تشكيليون فلسطينيون (101) الفنانة رنا بشارة

  خاص بمؤسسة فلسطين للثقافة

عبد الله أبو راشد*

الفنانة التشكيلية الفلسطينية “رنا بشارة” من مواليد قرية ترشيحا الفلسطينية في الجليل الأعلى عام 1971، حاملة اللقب الأول للفنون والدراسات النسائية وحاصلة على بكالوريوس فنون جميلة من جامعة حيفا عام 1994، وحازت على شهادة الماجستير من كلية سافانا بجامعة نيويورك في ميادين الفنون الحديثة. ومنذ تخرجها وحتى يومنا تُعد من أكثر فناني الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 نشاطاً وحركة وحيوية. أقامت مجموعة من المعارض الفردية ولها العديد من المشاركات الجماعية داخل فلسطين وخارجها. منحازة في فنونها التشكيلية إلى معابر الحداثة التعبيرية والمعاصرة ما بعد الحداثة التركيبية، ولها خصوصية بحث تقني وتفرد في الفكرة والتقنية والأساليب.


شجرة الجدار

 

ولا يُمكن للمتلقي العادي أو النمطي من فهم مساقات وصفها البصري وفق الرؤى المدرسية التقليدية المعتادة في الفنون التشكيلية، فهي خارجة عن سربها الواقعي لتصنع واقعاً متناسباً ومساحة وعيها الفكري والتقني والجمالي، والمتساوق دورها الوظيفي الإنساني والنضالي في مواجهة روح العصر العولمي بكل ما فيه من غرائب أطوار وأفكار وأساليب سرد متجاوزة المألوف الشكلي. مُخاطبة بصر وبصيرة المتلقي محاولة استنفار مداركه الشخصية وملكاته المعرفية في محاولة فهمها وترجمة نصوصها وفق رؤى حداثة متجددة، وتقحمه في مساحة التفاعل والتفكير البصري لاسيما تلك الأعمال التركيبية المحملة بالرمز والتضمين في الأفكار والمعاني التي تقف وراء كل عمل منها.


ملصق

 

كما يُمكن للمتلقي أيضاً، التعامل مع أعمال الفنانة “رنا بشارة” التشكيلية باعتبارها حالة رمزية بذاتها الوجودية الشخصية والفنية، في تلبس رمزية يُمكن أن أسميها ملكة النحل التشكيلي الفلسطيني في سلوكها ومقاومتها الناعمة وأساليبها المعهودة في مقارعتها لعدو الأرض والإنسان المتجلي بالكيان الصهيوني. وهي بتلك الرمزية تشبه نحلة المواسم الفلسطينية المتنقلة ما بين واحات الطبيعة الفلسطينية، تلثم خيراتها المادية والتراثية والروحية المحملة بالبشارة والعطاء المستدام على طريق مقاومة ذلك العدو المُغتصب الصهيوني، في حرب الوجود لا الحدود من ذات الأرض التي كانت وما زالت عصية على محو ذاكرتها وبنيانها الوجودي والمجتمعي بالرغم من أربع وستين نكبة، مليئة بالمعاناة والأشواق والصبر والمثابرة والمقاومة بشتى الوسائل المتاحة، لاسيما في ميادين الفنون الجميلة عموماً والتشكيلية خصوصاً.


صبار فلسطيني

 

ملكة النحل التشكيلي الفلسطيني الملونة والمتوجة بأناشيد البقاء والصمود، تحمل في جناحيها مروحة ابتكارها الموصولة بالحداثة التشكيلية تارة، وما بعد الحداثة التركيبية الشيئية والمفاهيمية تارة أُخرى. تُوخز الاحتلال المُغتصب الصهيوني في عقر إدارته بإبرها الفكرية والجمالية الحبلى بالرمز والتورية، الموصولة بذاكرة المكان الفلسطينية الشعبية والتراثية والمعشبة بخيراتها الطبيعية الفلسطينية من صبار وزيتون وقمح وليمون وزعتر، ومواد وصنائع متعددة، موصولة برغيف الخبز الفلسطيني الخارج للتو من تنور ابتكارها الفني التشكيلي المتسع لحكايات الأرض والثورة والإنسان. تقص بأساليب سردها الشكلي المعاصر تفاصيل مواضيعها وشجونها وأصالة شعبها، مُستحضرة عناصرها ومفرداتها التشكيلية من خيرات الأرض الفلسطينية، تدرجها في مكونات بصرية لحكايات تراثية مُفعمة بالخصوصية والتفرد، وتلفت النظر إلى الوعي الأخلاقي والضمير الإنساني لما فعله ويفعله الصهاينة العابرين والمغتصبين بالأرض الفلسطينية من مستعمرات ومدن زائفة.


زيتون فلسطيني

 

تصل الرمز بحبال القضية الفلسطينية وتترك العنان لمخيلة المتلقي ومقدرته على تبيان الحقائق التي لا لبس فيها، وتدفعه بشكل أو بآخر للمقاربة الوصفية ما بين واقع الاحتلال الصهيوني الفلسطيني وأبجدية التاريخ والجغرافية والبعد الأخلاقي في فهم تفاصيلها. قضية شعب سُرقت منه أرضه وتاريخه، وشُرد في أراضي المنافي القريبة والبعيدة عن فلسطين العربية، وتم استبدالهم بمباركة غربية وأعجمية بقطعان المهاجرين الأعاجم المستوردين من بقاع الأرض كافة. بتنوع أشكالهم ولغتهم وثقافاتهم الهجينة، في أرض لم تك لهم في يوم من الأيام ويعيشون الأكاذيب ويروجون لها صباح مساء.


صبار داخل زجاجة

 

بينما نجد لوحاتها التصويرية منحازة تقنياً وأوصافاً شكلية لخيار رصفها المتواتر عبر زخرفة سطوحها المقطعة إلى أشكال المستطيل والمربع، وهي أشبه بخطوط أولى وسريعة لأفكار ومشاريع لوحات، تخفي في نسيجها التقني غايات نفعية وجمالية. تنادم التراث الشعبي الفلسطيني بشكل أو بآخر من بوابة الزخرفة، في رمزية الحركة الإيقاعية للخطوط والملونات وتعكس مدادها الشكلي في حداثة تصويرية تبسيطية. تنثر عناصر مفرداتها الموصوفة داخل كل مائية من المائيات المحكومة بالبساطة والشفافية وسهولة البيان الشكلي والفكرة الخلفية المنشودة. تهيم بطفولتها التشكيلية فوق سطوح الخامات وكأنها ترسم معالم أولى لزخارف متكررة فوق قماش هنا وأريكة فلسطينية هناك. فيها كثافة خطيّة وامتداد لملونات سابحة في كتل متداخلة في حيز الفراغ.


تفصيل

 

مصفوفاتها تبعث على الراحة البصرية للمتلقي من حيث البساطة والتبسيط الشكلي المسكونة في مكرر المساحات الهندسية التي تشكلها في رتابة إيقاعية لحركة الخطوط والملونات. وتحاكي فطرية العبث العقلاني ليوميات طفولة هاربة في لحظة التجلي الشخصي، وتبحث عن ذاتها الطفلة بعين الراشدة التي تلوح في سرديات النصوص الموصوفة في أسوار وحدود لوحاتها المسطحة. كأنها تبحث عن واحة تذكر في أروقة الزمن الفلسطيني المتوارث والمعاقب جيلاً بعد جيل.


تخطيطات تجريدية
أعمالها التركيبية الشيئية المعاصرة والتصويرية التعبيرية الموشاة بمسحة الرمز والتورية والتجريد، والمتناغمة مع مسالك المعاصرة ما بعد الحداثة التعبيرية، تروم مخاطبة العقل والتفكير البصري، في كل غصن زيتون فلسطينية أو حفنة من زعتر بري، أو كوز صبار أو كائنات حيّة طبيعية سابحة في حدائق مختبرها التشكيلي. ولسان حالها يقول: باقون هنا على أرضنا، وفي حلوقكم شوكة. أيها العابرون والطارئون، أيها الصهاينة المحتلون. متمسكون  بعشق الأرض الفلسطينية من بوابة الرمز والرمز المطلق في المشتهى والمتسامي في أرضنا الفلسطينية المعطاء، والحاضنة لأبنائها الطيبين المحبين للحياة بكل ما فيها من معني الإنسانية والتمسك بالحقوق والوجود على كامل ترابنا الوطني الفلسطيني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فنان وناقد تشكيلي فلسطين

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.