الفنان غانم دياب الدن

الفنان التشكيلي الفلسطيني “غانم دياب سعيد الدن” من مواليد مخيم البريج بقطاع غزة عام 1970، موهبته الفطرية أفصحت عن مكنونها الذاتي في سن مبكرة، وتعلم الفن في بداية الطريق على نفسه، ثم تسنى له متابعة الدراسة في كلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصى بغزة ما بين (2000-2005)، حاصلاً على شهادة بكالوريوس تربية فنية.

غادر مخدعه الأكاديمي والمهني كفنان مؤهل لتدريس مواد التربية الفنية في مدارس القطاع، ليلتحق بركب السياسة والعمل في مجالات الثقافة البصرية والإعلام الجماهيري، اندماجاً طوعياً في عجلة العمل الإداري ومتابعة المشاريع الفنية الجماعية، من خلال فرق العمل المحلية والأعجمية، كملازمته للخبير الياباني “تيتسؤو كاميتاني” في تنفيذ المشروع الفلسطيني الياباني لرسم الجداريات الفنية لمدة عامين، فضلاً عن عمله في الحملات الفنية التشكيلية والإعلامية.

تسلم مهمة رئيس فرع جمعية الفنانين التشكيليين الفلسطينيين بالمحافظة الوسطى للقطاع وما زال، ويُعد المؤسس لمجموعة باليتا للفن التشكيلي الفلسطيني، ورئيساً لمجلس إدارتها. مُشارك نشط في كثير من الفعاليات الثقافية الفلسطينية التشكيلية منها والمسرحية، كمصمم ومشرف لعدد من ديكورات المسارح. كما له مساهمات في إدارة الندوات الفنية التشكيلية والأنشطة التدريبية في مجالات الفنون داخل قطاع التعليم الرسمي، ومحاضر في مجال الفن التشكيلي لدى العديد من المؤسسات والجمعيات الأهلية. وله أيضاً مجموعة من المقالات المنشورة في ميادين الفن والنقد الفني، ومُشارك في العديد من المعارض الجماعية داخل فلسطين وخارجها.

لوحاته التصويرية، صادمة لعين المتلقي، وتدفعه للولوج في مساحة القضية الفلسطينية بلا مقدمات وصفية. تُدخله في واحة الأيديولوجية ومعابر السياسة والتمعن في مضامين لوحاته، المتدثرة بكسوة الالتزام الوطني على طريقته التشكيلية الخاصة، محكومة بحسبة عقائدية عاكسة لذاته ومساك انتماءه الحزبي والتنظيمي داخل واحة الثورة الفلسطينية، ولوحاته أفضل تمثيل لتلك الرؤية، المعبرة عن التزامه بقضيته الوطنية وفق معاييره الذاتية، ورؤيته للأمور النضالية التي تمثل الوعاء البصري الذي يغرف من معينه حكاياته ورؤاه السردية.

لوحاته مُحملة بمضامين شكلية تداعب فسحة الرمز والاتجاهات التعبيرية الرومانسية، الملونة بغواية السياسة الحزبية للفصائل، والعبور في مساحة الهوى الشخصي والترجمة الذاتية لمناهل الأفكار. ولا تُفارق كسوتها الفكرية الموصولة بانحيازه الملحوظ لحركة فتح، كرؤى بصرية واضحة المعالم والقسمات، تفصح عن هويته وانتماءه ومقولاته. وتبوح بما يجول في خاطره ومدارات وعيه الفني والفكري من أوصاف شكلية ومقولات.

فيها شيئاً من ملامح “التابو المقدس” للشخص، والمتصلة بشخص القائد الراحل “ياسر عرفات”، وكأن الفنان بذلك يأخذ شكل الكاهن الراعي لأبرشية الثورة الفلسطينية. من خلال إبراز شخص القائد “عرفات” كحاضنة رئيسة لبقية عناصر مفرداته الشكلية، يختصر من خلاله الوطن والمناضلين في وجه القائد كنوع من القداسة. ويتجلى ذلك من خلال مسرود شخوصه المتداخلين والمرصوفين في واحة وجهه، كأيقونة شكلية وحرز مقدس تحوي في داخلها مجموعة وجوه من المناضلين الفلسطينيين الشهداء الذين مروا في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وكأنهم خرجوا من عباءته ورمزية الصورة التقليدية للقائد الراحل بكوفيته المفتوحة على تضاريس وجهه المتسع لكل أولئك الشهداء. وفيها ما فيها من رومانسية الطرح الفني وتكثيف للمعاني الدلالية التي أراد الفنان أن يوصلها على جمهور النظارة والفن والسياسيين بشكل خاص، وإقحامنا في تداخلات القداسة والتابو المقدس للقائد، من خلال الربط ما بين رمزية شخص الراحل “ياسر عرفات” ومدينة القدس وكأنه بذلك يُشير على رؤيته الذاتية محض الشخصية برمزية المكان “بيت المقدس” وقداسة شخص القائد، وكأنهما وجهان لرؤية سردية واحدة.

لوحاته تعتمد البساطة الوصفية والامتداد المساحي للمكونات، وتجد من خلال مرصوفها الشكلي داخل كل لوحة من لوحاته حلولاً تشكيلية قائمة على الاختزال في وصف مقاماته الشكلية، ومحددات علاقته الوصفية الموزعة ما بين حدود المساحات الملونة والخطوط، والمبنية على أساس التبسيط والتقشف المقصود في المساحات والملونات المنثورة داخل أحضان اللوحات، والتي تستقوي بمعايير الحسبة الرياضية لتواتر الأشكال المسطحة ذات النفحة الإعلانية، والتي تأخذ شكل الوجوه تارة، والأماكن تارة أُخرى. وتجعل من أحادية اللون وتدريجته أسلوباً متبعاً في معالجاته التقنية، والحاضنة لشخوص مستعارة من مرئيات ذاكرة عابرة تجد طريقها في متن لوحاته.
ــــــــــــــــــــــــ

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.