سماح عبد السلام

التشكيلي المصري حازم المستكاوي: «ألف به» منحوتات تجسّد الأبجدية العربية

تعتمد تجربة التشكيلي المصري حازم المستكاوي الفنية منذ عقدين على العلاقة أو المساحة الكائنة بين الفن والعمارة والتصميم، فلكل منها أبجدية ولغة، كما يقول، ولكن ثمة مساحة تلاقٍ بينها سواء من خلال العناصر أو القيم الفنية التي ربما أعُيدت صياغتها أو ترجمتها لتتحول إلى حروف وعلامات وإشارات ودلالات نتجت منها أبجديته الخاصة. في هذا الإطار جاء معرضه الأخير «ألف به»، الذي يقيمه راهناً في دبي بمؤسسة «الفن جميل»، ويحقق نجاحاً لافتاً، أكد من خلاله المستكاوي مشروعه الفني في إطار الاتجاه المفاهيمي رغم نجاحه في النحت التقليدي المتعارف عليه. …تفاصيل أكثر في الحوار التالي:

حدثنا عن الإطار العام لمعرضك «ألف به» في الإمارات.

«ألف به» المقام في منصة «الفن جميل»، قاعة العروض التابعة لمؤسسة تحمل الاسم نفسه، معرض لعمل واحد بعنوان مكون من 60 وحدة تمثِّل حروف الأبجدية العربية الثمانية والعشرين كاملة مضافاً إليها «اللام ألف والهمزة»، والحروف مقسمة إلى مجموعتين: سالب وموجب (لكل حرف)، مجموعة رأسية ومجموعة أفقية في العرض (تركيب). ويضمّ العرض أيضاً 12 رسماً للحروف وفراغاتها وإطارها مكتملة ومفصلة أو مفككة لخطوط رأسية وأفقية، وهي أيضاً من مقتنيات متحف «الفن جميل»، واستعارت المؤسسة عملاً من مجموعة أعمالي الجديدة بعنوان «وجهة نظر» من غاليري «ورد» بدبي لرغبتها في إثراء العرض وتأكيد استمرارية الممارسة الفنية، وتبيان التطور الفني والفكري لأعمالي.

الوسيط المناسب

تقدم أعمالاً مفاهيمية، فكيف تنظر إلى علاقة المتلقي بها، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط؟

لست معنياً بتصنيف الأعمال الفنية نوعياً أو جغرافياً، بمعنى اعتبار النحت منها والتصوير والحفر أعمالاً تقليدية تجميلية، فيما الأعمال الأخرى كالفوتوغرافيا والفيديو والتركيب غير تقليدية. نسمي كل ما هو غير تقليدي مفاهيمي كنوع من الإقصاء! في رأيي، ثمة عمل فني يحمل قيماً وأفكاراً يختار له الفنان الوسيط المناسب بناء على فكره العام وفكرة العمل ذاته، فثمة فكرة أفضل وسيط لإخراجها لوحة تصويرية، بينما يكون الفيديو أفضل وسيط لفكرة أخرى. من ثم، الوسائط لا تحدِّد إن كان العمل مفاهيمياً أو لا، فالمفاهيمية والمعاصرة طريقتا تفكير ولا علاقة لهما بالوسيط.

أما عن علاقة المتلقي بالفنون البصرية في العالم العربي خصوصاً فهي علاقة متأزمة منذ زمن بعيد، إذ تعتمد الثقافة العربية على اللغة وتتبنى الشفاهية كوسيط للتعبير، ولا تدرك تلك الثقافة أبجديات اللغة البصرية، ومنذ إنشاء مدارس وكليات الفنون في أوائل القرن العشرين على أيدي الفرنسيين والطبقات الأرستقراطية تم صك تعبيرات ومصطلحات تحصر الفنون البصرية في مناطق الزينة والديكور، ما يمثِّل أزمة حقيقية في استقبال المتلقي للفنون المعاصرة والتي هي بالنسبة إليه غير تقليدية وغير تزيينية! وهذا الأمر لن يتغير أو يتطور إلا من خلال تعديل وتحديث نظم الدراسة في كليات الفنون وفتح الباب لدراسة الفنون والوسائط المعاصرة والدراسات الثقافية وربطها بدراسة الفلسفة والعلوم الأخرى، سواء العلوم البحتة أو العلوم الإنسانية، كي نفهم ونتفهم قيمة الفنون حين تتقاطع مع العلوم، بالإضافة إلى إنشاء وتأسيس متاحف للفنون المعاصرة العالمية والعابرة للثقافات والحدود الجغرافية.

هندسة الورق

تحوِّل الورق المقوى المعاد تدويره وورق الصحف إلى أشكال هندسية ونحتية مركبة. كيف أنبثقت لديك هذه الفكرة؟

درست ومارست النحت التقليدي بأفكاره وأشكاله وخاماته التقليدية من حجر وخشب ومعادن، وجميعها خامات ثقيلة الوزن وغير طيعة بما يكفي لصلابتها، ما دفعني إلى البحث عن خامة طبيعية وطيعة وقابلة للتشكيل وخفيفة الوزن. ومن خلال التجريب والبحث، وصلت إلى الكرتون والورق المقوى والأوراق المدارة التي تحتاج إلى تقنية بنائية معقدة بعض الشيء وإلى وقت طويل للإنتاج، ولكنها تحقق لي ما أصبو إليه في إخراج عمل فني متماسك وقوي التركيب وخفيف الوزن وقابل للفك والتركيب والشحن، وتعدد صيغ وأشكال العرض.

تستند الممارسة الفنية لديك إلى مبدأ الازدواجية «الموجب والسالب، التجاور والتضاد»، لماذا؟

تعتمد أعمالي الفنية منذ نحو 20 عاماً على العلاقة أو المساحة الكائنة بين الفن والعمارة والتصميم، فلكل منها أبجدية ولغة ولكن ثمة قواسم مشتركة أو مساحات تلاقٍ بينها، وهي العناصر أو القيم الفنية التي أعيدت صياغتها أو ترجمتها لتتحول إلى حروف وعلامات وإشارات ودلالات أنتجت منها أبجديتي الخاصة (إن صح التعبير)، فالازدواجية أو التضاد البصري في الموجب والسالب، الرأسي والأفقي، الأبيض والأسود، الحرف والشكل، الكلمة والصورة… إلخ، كذلك الوحدات الهندسية الأساسية كالمربع والمثلث والدائرة هي عناصر مؤسسة في الفنون والعمارة والتصميم ولكنها في ذات الوقت دلالات فكرية وذهنية تتحوَّل إلى أدوات وعناصر بصرية تُنشِأ وتشكل وتصيغ هذه الأبجدية التي استخدمها لإخراج وإنتاج العمل الفني البصري. ويضاف إلى هذا البحث البصري، أو عملية إنشاء الأبجدية البصرية الخاصة بأعمالي الفنية، بحث آخر لا يقلّ أهمية، ألا وهو البحث التاريخي في الفنون والثقافات الإنسانية التي أبدعت وأنتجت فنوناً تعاملت أو تناولت مثل هذه الأفكار واللغات الهندسية، بداية من المصري القديم وتصميماته والتكرارية كمذهب بصري ومفاهيمي، مروراً بالفنون الهندسية الإسلامية حتى الفن الحديث والمعاصر.

لماذا اخترت النحت كمجال إبداعي للتعبير عن فكرتك؟

كان التشكيل المجسم بالطين الأسواني أو بالصلصال أو بخامات أخرى المفضل بالنسبة إلي، على عكس أخي الأكبر الذي كان مبدعاً في الرسم والتلوين، كذلك ألعابي المفضلة طفلاً كانت «الميكانو» و{الليغو» و{المكعبات» والتي ألاحظ تأثيرها في أعمالي الفنية، حيث ربما ما زلت أمارس اللعب حتى الآن! وبحكم دراستي في كلية التربية الفنية بجامعة المنيا، تعلّمت وتمرّست على أدوات ووسائل ووسائط الإنتاج والإخراج الفني البصري سواء الخامات والوسائط التقليدية أو غير التقليدية، فطبيعة دراسات التربية الفنية تختلف عن الفنون الجميلة، إذ تفتح المجالات أمام الدارس بين المسطح والمجسم بوسائل ووسائط التعبير كافة، ومنذ سنوات الدراسة الأولى كان واضحاً بالنسبة إلي وإلى أساتذتي أن المجسمات هي الأقرب والأكثر رحابة في التعبير عن أفكاري. وبحكم نظام الدراسة آنذاك، والذي كان استثنائياً بوجود تخصصين للدراسة والتخرج، أحدهما مجسم والثاني مسطح، فكان اختياري التخصص في النحت مع التصميم.

الواقع والزمن

كيف يحافظ الفن المعاصر على اتصاله بالواقع على المستويات كافة؟

في رأيي، يكمن معنى الفن المعاصر في علاقته بزمنه وآنيته فكرياً ومفاهيمياً وفلسفياً، وليس مقصوراً على الوسائط المعاصرة، فليس كل فيديو تركيب معاصراً وليست كل لوحة على تول تقليدية، وليس كل عمل فني مصنوع راهناً معاصراً. مضمون العمل الفكري هو الحكم على مدى معاصرته من عدمها.

بالتالي، فإن آنية القضية أو الفكرة أو الطرح الفني الثقافي الفلسفي هي معيار اتصال وتشابك هذا العمل وذلك الفنان بقضايا العصر والواقع والمجتمع محلياً وإقليمياً وإنسانياً.

ماذا يمثِّل لك الزمن كفنان؟

تُغير الحركة الزمن كما يقول علماء الفيزياء، فالزمن ليس شيئاً أو عنصراً محدداً يمكن أن نراه أو نتعلمه لكنه «بُعد» كمي وذهني، أشياء وحوادث وأناس تحت ظروف معينة، ما ينتمي إلى الماضي منها تسجله الذاكرة الشخصية أو يكتبه التاريخ الجمعي، أما الحاضر فهو الحادث المباشر المعادل لكلمة الآن التي تتحرك بين ما كان وما سيكون، فيما القادم هو المنظور الافتراضي المفتوح على الاحتمالات. في النهاية، اللحظات كافة موجودة على قدم المساواة، في وقت واحد، إنه فقط وعينا الذي يميِّز الحاضر من الماضي أو المستقبل. وفقا لما نشر بصحيفة الجريدة.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.