديد من المظاهرات والقلائل بخاصة المواجهات التي حصلت في عام 2008م بين المعارضة والحكومة من جراء نتائج الانتخابات الرئاسية. ادت المواجهات إلى مقتل 10 اشخاص[29] وفرض حالة الطواريء لمدة 20 يوم.[30]

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.