“حسن بعيتي”.. أمير الشّعراء، إنجازي الأهمّ

رضوان أبوغبرة

الاثنين 20 تشرين الأول 2014

“حمص”

“حسن بعيتي”؛ شاعرٌ استقى من مناخ العائلة، بداياتِ شغفهِ الشّعري. ومع توغّل الشّعرِ في نفسهِ أبدعَ، ليحقّقَ بذلكَ تميّزاً عربيّاً توجّهُ كأميرٍ للشّعراء.

تكبير الصورة

مدوّنة وطن “eSyria” التقتِ الشّاعرَ بتاريخ 15 تشرين الأول 2014، للحديث عن تجربته الشّعريّة، وكان معه هذا الحوار:

* من أين استقيت حبّ الشّعر، وبمن تأثّرت في بداياتك؟

** ربّما لأنّني أنتمي إلى عائلةٍ كبيرةٍ نسبيّاً، بدأ يتكون لديّ فيها وعيٌ جماليّ، باعتبارها عائلةٌ واسعةُ التّجربة الحياتيّة. وبسببِ ميلٍ واضحٍ للموسيقا، والشّعر، فقد ظهرتْ أصواتٌ شعريّةٌ سبقتني زمنيّاً، ولا سيّما في الشّعر الشّعبيّ “الزّجل”، وعلى الرّغم من عدم تحقّقِ شهرة واضحة لتلك الأصوات، إلا أنّها كانت مواهبَ حقيقيّةً، ساهمتْ في تفتّحِ ذائقتي الإبداعيّة في سنوات طفولتي الأولى، لأنّني كنتُ أملك ذاكرةً سمعيّةً، مكّنتني من حفظِ، ورواية الشّعرِ شفويّاً. ثمّ في المرحلة اللاحقة بدأ تأثّري بمعظم شعراء العربيّة كـ”أبي نوّاس، المتنبّي، أبي العلاء، ابن الفارض”، وفي وقتٍ متأخّرٍ بدأ اهتمامي بالشّعر المُعاصر “بدويّ الجبل، أحمد شوقي، سعيد عقل”، ثمّ “نزار قباني”، و”محمود درويش”، و”أدونيس” ربّما مؤخراً. إنّ هذا الانتقال التّراتبيّ أعطى تجربتي الجماليّة قدراً كبيراً، من متانة البناء وتراصفه فنّيّاً وفكريّاً.

* ما زلت مأخوذاً بشعريّة الإيقاعِ والتفعيلةِ، لماذا اخترتَ هذا الأسلوب؟ وكيف تنظر إلى الحداثة؟

** ما زلت مُنحازاً إلى الموسيقا، ولكن دون انغلاقٍ. إنّ التّطور المتدرّج والواعي لذوقي الجماليّ، يفتحُ الأفقَ أمامي لخوض تجربةِ الأشكالِ الأكثر حداثةً. إنّ ظهورَ أشكالٍ جديدةٍ من فنون القولِ والكتابة، لا تلغي أبداً جماليّات الأشكال السّابقة؛ فشعر التّفعيلة اليوم، يُعطي مساحةً أكبرَ للتنوّع والابتكار، بالقياس مع الشّعر العموديّ، الذي تحوّلَ إلى قوالبَ صوتيّةٍ جوفاء، ليس في الكثير منها شعر إلا الشّبهة، وأعرف أيضاً إنّ قصيدة النّثر، تقدّم اليوم مساحةً إضافيّةً متقدّمةً على شعر التّفعيلة، لكنّ ذلك لا يعني إغلاق الأبواب، أو الممرّات بين حُجراتِ فنّ الكتابة. هناك ما يحلو لي أن أسمّيَه “فنّ النّجاح” أو ربّما

تكبير الصورة
في إحدى مشاركاته الشّعريّة

“فنّ الإقناع” الّذي يمكن أن يتوفّر، لأيّ شكلٍ شعريّ، ما إن تتوفّر اللّحظة الإبداعيّة.

* نلتَ جائزة “أمير الشّعراء” العربيّة، ماذا أضاف لك هذا التّتويج؟

** كان الفوز بلقبِ “أمير الشّعراء” 2009م، أجملَ ما حدث لي، ولكنّها أيضاً ليست مهملةً كلّيّاً؛ فهي مسابقةٌ هامّةٌ بالتّأكيد، على أنّ أهمّ ما فيها هو تقديمُ منبرٍ إعلاميّ، ومساحةٍ للاحتكاك مع شعراء العربيّة. غير أنّ هذا الفوز على أهمّيته، لم يجعلني أنخدعُ على الإطلاق. إنّني أعي تماماً، أنّ المسابقات لا تقدّم نتائجَ مثاليّةً من النّاحية النّقديّة، لذلك وبعد فوزي مباشرةً، قرّرتُ أن أبدأ العملَ والاشتغالَ على تطوير تجربتي، لكي أثبتَ أنّ النّجاح هو حافزٌ لمزيدٍ من البحث والكشف. وبواقعيّةٍ شديدةٍ أدركُ أنّني مازلت في البداية، وأنّ تجربتي ما زالت تتشكل.

* يشيع في السّاحة الشّعرية اليوم “شعر الاستسهال”، كيف تنظر إلى هذه الظاهرة؟

** أرى أنّ هناك الكثير من شعر الاستسهال، لكنّني بصراحةٍ لا أشغل نفسي كثيراً بذلك. أعرف أنّ الزّمن هو المحكّ، أو هو الغربال الّذي سيسقِطُ من حساباته، كلّ ما هو قليلُ القيمة فنّياً، وجماليّاً.

* الشّعر ليس انفعالاً بل هو أفكار انفعاليّة، كيف تنظر إلى ثنائيّة الفكر واللّغة في شعرك؟

** الشّعر، يمكن أن يوصَفَ بأنّه قراءة جماليّةٌ مكثّفةٌ للوجود والحياة. لا شكّ أنّ الفكر مع العاطفة والخيال، يشكّل الطّينةَ الّتي يخلق منها كائن الشّعر؛ ولكن يجب ألا توضَع هذه العناصر، إلّا بالقدر الّذي يجعل هذا الكائن حيّاً وحارّاً ومتجدّداً، فلا يزيد أيّ من هذه العناصر، ولا ينقص على العتبةِ الّتي تحقّق أعلى مستويات الجمال، والتكثيف. أعتقد أنّ الرّوح -وليس العقل أو القلب- هي الّتي تنتج هذه الخلطة السّحريّة، ولذلك ارتبطت الكتابة بالوحي. أما عنّي فأزعمُ أنّ أكثرَ شعري هو شعرُ تجربةٍ؛ فكلّ

تكبير الصورة
غلاف ديوانه “كلّما كذب السّراب”

قصيدةٍ كتبتها ارتبطتْ بتجربةٍ حقيقيّة، كانت أشبهَ بالنّار الّتي لا تحرقني، إلا لتنضجَ، لذلك فوجود الفكر أو العاطفة ينبثق تلقائيّاً من طبيعةِ كلّ تجربةٍ، وما تُحدِثه من مفاعيل في النّفس.

* هل نالت أعمالكَ حصّتها من النّقد؟ وكيفَ تقيّم النّقد الشّائع؟

** أستطيع الادّعاء أنّ المجموعات الّتي صدرت حتّى الآن، لم تنلْ حقّها من النّقد العميق، بعيداً عن الآراء الانطباعيّة والمتسرّعة، الّتي تغلبُ في النّقد هذه الأيّام. هناك من يلمح مثلاً أثراً لـ”درويش” في بعض نصوصي، فيعمّم الظّاهرة متجاهلاً الأكثريّةَ من النّصوص الّتي تنحو منحى آخرَ، والتنوّعَ الّذي أراه موجوداً في معظم نصوصي الشّعريّة.

الشّاعر “محمّد علي الخضّور” قال: «يميل شعر “حسن بعيتي” منذ بداياته، مع مجموعتهِ “قطرات” إلى الغنائيّة، مُبتعداً عن التعقيد في الفكرة واللغة، ويستخدم لغته الشّعريّة المُميّزة، لخلقِ لحظاتٍ جماليّةٍ ملأى بالدّهشة، مُعتمداً على أدواتٍ شعريّة باذخةٍ، استطاع من خلالها ترويضَ المفرداتِ، لتتّسقَ مع غنائيّتهِ الّتي ظلّ مُخلصاً لها. إنّه يكتب شعرَ التّفعيلة بأدواتٍ حديثة، تعملُ عملَ “مبضعَ الجرّاح”، لتفصلَ بدقّةٍ بين الحداثة المُنفلتةِ، الّتي تجعلُ الشّعرَ غريباً عن المتلقّي العاديّ، والحداثة التي تلبس لبوساً معرفيّاً، تجعلها جماهيريّةً وقريبةً من المتلّقي، إضافةِ إلى قدرتهِ على تطويع الشّعر الخليليّ في قالبٍ حديث جميل».

الشّاعر الأردنيّ “تركي عبد الغني” قال: «إنّ ثمّة توازناً لافتاً بين سكون الشّاعر من حيث عوالمه الدّاخليّة، وسكون النّصّ من حيثِ التّركيب، بعيدين كلّ البعد عن ضجيج النّفس الكاتبة، وانعكاساتها المكتوبة. فعلى قدْر ما فيه من شفافيةٍ، فيه من عمقٍ، حيث يُدخِل المُتتبّعَ له بسكينةٍ تلقائيّةٍ، تُجبركَ على تفكيكِ رمزيّتهِ، ومحاولةِ التقاطه جماليّاً، فهو في الوقت الّذي يبتعدُ في بنائه الشّعريّ عن الاستعراض اللفظيّ، وزخرفه، يحافظُ في الوقت ذاتِه على شرطيّ المبنى والمعنى، دون إقحامٍ ودون مُغالاةٍ، حافظاً

تكبير الصورة
غلاف ديوانه “صدّق خيالك”

بذلك سير النّصّ الشّعريّ».

قصيدته “تجلّي”:

“شفّتِ الرّوح، خلعتُ الآن ظلّي

وقطفتُ الوحيَ عن طُورِ التجلّي

باحثاً ما زلتُ عن نارِ هدى

أصطليها مثلما عاهدتُ أهلي

هتفَ الشّعرُ وقد أعجزتهُ

علّك الآن تراني؟ قلت:علّي

أنا طِبْقُ الكأسِ في نشوتها

أشربُ الخمرَ الّتي تشربُ عقلي

ليس لي في الحبّ شكلٌ ثابتٌ

إذ أغنّي يصبحُ المضمون شكلي”.

يُذكَر أنّ الشّاعر “حسن بعيتي” من مواليد “حمص” 1974م.

صدرتْ له ثلاث مجموعاتٍ شعريّة:

– “قطرات”، في العام 2007م.

– “كلّما كذب السّراب”، في العام 2010م.

– “صدق خيالك”، في العام 2014م.

شارك في العديد من المهرجانات، وحصل على العديد من الجوائز، وأهمّها:

المركز الأوّل في مُسابقة “أمير الشّعراء”، في العام 2009م.

المركز الثّاني في جائزة “الشّارقة” للإبداع العربيّ في دورتها العاشرة، 2007م.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.