الفنانة بثينة ملحم

الفنانة الفلسطينية “بثينة ملحم” المولودة في قرية عررة بفلسطين المحتلة عام 1961، تُعد لحن بصري ومعزوفة تطبيقية مُحلقة في مدارات الفنون التشكيلية التركيبية الجامعة. مُغردة في حيز الابتكار غير المسبوق، والموصول بتقاسيم النضال الوطني الفلسطيني على جبهة الثقافة الشعبية الفلسطينية، والذاكرة التراثية الحافظة لتجليات المكان الفلسطيني الضارب في جذور الأرض الفلسطينية. تتوارى في خلفيات منتجها السردي المتصل بذاكرة الجدات والأمهات الفلسطينيات الماجدات المتمسكات بالأصول، والمُشبعة برحيق الحقول والصنائع والمهن اليدوية المنزلية كنوع من أنواع البقاء.

صقلت مواهبها الفطرية في مركز فنون عررة، متابعة مجموعة من الدورات الفنية والتطبيقية، التي تؤهلها كذات باحثة بكفايات مهنية منتمية في صورتها الشكلية ودلالاتها الرمزية والنفعية المربوطة بالأزياء الشعبية الفلسطينية، المكحلة بذلك الكم الهائل من الزخارف النباتية والهندسية والحيوانية. مُحافظة على ذخائر الماضي الفلسطيني البعيد والقريب، من خلال تجلياته الشكلية المتصلة بعوالم الفنون التشكيلية والتطبيقية، عنوانها العريض إحياء التراث الشعبي الفلسطيني، والثوب الفلسطيني في حلة ابتكار متجددة، حافلة بكنوزه المهنية والجمالية والنفعية.

ومُساهمة أيضاً بقيادة ورشات عمل متصلة ببرنامج ” إحساس وكيف” لجيل الطفولة المبكرة في دار الطفل العربي الفلسطينية، وعملت كمرشدة فنون في كلية الصبّار في مدينة أم الفحم، فضلاً عن عملها كمرشدة للفنون التطبيقية في مركز فنون عرعرة. وهي مُشاركة في مجموعة من المعارض الجماعية والفردية داخل قرى ومدن وبلدات فلسطين المحتلة عام 1948 بما يُعرف بالحزام الفلسطيني الأخضر.

هي بلا أدنى شك فنانة فلسطينية مقاومة من طراز نضالي مميز أيضاً، أثرت دروب المقاومة البصرية المتدثرة بكسوة شكلية وجمالية مغايرة، وتخير تقنيات وصور سردية لصيقة بتراث الأرض وتفاعلات النسوة الفلسطينيات، وتقنيات تلامس مقومات الوجود والجذور وعروبة فلسطين، وتُساهم بدورها الوظيفي كفنانة في خوض معركتها الوجودية على طريقتها الخاصة، ومحاولة التصدي للهجمات الصهيونية المتكررة لسرقة التراث الشعبي الفلسطيني، كما سبق لهذا العدو الصهيوني الآثم سرقة الأرض والإنسان. هذا الاغتصاب الصهيوني الجاثم على صدور أهلنا وشعبنا الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة في حروبه العدوانية عامي 1948 و1967.

لوحاتها تمثيل لرزمة شكلية مبتكرة، خارجة عن سرب المألوف والمتداول البصري التقليدي، وعامرة بعبث الطفولة والبساطة الريفية غير المتكلفة في علاقاتها الشكلية، تنتمي في محتواها الشكلي وخاماتها وأدواتها لميادين الفنون اليدوية الشعبية التطبيقية، المحملة بمسحة رمزية تداعب أسوار الوطن الفلسطيني وصنائع شعبنا بعامة والنسوة الفلسطينيات بصورة خاصة. تجود قريحتها المهنية بما تمتلك من مهارات يدوية، وفهم فكري وجمالي، متبعة في رصف مكوناتها الشكلية. وتوظيف أدوات وخامات وملونات خاصة، مُفارقة لمدارات التأليف التقني والشكلي المتبعة في معاهد كليات الفنون الجميلة، مؤثرة الخروج عن سرب اللوحات الأكاديمية والتقليدية التصويرية، بتقنيات أداء قوامها القماش وأبر التطريز والخيوط الملونة والموشاة بخلاط لوني محلي الصناعة.

يُشكل الثوب الفلسطيني المفردة الأكثر تواجداً في جميع أوصافها الشكلية، معنية بإثارة حفيظة المتلقي، ونقله إلى عوالم القضية الفلسطينية، والربط الجدلي ما بين الذاكرة والتراث والتاريخ ومفاعيل المقاومة والصمود، وتجليات الإرث الحضاري المستعارة من صفحات السرد التاريخي والوجودي للشعب الفلسطيني، وما يتصل فيه من صنائع ومكونات وجود وديمومة حياة، وربط الماضي السحيق بالحاضر المفتوح على واقع صهيوني عدواني مفروض، وفتح طاقة أمل فلسطيني متبق ومتوار عبر طاقات شعبنا الفلسطيني، وفي مقدمها الفنون التشكيلية والتطبيقية كأسلحة ثقافية ممكنة في معركة الوجود والصمود.

الثوب الفلسطيني هي المفردة التشكيلية الجوهرية في عموم أعمالها، وبمثابة المعادل الرمزي المتكافئ مع دلالات النسوة الفلسطينيات، ومكانتهن في المجتمع الفلسطيني منذ فجر التاريخ وصولاً للثورات الفلسطينية المتعاقبة. وما تحتله صناعة الثوب الفلسطيني خياطة، ومطرزات وكسوة جمالية محمولة بأسرار التاريخ وإرثه الحضاري، ودلالته الرمزية ومكانته التعبوية في مقاومة ومواجهة دعوات الاغتصاب الصهيوني لسرقة تراثنا الشعبي الفلسطيني، كما سبق له سرقة الأرض الفلسطينية على مرأى ومباركة قوى القهر والاستكبار الاستعماري الأوربي والأمريكي.

وما تجسده اللوحات في مضامينها وكسوتها التقنية والشكلية من معالم وصور وترميزات، وربط مجاز ما بين النسوة الفلسطينيات اللواتي يُجسدن في وجودهن وتولدهن، وصبرهن وجلدهن ومساهمتهن في صناعة وطن فلسطيني مقاوم، باعتبارهن معادل موضوعي مقابل لمفهوم الأرض الفلسطينية المعطاء. اللافت في أعمالها الفنية التطبيقية، أنها معتمدة على مبتكرات أدائية قوامها أقلام تخطيط وإبر التطريز والدبابيس المعدنية وخيوط الصوف الملونة، والأقمشة المغمورة بملونات الشاي والقهوة، وسوائل وأصبغه محلية مستنبطة من بقايا أعشاب ونباتات فلسطينية.

آليات التنفيذ التقني لفكرتها التصويرية تقوم على تقسيم القماش بعد غمسها بالملونات والصبغة الطبيعية إلى شرائح، ورصفها في مساحات متوازنة الإيقاع الشكلي واللوني، ممزوجة بخيوط صوفية ملونة متدلية، ومعانقة لخطوط وكلمات مُعبرة، ومندمجة داخل توليفات القماش الممدودة والمتحررة في عدة اتجاهات، وكأنها إشارة رمزية لتخير معالم الطريق والمستقبل الفلسطيني المحمل بالأماني ورايات النصر الموعود

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.