الفنان عبد اللطيف مهنا

عبد اللطيف مهنا فلسطيني مولود في مدينة خان يونس عام 1946، أوصلته دروب المعاناة الفلسطينية مرتحلا ما بين العواصم الأوربية والعربية، وكانت مدينة دمشق محطة إقامته الحالية، وهو متعدد المواهب والمناقب الشخصية، فنان تشكيلي وشاعر وكاتب سياسي وصحفي. حاصل على الإجازة الجامعية في اللغة العربية وآدابها من الجامعة العربية ببيروت، ودبلوم الصحافة من جامعة بودابست، وشغل مناصب إدارية ونقابية في اتحادي الكتاب والصحفيين والفنانين التشكيليين الفلسطينيين، وعضو في الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين بدمشق، ويرأس مركز الدراسات الفلسطينية، وعضو في اتحاد الكتاب العرب، أقام أول معرض فردي له في بيروت عام 1975، مشارك دائم في معارض فرع سوريا للاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين، صدر له كتابين في الشعر: (أعشق صبرا وأشترط، كأنها هنّ) وكتاب في الأدب السياسي (إضاءات).

مبتكراته الشخصية في ميادين الفن التشكيلي لا تبتعد كثيراً عن مجالات ابتكاره الأخرى في ميادين الأدب السياسي والشعر، وفيها من المشابهة في المحتوى الموضوعي والفكرة التعبيرية وجماليات الصياغة والهدف الشيء الكثير. فلسطين في جغرافيتها المعهودة منذ فجر التاريخ، هي بوصلته، وسبل مناراته وتخيره لطرق الهدى والإنارة المعنوية التي يستنير فيها من أجل متابعة رحلة الحياة والنضال الفلسطينية بكل ما فيها من شجون ومحطات تراجع، وما يمثله الفدائي التناسل من جعبتها الولود معالم أمل وصمود متبقية في النفوس، فاللوحة كما الكلمة المكتوبة والمسموعة، هي لغة تواصل بصري وأحد الأسلحة المهمة في خوض غمار الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني.

والفن التشكيلي وإنتاجه هي المساحة المتاحة للفنان “مهنا” لتقديمه ومن خلال للبوح عما يختلج هواجسه وانفعالاته وأفكاره، يدونها على قماش الخامة والورق في أغلب الأحوال، معنية برسم معالم الطرق الصحيحة المؤدية إلى تحرير فلسطين، كسبيل وحيد لا مناص للمناضلين من إتباعه، ألا وهو طريق الكفاح الشعبي المسلح، الذي تلعب فيه شخصية الفدائي الرمز والدلالة الموحية والمعبرة عن انطلاقة الثورة الفلسطينية، بكل نقاءه وقوته وإيمانه بقدراته الذاتية على التحرير، تلك المحملة بإرادة الصمود والمواجهة وتقديم الغالي والرخيص من أجل العودة المحمود للتراب الفلسطيني المقدس ولو كلفه ذلك دمه وحياته.

صورة الفدائي الفلسطيني وهيئته الشكلية، بمختلف منابته الطبقية وجنسه كذكر أو أنثى، كهل أو شاب، طفلة أو امرأة، هي رموز ودلالات وعناصر أساسية من مفرداته لوحاته التشكيلية، التي يسعى لأن تكون حاضرة على الدوام في محطات ابتكاره، يصوغها بواقعية تعبيرية وتسجيلية رمزية للوجوه، والخلفيات العامرة بالكوفية الفلسطينية المرقطة بملونات الأبيض والأسود وما بينهما، تفتح سجل الثورة ويوميات الجهاد والكفاح الشعبي الفلسطيني المسلح، كأدوات ونصوص تعبيرية محرضة وداعية أنيقة للانخراط في الثورة الفلسطينية، لأنها الملاذ الآمن والأمل المتبقي وتحتاج إلى كل فرد من أبنائها.

لوحاته التشكيلية تأخذ من تقنيات فنون الحفر أسلوباً تصويرياً محملة بسياقاتها التقنية المتوالدة الرموز والشخوص والأماكن كلبوسه شكلي متواتر، والقائمة على الرسم والتلوين المباشر على سطح اللوحة بالأحبار الصينية الملونة، من كونها مجالها الحيوي لتأليف قصائده السردية، والتي تجد في مفهوم الكتل الشكلية المتناثرة في متواليات موصوفة داخل متن اللوحات، ملاذاً شكلياً مناسباً لتوظيف أفكاره ورؤاه ومساحة تخيله لمكوناته. وهي أشبة بطبقات بشرية متوازنة لشخوص مستعارين في هيئاتهم الوصفية وألبستهم وأيديهم القابضة على أسلحتهم، وكأنهم خارجين للتو من ساحة التدريب العسكري، وما زالوا مشغولين بتنفيذ مهامهم القتالية، تلك الحالة التي تذكرنا بيوميات انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة التي كانت قواعد تدريب الفدائيين مزروعة داخل مخيمات اللجوء المحيطة بفلسطين.

لوحاته مدرجة في مجاميع لكتل هنا وتفاصيل جزئية لعناصر خلفية هناك، الفدائي حامل بندقيته المشرعة هي المفردة الأكثر تواجداً وحيوية، وتكرراً شكلياً مشهوداً كنوع من تأكيد أهميتها ومكانتها في واحة النضال، وبمثابة رسالة مقصودة ذات حمولات رمزية، وكبيان بصري ودعوة صريحة للتمسك بالثوابت الوطنية التي كرسها الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1969، في مواده مجتمعة لاسيما فيما يتعلق بالكفاح المسلح على وجه التحديد: ” انه إستراتيجية وليس تكتيك”، ولسان حال اللوحات البصري ينبأ بذلك، ويقدمها تسريبات حسيّة مقصودة في واحة اللوحات، والقول بان المسألة الفلسطينية وثورتها المسلحة هي ملك جماهير الشعب العربي الفلسطيني بجميع قواه الحيّة، ولا بّد لبوصلتها النضالية أن تكون مصوبة بالاتجاهات الصحيحة، بنادق مجتمعة ومصوبة نحو العدو الصهيوني المغتصب لأرضنا ولا سواه.

لوحاته ذات رؤى شكلية موسيقية من ذات نسيج شكلي واحد، مصممة في محتواها الموضوعي لأن تكون متشابهة الخطوط والحركة الإيقاعية داخل فضاء المساحة المتاحة في اللوحة، كأجزاء مرتبة في أشكال متوازية حيناً ومتداخلة حيناً آخر، تستدعي من خلال لعبته التقنية والشكلية مواضيع التراث الشعبي والزخارف والمطرزات الفلسطينية على طريقته الخاصة، ويبقى الفدائي وطيور الحرية وشمسها المستديرة مسكونة في بهاء المكان، كدلالة رمزية جمعية على مؤتلفات الحرية والتحرر المنسوجة في الشخوص والأماكن والمتواليات التركيبية. وجماليات الفكرة الموصوفة والموصلة إلى مناقب الثورة الشعبية وإحياء لذاكرة الثورة والكفاح الفلسطيني المسلح

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.